الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، له الحمد كله أوله وآخره، ظاهره وباطنه، وأشهد أن لا إله إلا الله إله الأولين والآخرين، لا إله إلا هو الرحمن الرحيم، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله، صفيه وخليله، خيرته من خلقه، بعثه الله بين يدي الساعة بالحق بشيرًا ونذيرًا، داعيًا إليه بإذنه وسراجًا منيرًا، بلَّغ الرسالة، وأدَّى الأمانة، ونصح الأمة، وتركها على محجة بيضاء طريق سالك واضح لا لبس فيه ولا اشتباه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اتبع سنته بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد...
فأهلًا وسهلًا ومرحبًا بكم أيها الإخوة والأخوات في هذه الحلقة الجديدة من برنامجكم [فادعوه بها].
أمر الله تعالى في آخر سورة الإسراء التي افتتحها بتنزيه نفسه، وتقديسها حيث قال: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى﴾[الإسراء:1]ختمها بآيات فقال -جل وعلا-: ﴿قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَّا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا[ 110] وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ﴾[الإسراء:110-111] بعد هذه الكمالات يقول الله تعالى: ﴿وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا﴾[الإسراء:111] الله أكبر.
الله أكبر كبيرًا، الله اكبر كبيرًا لا نحصي ثناء عليه، هو كما أثنى على نفسه، أمر الله جل في علاه رسوله صلى الله عليه وسلم أن يأمرنا فقال له: قل يا محمد: ﴿ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ﴾
أيها الناس! يا من يبلغكم القرآن وتريدون التعرض لعطايا الرحمن، ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيًا ما تدعو، بأي اسم من هذين دعوتم فله الأسماء الحسنى، أيًّا ما تدعو فله الأسماء الحسنى، إنه دعوى من رب العالمين بل أمر من رب العالمين لعباده أن يدعوه بأسمائه الحسنى.
بسم الله وبسم الرحمن وبسائر أسمائه الحسنى، كما قال تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ﴾[الأعراف:180]اتركوهم ولا تلتفتوا إليهم، ولا يمنعونكم مما أمركم الله تعالى به من إثبات تلك الأسماء والدعاء لله عز وجل بها، وادعوا الله كيف ندعو الله؟ وادعوا الرحمن كيف ندعو الرحمن؟ أدعوه بها كيف ندعوه بها؟
ندعوه بها وندعو الله وندعو الرحمن بأن نعبد الله تعالى بتلك الأسماء دعاء عبادة، ودعاء ذل، ودعاء افتقار إلى الله جل في علاه، بأن نمتثل أمره وننتهي ما نهى عنه وزجر امتثالًا لتلك الأسماء التي تقتضي أن لا نعبد إلا هو، وأن لا نعظم إلا هو، وأن لا نحب إلا هو جل في علاه، وأن لا نخاف إلا هو، فإذا سكنت تلك المعاني العظيمة في القلوب كان ذلك مؤذنًا بقريب العطاء، وجزيل الإحسان من رب كريم يعطي على القليل الكثير سبحانه وبحمده.
﴿قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَّا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾[الإسراء:110]
إن الله تعالى يحب أسماءه، فأسماؤه أحب ما تقرب به العبد إليه، وتوسل بها إليه، ولذلك كان أحب ما دعاه الداعون به بأسمائه وصفاته جل في علاه.
ولهذا توسل أنبياؤه إليه بأسمائه وصفاته، ومن دعا الله بأسمائه وصفاته فجدير أن يدرك مطلوبة، وأن يحصل سؤاله.
ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم ينبِّه إلى هذا المعنى بقوله، وفعله، وإقراره صلى الله عليه وسلم، ويبين ذلك لأصحابه، فكان النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث ابن عباس: إذا حزبه أمر، إذا نزل به كرب صلى الله عليه وسلم دعا الله جل في علاه بأسمائه، فكان إذا جاء كرب قال: «لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ العَظِيمُ الحَلِيمُ، لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ رَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ، لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ ورَبُّ الأرْضِ، ورَبُّ العَرْشِ الكَرِيمِ«.[صحيح البخاري(6345)، ومسلم(2730/83)]
هكذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو الله ويسأله بأسمائه الحسنى، وصفاته العلا، كيف كان يدعوه في الكرب؟
يقول:«لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ العَظِيمُ الحَلِيمُ»لا إله إلا الله لا معبود حق إلا الله، ثم يثني عليه بصفاته التي تدل على كماله وعظيم ما اتصف به العظيم جل في علاه، والعظيم صفة من صفاتهـ واسم من أسمائه يدل على كماله جل في علاه، فإنه لا يُكتسب من معنى واحد، بل العظيم لأنه الذي اتصف بمعاني الكمال جل في علاه.
من الرحمة والعزة والعفو والكرم والمجد وغير ذلك من المعاني العظيمة التي ذكرها الله تعالى في أسمائه وصفاته، تلك المعاني كلها أوجبت أن يكون عظيمًا سبحانه وبحمده، فذكره صلى الله عليه وسلم في الكرب «لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ العَظِيمُ الحَلِيمُ» فهو يتوسل إلى الله بعظمته، ويتوسل إليه بحلمه الذي يقتضي أن لا يعاجَل بالعقوبة، أن يعفو، فما أوسع حلم الله على عباده، كم يُعصى جل في علاه وهو الذي يحسن إلى عباده بألوان الإحسان حتى العصاة لا يبلغون معاصيهم إلا بأن الله تعالى مكَّنهم من ذلك، ولولا ذلك لما حصل لهم ما أرادوا من معصية لكن الله من رحمته ومن عدله أن يسَّر كل صاحب عمل إلى ما يريد حتى يختبر العباد، كلٌّ ميسَّر لما خُلق له.
«لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ العَظِيمُ الحَلِيمُ، لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ رَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ، لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ ورَبُّ الأرْضِ، ورَبُّ العَرْشِ الكَرِيمِ»
إنه توسل إلى الله بجميل صفاته وعظيم خلقه، سبحانه وبحمده فهو رب السموات ورب الأرض ورب العرش العظيم، لماذا يذكر هذا العبد في زمن الحاجة؟ زمن الكرب والشدة؟
إنه يذكر ذلك لأن من ملأ قلبه استحضارًا لمعاني هذه الأسماء وهذه الصفات علم أن فرجه من الله، وأيقن أن الله إذا أراد أمرًا فسيكون ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾[يس:82].
فالكرب في هذا ا لحديث الذي ذكره ابن عباس لم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم مسألة، لم يقل: اللهم فرج كربتي، اللهم ادفع عني البلاء، اللهم اكشفها لا كاشف لها إلا أنت، بل كان يقول: «لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ العَظِيمُ الحَلِيمُ، لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ رَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ، لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ ورَبُّ الأرْضِ، ورَبُّ العَرْشِ الكَرِيمِ»، ويقتصر على هذا، لم يكن يسأل في هذا الذكر. وكذلك في الحديث الآخر كان إذا حزبه أمر قال: «الله،ُ اللهُ ربِّي لَا أُشْرِكُ بِهِ شيئًا«[أخرجه أبو داود في سننه(1525)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع(2623)]، توسل إلى الله تعالى بتوحيده، وهو أنه لا شريك له جل في علاه.
إنها معاني عظيمة من أدركها عرف ما السر في تلك الأسماء، إن تلك الأسماء تملأ قلب المؤمن طمأنينة ويقينًا بأن الموصوف بهذه الصفات سيبلغ حاجته إذا أراد، وسيدرك به مطلوبه، لذلك قيل لمعروف: لم انقطعت وتركت الدنيا، وأقبلت على العمل الصالح؟ فكان يقول: إن ملكًا هذا كله بيده كان بينك وبينه معرفة، كفاك هذا كله.
كلمات مختصرات تنضح علمًا، وصدق الإمام أحمد -رحمه الله- لما قيل له: إن معروفًا قصير العلم، قال: معروف وصل إلى ما يُطلب من أجله العلم، إن معروفًا بلغ العلم بالله فأثمر ذلك الخشية في قلبه، معروف -رحمه الله- لما قيل له: لم انقطعت للتعبد؟ قال: إن ملكًا؛ يعني الله عز وجل، هذا كله بيده أي تحت تصرفه، وله ملكه، وفيه ينفذ أمره كان بينك وبينه معرفة كفاك هذا كله، كفاك كلَّ ما أهمَّك.
هل ندرك هذا المعنى؟ هل نتصور هذا اليقين؟ هذا العلم من أين أتى؟ أنه ثمرة العلم بالله، إنه ثمرة معرفته فلما امتلأ قلبه إجلالًا لله ومعرفة بصفاته وكمالاته سبحانه وبحمده كان ذلك حاملًا على تمام حسن الظن به، وكمال الثقة فيما عنده، ولذلك قال: إن ملكًا هذا كله بيده، هذا الكون بينك وبينه معرفة كفاك هذا كله، تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة، والتعرف على الله في الرخاء هو بتحقيق العبودية له من خلال أسمائه، ومن خلال صفاته، وأيضًا من خلال دعائه وسؤاله، وإنزال الحاجة به سبحانه وبحمده.
وهذا معنى قريب، معنى عقلي يدركه الإنسان بالنظر والتأمل، لو كان بينك وبين أمير البلد أو رئيس الدولة، أو كبير وغني في بلدك صلة يبقى نزلت بك نازلة، وعراك حاجة من حاجات الدنيا، ثم ذهبت إليه وبينك وبينه معرفة وصلة وطيدة، أتراه يتركك؟! أتظن أنه لا يغيثك؟ أتظن أنه لا يعطيك الغالب؟
لا، لاسيما إذا كانت العلاقة وطيدة، فكيف بمن له الملك! كيف بالرحمن الرحيم! كيف بالله الذي لا إله غيره سبحانه وبحمده!
الذي يعطي عطاء لا حد له، فلا راد لفضله، ولا معقب لحكمه، ولا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع سبحانه وبحمده، أحسن صلتك بالله، تعرَّف على الله، ادعوه بأسمائه وصفاته لتنال عطاياه، وتفوز بهباته، فعند ذلك تبلغ الغاية من سعادة الدنيا وفوز الآخرة.
إن العلم بأسماء الله -عز وجل- وصفاته سبب لكشف الكرب، وإزالة الغموم والهموم عن الصدور التي تغشى بسبب الضغوط، والحوادث، والوقائع التي تحيط بالناس.
لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في المسند من حديث ابن عباس: »ما أصابَ أحدًا قَطُّ هَمٌّ ولا حَزَنٌ، فقال: اللَّهُمَّ إنِّي عبدُكَ، ابنُ عبدِكَ، ابنُ أَمتِكَ، ناصيَتي بيَدِكَ، ماضٍ فيَّ حُكمُكَ، عَدلٌ فيَّ قَضاؤكَ، أسأَلُكَ بكلِّ اسمٍ هو لك، سمَّيتَ به نفْسَكَ، أو علَّمتَه أحدًا مِن خلْقِكَ، أو أنزَلتَه في كتابِكَ، أو استَأثَرتَ به في عِلمِ الغَيبِ عندَك، أنْ تجعَلَ القُرآنَ رَبيعَ قلبي، ونورَ صَدري، وجِلاءَ حُزني، وذَهابَ هَمِّي؛ إلَّا أذهَبَ اللهُ هَمَّه وحُزنَه، وأبدَلَه مكانَه فَرحًا"، قال: فقيلَ: يا رسولَ اللهِ، ألَا نتعلَّمُها؟ فقال: "بلى، يَنبَغي لمَن سمِعَها أنْ يتعلَّمَها«[مسند أحمد(3712)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب(1822)]، هذا العطاء العظيم الجزيل من الله عز وجل سببه التوسل إلى الله تعالى بأسمائه، «أسأَلُكَ بكلِّ اسمٍ هو لك، سمَّيتَ به نفْسَكَ، أو علَّمتَه أحدًا مِن خلْقِكَ، أو أنزَلتَه في كتابِكَ، أو استَأثَرتَ به في عِلمِ الغَيبِ عندَك، أنْ تجعَلَ القُرآنَ ...»إلى آخر الدعاء المأثور، وقد حرص النبي صلى الله عليه وسلم أن يتعلمها الناس، فقال الصحابة له: «يا رسولَ اللهِ، ألَا نتعلَّمُها؟ فقال: "بلى، يَنبَغي لمَن سمِعَها أنْ يتعلَّمَها«، أن يتعلمها يعني يحفظها ويتدبر معانيها.
فليس الشأن أن تردد كلامًا لا تدرك معناه، إنما الشأن أن تعرف ما في هذه الكلمات من عظيم الإجلال لله عز وجل، إن من دعاء الله بأسمائه أن تذكر ذلك في سؤالك، وطلبك فإن مفتاح الفرج بيد الله جل في علاه سبحانه وبحمده، فاسأل الله من فضله ولن يخيب الله قلبًا صادقًا أقبل عليه، فهو الكريم ذو الفضل والإحسان سبحانه وبحمده.
أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يرزقنا شرح الصدر، ونور البصيرة، وأن يهدينا سبل السلام، وأن يعيذنا وإياكم من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يختم لنا بالسعادة إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، إلى أن نلقاكم في حلقة قادمة من برنامجكم [فادعوه بها]
أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.