{فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ (16) وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ (17) وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ (18) لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ (19) فَمَا لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (20) وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ (21) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ (22) وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ (23) فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (24) إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (25)}
رُوي عن علي، وابن عباس، وعُبادة بن الصامت، وأبي هُرَيرة، وشداد بن أوس، وابن عمر، ومحمد بن علي بن الحسين، ومكحول، وبكر بن عبد الله المزني، وبُكَيْر بن الأشج، ومالك، وابن أبي ذئب، وعبد العزيز بن أبي سلمة الماجَشُون أنهم قالوا: الشفق: الحمرة.
وقال عبد الرزاق، عن مَعْمَر، عن ابن خُثَيم عن ابن لبيبة، عن أبي هُرَيرة قال: الشفق: البياض.
فالشفق هو: حمرة الأفق إما قبل طلوع الشمس-كما قاله مجاهد-وإما بعد غروبها-كما هو معروف عند أهل اللغة.
قال الخليل بن أحمد: الشفق: الحمرة من غروب الشمس إلى وقت العشاء الآخرة، فإذا ذهب قيل: غاب الشفق.
وقال الجوهري: الشفق: بقية ضوء الشمس وحمرتُها في أول الليل إلى قريب من العَتمَة. وكذا قال عكرمة: الشفق الذي يكون بين المغرب والعشاء.
وفي صحيح مسلم، عن عبد الله بن عمرو، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "وقت المغرب ما لم يغب الشفق".
ففي هذا كله دليل على أن الشفق هو كما قاله الجوهري والخليل. ولكن صح عن مجاهد أنه
قال في هذه الآية: {فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ} هو النهار كله. وفي رواية عنه أيضا أنه قال: الشفق: الشمس. رواهما ابن أبي حاتم.
وإنما حمله على هذا قَرْنهُ بقوله تعالى: {وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ} أي: جمع. كأنه أقسم بالضياء والظلام.
وقال ابن جرير: أقسم الله بالنهار مدبرًا، وبالليل مقبلا . وقال ابن جرير: وقال آخرون: الشفق اسم للحمرة والبياض. وقالوا: هو من الأضداد.
قال ابن عباس، ومجاهد، والحسن، وقتادة: {وَمَا وَسَقَ} وما جمع. قال قتادة: وما جمع من نجم ودابة. واستشهد ابن عباس بقول الشاعر:
مُستَوسقات لو تَجِدْنَ سَائقا ...
قد قال عكرمة: {وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ} يقول: ما ساق من ظلمة، إذا كان الليل ذهب كل شيء إلى مأواه.
وقوله: {وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ} قال ابن عباس: إذا اجتمع واستوى. وكذا قال عكرمة، ومجاهد، وسعيد بن جبير، ومسروق، وأبو صالح، والضحاك، وابن زيد.
{وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ} إذا استوى. وقال الحسن: إذا اجتمع، إذا امتلأ. وقال قتادة: إذا استدار.
ومعنى كلامهم: أنه إذا تكامل نوره وأبدر، جعله مقابلا لليل وما وسق.
وقوله: {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ} قال البخاري: أخبرنا سعيد بن النضر، أخبرنا هُشَيم، أخبرنا أبو بشر، عن مجاهد قال: قال ابن عباس: {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ} حالا بعد حال-قال هذا نبيكم صلى الله عليه وسلم.
هكذا رواه البخاري بهذا اللفظ ، وهو محتمل أن يكون ابن عباس أسند هذا التفسير عن النبي صلى الله عليه وسلم، كأنه قال: سمعت هذا من نبيكم صلى الله عليه وسلم، فيكون قوله: "نبيكم" مرفوعا على الفاعلية من "قال" وهو الأظهر، والله أعلم، كما قال أنس: لا يأتي عام إلا والذي بعده شَرٌّ منه، سمعته من نبيكم صلى الله عليه وسلم.