السؤال:
ما حكم أكل منتجات يوجد عليها رمز يقال بأنه يدل على وجود دهن الخنزير؟
الجواب:
يقول الله تعالى: {قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} سورة الأنعام، الآية 145.، فهذه الآية الكريمة بينت تحريم الخنزير، وهذا من المعلوم من الدين بالضرورة، وأجمع عليه علماء الأمة، والتحريم شامل لكل أجزائه، وإنما ذكر اللحم؛ لأنه المقصود الأعظم من الحيوان، ولهذا لا يحل أكل شيء من الخنزير إذا كان مستقلاًّ، وأما إذا كان ـ كما جاء في السؤال ـ بأن تستخلص منه مادة ـ كدهن أو زيت ـ تدخل في تركيب طعام ما، فإذا كانت قد استحالت، ولم يبق لها أثر في الطعام، لا في لون، ولا في رائحة، ولا في طعم، فإنه لا حرج فيه.
لكن يجب على الجهات ذات الاختصاص، أن تجنب المسلمين أن يدخل في تركيب طعامهم مثل هذه المنتجات، لا سيما وأن المقصود من طيب الطعام يحصل بدونها، وفي هذا إدخال أمر مشتبه على الناس، ولا يدرى أيضًا ـ بالنسبة للتطبيق العملي ـ هل هناك أثر لهذا الزيت الحيواني ـ زيت الخنزير ـ في الطعام أو لا؟ لا يبدو ذلك جليًّا في الاستعمال، فلا يتحقق ما قلناه سابقًا من أنه إذا استهلك استهلاكًا تامًّا، بحيث لم يبق له أثر فإنه لا يضر.
أيضًا من جانب آخر، ينبغي أن يعلم أنه ما في شيء حرمه الله تعالى إلا وفي تحريمه حكمة، علمها من علمها، وجهلها من جهلها، فالله تعالى لم يمعنا شيئًا عبثًا، بل لمصلحتنا، فما من شيء ممنوع في الشريعة إلا وذلك لمصلحة الخلق، وهذه الأطعمة المحرمة إذا أكلها الإنسان عادت عليه بالنقص في دينه أولاً؛ لأن مما ينتقص به دين المرء أن يخالف أمر الله، أو أمر رسوله صلى الله عليه وسلم.
ثانيًا: أن فيها من المضار ما لا يدركه كثير من الناس، ومن أعظم المضار ظلمة القلب وفساده؛ فإن الأطعمة المحرمة لها تأثير على القلوب والأخلاق والسلوك، ولهذا لما أذن الله عز وجل للناس بأكل ما مسته النار من اللحوم، ندبهم في أول الأمر إلى الوضوء منها، ثم قصر ذلك على أكل لحم الإبل، كما هو في مذهب أحمد، والجمهور على استحباب الوضوء من لحم الإبل؛ لما في أخلاق الإبل من الكبر والعلو.
فإدراك الغايات والحكم والأسرار من أحكام الشريعة، تعين الإنسان على الثبات عليها، وتبين له نفعها، وتقطع الطريق على الذين يقولون: التشريعات تحكمات ليس لها حِكم! لا والله ما من شيء شرعه الله ـ أمرًا أو نهيًا ـ إلا فيه حكمة، {إنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} سورة الأنعام، آية رقم 83.، {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} سورة هود، الآية 1.، ودورنا أن نبحث عن هذه الحِكم، ونتلمس تلك الغايات، فإذا تبيت لنا كان هذا نورًا على نور، وإن لم تتبين لنا، فيكفينا حكم الله وحكم رسوله صلى الله عليه وسلم، فشعار المؤمنين {سَمِعْنَا وأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وإلَيْكَ المَصِيرُ} سورة البقرة، آية 285.، والله أعلم.