السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أهلا وسهلا ومرحبا بكم حياكم الله، الحمد لله، أحمده حق حمده، لا أحصي ثناء عليه هو كما أثنى على نفسه، له الحمد كله، لا نحصي ثناء عليه هو كما أثني على نفسه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله الأولين والآخرين، لا إله إلا هو الرحمن الرحيم، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله، صفيه وخليله، خيرته من خلقه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن اتبع سنته واقتفى أثره بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد.
فحياكم الله وأهلا وسهلا بكم ثانية في هذه الحلقة الجديدة من برنامجكم مفاتيح، هذه الحلقة سنتناول فيها مفتاحًا هو برهان يدل على صدق الإيمان، إنها الصدقة التي قال فيها النبي –صلى الله عليه وسلم-: «والصدقة برهان»[صحيح مسلم(223)]أي أنها دليل على صدق إيمان الشخص، فإنه لا يدفع الإنسان شيئًا، لا يبذل أحدًا مالًا، إلا ويرجو عاقبته، أنت ما تضع ريالًا في شيء، ولا تضع ريالًا أو درهم أو جنيه أو دولار في أمر إلا وتؤمل فائدة من هذا الوضع، إما أن يقضي حاجتك أو يبلغك مرادك أو يقيك شرًّا، أو ترجو نفعه وزيادته.
فلذلك عندما يخرج الإنسان مالًا من كدِّه وتعبه، ويرجو عاقبته عند الله –عز وجل-لا يؤمل من الناس جزاء ولا شكورًا كان ذلك برهانًا على صدق إيمانه، دليل على أنه يؤمن بالله وأنه صادق الإيمان لأنه أعطى حاضرًا بغائب، يرجو أخذ غائب بعيد لا يدري متى يحصله، لكنه مصدق بالله لذلك بذل هذا المال، فكان ذلك دليلًا على إيمانه.
ولهذا قال –صلى الله عليه وسلم-:«الصدقة برهان»[سبق]، أي دليل على صدق الإيمان، الصدقة مفتاح من مفاتيح الجنة، ولهذا من أنفق زوجين في سبيل الله دعي من أبواب الجنة، وتأمل كيف الدعوة من أبواب الجنة كلها، وليس من باب واحد، إذا كان ذلك لله، وفي سبيله، ويقصد به وجهه.
ولهذا قال –صلى الله عليه وسلم-كما في الصحيح «مَن أنْفَقَ زَوْجَيْنِ في سَبيلِ اللَّهِ، نُودِيَ مِن أبْوَابِ الجَنَّةِ: يا عَبْدَ اللَّهِ هذا خَيْرٌ» يعني ما قدمته لنفسك خير من المنادي؟ الله أعلم لكن هذا النداء يحصل عندما تنفق شيئًا في سبيل الله، ترجو ما عند الله –عز وجل-فإنك ستنادى يا عبد الله هذا خير، يعني هذا خير لك، خروجه من يديك خير لك من بقائه في يديك، «يا عَبْدَ اللَّهِ هذا خَيْرٌ، فمَن كانَ مِن أهْلِ الصَّلاةِ دُعِيَ مِن بابِ الصَّلاةِ، ومَن كانَ مِن أهْلِ الجِهادِ دُعِيَ مِن بابِ الجِهادِ، ومَن كانَ مِن أهْلِ الصَّدَقَةِ دُعِيَ مِن بابِ الصَّدَقَةِ».[صحيح البخاري(1897)، ومسلم(1027)]
إذًا هناك باب من أبواب الجنة، باب عظيم من أبواب الجنة، باب الصدقة، لكن عندما نقول: الصدقة ماذا نعني بالصدقة؟ هل الصدقة هي فقط بذل المال وإخراجه؟ هذا وجه من أوجه الصدقة وهي المتبادر إلى الذهن، وكثير من الآيات تحث عليه وتأمر به، الله تعالى يقول للمؤمنين: ﴿وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ﴾[المنافقون: 10] ذاك أن الصدقة خير ما يؤمله الإنسان، لأنه في سياق الموت ما تذكر الإنسان شيء من العمل ندم عليه إلا أنه أمسك المال لماذا ما قال يا ربي أخرني لأصلي؟ الصلاة من خير العمل ذاك أنه إذا خرج الإنسان من الدنيا ترك خلفه مالًا، وهذا المال هو الذي كسبه، هو الذي عمل على تحصيله، وهو سيذهب إلى غيره، لم ينتفع منه بشيء، فذلك تمنى ألا يغادر حتى ينفق كل ما عنده، لأنه هو الذي سينتفع به، وهذا الإنفاق سيعود إليه.
لهذا عندما يأتي الموت يتمني أن يعود ليتصدق ﴿وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾[المنافقون:10] أول عمل يذكره يعني أعمل ببقية الصالحات، إن الصدقة سبب للنجاة، مفتاح للخير، مفتاح للافتكاك من الضوائق، فإنه إذا تصدق العبد بصدقة جعل الله له بها فرجًا، ومن أعظم الفرج أنها تقي مصارع السوء، فالصدقة تقي مصارع السوء، ولهذا أعظم ما يخافه الناس في الآخرة النار، ما الذي ينجي منها بعد الإيمان والقيام بحق الله تعالى، الصدقة ﴿فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى *لا يَصْلاهَا إِلَّا الأَشْقَى *الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى * وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى﴾[الليل: 14-17] من الذي يؤتي ماله يتزكى، وما لأحد عنده من نعمة تجزى أي أنه يدفع هذا المال لا لأجل مكافأة، ولا لأجل مجازة، إنما يدفعه لأجل رضا رب الأرض والسماوات.
الصدقة مثل ما ذكرت مفهومها أوسع من أن نحصرها بالنفقة، النفقة هي باب من أبواب الصدقة، لكنها ليست خاصة بها، بل الصدقة أوسع من ذلك، لذلك قال النبي –صلى الله عليه وسلم-:«وتبسمك في وجه أخيك صدقة»[أخرجه الترمذي في سننه(1956)، وحسنه]، والتبسم ليس مالا تنفقه، ولا شيئًا تخرجه عن يدك ملكًا، إنما هو إحسان ببشاشة الوجه وطلاقته، والكلمة الطيبة صدقة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو توجه إلى الخير، وكف عن الشر صدقة.
إذًا الصدقات لا تنحصر في باب واحد، أو صورة واحدة، إنما هي أبواب عديدة وطرق كثيرة من خلالها يصل الإنسان إلى الثواب والعطاء، والفوز والأجر من الله –عز وجل-فيدخل في تلك الفضائل التي جاءت في باب الصدقات، وباب العمل الصالح، جاء عن أنس أن النبي –صلى الله عليه وسلم-قال: «صنائع المعروف تقي مصارع السوء»[أخرجه الطبراني في الكبير(8014)، وقال الهيثمي في المجمع:وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ.]،يعني كل عمل صالح، ومنها العطايا والهبات، تقي مصارع السوء، أي تقي أن يقع الإنسان موقعًا رديئًا، موقعا يسوؤه، تقي مصارع السوء والآفات والهلكات، والصدقة تطفئ غضب الرب، وذاك أنها قربة إلى الله –عز وجل-، يتقرب بها العبد إلى الله –عز وجل-، يرجو بها النجاة.
ولقد كان النبي –صلى الله عليه وسلم-حفيًّا بهذا العمل حتى قبل بعثته، لهذا لما أخبر خديجة رضي الله عنها بما أخبرها به من مجيء الوحي قال لها: «زمِّلوني زملوني»، وقص لها الخبر ثم قالت له: أبشر فوالله لا يخزيك الله لماذا؟ فوالله إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكَلّ، قالت: وتكسب المعدوم وهذا نوع من الصدقة، وتقري الضيف وهذا نوع من الإحسان، وتعين على نوائب الدهر"[صحيح البخاري(3)، ومسلم(160)] يعني مصائبه وحوادثه، وهذا نوع من الصدقة العملية والمالية أيضًا، لأنه الإعانة على نوائب الدهر بقضاء حوائج الناس، سواء كان ذلك بالجاه أو بالبدن أو كان ذلك بالمال، كل ذلك يدل على أن الصدقة لها منزلة كبرى، فهي مفتاح لكريم الأخلاق والخصال، مفتاح للنجاة من النار، فقد قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «اتقوا النار ولو بشق تمرة، فمن لم يجد فبكلمة طيبة»[صحيح البخاري(1417)، ومسلم(1016)]وهذا يدل على أن الصدقة بمفهومها العام لا تقتصر فقط على الإنفاق المالي، إذا عدمت ما تنفقه من مالك لقلة ذات يدك ما عندك شيء تتصدق به، فتصدق بالتبسم، تصدق بالكلمة الطيبة، تصدق بالجاه، تصدق بالعمل والمساعدة والإعانة، والقيام بكل ما يتواصل به الخير إلى الناس، فالله يحب المحسنين والصدقة وجه من أوجه الإحسان.
إذًا الصدقة ليست محصورة فقط بالإنفاق المالي، الصدقة أوسع من ذلك بكثير، الصدقة تشمل كل إحسان تقدمه إلى غيرك، سواء كان الإحسان بالمال، أو كان الإحسان بالعمل، أو كان الإحسان حتى بالرغبة بالخير هذا نوع من الإنسان «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه»[صحيح البخاري(13)، ومسلم(45)]هذه المعاني تفتح لنا أبوابا واسعة، وآفاقا عظيمة من خلالها نستطيع أن نصل إلى البر، ونستطيع أن نصل إلى الخير، ونستطيع أن ندرب أنفسنا على ما يرضي الله –عز وجل-، وبذلك ندرك خيرًا عظيمًا، وندرك برًّا كبيرًا، لكن لابد أن نعرف أنه هذه الأمور تحتاج إلى أن نتنبه لها، وأن نبذل الأسباب للوصول إليها.
الصدقة باب من أبواب الجنة، وأول ما يدخل به العبد الجنة أن يؤدي ما وجب الله عليه في ماله، وهي الزكاة وهي ثاني أركان الإسلام، فلذلك يجب على المؤمن أن يتحرى في إخراج زكاة ماله، فإنها من الصدقة، وهي باب من أبواب الجنة، وتركها سبب لهلاك المال في الدنيا، وسبب لهلاك الإنسان في الآخرة، ﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ﴾[التوبة: 34-35]، لذلك من المهم أن نبادر إلى أداء الواجبات، فإن أحب ما تقرب به العبد إلى الله تعالى الفرائض، ثم بعد ذلك ليسابق في أنواع الخير من أبواب البر، وأبواب الإنفاق، وأبواب الصدقة على كل أوجهها سواء كانت مادية أو كانت معنوية، وبذلك يصيب الخير ويصل إلى ما يريد.
الصدقة باب من أبواب الجنة مفتاح من مفاتيحها، فلا تفرط فيها، فإن الله تعالى يعطي على القليل الكثير، وهو قد وعد المنفقين بالخلف، نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يجعلنا وإياكم من السابقين إلى الخيرات، العاملين بالطاعات، القائمين بما يحب ويرضى، وإلى أن نلقاكم في حلقة قادمة من برنامجكم مفاتيح، أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.