السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، له الحمد كله أوله وآخره، ظاهره وباطنه، وأشهد أن لا إله إلا الله إله الأولين والآخرين، لا إله إلا هو الرحمن الرحيم، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله، صفيه وخليله، خيرته من خلقه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن اتبع سنته واقتفى أثره بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد.
فحياكم الله، وأهلا وسهلا ومرحبا بكم أيها الإخوة والأخوات في هذه الحلقة الجديدة من برنامجكم مفاتيح، كنا في الحلقات السابقة نتحدث عن مفاتيح الجنة، ابتدأنا ذلك بالحديث عن كلمة مفاتيح وما جاء حول هذه الكلمة من دلالات ومعاني، وماذا ذكر الله تعالى في كتابه من الأسماء التي أطلق عليها اسم مفاتيح، مفاتيح الغيب، مفاتيح هذا الذي جاء في القرآن، وجاء في السنة مفاتيح خزائن الأرض، وجاء مفاتيح الخير، وجاء مفاتيح الشر، وجاء ذكر مفاتيح الكلم في قول النبي –صلى الله عليه وعلى آله وسلم-كل ذلك تناولناه، وتناولنا مفاتيح الجنة، إجمالًا وتفصيلًا على قدر ما استوعبت هذه الحلقات.
تكلمنا عن التوحيد فهو أعظم المفاتيح، تكلمنا عن الصلاة؛ فهي مفتاح عظيم يدرك به الإنسان النجاة في الآخرة، تكلمنا عن الصدقة، تكلمنا عن الصوم، كل هذه المفاتيح، تكلمنا عن الحج، هو من مفاتيح الجنة، تكلمنا عن البر والصدق والصبر، كل هذه المفاتيح التي بها يدرك الإنسان نجاة الآخرة، وهذا فضل من الله تعالى وعطاء من وفِّق إلى هذه المفاتيح فقد فتح الله عليه أبواب الرحمة، والله تعالى يقول: ﴿مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا﴾[فاطر: 2]
فأسأل الله الذي بيديه مفاتيح الخير أن يفتح لي ولكم أبواب البر، وأن يرزقنا الفوز بالجنة، وأن يعيننا على صالح العمل، وأن يرزقنا حبه وحب من يحبه، وحب العمل الذي يقربنا إلى حبه، هذا شيء مما تحدثنا عنه.
ولا شك أن الراشد المؤمن العاقل البصير، يسعى إلى أن يمتلك هذه المفاتيح كلها، فإنه ينجح نجاحًا عظيمًا أن يكون له في كل باب من أبواب الخير سهم قدر طاقته، فتجده في الصلاة، تجده في الزكاة، تجده في الصوم، تجده في الحج، تجده في الجهاد، تجده في بر الوالدين، تجده في كل باب من أبواب الخير يساهم ويسابق ليكون فيها من الفائزين، ليتعرض فيها إلى عطاء رب عظيم يعطي على القليل الكثير، هذا هو المشروع الذي ينبغي أن يكون عنوان حياتنا، أن نسعى إلى الفوز بتلك المفاتيح، لا تخرج من الدنيا وقد فقدت هذه المفاتيح، فإن خروج الإنسان من الدنيا دون مفتاح لفوز الآخرة معناه الهلاك، معناه البوار، معناه الخسار، معناه الضياع، فاستمسك بهذه المفاتيح وجوِّدها، اجعلها على أحسن ما تكون، المفتاح الآن القديم تدخله في الثقب لكي يعثر معك فتحه تحاول مرة مرتين ثلاث حتى تتطابق الأسنان ليفتح لك، فلذلك إذا تعاهدت مفتاحك بالتجويد والإصلاح والسن، كان هذا من دواعي أن تكون هذه المفاتيح عاملة، نحن في حديثنا لا نتحدث عن مفتاح حسي، لكن نصور تصوير من خلاله ندرك المعنى المقصود بالمفاتيح المعنوية، وهي مفاتيح الأعمال.
الجنة لها أبواب، هذه الأبواب لا تدرك ولا تفتح إلا بمفاتيح، ولهذا لما يأتي النبي –صلى الله عليه وسلم-يستفتح باب الجنة كما في الصحيح من حديث أنس، وفي بعض الروايات أنه يأخذ بحلقة من حلقات أبواب الجنة، فيطرق فيقول الخازن من؟ فيقول: محمد، فيقول خازن الجنة بك أمرت لا أفتح لأحد قبلك.
اللهم صل وسلم على نبينا محمد، وهذا معنى قوله –صلى الله عليه وعلى آله وسلم-:«أنا أول شافع »[صحيح مسلم(2278) مطولا] فلا يدخل أحد قبل دخوله، وقبل شفاعته، فهو الذي يشفع لكل الخلق من أهل الجنة ألا يدخلها إلا بعده بأبي هو وأمي –صلى الله عليه وسلم-هذا يدل دلالة بالتأكيد، هذه مزية وفضيلة للنبي –صلى الله عليه وسلم-، وبيان لما خصه الله به من رفيع المكانة وعلو المنزلة، لكن هناك دلالة أخرى زائدة على هذا المعنى، وهي أنه لا يدخل أحد الجنة إلا من طريقه، فمن كان على سبيله وطريقه فاز بالدخول للجنة، وإلا فإن الله حرم الجنة على من خالف طريقه، وأعرض عن سبيله، ولم يؤمن به –صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.
لهذا من المهم أن نحرص على هذه المفاتيح، فمن كان آخر كلامه من الدنيا "لا إله إلا الله" دخل الجنة، الصلاة هي أول ما يحاسب عليه العبد، فإذا نجح فيها، نجح في بقية حسابه، الصوم باب الريان، الصدقة باب الصدقة، الجهاد باب الجهاد، وما على من دعي من تلك الأبواب من ضرورة كما قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه، ومن دعي من باب الصلاة وباب الجهاد وباب الحج وباب الصدقة، ليس عليه ضرورة، لن تصيبه مصيبة، ولن ينزل به ضر، بل سيكون من السابقين، بذلك قال النبي –صلى الله عليه وسلم-لما سأله الصديق فهل أحد يدعى من تلك الأبواب كلها قال: «نعم، وأرجو أن تكون منهم».[صحيح البخاري(1897)، ومسلم(1027)]
إذًا هم ليسوا واحدًا، بل هم عدد يدعون من كل هذه الأبواب يدعى من باب الصلاة، من باب الصدقة، من باب الصوم، من باب الجهاد، يدخل من أبواب الجنة الثمانية فضل الله واسع، وعطاؤه كبير، ففز بالعمل الصالح لتكون من السابقين.
هذه الأبواب هناك ما يحجز عنها، هناك ما يغلقها، أعظم هذه الإغلاقات، هذه المفاتيح لا تفتح لكل من امتلكها إلا أن يكون محققًا لمعناها لهذا لما قيل لوهب بن منبه: أليس "لا إله إلا الله" مفتاح الجنة قال: بلى ولكن ليس مفتاح إلا وله أسنان[أخرجه البخاري في صحيحه معلقا، ترجمة حديث(1237)]، فإذا جئت بمفتاح لا أسنان له لم يفتح لك، فلا بد من أن تحقق شروط ومواصفات هذا المفتاح الذي يفتح، فمن جاء بمفتاح لا يطابق لن يدخل، لو جئت الآن لمفتاح البيت لتفتح به السيارة هل تدير السيارة بمفتاح البيت؟ الجواب: لا.
كذلك سائر أنواع المفاتيح إذا وضعت في غير موضعها لن تدرك ما تريد، فاحرص أن تكون المفاتيح طيبة أطيب ما يكون هو الإخلاص، فهو قائد العمل إذا صلح الباطن انعكس هذا على الظاهر، فاحرص على إصلاح الباطن، واعلم أنه لا يتم صلاح الباطن ولا يصدق صلاح الباطن إلا بصلاح الظاهر ما استطعت إلى ذلك سبيلًا.
من المهم أيضًا أن تعرف أن هناك موانعًا، فأعظم موانع المفاتيح الشرك، فالله تعالى قد حرم الجنة على من أشرك به، والشرك ذنب عظيم وظلم كبير، هو الظلمة التي تحبط كل شيء، ﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا﴾[الفرقان: 23]
يعني تصور بناءًا كبيرًا قائمًا تأتي بديناميت بقوة عالية رفيعة تجعله أسفل هذا المبنى، ثم تضغط زر التفجير تفجر هذا الديناميت، سينهدم البناء ويسقط، وكل هذا الجمال الذي كان موجودًا في هذا البناء يذهب، كذلك الشرك، فمهما كان الإنسان متقنًا للعمل، لكنه تورط في أن جعل لغير الله شيئًا من قلبه، محبة وتعظيمًا، عبادة وطاعة، أو حتى في عمله، بأن تقرب إلى غير الله بما لا يكون إلا لله، فإنه يذهب ويتلاشى ويتبدد، فقد قال الله تعالى في محكم كتابه ﴿إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾[لقمان: 13]، وقال تعالى في بيان خطورة الشرك: ﴿إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ﴾[المائدة: 72].
إذًا مهم أيها الإخوة والاخوات أن نتوقى مغاليق الخير، فالشرك أعظم ما يغلق الخير، ترك الصلاة أيضًا يحجب عن الإنسان الخير، فالصلاة نور، وتركها ظلمة، ولذلك جاءت الأحاديث في التنفير والتحذير من ترك الصلاة لأنها تغلق على الإنسان الخير إذا تركها «العَهدُ الَّذي بينَنا وبينَهمُ الصَّلاةُ فمن ترَكَها كفرَ»[أخرجه الترمذي في سننه(2621)، وقال:هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ]وقال: «ما بَيْنَ الرَّجُلِ والشِّركِ والكُفرِ إلَّا تَرْكُ الصَّلاةِ»[أخرجه مسلم(82)] ترك الصلاة واحدة سبب لحبوط العمل «مَن فاتتْه صلاةُ العصرِ فكأنَّما وُتِرَ أَهلَه ومالَه»[أخرجه البخاري(3602)، ومسلم(626)] وفي الحديث الآخر «مَن فاتَتهُ صلاةُ العصرِ حبطَ عملُهُ»[صحيح البخاري(594)]هكذا يقول النبي –صلى الله عليه وعلى آله وسلم-وقد قال الله تعالى: ﴿إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا﴾[النساء: 31].
إذًا كل الكبائر والموبقات هي سبب لمنع الخير، سبب لتعثر المسير إلى الله –عز وجل-، فاجتنب الموبقات، واحرص على الطاعات لأن الموبقات سبب للهلاك، قد نص النبي –صلى الله عليه وسلم-على أصول الفساد في العمل، وأعظم موانع الخير سبعة، فقال اجتنبوا السبعة الموبقات، قال –صلى الله عليه وسلم-لما قالوا له يا رسول وما هن؟ «قال: الشِّركُ باللهِ، والسِّحرُ، وقَتْلُ النَّفْسِ التي حرَّم اللهُ إلَّا بالحقِّ، وأكْلُ مالِ اليَتيمِ، والتَّوَلِّي يومَ الزَّحفِ، وقَذْفُ المُحصَناتِ الغافِلاتِ المُؤمِناتِ»[البخاري(2766)، ومسلم(89)]
سبعة إذا تأملت في هذه الموبقات السبع وجدت أنها تدور على فساد الصلة بين العبد وربه، فساد الصلة بين الإنسان والخلق، فساد الباطن، فساد الدنيا، فعليها تدور كل المفاسد.
ولذلك نص عليها النبي –صلى الله عليه وسلم-وسماها بالموبقة؛ لأنها مهلكة، وهي تحجز بينك وبين الخير، احرص على البعد عنها واجتنبها، واتق الله في أن لا تقع في شيء منها، فإنها مهلكات، والنبي –صلى الله عليه وسلم-حذر من الصغائر فضلا عن هذه الموبقات قال: «إياكم ومحقرات الذنوب» [أخرجه أحمد في مسنده(3818)، وقال الهيثمي في المجمع:رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ، وَرِجَالُهُمَا رِجَالُ الصَّحِيحِ غَيْرَ عِمْرَانَ بْنِ دَاوَدَ الْقِطَّانِ، وَقَدْ وُثِّقَ.]
يعني الذنوب التي تحتقرونها؛ إما لكونكم تكررونها كثيرًا، أو لأنها ليست شيئًا في أعينكم، «فإنهن يجتمعن على الرجل فيهلكنه»، أي: تجتمع هذه مع تلك، مع الثانية والثالثة وهلم جرًّا من السيئات والخطايا حتى يهلك الإنسان، وضرب لذلك مثلا كمثل قوم أرادوا أن ينضجوا طعامًا، فنزلوا واديًا فجاء هذا بعود وهذا بعود وهذا بعود، حتى اجتمعت كومة من الأعواد والحطب، فأشعلوا فأنضجوا طعامهم، كذلك السيئات تتوالى على قلب الإنسان حتى تغلفه، وإذا غلفته عمي، وإذا عمي لم يبصر، وإذا لم يبصر فقد الهداية، أصبح كالأعمى لا يهتدي سبيلًا، ولا يجد طريقًا يصل به إلى مراده، احذروا كل ما يبعدكم عن الله، مشروع حياتنا أن نفوز بأكبر قدر من مفاتيح الجنة، مفاتيح السعادة، مفاتيح الخير، وأن نجتنب كل ما يعطل هذه المفاتيح من السيئات، وأن نستعين في ذلك باللجأ إلى الله، والصدق في الإقبال عليه، ودعائه بإخلاص، أن يرزقنا الاستقامة، أن يرزقنا الهداية، أن يعيننا على الطاعة، أن يجنبنا المعصية، أن يثبت قلوبنا على الخير، إذا صدقنا مع الله في ذلك كله، فالله لا يرد من صدق في الإقبال عليه ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾[العنكبوت: 69].
أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يسلك بي وبكم سبيل الرشاد والهدى، وأن يجعلنا وإياكم من عباده المتقين وحزبه المفلحين وأوليائه الصالحين، وأن يجمعنا في الفردوس الأعلى، وأن يجعلنا ممن يفوز بسعادة الدارين.
اللهم إنا نعوذ بك من درك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء، وجهد البلاء، نسألك من الخير كله عاجله وآجله، ونعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله، عاملنا بما أنت أهله، اغفر لنا الزلل والخطأ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه واتبع سنته إلى يوم الدين.
وإلى أن نلقاكم في برامج جديدة، نستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.