المقدمُ: صاحبَ الفضيلةِ، حديثُنا في مستهلِّ هذه الحلقةِ عَن يعني هو يمكنُ أن أقولَ بأنه عملٌ مِن أعمالِ الجاهليةِ يعني وما زالَ للأسفِ يعني الدعوةُ له قائمةٌ، وتعلُّقُ الناسِ به كبيرٌ، التعلقُ بالأبراجِ يا شيخُ، ثم هلِ التعلقُ بها يا شيخُ شركٌ؟ وهل هو تعلقٌ بغيرِ اللهِ؟
هؤلاءِ الذين لبسوا على الناسِ يا شيخُ وابتزوا أموالَهم، ما تَوجيهُكم حفِظَكمُ اللهُ؟
الشيخُ خالدٌ: الحمدُ للهِ ربِّ العالَمين، وأصلِّي وأسلِّمُ على نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِه وأصحابِه، ومَنِ اتبعَ سُنتَه بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ.
أما بعدُ:
نسألُ اللهَ العظيمَ ربَّ العرشِ الكريمِ أن يرزقَنا وإياكُم العلمَ النافعَ والعملَ الصالحَ، وأن يستعملَنا فيما يحبُّ ويرضَى، وأن يعينَنا، ما يعينُ على الحقِّ غيرُه، ولا يُؤتيهِ إلا هوَ.
ما يتعلقُ بالأبراجِ، الأبراجُ جمعُ برجٍ، وهي عبارةٌ عَن منازلِ الشمسِ والقمرِ، وينزلُها القمرُ في الشهرِ وفي كلِّ يومَينِ ينزلُ فيه منزلًا، أما الشمسُ فهي تنزلُها في خلالِ السنةِ، هي اثنا عشرَ بُرجًا، أقسمَ اللهُ ـ تعالى ـ﴿وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ﴾[البروج:1]، وقالَ ـ تعالى ـ: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا﴾[الفرقان:61]، فذكرَ اللهُ ـ تعالى ـ البروجَ في كتابِه الحكيمِ، وذكرَها في مقامِ الثناءِ على نفسِه ـ جلَّ في عُلاه ـ واللفتِ إلى آياتِه العظيمةِ.
والبروجُ هي منازلُ ينزلُها الشمسُ والقمرُ كما ذكرتُ، فالشمسُ تنزلُها خلالَ سنةٍ، كلُّ شهرٍ في برجٍ تقريبًا، وأما القمرُ فينزلُها في الشهرِ، كلُّ برجٍ يبقَى فيه ليلَتانِ وثلثٌ تَقريبًا، يومان وثلثٌ. والمقصودُ أن هذه أشياءُ في الفلَكِ وهي معروفةٌ، وتُعرَفُ بالحمَلِ، والثورِ، والسرطانِ، والعقربِ، والسنبلةِ، والميزانِ، وبقيةِ الأسماءِ مشهورةٌ معروفةٌ.
الذي أحدَثَه بعضُ الناسِ في هذه البروجِ هو أن مِنَ الناسِ مَن يظنُّ أن هذه البروجَ تؤثرُ في أحداثِ الأرضِ، وبالتالي يتلمسُ مِن خلالِ النظرِ في هذهِ البروجِ ما يمكنُ أن يقعَ في الحوادثِ الأرضيةِ، وهذا أمرٌ يرتبطُ بما يُعرفُ بالتنجيمِ على وجهِ العمومِ، وهو الدائرةُ الواسعةُ التي تنظرُ في النجومِ، سواءٌ أن كانتِ النجومُ الأنواءَ، أو كانتِ النجومُ الأبراجَ، أو غيرَ ذلك مما يكونُ مِنَ اقترانِ الكواكبِ وتنقُّلاتِها التي يُستدَلُّ مِن تلك الحوادثِ أو مِن تلك الأحداثِ الفلكيةِ السماويةِ أنه سيقعُ كذا أوكذا أو كذا في الأرضِ.
وقد بيَّنَ النبيُّ ـ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم ـ كذِبَ هذا، وأنه لا ارتباطَ بينَ الحوادثِ الأرضيةِ، فيما يتعلقُ بحوادثِ الناسِ ووقائعِ الأمورِ، وبينَ ما يكونُ مِنَ الأبراجِ، فقدْ قالَ النبيُّ ـ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ ـ كما في الصحيحَينِ من طريقِ حديثِ ابنِ مسعودٍ، وعائشةَ، وجماعةٍ مِنَ الصحابةِ ـ رضيَ اللهُ عنهم ـ أنه قالَ ـ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ ـ: «إنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ , يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِمَا عِبَادَهُ , وَإِنَّهُمَا لا يَنْكسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْهَا شَيْئًا فَصَلُّوا وَادْعُوا حَتَّى يَنْكَشِفَ مَا بِكُمْ»صحيح البخاري (1040)،فقطعَ النبيُّ ـ صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّمَ ـ العلاقةَ بينَ سيرِ الشمسِ والقمرِ وأحداثِ الفلَكِ، وبينَ ما يكونُ مِن وقائعَ وحوادثَ الأرضِ، فيما يتعلقُ بالحوادثِ الخاصةِ الشخصيةِ، أو فيما يتعلقُ بالحوادثِ العامةِ، التي تعمُّ الناسَ وتكونُ في دُنياهم.
وهذا الأمرُ وهو ما يتعلقُ بالنظرِ في الأبراجِ، هو مما أجمعَ العلماءُ على تحريِمه، لا خلافَ بينَ أهلِ العلمِ أن النظرَ في الأبراجِ لمعرفةِ المغيباتِ، ومعرفةِ الحوادثِ هو أمرٌ يخالَفُ شريعةَ الإسلامِ، وهو أمرٌ يخالفُ العقلَ؛ فإنه لا ارتباطَ بينَ هذه الحوادثِ والوقائعِ والتنقُّلاتِ في الأفلاكِ والأبراجِ، وبينَ حوادثِ الأرضِ أبدًا، ليس هناك علاقةٌ، ومَن زعمَ أن هناك علاقةً فهو يُلبِّسُ. قد يقولُ قائلٌ: طيب يعني الفصلُ الشتويُّ أو الصيفيُّ أو الربيعيُّ أو الخريفيُّ، فصلُ الصيفِ والشتاءِ والربيعِ يأتي في البرجِ الفلانيِّ أو في الوقتِ الفلانيِّ، هذا ليسَ له علاقةٌ فيما نتحدثُ فيه، هناك أمورٌ تكونُ معروفةً بالتجربةِ أنها تقعُ في وقتٍ محددٍ، هذه الأبراجُ وتنقلاتُ الشمسِ والقمرِ إنما هي أشبهُ ما يكونُ بظرفٍ لوقوعِ تلك الأحداثِ، وليستْ سببًا ولا فاعلًا.
الذين يتحدثون عن الأبراج ويتحدثون عن التنجيم يقولون: إن هذه النجوم، وتلك الأبراج، وتلك التحركات الفلكية، تؤثر أو تتسبب، تؤثر بالسبب أو بالفعل، وهنا يأتي الشرك، هنا يأتي الخروج عن دائرة الإسلام، وعن هدي خير الأنام، هنا يأتي ما قاله النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيما رواه أحمد وأصحاب السنن من حديث عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنه ـ: «مَنِ اقْتَبَسَ عِلْمًا مِنَ النُّجُومِ اقْتَبَسَ شُعْبَةً مِنَ السِّحْرِ، زَادَ ما زَاد»سنن أبي داود (3905)، وسنن ابن ماجة (3726)، اقتبس شعبة من السحر؛ لأنه يستند إلى أمور خفية في التوسل إلى الحوادث الأرضية، إذ ليس هناك ارتباط بين هذه الوقائع وهذه الحوادث الفلكية، وبين ما يكون من حوادث الناس.
ما يتكلم به المنجمون كذب ولو كانوا صادقين، بمعنى ولو صدقوا في بعض الوقائع كذب ما يقولونه؛ لأن ما يقولونه هو زعم بأنهم يعلمون الغيب، وهم كاذبون في ذلك، الله ـ تعالى ـ يقول: ﴿قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ﴾[النمل:65]، ويقول ـ جل في علاه ـ: ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا[26]إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا[27]لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا﴾[الجن:26-28].
فله العلم التام الكامل الذي لا ينازعه فيه أحد، فمن ادعى أنه يعلم غيبًا مستقبليًا سيحدث كذا غدا، أو بعد ساعة، أو قبل نهاية البرنامج، فهو كاذب، مُكذب لما أخبر الله ـ تعالى ـ به في كتابه، فكيف بمن يخبر عن أحداث عام كامل، كما هو الشأن في كثير من الأحوال التي يفعلها بعض الناس، من النظر في أحوال هذه السنة، سواء من خلال برامج تلفازية، أو من خلال قنوات أخرى، ويتحدث عما سيكون في المستقبل!
هذا بالتأكيد أنه منازعة لما أخبر الله ـ تعالى ـ أنه استأثره ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا[26]إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ﴾[الجن:26-78]ولا يمكن أن يرضى الله ـ تعالى ـ هؤلاء السحرة، ولا يرضى هؤلاء المنجمين الذين يكذبون، ويجعلون إخبارهم بالغيب وسيلة للتكسب، وكسب سواء المالية أو المعنوية بين الناس وفي الدنيا.
البروج هذا الجزء الذي هو يتعلق بالإخبار عن المستقبل، هناك ممن ينظر في الأبراج مباشرة في بعض البلدان إذا تعرف عليك، وأراد أن يقيم معك علاقة جيدة أو يريد أن يبدأ علاقة، سألك: ما برجك؟ فإذا قلت له الحمل، يعني النظر في المواصفات الشخصية لمن يولد في برج الحمل أو في برج السرطان أو الأسد أو ما إلى ذلك.
وهذا هو نوع من الرجم بالغيب داخل في قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «مَنِ اقْتَبَسَ عِلْمًا مِنَ النُّجُومِ اقْتَبَسَ شُعْبَةً مِنَ السِّحْرِ، زَادَ ما زَاد»سنن أبي داود (3905)، وسنن ابن ماجة (3726)، ومسند الإمام أحمد (2840وهذا نوع من الكهانة؛ إذ إن الشرع والعقل والبحث لم يثبت أدنى ارتباط بين هذه البروج، وبين صفات الناس الذين يولدون في هذه الأشهر، فهذه الأشهر يولد فيها القصير والطويل، والأحمر والأبيض، والعادل والظالم، والقوي والضعيف، فليس هناك إثبات أن برج الحمل من كان مولودا في بُرج الحمل فصفاته كذا وكذا وكذا، أو برج الأسد كذا وكذا مما يقوله ويخترعه أولئك.
لذلك يجب على المؤمن أن يُعرض عن هذا، ولا يلتفت إليه وليحذر القضية ليست قضية عبث أو لهو أو تسلية توقعه في مكروه، لا؛ توقعه في خلل إيماني، وهو أن يعتقد أن هناك تأثيرًا لهذه الأفلاك في صفات الناس، وقد قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لما صلى بأصحابه في الحديبية صلاة على إثر سماء، قال لهم ـ صلى الله عليه وسلم ـ أخبر عن الله، يقول الله ـ تعالى ـ: «أصبح من عبادي مؤمنٌ بي وكافرٌ، فأما مَن قال: مُطِرْنا بفضل الله ورحمته، فذلك مؤمنٌ بي -يعني بالله- كافرٌ بالكوكب، وأما من قال: مطرنا بنَوْء كذا وكذا»أي بتأثير، سواء كان التأثير هنا على وجه التسبب، أو على وجه الإيجاد، «مطرنا بنَوْء كذا وكذا، فذلك كافرٌ بي مؤمنٌ بالكوكب«صحيح البخاري (846)، وصحيح مسلم (71).
إذاً القضية ليست قضية يسيرة، إنما هي قضية خطيرة، فاصل بين إيمان وكفر، وقد يكون كفرًا أكبر إذا اعتقد أنها مؤثرة، وأنها توجد هي التي توجد هذه الصفات، هذه البروج هي التي توجِد، هي التي تنزل المطر هنا يكون هذا شرك في الربوبية، فيكون كافرًا؛ لأنه جعل غير الله فاعلًا في الكون فِعْلًا مستقلًا عن إرادة الله عز وجل، وهذا شرك أكبر في الربوبية.
أما إذا كان هذا على وجه التسبب، يعني أنه هي سبب، فهذا شرك وكفر، لكنه كفر أصغر لا يخرج عن الملة، لكنه أعظم من الزنا، وأعظم من الربا، وأعظم من عقوق الوالدين؛ لأنه مما يتعلق بحق الله ـ تعالى ـ وهو عتبة وخطوة في طريق الشرك الأكبر.
إذاً ينبغي الحذر من هذا، بعض الناس يتساهل ويقول يذهب إلى الكهان مثلًا، يقول: أريد أن أعرف ما حظي، كيف وضعي هذه السنة أو عمومًا، فتجده يبسط يده ليقرأ الكف، أو ينظر في فنجان، والإتيان هنا لا يلزم فقط الإتيان البدني، الذين يتصلون على البرامج، برامج الدجالين المنجمين هم في الحقيقة قد أتوا الكاهن، ولذلك الأمر خطير.
النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول كما في صحيح الإمام مسلم من حديث عبيد الله بن نافع، عن صفية عن زوج من أزواج النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال:«مَن أتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عن شيءٍ، لَمْ تُقْبَلْ له صَلاةٌ أرْبَعِينَ لَيْلَةً»صحيح مسلم (2230)، وهذا بيان عقوبة من يسأل فقط، أما من يُصدِّق فقد قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كما في مسند الإمام أحمد بإسناد جيد:«من أتى عرَّافًا أو ساحرًا أو كاهنًا فسألَهُ فصدَّقَهُ بما يقولُ فقد كفرَ بما أنزلَ على محمَّدٍ»مسند الإمام أحمد (9536)، إذًا الموضوع خطير، ولهذا هذه الصحف يجني أصحابها والمجلات الذين يضعون هذه الأبراج يجنون على الناس في أديانهم، فمثلًا ليست متعة والله أنا أبي أشوف اليوم وش صفات أصحاب هذا البرج، أو ذاك البرج، أو ما إلى ذلك مما يكتبه المنجمون هناك.
القضية «من أتى عرَّافًا أو ساحرًا»كما في رواية مسلم «عرافًا»، وفي رواية أحمد وغيره: «كاهنًا فسأله لم تقبل له صلاة أربعين ليلة»، أربعين يعني: شهر وعشرة أيام لا تقبل له صلاة، معنى هذا لا تقبل له صلاة أي أن خطيئة وإثم هذه الفعلة يُذهِب أجر وعمل صلاة أربعين يومًا، صلاة أربعين يوم تذهب بأن تذهب إلى كاهن، أو ترفع السماعة عليه، أو تسأله حتى لو لم تصدقه، أما إذا كان هناك تصديق فالقضية خطيرة: «فقد كفرَ بما أنزلَ على محمَّدٍ».
ولذلك أنا أحذر إخواني غاية التحذير إخواني من النظر في هذه الأبراج، فهي كذب، وتزوير، وليس لها مستند علمي، طلبت، وبحثت، وسألت، ونقبت عن أي نوع من أنواع الدراسات، حتى عند الكفار في مراكز أبحاثهم، لإيجاد رابط بين هذه الأحداث أو بين هذه الأبراج ومنازلها، وبين ما يتعلق بصفات الأشخاص، أو حوادث الأرض، ليس هناك صلة، وإنما هذا يكفي فيه هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم.
لكن نحن نريد أن نُبين للناس حتى من خلال الدراسات المعاصرة أنه ليس هناك ما يثبت هذا الارتباط، وأن هذا ضرب من التخمين، الناس يتشوفون إلى معرفة المستقبل، وقد سد الله الطرق كلها التي يستشرف بها الناس ما يكون في المستقبل، إلا ما كان عن طريق الوحي، سواء أن كان ذلك في الكتاب، أو كان ذلك في خبر من لا ينطق عن الهوى ـ صلى الله عليه وسلم ـ أو كان ذلك عن طريق الرؤى والمنامات؛ فإن الرؤى طريق من طرق استشراف المستقبل، (والرؤيا الصالحة من الله)صحيح البخاري (3292)، وصحيح مسلم (2261)، كما جاء في الصحيح من حديث جابر وحديث أبي سعيد وغيرهما.
كذلك الطريق الرابع الذي يُعرف به المستقبل ما يكون من فراسة أصحاب الفراسة، الذين لهم نظر وبصر، وهذا نور يقذفه الله في قلب العبد ينكشف به المعرفة، لكن هذا لا يكون يقينًا، ولا ينازع فيه الغيب، إنما هو معرفة بعض النهايات من خلال ما يقذفه الله تعالى في قلب الإنسان من علم ونور ليستضيء به، ويستنير به الأمور، وتنكشف له المغيبات، كما كان قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «قَدْ كَانَ يَكُونُ فِي الْأُمَمِ قَبْلَكُمْ مُحَدَّثُونَ، فَإِنْ يَكُنْ فِي أُمَّتِي مِنْهُمْ أَحَدٌ، فَإِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ مِنْهُمْ»صحيح البخاري (3469)، والتحديث: هو أن يعرف ما يمكن أن يكون في المستقبل، لكن ليس على وجه الاستناد إلى الجن، ولا بالنظر في النجوم، إنما شيء يقذفه الله في قلب الإنسان، من غير هذه الطرق المحرمة، التي لا تؤدي إلا إلى ضلال، ولا توقع إلا في انحراف.
مما يستشرف به الغيب، المستقبل، التجربة التي جرى بها نظام الكون، فمثلًا معرفة أوقات الصلوات، الله ـ تعالى ـ يقول: ﴿وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ﴾[النحل:16]، والاهتداء بالنجم نوعان: اهتداء في المكان، واهتداء في الزمان، اهتداء في المكان بمعرفة الأماكن والطرق والسبل، واهتداء بالزمان بمعرفة الأوقات، كما قال تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ﴾[البقرة:189]، فهذا مما جعله الله ـ تعالى ـ لمعرفة الأشياء النافعة للناس.
هذه الطرق الخمسة هي التي يُعرف من خلالها المستقبل، أما ما يكون من غير هذه الطرق سواء أن كان بكهانة أو كان بعرافة أو كان هم طبعًا الآن إذ يروج ما عندهم من بضائع يسمونه هذا العلم النوراني، وهو علم نيراني وليس نوراني؛ لأنه يفضي بأهله إلى النار، نسأل الله الهداية، وأن يكفينا شر كل ذي شر، وأدعو إخواني إلى أن يصدقوا في التوكل على الله، ومن توكل على الله كفاه.