قوله تعالى:{وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ} الآية.
أفرد في هذه الآية المشرق والمغرب وثناهما في سورة الرحمن في قوله:{رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ} وجمعهما في سورة سأل سائل في قوله: {فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِب}, وجمع المشارق في سورة الصافات في قوله: {رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ}.
والجواب أن قوله هنا: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ} المراد به جنس المشرق والمغرب فهو صادق بكل مشرق من مشارق الشمس التي هي ثلاثمائة وستون, وكل مغرب من مغاربها التي هي كذلك كما روي عن ابن عباس وغيره.
قال ابن جرير في تفسير هذه الآية ما نصه:
"وإنما معنى ذلك ولله المشرق الذي تشرق منه الشمس كل يوم والمغرب الذي تغرب فيه كل يوم فتأويله إذا كان ذلك معناه: ولله ما بين قطري المشرق وقطري المغرب إذا كان شروق الشمس كل يوم من موضع منه لا تعود لشروقها منه إلى الحول الذي تعده وكذلك غروبها", انتهى منه بلفظه. وقوله: {رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ} يعني كشرق الشتاء ومشرق الصيف ومغربهما كما عليه الجمهور.
وقيل: مشرق الشمس والقمر ومغربهما, وقوله: {بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِب}أي مشارق الشمس ومغاربها كما تقدم. وقيل مشارق الشمس والقمر والكواكب ومغاربها والعلم عند الله تعالى.
قوله تعالى:{بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ} عبر في هذه الآية بـ {ما} الموصولة الدالة على غير العقلاء, ثم عبر في قوله: {قَانِتُونَ} بصيغة الجمع المذكر الخاص بالعقلاء .
ووجه الجمع: أن ما في السماوات والأرض من الخلق منه العاقل وغير العاقل, فغلب في الاسم الموصول غير العاقل, وغلب في صيغة الجمع العاقل, والنكتة في ذلك أنه قال: {بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} وجميع الخلائق بالنسبة لملك الله إياهم سواء عاقلهم وغيره, فالعاقل في ضعفه وعجزه بالنسبة إلى ملك الله كغير العاقل. ولما ذكر القنوت وهو الطاعة وكان أظهر في العقلاء من غيرهم عبر بما يدل على العقلاء تغليبا لهم.
قوله تعالى: {قَدْ بَيَّنَّا الآياتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ}. هذه الآية تدل بظاهرها على أن البيان خاص بالموقنين.
وقد جاءت آيات أخر تدل على أن البيان عام لجميع الناس كقوله تعالى: {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} وكقوله: {هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ}. ووجه الجمع أن البيان عام لجميع الخلق, إلا أنه لما كان الانتفاع به خاصا بالمتقين خص في هذه الآية بهم لأن ما لانفع فيه كالعدم.
ونظيرها قوله تعالى: {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا} وقوله: {إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْر} الآية, مع أنه منذر للأسود والأحمر, وإنما خص الإنذار بمن يخشى ومن يتبع الذكر لأنه المنتفع به.
قوله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْه} الآية. قوله تعالى في هذه الآية إلا لنعلم يوهم أنه لم يكن عالما بمن يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه مع أنه تعالى عالم بكل شئ قبل وقوعه, فهو يعلم ما سيعمله الخلق كما دلت عليه آيات كثيرة كقوله: {هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ}, وقوله تعالى: {وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ}.
والجواب عن هذا أن معنى قوله تعالى إلا لنعلم علما يترتب عليه الثواب والعقاب فلا ينافي كونه عالما به قبل وقوعه, وقد أشار تعالى إلى أنه لا يستفيد بالاختبار علما جديدا لأنه عالم بما سيكون حيث قال تعالى: {وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}.
فقوله: {وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}تعد قوله: {َلِيَبْتَلِيَ}دليل على أنه لا يفيده الاختبار علما لم يكن يعلمه سبحانه وتعالى عن ذلك بل هو تعالى عالم بكل ما سيعمله خلقة وعالم بكل شيء قبل وقوعه كما لا خلاف فيه بين المسلمين, لا يعزب عنه مثقال ذرة الآية.