وقوله: {الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ} أي: ما غرك بالرب الكريم {الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ} أي: جعلك سَويا معتدل القامة منتصبها، في أحسن الهيئات والأشكال.
قال الإمام أحمد: حدثنا أبو النضر، حدثنا حَريزُ، حدثني عبد الرحمن بن مَيسرة، عن جُبير ابن نُفَير، عن بُسْر بن جحَاش القرشي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بصق يوما في كفه، فوضع عليها إصبعه، ثم قال: "قال اللَه عز وجل: ابن آدم أنَّى تُعجِزني وقد خلقتك من مثل هذه؟ حتى إذا سَوّيتك وعدلتك، مشيت بين بردين وللأرض منك وَئِيدٌ، فجَمَعت ومَنعت، حتى إذا بلغت التراقي قلتَ: أتصدقُ، وأنَّى أوانُ الصدقة".
وكذا رواه ابن ماجة، عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن يزيد بن هارون، عن حَريز بن عثمان، به قال شيخنا الحافظ أبو الحجاج المزِّي: وتابعه يحيى بن حمزة، عن ثور بن يزيد، عن عبد الرحمن بن ميسرة.
وقوله: {فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ} قال مجاهد: في أي شَبَه أب أو أم أو خال أو عم؟
وقال ابن جرير: حدثني محمد بن سنان القزاز، حدثنا مُطَهَّر بن الهيثم، حدثنا موسى بنُ عُلَيِّ بن رَبَاح، حدثني أبي، عن جدي: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "ما ولد لك؟" قال: يا رسول الله، ما عسى أن يُولَد لي؟ إما غلام وإما جارية. قال: "فمن يشبه؟". قال: يا رسول الله، من عسى أن يشبه؟ إما أباه وإما أمه. فقال النبي صلى الله عليه وسلم عندها: "مه. لا تقولَنَّ هكذا، إن النطفة إذا استقرت في الرحم أحضرها الله كل نسب بينها وبين آدم؟ أما قرأت هذه الآية في كتاب الله: {فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ} " قال: سَلَكك .
وهكذا رواه ابن أبي حاتم والطبراني، من حديث مُطهر بن الهيثم، به وهذا الحديث لو صح لكان فيصلا في هذه الآية، ولكن إسناده ليس بالثابت؛ لأن "مُطَهَّر بن الهيثم" قال فيه أبو سعيد بن يونس: كان متروك الحديث. وقال ابن حبان: يُرْوى عن موسى بن علي وغيره ما لا يُشبهُ حَديثَ الأثبات. ولكن في الصحيحين عن أبي هُرَيرة أن رَجُلا قال: يا رسول الله، إن امرأتي وَلَدت غُلامًا أسودَ؟. قال: "هل لك من إبل؟". قال: نعم. قال: "فما ألوانها؟" قال: حُمر. قال: "فهل فيها من أورَق؟" قال: نعم. قال: "فأنى أتاها ذلك؟" قال: عسى أن يكون نزعة عِرْق. قال: "وهذا عسى أن يكون نزعة عرق".
وقد قال عكرمة في قوله: {فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ} إن شاء في صورة قرد، وإن شاء في صورة خنزير. وكذا قال أبو صالح: إن شاء في صورة كلب، وإن شاء في صورة حمار، وإن شاء في صورة خنزير.
وقال قتادة: {فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ} قال: قادر-والله -ربنا على ذلك. ومعنى هذا القول عند هؤلاء: أن الله، عز وجل، قادر على خلق النطفة على شكل قبيح من الحيوانات المنكرة الخلق، ولكن بقدرته ولطفه وحلمه يخلقه على شكل حسن مستقيم معتدل تام، حَسَن المنظر والهيئة .
وقوله: {كَلا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ} أي: بل إنما يحملكم على مواجهة الكريم ومقابلته بالمعاصي، تكذيب في قلوبكم بالمعاد والجزاء والحساب .
وقوله تعالى: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} يعني: وإن عليكم لملائكةً حَفَظَة كراما فلا تقابلوهم بالقبائح، فإنهم يكتبون عليكم جميع أعمالكم .
قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا علي بن محمد الطُّنَافِسِيّ، حدثنا وَكيع، حدثنا سفيان ومِسْعَر، عن علقمة بن مَرْثَد، عن مجاهد قال: : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أكرموا الكرام الكاتبين الذين لا يفارقونكم إلا عند إحدى حالتين: الجنابة والغائط. فإذا اغتسل أحدكم فليستتر بحرم حائط أو ببعيره، أو ليستره أخوه".
وقد رواه الحافظ أبو بكر البزار، فوصله بلفظ آخر، فقال: حدثنا محمد بن عثمان بن كرامة، حدثنا عبيد الله بن موسى، عن حفص بن سليمان، عن علقمة بن مرثد، عن مجاهد، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله ينهاكم عن التعرِّي، فاستحيوا من ملائكة الله الذين معكم، الكرام الكاتبين، الذين لا يُفَارقونكم إلا عند إحدى ثلاث حالات: الغائط، والجنابة، والغسل. فإذا اغتسل أحدكم بالعراء فليستتر بثوبه، أو بحرم حائط، أو ببعيره".
ثم قال: حفص بن سليمان لين الحديث، وقد روي عنه، واحتمل حديثه.
وقال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا زياد بن أيوب، حدثنا مُبَشّر بن إسماعيل الحلبي، حدثنا تمام ابن نَجِيح، عن الحسن-يعني البصري-عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من حافظين يرفعان إلى الله، عز وجل، ما حفظا في يوم، فيرى في أول الصحيفة وفي آخرها استغفار إلا قال الله تعالى: قد غفرت لعبدي ما بين طرفي الصحيفة".
ثم قال :تفرد به تمام بن نجيح، وهو صالح الحديث.
قلت: وثقه ابن معين وضعفه البخاري، وأبو زُرْعة، وابن أبي حاتم والنسائي، وابن عدي. ورماه ابن حبان بالوضع. وقال الإمام أحمد: لا أعرف حقيقة أمره .
وقال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا إسحاق بن سليمان البغدادي المعروف بالقُلُوسِي حدثنا بيان بن حمران حدثنا سلام، عن منصور بن زاذان، عن محمد بن سيرين، عن أبي هُرَيرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن لله ملائكة يعرفون بني آدم-وأحسبه قال: ويعرفون أعمالهم-فإذا نظروا إلى عبد يعمل بطاعة الله ذكروه بينهم وسَمَّوه، وقالوا: أفلح الليلة فلان، نجا الليلة فلان. وإذا نظروا إلى عبد يعمل بمعصية الله وذكروه بينهم وسموه، وقالوا :هلك الليلة فلان".
ثم قال البزار: سلام هذا، أحسبه سلام المدائني، وهو لين الحديث .