وقوله:{فَلْيَنْظُرِ الإنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ} تنبيه للإنسان على ضعف أصله الذي خُلق منه، وإرشاد له إلى الاعتراف بالمعاد؛ لأن من قدر على البَدَاءة فهو قادر على الإعادة بطريق الأولى، كما قال: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} الروم: 27.
وقوله:{خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ} يعني: المني؛ يخرج دَفقًا من الرجل ومن المرأة، فيتولد منهما الولد بإذن الله، عز وجل؛ ولهذا قال: {يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ} يعني: صلب الرجل وترائب المرأة، وهو صدرها.
قال شبيب بن بشر، عن عِكْرِمة، عن ابن عباس: {يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ} صلب الرجل وترائب المرأة، أصفر رقيق، لا يكون الولد إلا منهما. وكذا قال سعيد بن جُبَير، وعكرمة، وقتادة والسُّدِّي، وغيرهم.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج، حدثنا أبو أسامة، عن مِسْعَر: سمعت الحكم ذكر عن ابن عباس: {يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ} قال: هذه الترائب. ووضع يده على صدره.
وقال الضحاك وعطية، عن ابن عباس: تَريبة المرأة موضُع القلادة. وكذا قال عكرمة، وسعيد بن جُبَير. وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: الترائب: بين ثدييها.
وعن مجاهد: الترائب ما بين المنكبين إلى الصدر. وعنه أيضا: الترائب أسفل من التراقي. وقال سفيان الثوري: فوق الثديين. وعن سعيد بن جُبَير: الترائب أربعة أضلاع من هذا الجانب الأسفل.
وعن الضحاك: الترائب بين الثديين والرجلين والعينين.
وقال الليث بن سعد عن مَعْمَر بن أبي حبيبة المدني: أنه بلغه في قول الله عز وجل: {يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ} قال: هو عصارة القلب، من هناك يكون الولد.
وعن قتادة: {يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ} من بين صلبه ونحره.
وقوله: {إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ} فيه قولان:
أحدهما: على رجع هذا الماء الدافق إلى مقره الذي خرج منه لقادر على ذلك. قاله مجاهد، وعكرمة، وغيرهما.
والقول الثاني: إنه على رجع هذا الإنسان المخلوق من ماء دافق، أي: إعادته وبعثه إلى الدار الآخرة لقادر؛ لأن من قدر على البدء قدر على الإعادة.