السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، مرحبًا وأهلا وسهلًا بكم أيها الإخوة والأخوات، الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا في، أحمده حق حمده لا أحصي ثناء عليه، هو كما أثنى على نفسه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله الأولين والآخرين، رب العالمين، لا إله إلا هو الرحمن الرحيم، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن اتبع سنته بإحسان إلى يوم الدين أما بعد.
في هذه من برنامجكم مفاتيح سنتناول مفاتيح الكلم، مفاتيح الطيب من القول، القول به يفتح المغلق، القول به ينال الإنسان شيئًا كثيرًا، كم من المطالب ندركها بكلامنا، إنها أكثر مطالبنا، الآن إذا احتاج أحدنا حاجة وأراد أن يطلبها من غيره، ما هي وسيلة الطلب؟
الوسيلة الغالبة الأساسية التي يستعملها الناس منذ القدم إلى يومنا هذا هي اللسان، فالكلام مفتاح إدراك المطالب، هو الأصل لذلك يختلف الناس في فهم الإشارات مثلا هل تدل على المطلوب أو لا؟ فلما يقول لك أحد هكذا مشيرًا بيديك أنت لا تدري هل يريدك أن تأتي أو يريد شيئًا آخر، تلتبس الإشارات تختلف من مكان إلى مكان، ومن جهة إلى جهة، ومن أناس إلى أناس، ومن زمان إلى زمان، لكن الكلام لا يلتبس في الغالب ويفهم به المطلوب.
لهذا الكلام هو المفتاح الذي به يدرك الإنسان خيرًا كثيرًا إذا أحسن استعماله، يكسب به قلوب الناس، ويكسب به ودهم، ويبلغ به حاجته، لكن متى؟ إذا أحسن الاستعمال، كذلك في معاملة الله –عز وجل-إذا أحسن القول كان ذلك من توفيق الله تعالى له، فإن الله يهدي أولياءه إلى الطيب من القول، يهديهم إلى الطيب من الكلم، إن أطيب الكلم وأفضله لا إله إلا الله، ولذلك كان أفضل الذكر لا إله إلا الله، والذكر عمومًا بكل صيغه وبجميع ما ورد في الكتاب والسنة من ألفاظه هو من مفاتيح الخير التي يدرك به الإنسان سعادة الدنيا وفوز الآخرة، فلا إله إلا الله مفتاح الجنة وهي قول، لكنه ترجمان لما في القلب، ولا حول ولا قوة إلا بالله كنز من كنوز الجنة، وأحب الكلام إلى الله سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم.
إن ذكر الله تعالى وتكلم الإنسان بما يحب الله –جل وعلا-هو من مفاتيح الخير التي يدرك بها الإنسان خيرًا كثيرًا، وإذا تأملنا في ألفاظ التمجيد والتقديس، وجدنا أن أكمل الألفاظ ما كان في كلام سيد الأنام –صلى الله عليه وعلى آله وسلم-فإنه بأبي هو وأمي كان من مِنَّة الله تعالى عليه، أن أتاه الله تعالى مفاتيح الكلام جوامعه، ولذلك كان مما ميزه –صلى الله عليه وسلم-أن أعطي جوامع الكلم ومعنى جوامع الكلم يعني الكلمات الموجزات المختصرات التي تحتوي على معاني عظيمة، وتتضمن دلالات كبرى ذاك ما من الله تعالى به على رسوله –صلى الله عليه وسلم-فجمع الله تعالى في ألفاظ رسوله –صلى الله عليه وسلم-اليسيرة من المعاني الكثيرة ما لا يوقف على مثله في كلام أحكم الحكماء من الناس –صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.
ولذلك كان السلف يستحبون الدعاء بجوامع الدعاء الذي جاء عن النبي –صلى الله عليه وسلم-لأن النبي –صلى الله عليه وسلم-جمع الله في ألفاظه وفي كلماته من الخير ما يستجلب به فوز الدنيا وفوز الآخرة، ما تستفتح به المغلقات من المطالب، والمرغوبات.
الله –جل وعلا-جعل الذكر سببًا لفتح خير كثير، ولنقف مع حديث جاء في الصحيح في فضل الذكر حتى نعرف ما الذي يمكن أن نفتحه بكثرة ذكرنا لله –عز وجل-روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي –صلى الله عليه وسلم-قال: «إن لله ملائكة يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر»[صحيح البخاري(6408)]،يلتمسون أي: يطلبون هؤلاء الملائكة يجيبون الطرقات، ويسلكون السبل، يلتمسون أهل الذكر، فإذا وجدوا قومًا يذكرون الله تحميدًا أو تمجيدًا أو تقديسًا أو قراءة للقرآن، أو تعليمًا للعلم، أو سماعًا للذكر إذا وجدوا قومًا يذكرون الله تنادوا «هلمَّ إلى حاجتكم»، أي أقبلوا ينادي بعضهم بعضا ويقول: هلم مثل مجلسنا هذا الذي نستمع به، إذا مرت به الملائكة قالت هلم أقبلوا إلى حاجتكم، فيحفون الجالسين في ذكر الله تعالى، فيحفونهم بأجنحتهم رعاية وصيانة وإكرام إلى السماء الدنيا، ولك أن تتخيل هذه الحفاوة في قوم مهما كان عددهم قليلًا أو كثيرًا، ما دام أنهم اجتمعوا على ذكر حفتهم الملائكة بأجنحتها إلى السماء الدنيا، فيسألهم الله تعالى إذا صعدوا إليه وهو أعلم بهم منهم ماذا يقول عبادي؟ ماذا يقولون وهو السميع البصير جل في علاه، فتقول الملائكة يسبحونك ويكبرونك ويحمدونك ويمجدونك قال فيقول الله تعالى هل رأوني؟ وهو العالم جل في علاه أنه لم يره أحد، فلا أحد يرى الله –عز وجل-إلا بعد موته، هل رأوني؟ فيقولون: لا، فيقول الله كيف لو رأوني؟
التمجيد والتحميد والتقديس هو إجلال فرع عن العلم بالله، فكلما زاد علمك بالله زاد ذكرك له، ولهذا يقول هل رأوني؟ فتقول الملائكة لا يا رب، فيقول كيف لو رأوني؟ فتقول الملائكة لكانوا أشد لك عبادة وأشد لك تمجيدًا، وأكثر لك تقديسًا، وهنا سر كلما زاد علمك بالله، زادت عبادتك له، لأنه أعلى ما يكون مما طرق العلم الرؤية، فإذا زاد علمك بالله معرفة، كان ذلك من دواعي تحقيق العبادة له، فيقول: فما يسألوني؟ ماذا يطلبون؟ وهنا السؤال سواء كان سؤالا ملفوظًا مقولًا بالألسن أو كان سؤالًا بالحال، هؤلاء الذين يذكرون الله ماذا يريدون؟ يريدون الفوز بجنته، يريدون العطاء منه جل في علاه.
فيقول الله –عز وجل-: ماذا يسألون؟ فتقول الملائكة يسألونك الجنة، فيقول الله –عز وجل-وهل رأوها؟ فيقولون: لا، الملائكة تقول: لا يا رب ما رأوها، فيقول الله –عز وجل-فكيف لو رأوها؟ يعني ما هي حالهم لو رأوا هذه الجنة العظيمة التي فيها من العطاء والبر ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، فيقول الله تعالى: كيف لو رأوها؟
ثم يقول في نهاية الحديث مع هؤلاء الملائكة، فأشهدكم إني قد غفرت لهم، هذا الفضل من الله –عز وجل-ناله أولئك بذكرهم لربهم وصدقهم في تمجيده وتقديسه وحمده وعبادته، الذكر سبب للفوز، ولذلك قال الله تعالى: ﴿وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾[الأحزاب: 35] أعد الله لهم مغفرة تتلاشي بها الذنوب، وأجرًا عظيمًا تبلغ بها المراتب العالية، ولذلك جاء في الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي –صلى الله عليه وسلم-قال: «سَبَقَ المُفَرِّدُونَ، قالوا: وَما المُفَرِّدُونَ يا رَسولَ اللهِ؟ قالَ: الذَّاكِرُونَ اللهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتُ».[صحيح مسلم(2676)]
ولهذا ينبغي للمؤمن أن يحرص على كثرة الذكر، الله تعالى أمر المؤمنين بذكره جل في علاه، وأمر رسوله بذكره –سبحانه وبحمده-في مواضع عديدة من كتابه، يقول الله تعالى: ﴿اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ﴾[العنكبوت: 45]، أي في الصلاة من ذكره –جل وعلا-وتعظيمه شيء أكبر من كل المنافع التي يدركها الناس بصلاتهم، إن ذكر الله تعالى جنة الدنيا بها يقوى القلب ويطمئن ويسكن ﴿أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾[الرعد: 28]، بها يستقيم العمل، ولذلك لما جاء رجل إلى النبي –صلى الله عليه وسلم-في حديث عبد الله بن بسر قال: يا رسول الله إن شرائع الإسلام كثرت علي فدلَّني على عمل أتشبث به أتمسك به كي تحصل لي النجاة، قال: «لا يزال لسانك رطبًا من ذكر الله»[أخرجه الترمذي(6408)، وحسنه]، إن الله تعالى لمنزلة الذاكرين يباهي بهم الملائكة، فيقول -جل في علاه- لقوم جلسوا يذكرونه –سبحانه وبحمده-ما أجلسكم؟ قالوا: جلسنا نذكر الله ونحمده على ما هدانا للإسلام وما منَّ به علينا، هكذا يقول النبي –صلى الله عليه وسلم-سائلًا أصحابه الذين اجتمعوا لذكره، فيقول النبي –صلى الله عليه وسلم-ألله ما أجلسكم إلا ذلك؟ يعني ما أجلسكم إلا أنكم أردتم ما عند الله –عز وجل-وتعظيمًا له قالوا: والله ما أجلسنا إلا ذاك، «أما إني لم أستلحفكم تهمة لكم، ولكنه أتاني جبريل فأخبرني أن الله يباهي بكم الملائكة»[صحيح مسلم(2701)]، والله –عز وجل-إذا ذكره العبد في نفسه، ذكره الله في نفسه، وإذا ذكره في ملأ، ذكره الله في ملأ خير منه.
فلنحرص على القول الطيب، ولنعلم أن القول الطيب مفتاح لكل خير في الدنيا والآخرة، مفتاح لكل خير في معاملة الله، وفي معاملة الخلق، لذلك ليكن قولك مع الناس حسنًا كما أمرك الله تعالى بقوله: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾[البقرة: 83]، وأما في ذكرك لربك فأكثر من ذكره، واحرص على الأذكار النبوية في أذكار الصباح والمساء، وفي أذكار النوم والاستيقاظ، وفي أذكار دخول الخلاء والخروج منه، دخول البيت والخروج منه، وفي كل أذكار النبي –صلى الله عليه وسلم-التي وردت لها مناسبة، احرص على الاقتداء بهديه، والأخذ بسنته، فإن ذلك يشرح صدرك وينير قلبك، فالذكر نور، ثم بعد ذلك سابق في أبواب الذكر، فإن الذكر به يحلو المقام، ويسمو «سبق المفرِّدون» قالوا: من المفردون يا رسول الله؟ قال: «الذاكرين الله كثيرًا والذاكرات».[سبق]
اللهم اجعلنا ممن اشتغل بذكرك، ويعمل على طاعتك، ويرضيك في سره وعلنه، نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، وكلمة الحق في الغضب والرضا، والفقر إليك في كل الأحوال، وإلى أن نلقاكم في حلقة قادمة من برنامجكم مفاتيح، أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.