الشَّرِكاتُ
الشَّرِكَةُ لُغَةً:الاخْتِلاطُ.
وَفِي الاصْطِلاحِ الفِقْهِيِّ:عَقْدٌ بَيْنَ المتَشارِكَيْنِ في رَأْسِ المالِ وَالرِّبْحِ.
وَالشَّرِكَةُ مَشْرُوعَةٌ بِالكِتابِ وَالسُّنَّةِ وَالإِجْماعِ. فَمِنَ الكِتابِ قالَ تَعالَى: (( وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الخُلَطاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَقَلِيلٌ ما هُمْ )). وَمِنَ السُّنَّةِ عَنْ أَبي هُرَيْرَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللهَ تَعالَى يَقُولُ: (( أَنا ثالِثُ الشَّرِيكَيْنِ ما لَمْ يَخُنْ أَحَدُهُما صاحِبَهُ فَإِنْ خانَ أَحَدُهُما صاحِبَهُ خَرَجْتُ مِنْ بَيْنِهِما )).
أَقْسامُ الشَّرِكَةِ:
يُقَسِّمُ الفُقَهاءُ الشَّرِكَةَ إِلَى شَرِكَةِ أَمْلاكٍ، وَشَرِكَةِ عُقُودٍ.
أَوَّلًا: شَرِكَةُ الأَمْلاكِ:
وَهِيَ أَنْ يَتَمَلَّكَ أَكْثَرَ مِنْ شَخْصٍ عَيْنا مِنْ غَيْرِ عَقْدٍ، وَهِيَ قِسْمانِ: اخْتِيارِيَّةٌ، أَوْ جَبْرِيَّةٌ. فالاخْتِيارِيَّةُ مِثْلُ أَنْ يُوهَبَ شَخْصانِ هِبَةً أَوْ يُوصَى لَهُما بِوَصِيَّةٍ فَيَقْبلاها، وَهُنا يَكُونُ الموْهُوبُ وَالموُصَى بِهِ مِلْكًا لَهُما جَمِيعًا عَلَى سَبِيلِ المشارَكَةِ.
أَمَّا الشَّرِكَةُ الجَبْرِيَّةُ فَهِيَ الَّتِي تَثْبُتُ لأَكْثَرَ مِنْ شَخْصٍ جَبْرًا دُونَ اخْتِيارِهِمْ أَوْ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ أَثَرٌ في إِحْداثِها كَما هُوَ في الميراثِ.
حُكْمٌ هَذِهِ الشَّرِكَةِ: لا يُسَوِّغُ لا أَحَدٌ مِنَ الشَّرِيكَيْنِ التَّصَّرُّفَ بِنَصِيبِ الآخَرِ دُونَ إِذْنِهِ لأَنَّهُ لا وِلايَةَ لأَحَدِهِما في نَصِيبِ الآخَرِ.
ثانِيًا: شَرِكَةُ العُقُودِ:
وَهِيَ أَنْ يَعْقِدَ اثْنانِ فأَكْثَرُ عَقْدًا عَلَى الاشْتِراكِ في المالِ وَما يَنْتُجُ عَنْهُ مِنْ رِبْحٍ. وَهِيَ عِدَّةُ أَنْواعٍ:
1- شَرِكَةُ العَنانِ:
وَهِيَ أَنْ يَشْتَرِكَ اثْنانِ في مالٍ لَهُما عَلَى أَنْ يَتَّجِرا فِيهِ، بِالرِّبْحِ بَيْنَهُما، وَلا يُشْـتَرطُ فِيهـا المساواةُ في المالِ وَلا في التَّصَرُّفِ وَلا في الرِّبْحِ، وَيَكُونُ الرِّبْحُ فِيها بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ بِحَسْبِ أَسْهُمِهِمْ في رَأْسِ المالِ كَما تَكُونُ الخَسارَةُ بِحَسْبِ الأَسْهُمِ كَذَلِكَ، وَلِكُلِّ واحِدٍ مِنَ الشُّرَكاءِ التَّصَرُّفُ فِيما هُوَ مِنْ مَصْلَحَةِ الشَّرِكَةِ بِالأَصالَةِ عَنْ نِفْسِهِ وَبِالوَكالَةِ عَنْ شُركائِهِ.
2- شَرِكَةُ المفاوَضَةِ:
وَهِيَ التَّعاقُدُ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ عَلَىَ الاشْتِراكِ في عَمَلٍ. وَتُعْتْبَرُ أَوْسَعُ الشَّرِكاتِ نِطاقًا، إِذْ فِيها يُفَوِّضُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الشَّرِيكَيْنِ لِلآخَرِ كُلَّ تَصَرُّفٍ مالِيٍّ وَبَدَنِيٍّ مِنْ أَنْـواعِ الشَّرِكَةِ، فَيَـبِيعُ وَيَشْتَرِي وَيُوَكِّلُ وَيُضارِبُ وَيُخاصِمُ وَيَرْتَهِنُ وَيُسافِرُ بِالمالِ، وَيَكُونُ الرِّبْحُ بَيَنْهُما عَلَى ما اتَّفَقا عَلَيْهِ، وَالخَسارَةُ بِحَسْبِ نَصِيبِ كُلِّ واحِدٍ مِنْهُما في المالِ.
3- شَرِكَةُ الأَبْدانِ:
وَهِيَ أَنْ يَتَّفِقَ اثْنانِ فأكَثَرَ عَلَى أَنْ يَقْبَلا عَمَلًا مِنَ الأَعْمالِ عَلَى أَنْ تَكُونَ أُجْرَةُ هَذا العَمَلِ بَيْنَهُما حَسْبِ الاتِّفاقِ. وَكَثِيرًا ما يَحْدُثُ هَذا بَيْنَ النَّجارِينَ وَالحَدَّادِينَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْل الحِرَفِ، وَتَصِحُّ هَذِهِ الشَّرَكَةِ سَواءُ اتَّحَدَتْ حِرْفَتُهُمْ أَمْ اخْتَلَفَتْ، وَسَواءٌ عَمِلا جَمِيعًا أَوْ عَمِلَ أَحَدُهُما دُونَ الآخَرِ مُنْفَرِدِينَ وَمُجْتَمِعِينَ وَتُسَمَّى هَذِهِ الشَّرِكَةُ بِشَرِكَةِ الأَبْدانِ أَوْ الأَعْمالِ أَوِ الصَّنائِعِ أَوْ التَّقَبُّلِ.
4- شَرِكَةُ الوُجُوهِ:
وَهِيَ أَنْ يَشْتَرِكَ اثْنانِ فَأَكْثَرُ في شِراءِ سِلْعَةٍ بِجاهِهِما، وَيَبِيعانِها، وَما يَحْصُلانِ عَلَيْهِ مِنْ رِبْحٍ فَهُوَ بَيْنَهُما، وَالخَسارَةُ كَذَلِكَ تُقَسَّمُ بَيْنَهُما بِالتَّساوِي.
5- شَرِكَةُ المضارَبَةِ:
تَعْريفُها: المضارَبَةُ في اللُّغَةِ: يُسَمِّيها أَهْـلُ العِراقِ مُضارَبَةً لأَنَّها مَأْخُوذَةٌ مِنَ الضَّرْبِ في الأَرْضِ وَهُوَ السَّفَرُ فِيها بِغَرَضِ التِّجارَةِ. وَيُسَمِّيها أَهْلُ الحِجازِ القِراضَ فَقِيلَ هُوَ مُشْتَقٌّ مِنَ القَطْعِ. فَكَأَنَّ صاحِبَ المالِ اقْتَطَعَ مِنْ مالِهِ قِطْعَةً وَسَلَّمها إِلَى العامِلِ، وَاقْتَـَطَعَ لَهُ قِطْعَةً مِنَ الرِّبْحِ. وَفي الاصْطِلاحِ: عَقْدٌ بَيْنَ طَرَفَيْنِ عَلَى أَنْ يَدْفَعَ أَحَدُهُما مالَهُ إِلَى الآخَرِ لِيَتَّجِرَ لَهُ فِيهِ عَلَى أَنَّ ما حَصَلَ مِنَ الرِّبْحِ بَيْنَهُما حَسْبَ ما يَشْتَرِطانِهِ. الأَصْلُ في مَشْرُوعِيَّتِها:أَجْمَعَ أَهْلُ العِلْمِ عَلَى جَوازِ المضارَبَةِ، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضارَبَ بِمالِ خَدِيجَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها، وَقَـدْ كانَ مَعْمُولًا بِها قَبْلَ الإِسْلامِ وَلَمَّا جاءَ الإِسْلامُ أَقَرَّها.
شروط المضاربة:يشترط لعقد المضاربة ما يأتي:
1- أَنْ تَكُونَ بَيْنَ مُسْلِمَيْنِ جائِزِي التَّصَرُّفِ وَلا بَأْسَ أَنْ تَكُونَ بَيْنَ مُسْلِمٍ وَكافِرٍ إِذا كانَ رَأْسُ المالِ مِنَ الكافِرِ وَالعَمَلُ مِنَ المسْلِمِ.
2- أَنْ يَكُونَ رَأْسُ المالِ مَعْلُومًا.
3- أَنْ يَكُونَ نَصِيبُ الطَّرَفَيْنِ مِنَ الرِّبْحِ مَعْلُومًا. وَأَنْ يَكُونَ نِصيبُ كُلٍّ مِنْهُما نِسْبَةً شائِعَةً مِنَ الرِّبْحِ.