السؤال:
بعضُ طلاب العلم يأخذ أقوال بعض الأئمة في مسائل الإيمان ونواقضه، ثم يطبِّقها على كل المجتمعات، بدون تفريق بين المسلمين الذين يعيشون في مجتمعات مسلمة، وبين المسلمين الذين يعيشون في مجتمعات غير مسلمة، فهل ثمَّة فرق أو لا؟
الجواب:
المُحرَّمُ لا فرق فيه بين بلاد الإسلام وبلاد الكفر، وإن كان قد يُراعى في بلاد الكفر عدم ظهور أحكام الشريعة، فيكون لهم من التخفيفِ ما يناسب حالهم، لكن لا نقول مثلًا: الخمر حرام في بلاد الإسلام، ومباحة في بلاد الكفر! ولا يمكن أن يقال: الربا حرام في بلاد الإسلام، ومباح في بلاد الكفر! لكن قد يكون هناك أمور تراعى فيها الظروف، تراعى فيها عدم ظهور أحكام الإسلام في ذلك البلد، فيكون له من الأحكام ما يندرج في قواعد رفع الحرج والتيسير، كقاعدة: "المشقة تجلب التيسير"، وما أشبه ذلك من القواعد المَرعِيَّة التي تستعمل في الظروف الاستثنائية، هذا في جملة في الأحكام.
أما ما يتعلق بالحكم بالكفر على الأفراد، فهذه قضية كبيرة في الحقيقة، وقضية ذات بال، ولا يتجاسر عليها دون بصيرة وعلم إلا مَن ضعُف إيمانُه وقَلَّتْ تقواه ومعرفته وعلمه؛ لأن التكفير حكم شرعي يحتاج إلى أن يبنى على أصول وبينات جلية، فليس مجرد قيام صورة المكفِّر كافية في إثبات حكم الكفر، بل لا بد من توافر الشروط، وانتفاء الموانع، حتى تُنزَّل هذه الأحكام على الأفراد، ففي الصحيح من حديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ، مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضٍ فَلَاةٍ، فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَأَيِسَ مِنْهَا، فَأَتَى شَجَرَةً، فَاضْطَجَعَ فِي ظِلِّهَا، قَدْ أَيِسَ مِنْ رَاحِلَتِهِ، فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ، إِذَا هُوَ بِهَا قَائِمَةٌ عِنْدَهُ، فَأَخَذَ بِخِطَامِهَا، ثُمَّ قَالَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ: اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ! أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ»رواه مسلم (2747)، وهذا القول كفر؛ لأنه جعل الرب عبدًا! وجعل العبد ربًّا! وهذا بالتأكيد أنه كفر، لكن الذي منع إنزال حكم الكفر عليه أنه أخطأ ولم يتعمَّد؛ لأنه مندهش، فهو خارج عن حال السوية، والله عز وجل يقول: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}سورة الأحزاب : الآية 5 ، فتعمُّد القلب وقصده هو المناط الأساس في إثبات حكم الكفر؛ ولذلك يقول الله تعالى: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا}سورة النحل : الآية 106 ، فلا بدَّ من تحقُّق الشروط، ولا يكفي وجود صورة الكفر.
ونقول لكل من يتكلم في قضايا التكفير: الكفر ليس سبَّةً ولا انتقامًا، ولا شهوة، ولا اختيارًا شخصيًّا للإنسان، يوقعه على من شاء! الكفر حكم شرعي، لا بد أن يصدر عن دليل، هل هذا الفعل مُكفِّر أو ليس مُكفِّرًا؟ فإذا ثبت أنه مُكفِّر، نحتاج أن نعرف الشروط التي تراعى في تنزيل الحكم، وأيضًا ألا يكون هناك موانع تمنع تنزيل الحكم على المُعيَّن، والله أعلم.