عن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما يُصيب المسلمَ من نصبٍ ولا وصبٍ ولا همٍّ ولا حزنٍ ولا أذى ولا غمٍّ، حتى الشوكة يُشاكها إلا كفَّر الله بها من خطاياه)) صحيح البخاري (5641)، وصحيح مسلم (6660)..
مقدمة:
هذا الحديث حديث أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما، تضمن بشارةً لأهل الإيمان وأهل الإسلام، وهي: أَنَّ الأمراض وغيرها من المؤذيات مُطهِّرةٌ للمؤمن من الذنوب، فَيَنْبَغِي الصَّبرُ على ذلك ليحصل له الأَجرُ ، والمصاب مَنْ حُرِم الثواب.
معنى الحديث:
ففي قول النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: ((ما يُصيب المسلمَ من نَصَبٍ ولا وَصَب ولا همٍّ ولا حزنٍ ولا أذى ولا غمٍّ، حتى الشوكة يُشاكها)). بيانٌ لأنواع ما يُصيب المسلم من المؤذيات، وهي:
النَّصب: هو التَّعب.
والوصب: هو المرض.
والهم: هو ألمٌ يشعر به الإنسان لما يُستقبل من الأمور، مما يخافه المرء ويحذره، كأن يكون مقبلاً على اختبار مثلاً أو عملٍ مهمٍّ أو قضيّة ذات أهمية، يحمل همَّها في نفسه، ويعتلج شأنها في صدره.
والحزن: هو الألم لمصيبةٍ حدثت وانقضت.
والأذى: يشمل كلَّ ما تقدم. وقيل: المراد بالأذى ما يصيب الإنسان من أذيَّة غيره.
والغمُّ: هو ما ينزل بالإنسان من الأذى النفسي بسبب مشكلة نازلة، حاضرة ، قائمة.
وبهذا يتبيَّن أن النبي صلى الله عليه وسلم شمل في هذا الحديث كلَّ ما يكرهه الإنسان، فكل مصاب مكروه للإنسان من نَصَبٍ أو وَصَبٍ أو همٍّ أو حَزَنٍ أو حُزن أو أذىً أو غمٍّ، ألم حسِّيٍّ أو نفسي، ألمٍ ظاهر أو باطن، كلُّ ذلك حتى الشَّوكة يشاكها، وهي من أصغرِ ما يُصيب الإنسانَ.
وفي قول النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: ((إلا كفَّر الله تعالى بها من خطاياه)) أي حطَّ الله بها من خطاياه .
والتَّكفير: هو من الكَفرِ وهو الستر، أي ستر الله تعالى الخطايا بالتجاوز عنها والصفح والعفو.
وقوله صلى الله عليه وسلم (خطاياه) يشمل في ظاهره كلَّ الذنوب والخطايا الصغيرة والكبيرة، فإن الجميع يدخل في قوله صلى الله عليه وسلم: ((كفَّر الله بها من خطاياه)) إلا أنَّ عامَّة العلماء على أنَّ المراد بالحديث تكفير الصغائر، وأما الكبائر فإنه لا يُعفى عن الإنسان إلا بالتوبة، ولا تغفر له ولا تكفر إلا بالتوبة.
والذي يظهر -والله تعالى أعلم- أنَّ الحديث عامٌّ للصَّغائر والكبائر؛ لكن ما كان مُصرَّاً عليه من الكبائر، وهامَّاً بتكراره، وغير نادمٍ عليه، فإنَّه لا يُكَفَّر، أما ما كان من الكبائر التي فعلها ونسيها، وقد لا يكون استحضر توبتها، فهذا لعلَّه يشمله العموم في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إلا كفر الله بها من خطاياه).
فوائد الحديث:
- هذا الحديث يدل على أن المصائب مكفرات ، وهي المصائب التي تجري على الإنسان دون سبب منه، فإن كان له فيها سبب فإنها إن كانت طاعة استفاد منها أمرين : استفاد (تكفير الخطايا ، ورفع الدرجات). أما إن كانت من الأمور التي تنزل به دون كسبٍ منه فإن الله تعالى يكفر بها من الخطايا وإذا كان لا خطيئة له عوَّضه الله تعالى بها حسنات.
- وظاهر الحديث أن التكفير حاصلٌ بالمصيبة ذاتها؛ لكن ذلك مقيدٌ بما إذا صبر، فإنه إن لم يصبر لم يكن له على ذلك أجر، كما قال بعض أهل العلم، وقال آخرون: بل تُكفَّر خطاياه حتى لو لم يصبر، ويكون الصبر سبباً للمؤاخذة والإثم من جهةٍ أخرى، فيجتمع في حقه تكفير من جهة وإثمٌ من جهة .