×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

نموذج طلب الفتوى

لم تنقل الارقام بشكل صحيح

مرئيات المصلح / حديث العصر / املأوا أيام العشر ذكرا وتكبيرا

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

بسم الله الرحمن الرحيم:

روى الإمام البخاري في صحيحه، من حديث سعيد بن جبير، عن عبد الله بن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما العمل في أيام أعظم عند الله من هذه الأيام –أيام العشر- قالوا: ولا الجهاد يا رسول الله؟ قال: ولا الجهاد إلا رجل خرج يخاطر بنفسه وماله، فلم يرجع من ذلك بشيء))+++ صحيح البخاري (969)---.

مقدمة:

هذا الخبر النبوي يبين عظيم منزلة أيام العشر من ذي الحجة، وهي هذه الأيام المباركة التي نستنشق أريجها، كما يبين عظيم منزلة العمل فيهن، وقد روى الإمام أحمد في مسنده، من طريق مجاهد، عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : ((ما من أيام أعظم عند الله، ولا أحب إليه العمل فيهن، من هذه العشر، فأكثروا فيهن من التكبير والتهليل والتحميد))+++ مسند أحمد (9/323)(5446)---.

معنى الحديث:

*قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما العمل في أيام أعظم عند الله من هذه الأيام –أيام العشر-))، فيه أمران:

-أولا: بيان فضل أيام العشر من ذي الحجة:

ويدل على عظمة هذه الأيام وفضلها: ما ورد في حديث كل من ابن عباس، وابن عمر رضي الله عنهم من أنه لا أعظم وأحب عند الله من العمل الصالح في هذه الأيام. فهذا يشير إلى أن هذه الأيام هي خير أيام الزمان، حتى إن بعض أهل العلم قد فضلها على الأيام العشر الأخيرة من رمضان، لعظيم ما فيها من أبواب البر، وكبير العطايا والهبات من الله عز وجل.

-ثانيا: فضل العمل الصالح في هذه الأيام:

يبين هذا الحديث الشريف أن سبب عظمة هذه الأيام، هو عظمة العمل فيها عند الله، وأنه أحب إليه جل جلاله من العمل في سائر الأيام.

والعمل الصالح المعظم المحبوب عند الله عز وجل في هذه الأيام، يشمل كل عمل صالح، ولا يستثني من ذلك شيئا، ولهذا قال بعض أهل العلم إن تفضيل هذه العشر على سائر أيام الزمان؛ لأنه يجتمع فيها بلفظ الحديث، كل عمل صالح، ظاهر أو باطن، واجب أو مستحب، فإنه يكون في هذه الأيام، أفضل منه في غيرهن من الأيام.

لكن مراتب العمل الصالح المرغب فيه في هذه الأيام، تتفاوت، وذلك كما ورد في الصحيح من حديث أبي هريرة عن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول الله : ((وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه))+++ صحيح البخاري (650)---.

فأفضل ما يتقرب به العبد إلى الله تعالى في هذه الأيام، هو ما افترضه عليه، فمثلا: أداء الصلوات الواجبة في هذه الأيام أعظم أجرا وفضلا من أدائها في غيرها من الأيام، وذلك يطرد في كل الواجبات، فكل واجب عبادي يتقرب به العبد إلى الله تعالى في هذه الأيام، يكون أفضل من الواجبات في غيرها.

لذا فأول ما ينبغي أن يفتش العبد فيه نفسه في هذه الأيام، من الأعمال: الفرائض والواجبات، ابتداء بأركان الإسلام الخمسة، وأولها الشهادتان وما يقتضيه ذلك من محبة الله ورسوله وتعظيمهما، ومحبة وتعظيم كل ما يحبه الله ورسوله، ثم يلي ذلك بقية أركان الإسلام، من صلاة وزكاة وصوم وحج، ثم يلي ذلك الاجتهاد في أداء حقوق الخلق، وأول ذلك بر الوالدين، وسائر ضروب البر والصلة، ذلك من ناحية العمل والائتمار بما أمر الله به ورسوله، أما من ناحية الكف والانتهاء عما نهى الله ورسوله عنه، فينبغي على العبد أن يكف نفسه عن المحرمات، في هذه الأيام، فإنه يكون أعظم أجرا وثوابا عند الله تعالى، من كف نفسك عن المحرمات في غيرها.

أما فيما وراء الفرائض والواجبات، فإن باب النوافل بأنواعها وصورها مفتوح، وعلى رأس ذلك ذكر الله عز وجل.

فضل الذكر في أيام العشر من ذي الحجة:

إن ذكر الله عز وجل في هذه الأيام هو أفضل أنواع العمل، بل هو سمة هذه الأيام وميزتها، يقول الله تعالى: {ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام}+++ سورة الحج: الآية (28)---، فهذه الأيام المعلومات هي أيام العشر كما نقل البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما +++ صحيح البخاري (2/ 20)---، وقد مر بنا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما، في فضل العمل في هذه الأيام العشر، قول الرسول صلى الله عليه وسلم،: ((فأكثروا فيهن من التكبير والتهليل والتحميد))+++ مسند أحمد (9/323)(5446)---.

فهذه الأيام العشر سمتها ذكر الله تعالى، لهذا كان أبو هريرة وعبد الله بن عمر رضي الله عنهم يخرجان في أيام العشر إلى أسواق الناس وأماكن اجتماعهم يكبران، ليس لهما من غرض إلا التكبير، أي لا يخرجان لشراء ولا لبيع، إنما: (يكبران ويكبر الناس بتكبيرهما)+++ صحيح البخاري (2/ 20)---.

فأفضل ما يتقرب به العبد إلى الله تعالى في هذه الأيام، الحرص على ذكر الله الله عز وجل، تكبيرا وتحميدا وتهليلا، في كل أحواله، هذا إضافة إلى الذكر الذي يصاحبه الإنسان في أيامه كلها، من أذكار الصباح والمساء وأذكار النوم والاستيقاظ، وأذكار دخول المسجد والخروج منه، وأذكار أدبار الصلوات، وأذكار دخول الخلاء والخروج منه.

والذكر في هذه الأيام نوعان:

ذكر مطلق، ويكون من دخول أيام العشر، إلى غروب شمس يوم الثالث عشر من ذي الحجة.

ومعنى الذكر المطلق: أي غير المقيد، الذي يكون في كل حين، قبل الصلاة أو بعد الصلاة، وفي كل حال، قائما أو قاعدا أو على جنبك، وفي كل مكان، في بيتك وفي سوقك وفي سيارتك وفي مكتبك وفي المسجد.

أما النوع الثاني، فهو الذكر المقيد، وهو الذي يكون بعد الفراغ من الصلاة مباشرة، فإذا سلم المصلي من صلاته وقال: أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله. اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت ياذا الجلال والإكرام، ثم يبدأ بالذكر والتكبير على نحو من الصيغ التي سترد بعد قليل.

ويبتدئ التكبير المقيد لغير الحاج، من فجر يوم عرفة، إلى عصر آخر يوم من أيام التشريق، بعد كل صلاة.

صيغ التكبير:

لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم صيغة معينة في التكبير، وإنما ثبت عن صحابته رضي الله عنهم في ذلك عدة صيغ منها:

الصيغة الأولى: قول: (الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر كبيرا)، وهذه الصفة ثابتة عن سلمان الفارسي رضي الله عنه +++ أخرجها البيهقي في السنن الكبرى (3/316)، وصحح الحافظ ابن حجر سندها كما في الفتح (2/462)---.

الصيغة الثانية: قول: (الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد) وهذه الصفة ثابتة عن ابن مسعود رضي الله عنه +++ أخرجها ابن أبي شيبة في مصنفه (5633)---.

الصيغة الثالثة: قول: (الله أكبر كبيرا، الله أكبر كبيرا، الله أكبر وأجل، الله أكبر، ولله الحمد) وهذه الصفة ثابتة عن ابن عباس -رضي الله عنهما- +++ أخرجها ابن أبي شيبة في مصنفه(5646)---.

فالذكر بهذه الصيغ، أو بغيرها من الصيغ، تكبيرا وتحميدا وتهليلا، أو الاكتفاء بالتكبير فقط، كله مما يتحقق به الغرض من الذكر في هذه الأيام.

صيام هذه الأيام:

لم يرد في تخصيص الصيام من بين ضروب العمل الصالح في هذه الأيام، نص خاص، يحث على الصيام، ويذكر له مزية وفضلا وأجرا يختص به، لم يرد في ذلك شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم، لا قولا ولا فعلا، فلم يثبت أنه صام هذه التسع كما ورد عن عائشة رضي الله عنها، لكنها من جملة العمل الصالح المرغوب الإكثار منه في هذه الأيام، فصيام هذه الأيام تقربا سواء في أداء واجب كقضاء رمضان أو في التنفل والتطوع، هو أعظم من الصيام في غيره، جريا على ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم في كل الأعمال، واجباتها ومستحباتها، أنها في هذه الأيام أعظم عند الله منها في بقية الأيام.

وذلك كله فيما عدا صيام يوم عرفة لغير الحاج، فإنه قد ورد النص الصحيح بفضله وأجره الكبير، كما في حديث أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه، أن الرسول صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم يوم عرفة؟ فقال: «يكفر السنة الماضية والباقية)+++ صحيح مسلم (1162).---.

*قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((ولا الجهاد، إلا رجل خرج يخاطر بنفسه وماله، فلم يرجع من ذلك بشيء))، وذلك لما سأله الصحابة رضي الله عنهم: (ولا الجهاد يا رسول الله؟)، يؤكد ما تقرر في مطلع الحديث، من فضل العمل الصالح في هذه الأيام، على العمل الصالح في سائر الأيام، وذلك لما رأى الصحابة رضي الله عنهم مبلغ الفضل الكبير للعمل الصالح في هذه الأيام على ما عداها، فسألوه: (ولا الجهاد يا رسول الله؟) علما بأن الجهاد هو من جملة العمل الصالح، ومنه ما هو واجب، ومنه ما هو مستحب؛ فالموازنة كانت بين الجهاد، وبين بقية ضروب العمل الصالح الذي يتاح للناس في كل الأمصار، ويدل سؤالهم هذا كما يقول ابن حجر (على تقرر أفضلية الجهاد عندهم)+++فتح الباري لابن حجر (2/ 460).---.

وفي جوابه على سؤالهم، أكد النبي صلى الله عليه وسلم، فضل العمل الصالح في هذه الأيام، على سائر الأعمال، بما فيها الجهاد في سبيل الله تعالى، لكنه استثنى من صور الجهاد في سبيل الله صورة واحدة، وهي صورة رجل مجاهد، قد خرج قاصدا قهر عدوه، ولو أدى ذلك إلى قتل نفسه وضياع ماله، قال صلى الله عليه وسلم: ((فلم يرجع من ذلك بشيء)) (أي فيكون أفضل من العامل في أيام العشر أو مساويا له) +++فتح الباري لابن حجر (2/ 460).---.

من فوائد الحديث:

-للعمل الصالح في أيام العشر من ذي الحجة، فضل كبير على العمل الصالح في غيرهن، وذلك لما ورد في الحديث الصحيح من كون العمل فيهن أعظم عند الله، وأحب إليه من العمل في غيرهن.

-العمل الصالح المرغب فيه في هذه الأيام، يشمل جميع أبواب الخير، فينبغي أن يبادر الإنسان إلى كل صالحة، وإلى كل بر، وإلى كل خير، وأولى ذلك الفرائض والواجبات، وعلى رأسها أركان الإسلام الخمسة.

-أفضل ما يتقرب به إلى الله تعالى في هذه الأيام، من الأعمال الصالحة، ذكر الله عز وجل، تكبيرا وتحميدا وتهليلا، فهو شعار هذه الأيام، فينبغي الإكثار منه في كل زمان، وفي أي مكان، وعلى أية حال.

-وذكر الله عز وجل، في هذه الأيام، على ضربين: مطلق غير مقيد بزمان أو مكان أو حال، ومقيد بأدبار الصلوات.

-إن لحظات هذه الأيام العشر، هي من أنفس لحظات الزمان، فالله سبحانه وتعالى يجزل العطاء للعاملين فيها، بمضاعفة الأجور ورفعة المنازل، ودفع البلاء والشر وجلب الخير، مالا يخطر للإنسان على بال!

-على المؤمن أن يبادر إلى العمل الصالح في هذا الموسم الخيري الكبير، ويعمر أوقاته فيه بالذكر والتكبير، يشيعه في بيته، بين أولاده، وفي طريقه ومكتبه، وفي المسجد، وفي كل حال من أحواله.

-لم يرد للصوم في هذه الأيام تخصيص على ما عداه من الأعمال الصالحة، اللهم إلا صوم يوم عرفة، فإنه قد ورد بفضله النص الصحيح.

المشاهدات:10185

بسم الله الرحمن الرحيم:

روى الإمام البخاري في صحيحه، من حديث سعيد بن جبير، عن عبد الله بن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما العمل في أيَّامٍ أعظمُ عند الله من هذه الأيام –أيام العشر- قالوا: ولا الجهاد يا رسول الله؟ قال: ولا الجهاد إلا رجل خرج يخاطر بنفسه وماله، فلم يرجع من ذلك بشيء)) صحيح البخاري (969).

مقدّمة:

هذا الخبر النبويُّ يبيِّن عظيم منزلة أيام العشر من ذي الحجة، وهي هذه الأيام المباركة التي نستنشق أريجها، كما يُبيّن عظيم منزلة العمل فيهنّ، وقد روى الإمام أحمد في مسنده، من طريق مجاهد، عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أنَّ النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال : ((ما من أيَّام أعظمُ عند الله، ولا أحبُّ إليه العمل فيهنَّ، من هذه العشر، فأكثروا فيهنَّ من التكبير والتهليل والتحميد)) مسند أحمد (9/323)(5446).

معنى الحديث:

*قول النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: ((ما العملُ في أيَّامٍ أعظمُ عند الله من هذه الأيَّام –أيَّام العشر-))، فيه أمران:

-أولاً: بيان فضل أيّام العشر من ذي الحجة:

ويدلّ على عظمة هذه الأيام وفضلها: ما ورد في حديث كلٍّ من ابن عباس، وابن عمر رضي الله عنهم من أنّه لا أعظم وأحبّ عند الله من العمل الصالح في هذه الأيام. فهذا يُشير إلى أنّ هذه الأيام هي خير أيام الزمان، حتى إنّ بعض أهل العلم قد فضّلها على الأيّام العشر الأخيرة من رمضان، لعظيم ما فيها من أبواب البرِّ، وكبير العطايا والهبات من الله عزَّ وجلَّ.

-ثانياً: فضل العمل الصالح في هذه الأيّام:

يُبيّنُ هذا الحديث الشريف أنّ سبب عظمة هذه الأيّام، هو عظمة العمل فيها عند الله، وأنّه أحبُّ إليه جلّ جلاله من العمل في سائر الأيّام.

والعمل الصالح المعظم المحبوب عند الله عز وجلّ في هذه الأيام، يشمل كلَّ عملٍ صالح، ولا يستثني من ذلك شيئاً، ولهذا قال بعضُ أهل العلم إنَّ تفضيل هذه العشر على سائر أيام الزمان؛ لأنه يجتمع فيها بلفظ الحديث، كلُّ عمل صالح، ظاهرٍ أو باطن، واجب أو مستحب، فإنّه يكون في هذه الأيام، أفضلَ منه في غيرهنّ من الأيّام.

لكنّ مراتب العمل الصالح المرغّب فيه في هذه الأيام، تتفاوت، وذلك كما ورد في الصحيح من حديث أبي هريرة عن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول الله : ((وما تقرَّبَ إليَّ عبدي بشيءٍ أحبَّ إليَّ مما افترضتُه عليه)) صحيح البخاري (650).

فأفضل ما يتقرب به العبد إلى الله تعالى في هذه الأيام، هو ما افترضه عليه، فمثلاً: أداء الصلوات الواجبة في هذه الأيام أعظم أجراً وفضلاً من أدائها في غيرها من الأيام، وذلك يطّرد في كل الواجبات، فكلُّ واجب عباديٍّ يتقرَّب به العبد إلى الله تعالى في هذه الأيام، يكون أفضل من الواجبات في غيرها.

لذا فأول ما ينبغي أن يفتّش العبد فيه نفسه في هذه الأيام، من الأعمال: الفرائض والواجبات، ابتداءً بأركان الإسلام الخمسة، وأوّلها الشَّهادتان وما يقتضيه ذلك من محبّة الله ورسوله وتعظيمهما، ومحبّة وتعظيم كلّ ما يحبّه الله ورسوله، ثم يلي ذلك بقيّة أركان الإسلام، من صلاةٍ وزكاة وصوم وحجٍّ، ثم يلي ذلك الاجتهاد في أداء حقوقِ الخلق، وأوّل ذلك بر الوالدين، وسائر ضروب البرّ والصّلة، ذلك من ناحية العمل والائتمار بما أمر الله به ورسوله، أما من ناحية الكفّ والانتهاء عما نهى الله ورسوله عنه، فينبغي على العبد أن يكُفّ نفسه عن المحرمات، في هذه الأيام، فإنه يكون أعظمَ أجراً وثواباً عند الله تعالى، من كفِّ نفسك عن المحرَّمات في غيرها.

أما فيما وراء الفرائض والواجبات، فإنّ باب النوافل بأنواعها وصورها مفتوحٌ، وعلى رأس ذلك ذكر الله عزّ وجلّ.

فضل الذّكر في أيّام العشر من ذي الحجة:

إنّ ذكر الله عزّ وجلّ في هذه الأيام هو أفضل أنواع العمل، بل هو سمة هذه الأيام وميزتها، يقول الله تعالى: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} سورة الحج: الآية (28)، فهذه الأيام المعلومات هي أيام العشر كما نقل البخاريّ عن ابن عباس رضي الله عنهما صحيح البخاري (2/ 20)، وقد مرّ بنا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما، في فضل العمل في هذه الأيام العشر، قولُ الرّسول صلى الله عليه وسلم،: ((فأكثروا فيهنَّ من التَّكبير والتَّهليل والتَّحميد)) مسند أحمد (9/323)(5446).

فهذه الأيام العشر سمتُها ذكر الله تعالى، لهذا كان أبو هريرة وعبد الله بن عمر رضي الله عنهم يخرجان في أيام العشر إلى أسواق النَّاس وأماكن اجتماعهم يُكبِّران، ليس لهما من غرض إلا التَّكبير، أي لا يخرجان لشراء ولا لبيع، إنما: (يُكَبِّرَانِ وَيُكَبِّرُ النَّاسُ بِتَكْبِيرِهِمَا) صحيح البخاري (2/ 20).

فأفضل ما يتقرب به العبد إلى الله تعالى في هذه الأيام، الحرصُ على ذكر الله الله عز وجلّ، تكبيراً وتحميداً وتهليلاً، في كل أحواله، هذا إضافة إلى الذكر الذي يصاحبه الإنسان في أيامه كلها، من أذكار الصباح والمساء وأذكار النوم والاستيقاظ، وأذكار دخول المسجد والخروج منه، وأذكار أدبار الصلوات، وأذكار دخول الخلاء والخروج منه.

والذكر في هذه الأيام نوعان:

ذكر مطلق، ويكون من دخول أيام العشر، إلى غروب شمس يوم الثالث عشر من ذي الحجّة.

ومعنى الذكر المطلق: أي غير المقيّد، الذي يكون في كل حين، قبل الصلاة أو بعد الصلاة، وفي كل حال، قائماً أو قاعداً أو على جنبك، وفي كل مكان، في بيتك وفي سوقك وفي سيارتك وفي مكتبك وفي المسجد.

أما النوع الثاني، فهو الذكر المقيد، وهو الذي يكون بعد الفراغ من الصلاة مباشرةً، فإذا سلم المصلي من صلاته وقال: أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله. اللهم أنت السَّلام، ومنك السَّلام، تباركت ياذا الجلال والإكرام، ثمّ يبدأ بالذكر والتكبير على نحوٍ من الصيغ التي سترد بعد قليل.

ويبتدئ التكبير المقيد لغير الحاجّ، من فجر يوم عرفة، إلى عصر آخر يوم من أيام التشريق، بعد كل صلاة.

صيغ التّكبير:

لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم صيغة معينة في التكبير، وإنما ثبت عن صحابته رضي الله عنهم في ذلك عدة صيغ منها:

الصيغة الأولى: قول: (اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ كَبيراً)، وهذه الصفة ثابتة عن سلمان الفارسي رضي الله عنه أخرجها البيهقي في السنن الكبرى (3/316)، وصحح الحافظ ابن حجر سندها كما في الفتح (2/462).

الصيغة الثانية: قول: (اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، واللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، وللَّهِ الحمدُ) وهذه الصفة ثابتة عن ابن مسعود رضي الله عنه أخرجها ابن أبي شيبة في مصنفه (5633).

الصيغة الثالثة: قول: (اللَّهُ أَكْبَرُ كَبيراً، اللَّهُ أَكْبَرُ كَبيراً، اللَّهُ أَكْبَرُ وأجَلُّ، اللَّهُ أَكْبَرُ، وللَّهِ الحمدُ) وهذه الصفة ثابتة عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أخرجها ابن أبي شيبة في مصنفه(5646).

فالذّكر بهذه الصيغ، أو بغيرها من الصيغ، تكبيراً وتحميداً وتهليلاً، أو الاكتفاء بالتّكبير فقط، كلّه مما يتحقق به الغرض من الذكر في هذه الأيام.

صيام هذه الأيام:

لم يرد في تخصيص الصيام من بين ضروب العمل الصالح في هذه الأيام، نصٌّ خاصّ، يحثُّ على الصيام، ويذكر له مزيّةً وفضلاً وأجراً يختصُّ به، لم يرد في ذلك شيءٌ عن النبي صلى الله عليه وسلم، لا قولاً ولا فعلاً، فلم يثبت أنه صام هذه التسع كما ورد عن عائشة رضي الله عنها، لكنها من جملة العمل الصالح المرغوب الإكثار منه في هذه الأيام، فصيام هذه الأيام تقرُّباً سواءً في أداء واجب كقضاء رمضان أو في التنفُّل والتطوُّع، هو أعظم من الصيام في غيره، جرياً على ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم في كل الأعمال، واجباتها ومستحبَّاتها، أنّها في هذه الأيام أعظمُ عند الله منها في بقيَّة الأيَّام.

وذلك كلّه فيما عدا صيام يوم عرفة لغير الحاجّ، فإنه قد ورد النص الصحيح بفضله وأجره الكبير، كما في حديث أبي قتادة الأنصاريّ رضي الله عنه، أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم يوم عرفة؟ فقال: «يكفر السنة الماضية والباقية) صحيح مسلم (1162)..

*قول النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: ((ولا الجهادُ، إلا رجل خرج يخاطر بنفسه وماله، فلم يرجع من ذلك بشيء))، وذلك لما سأله الصحابة رضي الله عنهم: (ولا الجهاد يا رسول الله؟)، يؤكد ما تقرّر في مطلع الحديث، من فضل العمل الصالح في هذه الأيام، على العمل الصالح في سائر الأيام، وذلك لما رأى الصحابة رضي الله عنهم مبلغ الفضل الكبير للعمل الصالح في هذه الأيام على ما عداها، فسألوه: (ولا الجهاد يا رسول الله؟) علماً بأن الجهاد هو من جملة العمل الصالح، ومنه ما هو واجب، ومنه ما هو مستحبٌّ؛ فالموازنة كانت بين الجهاد، وبين بقية ضروب العمل الصالح الذي يُتاح للناس في كل الأمصار، ويدلّ سؤالهم هذا كما يقول ابن حجر (على تقرُّر أفضلية الجهاد عندهم)فتح الباري لابن حجر (2/ 460)..

وفي جوابه على سؤالهم، أكّد النّبيّ صلى الله عليه وسلم، فضل العمل الصالح في هذه الأيام، على سائر الأعمال، بما فيها الجهاد في سبيل الله تعالى، لكنه استثنى من صور الجهاد في سبيل الله صورةً واحدة، وهي صورة رجلٍ مجاهد، قد خرج قاصداً قهر عدوه، ولو أدى ذلك إلى قتل نفسه وضياع ماله، قال صلى الله عليه وسلم: ((فلم يرجع من ذلك بشيء)) (أي فيكون أفضل من العامل في أيام العشر أو مساوياً له) فتح الباري لابن حجر (2/ 460)..

من فوائد الحديث:

-للعمل الصالح في أيام العشر من ذي الحجة، فضل كبير على العمل الصالح في غيرهنّ، وذلك لما ورد في الحديث الصحيح من كون العمل فيهنّ أعظم عند الله، وأحبُّ إليه من العمل في غيرهنّ.

-العمل الصالح المرَغّب فيه في هذه الأيام، يشمل جميع أبواب الخير، فينبغي أن يبادر الإنسان إلى كل صالحةٍ، وإلى كل برٍّ، وإلى كلِّ خير، وأولى ذلك الفرائض والواجبات، وعلى رأسها أركان الإسلام الخمسة.

-أفضل ما يُتقرّب به إلى الله تعالى في هذه الأيام، من الأعمال الصالحة، ذكر الله عز وجلّ، تكبيراً وتحميداً وتهليلاً، فهو شعار هذه الأيام، فينبغي الإكثار منه في كلّ زمانٍ، وفي أيّ مكانٍ، وعلى أيّة حالٍ.

-وذكر الله عز وجلّ، في هذه الأيام، على ضربين: مطلقٍ غير مقيد بزمانٍ أو مكانٍ أو حال، ومقيّد بأدبار الصلوات.

-إنّ لحظات هذه الأيام العشر، هي من أنفس لحظات الزمان، فالله سبحانه وتعالى يُجزل العطاء للعاملين فيها، بمضاعفة الأجور ورفعة المنازل، ودفع البلاء والشر وجلب الخير، مالا يخطر للإنسان على بال!

-على المؤمن أن يُبادر إلى العمل الصالح في هذا الموسم الخيريّ الكبير، ويُعمّر أوقاته فيه بالذكر والتكبير، يُشيعه في بيته، بين أولاده، وفي طريقه ومكتبه، وفي المسجد، وفي كلّ حالٍ من أحواله.

-لم يرد للصوم في هذه الأيام تخصيص على ما عداه من الأعمال الصالحة، اللهم إلا صوم يوم عرفة، فإنه قد ورد بفضله النص الصحيح.

الاكثر مشاهدة

4. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات93791 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات89652 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف