السؤال:
بالنسبة لقاعدة أن الأسماء المطلقة في الشريعة، التي ليس لها حد في الشرع، ولا في اللغة، فالمرجع فيها للعرف، هل نستطيع أن نطبقها على مسألة إعفاء اللحية؟ وجزاكم الله خيرًا.
الجواب:
تطبيق هذه القاعدة على مسألة اللحية، قد يكون فيه إشكال، على أن من أهل العلم من طبق ذلك على اللحية، فقالوا: الإعفاء مرده إلى ما عده الناس إعفاء، وهذا ما يفهم من كلام الطبري ـ رحمه الله ـ فإنه أشار إلى هذا المعنى في حديثه على هذه المسألة، وهو أن المرجع فيما يجوز أخذه من اللحية إلى ما لا يخرج عن حد الإعفاء المأمور به في قول النبي صلى الله عليه وسلم: «أعفوا اللحى»رواه مسلم (259) عن ابن عمر رضي الله عنهما.، وإعفاء اللحى من الناس من يفهمه على أنه الإطلاق التام الكامل، يعني ألا يتعرض للحية بالكلية، وهذا فهم ذهب إليه جماعة من أعيان أهل العلم الكبار قديمًا وحديثًا. وذهب جماهير العلماء إلى أن الإعفاء هو أن يطلق اللحية إلى القبضة، فلا يجوز أخذ ما دونها، ويجوز أخذ ما وراءها، حتى حكى فيه ابن عابدين الإجماع، فقال: وقد أجمع العلماء على أنه لا يجوز الأخذ لما دون القبضة، لكن في هذا الإجماع نظر، ومن أهل العلم من يقول: ضابط الإعفاء يتلقى من عرف الناس وعادتهم، وهذا القول الثالث، ويمكن أن يستند إلى هذه القاعدة، والذي يظهر أن أقرب الأقوال وأحوطها، قول الجمهور، لكن ليس كل الناس لحاهم تتجاوز القبضة، فهل معنى هذا أنه لا يحق لمن كان دون القبضة، أن يمس من شعره شيئًا؟
الذي يظهر ـ والله اعلم ـ أن الإعفاء هو ألا يأخذ من اللحية ما يلحقها بالشارب، فإن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر اللحية والشارب في مساق واحد، فقال: «انهكوا الشوارب، وأعفوا اللحى»رواه البخاري (5893) عن ابن عمر رضي الله عنهما.، وفي رواية «أحفوا الشوارب، وأعفوا اللحى»رواه مسلم (259) عن ابن عمر رضي الله عنهما. ، وفي رواية «جزوا الشوارب، وأرخوا اللحى خالفوا المجوس»رواه مسلم (260) عن أبي هريرة رضي الله عنه .، فذكر في الشارب الإحفاء والإنهاك والجز، وذكر في الإعفاء والإرخاء والإيفاء، ولا ندري هل هي ألفاظ محفوظة بنصها، أو هي مما تصرف فيه الرواة، فنقلوه بالمعنى، ولكن ما ضابط إعفاء اللحية وتوفيتها؟
نقول: ضابطها ألا تلحق بما كان من حلق الشارب، وهو الإنهاك والجز والإحفاء، هذا الذي يظهر ـ والله تعالى أعلم ـ وعليه فإن أخذ ما تهذب به اللحية، ويذهب به شعثها، لا حرج فيه، وهو جائز، ولا ينافي الإعفاء المأمور به.