تفسير سورة التكوير
وهي مكية.
قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا عبد الله بن بحير القاص: أن عبد الرحمن بن يزيد الصنعاني أخبره: أنه سمع ابن عمر يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سَرَّه أن ينظر إلى يوم القيامة كأنه رأيُ عين فليقرأ: " إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ " ، و " وإذَا السَّمَاءُ انفَطَرَتْ " ، و " إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ " .
وهكذا رواه الترمذي، عن العباس بن عبد العظيم العنبري، عن عبد الرزاق، به.
بسم الله الرحمن الرحيم
{إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1) وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ (2) وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ (3) وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ (4) وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ (5) وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ (6) وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ (7) وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (9) وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ (10) وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ (11) وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ (12) وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ (13) عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ (14)}
قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} يعني: أظلمت. وقال العوفي، عنه: ذهبت، وقال مجاهد: اضمحَلّت وذَهَبت. وكذا قال الضحاك.
وقال قتادة: ذهب ضوءها. وقال سعيد بن جبير: {كُوِّرَتْ} غُوّرت.
وقال الربيع بن خُثَيم: {كُوِّرَتْ} يعني: رمى بها.
وقال أبو صالح: {كُوِّرَتْ} ألقيت. وعنه أيضا: نكست. وقال زيد بن أسلم: تقع في الأرض.
قال ابن جرير: والصواب من القول عندنا في ذلك أن التكوير جَمعُ الشيء بعضه إلى بعض، ومنه تكوير العمامة وهو لفها على الرأس، وكتكوير الكاره، وهي جمع الثياب بعضها إلى بعض، فمعنى قوله: {كُوَّرَتْ} جمع بعضها إلى بعض، ثم لفت فرمى بها، وإذا فعل بها ذلك ذهب ضوءها.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج وعمرو بن عبد الله الأودي، حدثنا أبو أسامة، عن مجالد، عن شيخ من بَجِيلة، عن ابن عباس: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} قال: يكور الله الشمس والقمر والنجوم يوم القيامة في البحر، ويبعث الله ريحا دبورًا فتضرمها نارا. وكذا قال عامر الشعبي. ثم قال ابن أبي حاتم:
حدثنا أبي، حدثنا أبو صالح، حدثني معاوية بن صالح، عن ابن يزيد بن أبي مريم، عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في قول الله: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} قال: "كورت في جهنم".
وقال الحافظ أبو يعلى في مسنده: حدثنا موسى بن محمد بن حَيَّان، حدثنا دُرُسْتُ بن زياد، حدثنا يزيد الرقاشي، حدثنا أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الشمس والقمر ثوران عقيران في النار" .
هذا حديث ضعيف؛ لأن يزيد الرقاشي ضعيف، والذي رواه البخاري في الصحيح بدون هذه الزيادة، ثم قال البخاري:
حدثنا مُسَدَّد، حدثنا عبد العزيز بن المختار، حدثنا عبد الله الداناجُ، حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "الشمس والقمر يكوران يوم القيامة".
انفرد به البخاري وهذا لفظه، وإنما أخرجه في كتاب "بدء الخلق"، وكان جديرًا أن يذكره هاهنا أو يكرره، كما هي عادته في أمثاله! وقد رواه البزار فَجَوّد إيراده فقال:
حدثنا إبراهيم بن زياد البغدادي، حدثنا يونس بن محمد، حدثنا عبد العزيز بن المختار، عن عبد الله الداناج قال: سمعت أبا سلمة بن عبد الرحمن بن خالد بن عبد الله القسري في هذا المسجد-مسجد الكوفة، وجاء الحسن فجلس إليه فَحدّث قال: حدثنا أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الشمس والقمر نوران في النار يوم القيامة". فقال الحسن: وما ذنبهما؟ فقال: أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول: أحسبه قال: وما ذنبهما.
ثم قال: لا يروى عن أبي هُرَيرة إلا من هذا الوجه، ولم يرو عبد الله الداناج عن أبي سلمة سوى هذا الحديث.
وقوله: {وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ} أي: انتثرت، كما قال تعالى: {وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ} الانفطار: 2، وأصل الانكدار: الانصباب.
قال الربيع بن أنس، عن أبي العالية، عن أبي بن كعب قال: ست آيات قبل يوم القيامة، بينا الناس في أسواقهم إذ ذهب ضوء الشمس، فبينما هم كذلك إذ تناثرت النجوم، فبينما هم كذلك إذ وقعت الجبال على وجه الأرض فتحركت واضطربت واختلطت، ففزعت الجن إلى الإنس والإنس إلى الجن، واختلطت الدواب والطير والوحوش، فماجوا بعضهم في بعض.
قوله: {وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ} قال: اختلطت، {وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ} قال: أهملها أهلها، {وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ} قال: قالت الجن: نحن نأتيكم بالخبر. قال: فانطلقوا إلى البحر فإذا هو نار تأجج، قال: فبينما هم كذلك إذ تصدعت الأرض صدعة واحدة إلى الأرض السابعة السفلى وإلى السماء السابعة العليا، قال فبينما هم كذلك إذ جاءتهم الريح فأماتتهم.
رواه ابن جرير -وهذا لفظه-وابن أبي حاتم، ببعضه، وهكذا قال مجاهد والربيع بن خُثَيم، والحسن البصري، وأبو صالح، وحماد بن أبي سليمان، والضحاك في قوله: {وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ} ي: تناثرت.
وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: {وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ} أي: تغيرت. وقال يزيد بن أبي مريم عن النبي صلى الله عليه وسلم: {وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ} قال: "انكدرت في جهنم، وكل من عبد من دون الله فهو في جهنم، إلا ما كان من عيسى وأمه، ولو رضيا أن يُعبَدا لدخلاها". رواه ابن أبي حاتم بالإسناد المتقدم.
وقوله: {وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ} أي: زالت عن أماكنها ونُسِفت، فتركت الأرض قاعا صفصفا.