السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، الحمد لله الفتاح العليم، الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين، أحمده حق حمده، لا أحصي ثناء عليه هو كما أثنى على نفسه، له الحمد كله، أوله وآخره، ظاهره وباطنه، وأشهد أن لا إله إلا الله إله الأولين والآخرين، لا إله إلا هو الرحمن الرحيم، لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة، لا إله إلا الله رب العالمين، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله، صفيه وخليله، خيرته من خلقه، بعثه الله على حين فترة من الرسل، وانقطاع من الهدايات، وانطماس من الطرق، وعماية عمت الخلق، فلم يبق مبصر من الناس إلا نذر قليل، بعثه الله بالهدى ودين الحق بين يدي الساعة بشيرًا ونذيرًا، وداعيًا إليه بإذنه وسراجًا منيرًا، أضاء الله تعالى به الأرض بعد ظلماتها، أشرقت برسالته وهداياته الدنيا بعد ظلمة عمت الكون، فجاء بهذا النور المبين، والقرآن العظيم، فأنارت الدنيا واهتدى الناس، إلى الصراط الموصل إلى الله –عز وجل-
جاهد في الله حق الجهاد بالعلم والبيان والسيف والسنان، حتى أتاه اليقين وهو على ذلك، فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه واتبع سنته بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد.
فأهلا وسهلا ومرحبا بكم أيها الإخوة والأخوات في هذه الحلقة الأولى من برنامجكم مفاتيح، هذا البرنامج ضمن منظومة برامج تعدها وزارة الشئون الإسلامية والدعوة والأوقاف في المملكة العربية السعودية، لبث المعرفة التي تدل على الله –عز وجل-وتعرف به، وتبين الطريق الموصل إليه، فجزاء الله خيرًا القائمين عليها، وأسأل الله تعالى ان يكون هذا البرنامج نافعًا مباركًا، هذا البرنامج لنتذكر اسمه إنه "مفاتيح" جمع مفتاح، فعن ماذا سنتحدث؟ لا يخلو جيب أحد منا إلا وفيه مفتاح يفتح به مغلقًا من الأبواب، يدرك به حاجته، فهناك مفتاح للسيارة لا تشتغل إلا به، وهناك مفتاح للمكتب لا يفتح إلا به، وهناك مفتاح للدار لا تلج ولا تدخل إلا به، وهناك مفتاح لكل أمر من أمورك الحسية التي تريد أن تصل إليها دولاب، مكتب، صندوق أمانات، كل هذه لابد فيها من مفاتيح، دون المفتاح لا يمكن أن تصل إلى ما تريد.
كذلك الأمور تحتاج إلى مفاتيح، كذلك المعاني تحتاج على مفاتيح، قلوب الناس تحتاج إلى مفاتيح، وكلنا نبحث عن مفتاح ندخل به على الناس ونملك به ودَّهم وحبهم، وإحسانهم، وحسن العشرة معهم، المعاملة مع الخلق تحتاج إلى مفاتيح لتدرك مطالبك، أنت عندما تذهب إلى قضاء حاجة من حوائجك في دائرة من الدوائر، دائمًا تبحث عن مفتاح تصل من خلاله إلى مطلوبك، لا أقصد بالمفتاح بالضرورة أن يكون شفاعة أو واسطة، لا، الإجراءات التي تصل بها إلى ما تريد هي مفتاحك، عندما تذهب لتقديم معاملة تسأل ما هو مفتاح هذه المعاملة؟ ما هي الخطوة الأولى التي تفتح بها هذا المغلق مما يتعلق بمعاملتك وحاجاتك، كل أمور الناس لابد فيها من مفاتيح، ليس أحد يحتاج أو يريد شيئًا إلا ولابد أن يطرق لذلك سببًا، هذا السبب هو مفتاح لتلك الحاجة، ولهذا جعل الله تعالى كل أمور الدنيا والآخرة منوطة بالأسباب، لا يمكن أن يصل الإنسان إلى تلك النتائج والمرادات إلا بأسبابها، إلا بمفاتيحها، لأن السبب مفتاح تلج من خلاله وتصل من خلاله إلى ما تريد، أرأيت لو أضعت مفتاح دارك يومًا من الأيام كيف ستعمل؟
ستقف حائرًا تبحث عن بديل، تبحث عن سبيل، تبحث عن طريقة تصل من خلالها إلى مرادك، كذلك لو أضعت مفتاح سيارتك، كذلك لو أضعت مفتاح مكتبك، إنك تحتاج إلى مفتاح أو بديل لتصل إلى مطلوبك.
إذا نظرنا إلى أمور الدنيا كلها، وجدنا أنها كذلك لابد فيها من مفاتيح، الرزق لابد فيه من مفتاح، الولد لابد فيه من مفتاح، مفتاح الولد النكاح والزواج، ومفتاح الكسب العمل والكد، ومفتاح الغنى السعي، ومفتاح الصحة الوقاية، وهكذا في كل المعاني التي يعمل لها الناس ويسعون إلى إدراكها يحتاجون في الوصول إليها إلى مفاتيح.
كذلك هي الآخرة لابد لها من مفاتيح، ومن رحمة الله أن جعل لكل شيء مفتاحًا، فما من شيء في الدنيا ولا في الآخرة، إلا ولابد فيه من مفتاح من خلاله نصل إلى ما نريد، والله هو الفتاح جل في علاه، به تقضى الحوائج، وبه –سبحانه وبحمده-تدرك المطالب، لذلك يقول جل في علاه، ﴿مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا﴾[فاطر: 2]، أي لا يمكن أن يقف أحد بينك وبين رحمة الله، بينك وبين عطاء الله، بينك وبين كرمه، بينك وبين إحسانه، بينك وبين عطاياه جل في علاه –سبحانه وبحمده-ما قضاه الله كائن لا مانع لما أعطي، ولا معطي لما منع.
لذلك ينبغي لنا أن نثق بأنه لا يمكن أن يفتح لنا شيء في الدنيا، ولا في الآخرة، لا سعادة ولا نجاح، ولا فلاح، ولا طمأنينة، ولا صحة، ولا عافية، ولا وظيفة، ولا صلاح أولاد، ولا صلاح زوجات وأزواج، ولا شيء من هذه المطالب الدنيوية، إلا من قبل ربنا جل في علاه، نحن نحتاج أن نتأمل ما هي المفاتيح التي بها ندرك السعادة، إن مفاتيح السعادة كلها في هذا الكتاب المبين، في القرآن الحكيم، ومن رحمة الله أن جعله كتابًا محفوظًا، ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾[الإسراء: 9] إنه مفتاح الأعظم الذي به تحصل السعادة، به يدرك الإنسان نجاة الدنيا وفوز الآخرة.
لكن هذا المفتاح العظيم لا يمكن أن يحصل الإنسان منه على ما يريد، ويدرك فتح المغلقات من أمور دينه ودنياه، إلا بصدق الإقبال عليه وهذا هو الفارق يا إخواني ويا أخواتي بيننا وبين أولئك الأطهار الأبرار الفضلاء من جيل الصحابة الذين تنزل القرآن وهم يشاهدون نزوله، ويعاينون مواقع تأثيره، كانوا يتقبلون القرآن ويقبلون عليه بطريقة جعلت القرآن يقلب حياتهم من جاهلية عمياء إلى نور وضياء، من تأخر وتخلف إلى تقدم وريادة، هذا الانتقال في هذه المدة الزمنية القصيرة لم يكن نتاج حظ أعمى أصابهم دون سبب، فالله لم يجعل هذه العطايا حظوظا عمياء تصيب دون أسباب، بل كان لها أسباب، فلما تحققت تلك الأسباب أنتجت تلك النتائج.
إن المفاتيح في كلام الله –عز وجل-عديدة، وقد ذكر الله في كتابه، فهناك مفاتيح الغيب وأصوله، التي من خلالها يعرف ما يكون، وهذه المفاتيح لا يعلمها إلا هو جل في علاه كما قال –سبحانه وتعالى-: ﴿وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ﴾[الأنعام: 59]، هناك مفاتيح تتعلق بخزائن الأرض ونعامها وخيراتها، وهذه المفاتيح من الله تعالى على النبي –صلى الله عليه وسلم-بأن جعلها بين يديه، فقد أوتي مفاتيح الدنيا، أوتي مفاتيح خزائن الأرض –صلى الله عليه وسلم-وهذا الإيتاء ليس له، فقد خير –صلى الله عليه وسلم-بين أن يكون ملكًا نبيًّا وبين أن يكون عبدًا رسولًا، فاختار أن يكون عبدًا رسولا-صلى الله عليه وسلم-مات بأبي هو وأمي –صلى الله عليه وسلم-ودرعه مرهون عند يهودي في طعام وقوت أهله، الله أكبر ولو شاء لجعل الله له جبال مكة والمدينة ذهبًا، ولأجري الأنهار من تحت قدميه، لكنه آثر ما عند الله، فما عند الله خير وأبقى، اختار ما عند الله –صلى الله عليه وسلم-فكان يربط على بطنه الحصى من الجوع، بأبي هو وأمي –صلى الله عليه وسلم-إنه أوتي مفاتح الدنيا ليس له هو –صلى الله عليه وسلم-، إنما كان ذلك لأمته، ولذلك قال أبو هريرة لما ذكر هذه الخاصية التي أوتيها –صلى الله عليه وسلم-وها أنتم تغتنموها أو تأكلوها أي هذه الخزائن أكلتها أمته بعده –صلى الله عليه وسلم-بتلك الفتوحات العظيمة التي عمت مشارق الدنيا ومغاربها، فجاءتهم خيرات الدنيا.
إن مفاتيح الأرض هي خيراتها، وقد أتاها الله رسوله، وهي باقية إلى اليوم في الأمة، أنت إذا نظرت اليوم في الدنيا وجدت أن قوام الدنيا هو الطاقة، هو البترول، هو ما أشبه ذلك مما يحتاجه الناس في الدنيا، سواء من غاز أو ثروات طبيعية أو ما إلى ذلك مما يكون في دنيا الناس، من عطاء ومن موارد من خلالها يتحقق التطور، من خلالها يتحقق التقدم، هذه غالبها في أرض أهل الإسلام.
إن هذا مصداق ما قاله –صلى الله عليه وعلى آله وسلم-:«وأوتيت مفاتيح خزائن الأرض»[صحيح البخاري(1344)، ومسلم(2296)]، فقد أعطيها –صلى الله عليه وسلم-وبقيت في أمته، وهي باقية إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
هذا نموذج من نماذج المفاتيح التي جاء ذكرها في كلام الله –عز وجل-في كلام رسوله –صلى الله عليه وسلم-، ومن المفاتيح التي ذكرت مفاتيح الخير، ومفاتيح الكلم، وكل هذه المفاتيح سنتكلم عنها في هذا البرنامج.
إننا نبحث عن مفاتيح من خلالها نصل إلى سعادة الدنيا، التي إذا وصلنا إليها، وصلنا إلى سعادة الآخرة، ففي الدنيا جنة، من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة، إنها جنة العبودية لله، إنها جنة الطاعة، إنها جنة الإيمان، إنها جنة الصلاح، إنها جنة الإسلام التي نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يحيينا عليها، وأن يميتنا عليها، وأن يرزقنا تذوق لذتها، وأن نجد طعمها ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم-نبيًّا.
إلى أن نلقاكم في حلقة قادمة من برنامجكم مفاتيح، أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.