الزينة ذات بعد كبير بالنسبة لجنس النساء في الجملة، وهذا أمر طبيعي فالله تعالى يقول: ﴿أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ﴾[الزخرف:18]، والتجمل مطلوب حتى من الرجال، ولما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر»، قال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنًا ونعله حسنة، قال: «إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق، وغمط الناس» رواه مسلم (91) عن ابن مسعود رضي الله عنه .،وهذا فيه بيان أمرين:
الأول: أنه لا ارتباط بين الجمال والكبر؛ إنما الكبر مرض في القلب، وأما الجمال فهو تحسين الظاهر، حتى يبدو على أحسن ما يحب أن يرى، وقد يكون الإنسان مشوه الخلقة، مشوه اللباس والهندام، لكن قلبه قد امتلأ كبرًا، وقد يكون من أبهى الناس صورة، وأجملهم طلة، لكن قلبه أجمل من صورته، فليس هناك تلازم بين التجمل وبين الكبر.
وينبغي أن نعرف أن الأصل في التجمل الإباحة والحل، إلا ما جاءت الشريعة بتحريمه؛ لكونه من تغيير خلق الله تعالى، كالنمص وتفليج الأسنان، والوشم، ووصل الشعر، ولو أردنا أن نطلب حدود المحرم في التجميل لوجدناه محصورًا، وليس شيئًا واسعًا، وقد سكت الرسول صلى الله وعليه وسلم عن أشياء كثيرة كانت النساء تتجمل بها، ولم يأت لها ذكر، والسبب أن الأصل في التجميل الإباحة.
وهنا أنبه إلى أن الشريعة عندما منعت بعض أنواع التجميل، ليست تحارب الجمال، فهي أجمل شريعة جاءت إلى البشرية، وهي أعظم شريعة تدعو إلى التجمل، حتى في مقام العبادة ـ الذي فيه ذل وخضوع ـ يقول الله تعالى: ﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾ [الأعراف: 31]، مع أن مقتضى العبادة أن يكون الإنسان بعيدًا عن متاع الدنيا، خالي القلب من أي نوع من العوائق التي قد تعيقه، فكيف بحالات الفرح والسرور؟! فالتجمل فيها مباح من باب أولى، والله أعلم.