وقوله: {وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ} قال عكرمة، ومجاهد: عشار الإبل. قال مجاهد: {عُطِّلَت} تركت وسُيّبت.
وقال أبي بن كعب، والضحاك: أهملها أهلها: وقال الربيع بن خُثَيم لم تحلب ولم تُصَرّ، تخلى منها أربابها.
وقال الضحاك: تركت لا راعي لها.
والمعنى في هذا كله متقارب. والمقصود أن العشار من الإبل-وهي: خيارها والحوامل منها التي قد وَصَلت في حملها إلى الشهر العاشر-واحدها عُشَراء، ولا يزال ذلك اسمها حتى تضع-قد اشتغل الناس عنها وعن كفالتها والانتفاع بها، بعد ما كانوا أرغب شيء فيها، بما دَهَمهم من الأمر العظيم المُفظع الهائل، وهو أمر القيامة وانعقاد أسبابها، ووقوع مقدماتها.
وقيل: بل يكون ذلك يوم القيامة، يراها أصحابها كذلك ولا سبيل لهم إليها. وقد قيل في العشار: إنها السحاب يُعطَّل عن المسير بين السماء والأرض، لخراب الدنيا. وقد قيل: إنها الأرض التي تُعشَّر. وقيل: إنها الديار التي كانت تسكن تُعَطَّل لذهاب أهلها. حكى هذه الأقوال كلها الإمام أبو عبد الله القرطبي في كتابه "التذكرة"، ورجح أنها الإبل، وعزاه إلى أكثر الناس.
قلت: بل لا يعرف عن السلف والأئمة سواه، والله أعلم.
وقوله: {وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ} أي: جمعت. كما قال تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ} الأنعام: 38. قال ابن عباس: يحشر كل شيء حتى الذباب. رواه ابن أبي حاتم. وكذا قال الربيع بن خُثَيم والسّديّ، وغير واحد. وكذا قال قتادة في تفسير هذه الآية: إن هذه الخلائق موافية فيقضي الله فيها ما يشاء.
وقال عكرمة: حشرها: موتها.
وقال ابن جرير: حدثني علي بن مسلم الطوسي، حدثنا عباد بن العوام، أخبرنا حُصَين، عن عكرمة، عن ابن عباس في قوله: {وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ} قال: حَشرُ البهائم: موتها، وحشر كل شيء الموت غيره الجن والإنس، فإنهما يوقفان يوم القيامة.
حدثنا أبو كُرَيْب، حدثنا وَكِيع، عن سفيان، عن أبيه، عن أبي يعلى، عن الربيع بن خُثَيم: {وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ} قال: أتى عليها أمر الله. قال سفيان: قال أبي: فذكرته لعكرمة، فقال: قال ابن عباس: حشرها: موتها.
وقد تقدم عن أبيّّ بن كعب أنه قال: {وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ} اختلطت.
قال ابن جرير: والأولى قَولُ من قال: {حُشِرَت} جُمعت، قال الله تعالى: {وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً} ص: 19، أي: مجموعة.
وقوله: {وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ} قال ابن جرير: حدثنا يعقوب، حدثنا ابن عُلَية، عن داود، عن سعيد بن المسيب قال: قال علي، رضي الله عنه، لرجل من اليهود: أين جهنم؟ قال: البحر. فقال: ما أراه إلا صادقا. {وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ} الطور: 6، {وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ} مخففة وقال ابن عباس وغير واحد: يرسل الله عليها الدّبور فتسعرها، وتصير نارًا تأجج، وقد تقدم الكلام على ذلك عند قوله: {وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ}
وقال ابن أبي حاتم حدثنا علي بن الحسين بن الجنيد، حدثنا أبو طاهر، حدثني عبد الجبار بن سليمان أبو سليمان النفاط-شيخٌ صَالِح يُشبهُ مالكَ بن أنس-عن معاوية بن سعيد قال: إن هذا البحر بركة-يعني بحر الرُّوم-وسط الأرض، والأنهار كلها تصب فيه، والبحر الكبير يصب فيه، وأسفله آبار مطبقة بالنحاس، فإذا كان يوم القيامة أسجر. وهذا أثر غريب عجيب. وفي سنن أبي داود: "لا يركب البحر إلا حاج أو معتمر أو غاز، فإن تحت البحر نارا، وتحت النار بحرا" الحديث، وقد تقدم الكلام عليه في سورة "فاطر" .
وقال مجاهد، والحسن بن مسلم: {سُجِّرَت} أوقدت. وقال الحسن: يبست. وقال الضحاك، وقتادة: غاض ماؤها فذهب ولم يبق فيها قطرة. وقال الضحاك أيضا: {سُجِّرَتْ} فجرت. وقال السدي: فتحت وسيرت. وقال الربيع بن خُثَيم {سُجِّرَتْ} فاضت.