قوله تعالى: {يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} يتوهم معارضته مع قوله:{حَيْثُ شِئْتُمَا} .
والجواب: أن قوله: {اسْكُنْ} أمر بالسكنى لا بالسكون الذي هو ضد الحركة فالأمر باتخاذ الجنة مسكنا لا ينافي التحرك فيها وأكلهما من حيث شاءا.
قوله تعالى:{وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً} الآية.
جاء في هذه الآية بصيغة خطاب الجمع في إفراد والجمع في شئ واحد: أن معنى ولا تكونوا أول كافر أي أول فريق كافر, فاللفظ مفرد والمعنى جمع فيجوز مراعاة كل منهما, وقد جمع اللغتين قول الشاعر:
فإذا هم طعموا فألأم طاعم**وإذا هم جاعوا فشر جياع.
وقيل: هو من إطلاق المفرد وإرادة الجمع كقول ابن علفة:
وكان بنو فزاره شر عم . كما تقدم قريبا
قوله تعالى: {الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ} الآية. هذه الآية تدل بظاهرها على أن الظن يكفي في أمور المعاد, وقد جاءت آيات أخر تدل على خلاف ذلك كقوله تعالى: {إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً} وكقوله: {إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ}. ووجه الجمع أن الظن بمعنى اليقين, والعرب تطلق الظن بمعنى اليقين ومعنى الشك. وإتيان الظن بمعنى اليقين كثير في القرآن وفي كلام العرب. أمثلته في القرآن هذه الآية وقوله تعالى: {قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَة} الآية.
وقوله تعالى: {وَرَأى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا} أي أيقنوا وقوله تعالى: {إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ} أي أيقنت.
ونظيره من كلام العرب قول عميرة بن طارق:
بأن تغتزوا قومي وأقعد فيكم**واجعل مني الظن عيبا مرجما.
أي اجعل مني اليقين غيبا.
وقول دريد بن الصمة:
فقلت لهم ظنوا بألفي مدجج**سراتهم في الفارسي المسرَّد.
فقوله ظنوا أي أيقنوا.
قوله تعالى لبني إسرائيل:{وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ} لا يعارض قوله تعالى في تفضيل هذه الأمة: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} الآية.
لأن المراد بالعالمين عالموا زمانهم بدليل الآيات والأحاديث المصرحة بأن هذه الأمة أفضل منهم كحديث معاوية بن حيدة القشيرى في المساند والسنن, قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنتم توفون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها على الله " ألا ترى أن الله جعل المقتصد منهم هو أعلاهم منزلة حيث قال: {مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ}, وجعل في هذه الأمة درجة أعلى من درجة المقتصد وهي درجة السابق بالخيرات حيث قال تعالى: {وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ} الآية.
قوله تعالى:{وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُم} الآية.
ظاهر هذه الآية الكريمة يدل على أن استحياء النساء من جملة العذاب الذي كان يسومهم فرعون. وقد جاء في آية أخرى ما يدل على أن الإناث هبة من هبات الله لمن أعطاهن له وهي قوله تعالى: {يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ} فبقاء بعض الأولاد على هذا خير من موتهم كلهم كما قال الهذلى:
حمدت إلهى بعد عروة إذ نجا**خراش وبعض الشر أهون من بعض.
والجواب عن هذا أن الإناث وإن كن هبة من الله لمن أعطاهن له فبقاؤهن تحت يد العدو يفعل بهن ما يشاء من الفاحشة والعار ويستخدمهن في الأعمال الشاقة نوع من العذاب, وموتهن راحة من هذا العذاب وقد كان العرب يتمنون موت الإناث خوفا من مثل هذا. قال بعض شعراء العرب في ابنة له تسمى مودة:
مودة تهوى عمر شيخ يسره**لها الموت قبل الليل لوانها تدرى.
يخاف عليها جفوة الناس بعده**ولا ختن يرجى أود من القبر
وقال الآخر:
تهوى حياتي وأهوى موتها شفقا**والموت أكرم نزال على الحرم.
وقال عقيل بن علفة المري: لما خطبت عنه ابنته الجرباء:
إني وإن سيق الى المهر**عبد والفان وذود عشر.
أحب اصهاري إلى القبر
وقال بعض الأدباء:
سروران مالهما ثالث**حياة البنين وموت البنات.
وفي القرآن إشارة إلى أن الإنسان يسوءه إهانة ذريته الضعاف بعد موته في قوله تعالى:{وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُوا عَلَيْهِمْ}.