بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربِّ العالمين، نحمده حقَّ حمده، لا أحصى ثناءً عليه، أحقُّ من حمد، وأجلُّ من ذكر، له الحمد كله، أوله وآخره، وأشهد أن لا اله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، اللهم صلّي على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد.
أما بعد... فحياكم الله أيها الإخوة والأخوات، في هذا اللقاء الذي تنظمه جمعية الزواج والتنمية الأسرية بمحافظة "رياض الخَبراء"، وعنوان هذا اللقاء متصل بموضوع هذه الجمعية وعملها، إنه المودة في الحياة الزوجية، الله جلَّ في علاه، جعل من آياته الدالة، على عظيم صنعه وبديع حكمته، وتمام إتقانه لخلقه آيات كثيرة مسموعة ومرئية ومشاهدة، ومن رحمته أن نوَّع هذه الآيات، فليست هي آية واحدة، إنما هي آيات في السماء والأرض، وفي الأنفس، وفيما يشاهده الإنسان من حوله، بل حتى في حياته الخاصة، والله تعالى بلغ الغاية، في إقامة الحُجة على خلقه، في الدلالة عليه، وبيان عظيم ماله من الصفات، فنوَّع الآيات، ثم قال:)وفي أنفسكم أفلا تبصرون(، والنفس هنا ليست فقط النفس البشرية المنفردة، بل إنها تشمل كل أحوال الناس في معاشهم وتصرفاتهم، وما أقام الله تعالى من دلائل إتقانه، وعظيم آياته الدالة عليه، ومن ذلك هذه الصلات التي تكون بين الناس.
هناك صلات معقولة ومعروفة، صلة الوالد بولده، فطر الله تعالى عليها القلوب، ودلت عليها العقول، فالصلة بين الوالد والولد من أوثق الصلات، إذ إن الولد فرع عن والده، وهو بضعةٌ منه وجزء منه، فما يكون بينهما من العلاقة مبرّر، ومفهوم ومُدرك، ولذلك تجد هذه العلاقة حتى في غير العاقل من الخلق، في الحيوان، تجد من حُنّو الوالد على ولده، وقيامه عليه ورعايته له، وسعيه لمصالحه، ما يشهد على عظيم صنع الخالق سبحانه وبحمده، وأن المدبّر لذلك هو الله جلَّ في علاه، لأن هذا الخلق جميعه يجتمع على هذه الفطرة، التي بها يحفظ الجنس، بها يستمر الخلق، فرعاية الوالد لولده، سبب من أسباب بقاء الجنس، فلو أن كل والد بعد ولادة ولده انقطعت صلته عنه، وبُتر وصله به، لكان ذلك مؤذناً بهلاك العالم، ولكن من رحمة الله، أن جعل هذا التواصل الفطري الذي لا ينفك منه الإنسان، لا يدعو إليه دين في الأصل، ولا يدعو إليه خلق إنما يدعو إليه سنة أجرى الله عليها الكون وفطره، فطر الله تعالى الخلق عليها)لا تبديل لخلق الله(.
إن الصلات متنوعة، لكن من أعجبها صلة الرجل بالمرأة، وتقارب هذين الجنسين، دليل على عظيم صنع الله عزَّ وجلَّ، ولذلك يقول الله تعالى: )وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً(سورة الروم، الآية21:.
وقفة عند هذه الآية: الله تعالى جعل من الآيات الدالة عليه هذه الصلة بين الزوجين، ولقائل أن يقول: أين مظاهر الآية في هذه الصلة، كيف كانت الصلة بين الزوجين على هذا النحو، آية من آيات الله عزَّ وجلَّ، استمع إلى ما ذكره بعض أهل العلم، عندما تكلم عن هذه الآية، في بيان وجه كون هذه الصلة من آيات الله عزَّ وجلَّ، الدَّالّة على عظيم صنعه وبديع إتقانه لخلقه، جلَّ في علاه.
إن الله عزَّ وجلَّ فطر القلوب على استنكار الغريب، ولذلك إذا استغرب الإنسان شيئاً ممن حوله لفت نظره، لكن في هذه الصلة تتلاشى كل تلك الغرائب، التي ألِفها الناس فيما يتعلق بالصلات بينهم، فتجد المرأة في بيت أبويها تنشأ بين إخوانها وأهلها، لا ترضى بهم بدلاً، ثم يأتي رجل غريب لا تعرفه، ولا تربطها به صلة في غالب الأحوال، من قريب أو بعيد، هو في كل الأحوال يحمل نوعاً من الغرابة عنها، ليس ممن تألفهم وتعرفهم من صغرها، هذا غالب أحوال الأزواج، ثم إن هذه المرأة تقبل الارتباط بهذا الرجل، وتترك أعز الناس صلهً بها، وأوثق الناس علاقهً بها، تترك أمها وأباها، وإخوانها وأخواتها وأهلها، وترضى أن تنتقل مع هذا الرجل الغريب، في اتصال غير معتاد، لا يكتفي فقط بالوصل المعتاد، الذي ألفته؛ في صلتها مع أبيها وأخيها وأمها، ومن حولها، إنها أوثق صلة )هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ(+++سورة البقرة، الآية:187، فقربها من الرجل الغريب الذي جاءها، قرب كقرب اللباس من البدن، وليس ثمة فاصل بين البدن واللباس، هذا الاتصال هو من آيات الله عزَّ وجلَّ. كيف قبلت المرأة بهذا، ثم كيف قبل الرجل بهذا الوصل، ولماذا كانت هذه العلاقة على هذا النحو من الخصوصية، كل ذلك من آيات الله عزَّ وجلَّ، إنها الفطرة التي ركزها الله تعالى في نفوس الناس، ولذلك تجد أن الزواج لا يختص بدين من الأديان، ولا بفئة من البشر، بل كلُّ البشر، على اختلاف أجناسهم، وتفنُّن أصولهم واختلاف أديانهم يجتمعون على هذا النوع من الارتباط، وله من القدسية والمكانة والاحترام، ما ليس لغيره من العلاقات، كلُّ ذلك من آيات الله، )فطرة الله التي فطر الناس عليها(، إن صلة الرجل بالمرأة آية من آيات الله عزَّ وجلَّ، وأحد البراهين الدالة على عظيم إتقان الرب -جلَّ في علاه- لخلقه، وبديع صنعه في كونه سبحانه وبحمده.
ومن تأمل وتفكر في هذه الصلة، وهذه العلاقة وقف على ألوان كثيرة، وصنوف عديدة من الدلائل والبراهين؛ التي تصدق قول الله تعالى:)وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا(سورة الروم، الآية:21 والزوج هو القرين، هو الشفيع وهو الملاصق للشيء، لكن ذلك لا يكفي في استمرار الصلة، بل جعل الله تعالى من أسباب استمرار الصلة وديمومتها، ما يبقي هذه العلاقة، ويحافظ عليها، ولذلك قال -جلَّ وعلا-: )وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً(سورة الروم، الآية:21 هذان هما عنصرا، أي علاقه زوجية صحيحة سليمة لا يمكن أن يُبنى بيت زوجي، وعلاقة بين رجل وامرأة، في ظل الزوجية، على وجه تتحقق به السعادة للأطراف، وتستقيم به الحياة لهذا المكوِّن وهذه النواة، التي يتكون منها المجتمع، إلا بهذين الركنين، فمتى نقصا نقص الخير في الأسرة، نقص الاستقرار، نقصت الطمأنينة، وإذا زالا تهدم البنيان، حتى لو كان في الظاهر قائماً، فإنه سيتهدم في الحقيقة، وفى المعنى وفى الجوهر، ولو حوفظ على الصلات ظاهريًّا، مآلها إلى أن تزول كشجرة قطع عنها الماء، تقوم فترة من الزمن وتقاوم عوامل التعرية، والمتغيرات المناخية، من ريح وغيرها. لكن في النهاية، تجف أغصانها وييبس ساقها، وتجعفها أدنى ريح يمكن أن تصادفها، هكذا هي الصلة بين الزوجين، إذا جفّ هذان الأمران المودة والرحمة.
فما هي المودة وما هي الرحمة؟ التي عليهما ترام الحياة الزوجية.
المودة هي خالص الحب، المودة هي مشاعر فياضة، بالانجذاب والميل إلى الطرف الآخر. ولذلك قال بعض أهل العلم: إن المودة خلاصة الحب، وغايته، ولهذا لا يُعاب حب الرجل لامرأته.
كثير منا يستحى أن يقول: أنا أحب زوجتي، أحبُّ امرأتي، و كذلك المرأة قد تستحي أن تقول: أنا أحبُّ زوجي، وفي الرجال الحياء من هذا الأمر أكثر، لكن الواقع أنَّ الحياة المستقيمة لا تتوانى ولا تتردَّد في الإخبار عن هذا، فإن النبي صلى الله عليه وسلم، أكملُ الناس خلقاً، وأعظمُ الناس مسلكاً، في تحقيق المروءة، والسلامة من كل آفة وعيب ونقص، كان يقول صلَّى الله عليه وسلم، لما سُئل عن أحب الناس إليه؟ قال: عائشة[صحيح البخاري(ح3662)، ومسلم(2384/8)]، ثم قال في خديجة وهي أول زوجاته صلى الله عليه وسلم: «إني رُزقت حبَّها»[صحيح مسلم(6359)]، وإن النبي صلى الله عليه وسلم بيَّن أن حب الأزواج لزوجاتهم فطرة، ولذلك قال: «حُبِّب إليَّ من دنياكم النساء»[مسند أحمد(14037)، وصححه الألباني في المشكاة، وقال الحاكم صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. ووافقهه الذهبي] ليس هذا دعوة إلى فتح المجال لعلاقات محرمة، أو تسويغ صلات منحرفة، إنما هذا بيان لفطرة فطر الله تعالى عليها قلوب الرجال تجاه النساء، لابد من مراعاتها، ومعرفة المساقات والمسارات الشرعية، التي من خلالها نعبر عن هذا الحب، ويترجم هذا الحب حينما تغلق تلك الطرق وتوصد تلك الأبواب، ثق تمامًا أن هذه العاطفة ستكون كالماء، ستتسرب من هنا أو من هناك، لتجد لها مسلكاً، إن لم توجد مسارات ومجارٍ لتنفيس النفوس عن هذا الشعور الفطري، فإنها ستنحرف بلا شك، إلا أن يعصم من ذلك عاصم التقوى، وقلّ أن يكون في كثير من الناس.
إن النبي صلى الله عليه وسلم بيّن لنا كيف تتحقق المودة، ترجمةً عملية في سلوكه وخلقه صلى الله عليه وسلم لم يكن ذلك بقول دون عمل، بل كان ذلك بالقول المشفوع بالعمل، أو المقترن بالسلوك المستقيم، الذي نقله أزواجه رضي الله عنهن، في بيان ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم، من تمام المراعاة لحقوق الزوجية، وتحقيق المودة بين الأزواج، إن النبي صلى الله عليه وسلم، كان يعبر عن مشاعره بصدق، فيخبر بمحبة أزواجه صلّى الله عليه وعلى آله وسلم، وهنا نعرف مفتاحاً من مفاتيح تحقيق المودة: أن لا تكون شحيحاً في التعبير عن مشاعرك، لا بالنسبة للرجل، ولا بالنسبة للمرأة، عندما يفيض في قلبك مشاعر إيجابية تجاه أحد من الناس، فبادر إلى إخباره، وأحقُّ الناس بذلك من تصبح، وتمسي بين أيديهم، من يكونون ألصق الناس بك، فإن صحبة هؤلاء أولى بالبر والاستقامة و الإحسان، من البعداء، ولذلك لما سئل النبي صلى الله عليه وسلم: «من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال أمك. قال: ثم من؟ قال أمك. قال: ثم من؟ قال أمك. قال: ثم من؟ قال: أبوك»[صحيح البخاري(5971)، ومسلم(2548)] وفى رواية أبي داوود قال: «ثم أختك وأخاك، ثم أدناك وأدناك» لما سأله الرجل عن من أبر يا رسول الله؟ قال: «أمك وأباك ثم أختك وأخاك، ثم أدناك فأدناك».[سنن أبي داود:5140، وضعفه أبو داود في الإرواء(2163) حقا واجبا ورحما موصولا]
إن التعبير عن المشاعر، ضرورة لاسيما في زمن أصبح اصطياد الناس، من خلال الكلمات المعسولة المحبوبة للنفوس مصيدة لكثير من الرجال والنساء، أنا لا أتكلم عن جانب الرجال فقط، بل حتى النساء أحياناً، في عرف اجتماعي في وضع معين، تشح بكلمات تعبر بها عن مشاعرها لزوجها، وكذلك الرجل فيكون هناك جفاف في الصلة والعلاقة، إذا جفت الصلة والعلاقة فمهما كان الإنسان على محبةٍ في قلبه، سيجد أن هذا الجفاف مؤثرٌ في علاقته بزوجه، ولذلك الكلمة الطيبة، أو القول الحسن، هو مفتاح للتعبير عن المشاعر، والله تعالى يقول: )وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا(سورة البقرة، الآية:83، وهذا يتفاوت بتفاوت الناس؛ فالقريب له من الحسن, ما ليس للبعيد, وكذلك له من الحق للتعبير، عن المشاعر ما يستحقه، مما يديم الصلة بين الناس، ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم، لما أخبره رجل، من أصحابه فقال إني أحب فلانا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " فأخبرته "، قال: لا، قال: " فأخبره "، قال: فلقيه بعد، فقال: والله إني لأحبك في الله، فقال له: أحبك الذي أحببتني له.[أخرجه أحمد في مسنده(12514)، وسنده صحيح]
فالنبي صلّى الله عليه وسلم أمرنا ووجهنا إلى أن نبدي المشاعر الحسنة، تجاه إخواننا ، فكيف بمن هم البعداء، الذين لا تربطنا بهم صله قرابة، ولا صله غير حب شخصٍ في الله، لطاعته وإحسانه، وصلاحه، وما تراه فيه من خير، فتخبره وإخبارك له سنه تديم الود بين المؤمنين، وتحقق معنى )إنما المؤمنين إخوة)[الحجرات:10]، فإن ما يحقق المودة بين الزوجين، عدم البخل بالمشاعر، الإخبار بحقيقة ما تجده في نفسك، إذا كنت تحب، وإن لم تكن تحب، لا مانع أن تقول مشاعر طيبة، لا تخالف الواقع، مما يترتب عليها تقريب وشحن هذه العلاقة، بما يكون سبباً لاستصلاحها، ودوامها واستقامتها.
إنَّ من فوائد الإخبار بالمشاعر الطيبة، إضافة إلى تحقيق المودة، الإشباع العاطفي، وأنا أقول: يا إخوة، ويا أخوات إشكالية كبرى يعاني منها كثير من الناس، الفراغ العاطفي، تجد الرجل مع زوجته، والمرأة مع زوجها يأكلان ويشربان، ليس عليهم قاصر، لا في مسكن لا في مشرب، ولا في ملبس، لكن هناك أمر غائب بينهما، وهو الإشباع العاطفي، بمعنى أن المرأة تشعر بأن زوجها لا يعطيها كل ما تحتاج اليه من المشاعر، في المقابل الرجل يجد أن امرأته تهتم بملبسه، تهتم بمشربه، تهتم بمأكله، لكن لا تعطيه ما يحتاجه نفسيًّا، الحاجة لإشباع العاطفة أمر نفسي، لا يتعلق بالملبس والمأكل والمشرب، هو يتعلق بأن يشعر الرجل بالسكن، الذي قال فيه الله -جلَّ وعلا-: )وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً(سورة الروم، الآية:21، فلا بد من السكن من الطرفين، والسكن طمأنينة، السكن انشراح، السكن كفاية، ولا يتحقق هذا إلا ببذل كل سبب.
من الأسباب من الطرفين في تحقيق الإشباع العاطفي، وهذا الكلام بعض الناس يقول ما عهدناه في آبائنا، ما سمعناه في أهلنا، غير صحيح أن نحاكم النصوص الشرعية، بما نعرفه وبما عشناه، وبما أدركنا عليه آباءنا، قد يكون هناك خطأ ناتج عن طبيعة معينة، قد يكون هناك ما جدَّ في حياة الناس، مما يستوجب أن يعيد النّاس النظر في طريقة تعاملهم، وفي طريقة تعاطيهم مع أهليهم، وأزواجهم وزوجاتهم لتحسين العلاقة، لاسيما أن اليوم مليء بالمصائب، التي تُختطف فيها مشاعر الناس من الرجال ومن النساء، فشبكات التواصل على سيبل المثال، وهي نموذج من النماذج التي لا يخلو منها الإنسان في الغالب، هي من البيئة الخصبة ، التي يجد فيها بعض الناس، إشباعاً عاطفيًّا، من خلال علاقات محرمة، تكون ناتجة عن فراغ عند الرجل، وعدم إشباع عند المرأة في الجانب العاطفي، يسبب هذا الإشكال، وأنا أقول بالتجربة، وكلام المختصين من الخبراء، أن 90 %من المشاكل الزوجية ترجع إلى هذه القضية، قضية عدم الإشباع العاطفي، ولكن لما كان الأمر يصعب التعبير عنه؛ عند كثير من الرجال والنساء، وقد لا يستطيعون تشخيص المشكلة، وقد لا يستطيعون التحديد الصحيح لما يعانونه، تذهب المشاكل في فروع وظواهر وأعراض، وتغفل عن الجوهر والأساس، فتجد المرأة تشكو من زوجها، أنه كثير الخروج، تجد الرجل يشكو من زوجته أنها لا تهتم به، الذي يشغلها الذهاب والمجيء، وكثير من المشاكل التي هي في الحقيقة أعراض وليست مشاكل أساسية.
وإذا فتَّشت وجدت أن ثَمة إشكال في العلاقة الخاصة بين الزوجين، لكن لمّا كان الناس يستحيون أن يترجموا وأن يفصحوا عن تلك الإشكالات، تذهب تلك التفسيرات والتبريرات، إلى المشاكل بالأولاد بالأهل، بالوالدين لتقصير الزوج في نفقة، وما إلى ذلك مما تعتبر مشاكل حقيقية، أو قد تكون معاناة حقيقية، لكن يمكن أن يتلافاها الزوجان، إذا أقاما بينهما المودة والرحمة، إذا قامت المودة والرحمة استطاع الزوجان أن يختصرا كثيراً من الإشكالات، وأن يتجاوزا كثيراً من المعاناة، التي تعانيها أكثر الأسر، التي قد يظهر أنه ليس عندهم مشكلة، وهي تعج بأنواع من المشاكل، وتعصف بها أنواع من الاضطرابات، التي تنعكس على الأطفال، وعلى الأسرة، وبالتالي على المجتمع ككل.
إن من أسباب تحقيق المودة بين الزوجين، تقوى الله جلَّ وعلا، وهذا قد يقول قائل: ما صلته بتحقيق المودة بين الزوجين؟ التقوى، من أعظم ما يحقق المودة بين الزوجين.
لأن تقوى الله تعالى مفتاحُ صلاح الدنيا، واستقامة الآخرة، ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم، بل الله عزَّ وجلَّ ذكر التقوى، في أول آية في سورة النساء، فقال: )يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا(سورة النساء، الآية:1، ثم قال: )واتقوا(؛ أعاد الأمر بالتقوى، )وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً(سورة النساء، الآية:1، ثم قال: )واتقوا الله(لضروريته وأهميته في الآية الأولى مرتين )وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (سورة النساء، الآية:1.
إنَّ العلاقة بين الزوجين، لا يمكن أن تستقيم لوجود مراقب خارجي، شُرطي يتابع أو أب يراقب، أو أمّ تتابع وتنظر وتشاهد، إن العلاقة بين الزوجين تستقيم؛ بأن يستشعر كل طرف من هذه العلاقة؛ برقابة الله عليه، ولذلك ختم الله تعالى، هذه الآية بقوله: )إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا(سورة النساء، الآية:1.
ورقابة الله جلَّ وعلا تُوجب التقوى، ولذلك انظروا إلى الآيات التي ذكر الله تعالى فيها الطلاق، ما في آية ذكر الله فيها الطلاق، إلا ذكر فيها من أسمائه وصفاته، ما يوجب خوفه وخشيته ومراقبته، في شأن الصلة بين الزوجين.
ولذلك يا إخوتي! تقوى الله تعالى سبب لاستقامة العلاقة بين الزوجين، إذا اتقى الزوجان الله عزَّ وجلَّ، فُتحت لهم أبواب الصلاح، ولهذا النبي صلّى الله عليه وسلم، في خطبة في صحيح الإمام مسلم، عن جابر، في خطبة الوداع، قال: «اتقوا الله في النساء؛ فإنَّكم أخذتموهنَّ بأمانة الله واستحللتم فروجهنَّ بكلمة الله»[صحيح مسلم(1218/147)] يذكر أنَّ كل هذه الصلة ابتداؤها وانتهاؤها ودوامها هو في مراقبة الله عزَّ وجلَّ، فيجب أن يراقب الله جلَّ وعلا في الصلة بين الزوجين؛ لتستقيم الحال، النبي صلّى الله عليه وسلم أكد هذا المعنى، أكده القرآن، ولذلك تقوى الله سببٌ للسعادة )وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْض(سورة الأعراف، الآية:96، كما أن هذا في صلاح الأمة ومجموعها، كذلك هو في صلاح الأفراد، فلو أن الناس اتقوا الله حق تقواه لاستقامت الصلة بينهم، لا تجد معاناة، لا تجد إسرافاً، لا تجد أذى، لا تجد بغياً، لا تجد عدواناً، تجد إما إمساكاً بمعروف، أو تسريحاً بإحسان، هكذا تدور الصلة يبن الزوجين إذا اتَّقيا الله عز وجل.
من أسباب المودة بين الزَّوجين، ذكر وصية النبي صلّى الله عليه وسلم للنساء، وهذا الخطاب موجَّه للرجال ابتداءً لأنهم الذين يملكون زمام المبادرة في الإصلاح، وهم الذين بيدهم حلُّ العقدِ، أو إبقاؤه، وهم الذين جعل الله لهم القوامة، على هذه الرابطة لإصلاحها، ولذلك جاءت توجيهات في أكثر الآيات إلى الرجال، فقال النبي صلّى الله عليه وسلم: »اتقوا الله في النساء»، وقال صلى الله عليه وسلم في خطبته أيضا في يوم عرفة:«واستوصوا بالنساء خيراً، فأنهنَّ عوانٍ عندكم»[أخرجه الترمذي في سننه(1195)، وقال: حديث حسن صحيح]، كلُّ ذلك لكون الرجل عليه مسؤولية زائدة عن المرأة في إصلاح الأسرة وإقامتها، والمحافظة عليها، وتحقيق الود والصلاح الحالي بين الزوجين، النبي صلّى الله عليه وسلم جعل خيرية الرجل، مقرونة بخيريّته لأهله، وهذا من وصيته صلى الله عليه وسلم بالنساء، من وصيته بما يحقق المودة أن جعل المعيار الذي يقاس به فلان، ونِعمَ فلان، فلان جيد، فلان طيب، هو بالنَّظر إلى علاقته بأهله، أنا أسألك الآن نحن في ميزان الثناء على الناس، هل يحضر في أذهاننا صلة الرجل بأهله، كمعيار من معايير تقييم الناس، ما يحضر في أكثر أذهان الناس، علاقة الرجل بأهله غائبة تماماً، عن أن تكون حاضرة، ولو بنسبة يسيره في معيار الخيرية، فالمعمول به عند كثير من الناس أن معيار الخيرية بالأشياء الظاهرة مثل الصلاة، وهذه كلها معايير، لكن ليست هي المعايير الكافية، التي ينبغي أن ينظر إليها، في التقويم الإجمالي، النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: »أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقاً»ثم يقول صلى الله عليه وسلم:«وخياركم خياركم لنسائهم خلقاً»[سنن أبي داود(4682)، والترمذي(1162)، وقال: حديث حسن صحيح]، إذا كان الرجل خلوقاً مع المرأة، حسن الصلة بها يراعيها، قد يكون محلًّا للهزء أو التهكم أو النيل من بعض الناس بقولهم: امرأته مسيطرة عليه، أو ما إلى ذلك، مما ينفّر كثيرًا من الناس، عن أن تكون العلاقة على نحو من الخيرية، الخيرية لا تعني أن يترك الحبل على غاربه، الخيرية لا تعني أن تهمل المرأة، الخيرية لا تعني ألا تقي أولادك وزوجك وأهلك النار، لا، أبداً هذا مفهوم غلط، الخيرية معناها أن تكون لهم على أحسن ما تستطيع، من خلق ومن معاملة ومن رعاية، وصيانة وقيام بما أوجب الله تعالى عليك تجاههم، هذه هي الخيرية، التي قال فيها صلى الله عليه وسلم: «وخياركم خياركم لنسائهم» إنَّ النبي صلى الله عليه وسلم، أعطى هذا المعيار حثّاً للرجال على بذل كل سبب من أسباب العشرة والمودة، النبي صلّى الله عليه وسلم، كان يتلطف مع أزواجه بكلامه وبفعاله، وبمعاملته، وبسائر ما يكون منه، صلى الله عليه وسلم، على وجه تعجب أن يكون من رجل في درجة النبي صلى الله عليه وسلم في المهام والانشغال والوصاية، فعائشة رضي الله عنها لما سُئلت عن النبي صلّى الله عليه وسلم، كيف كان في بيتك؟ قالت:« كان يكون في مهنة أهله»[صحيح البخاري(676)] يعنى في أعمال البيت، من غسل، وتهيئة ما يحتاج إلى تهيئة، ورقع ما يحتاج إلى رقع، وتنظيف ما يحتاج إلى تنظيف، هكذا كان سيد ولد آدم، سيدنا النبي صلّى الله عليه وسلم، أنا أقول: من منا يحرص على أن يكون في مهنة أهله، هناك ولاشك هناك رجال أخيار، تجدهم في مهنة أهلهم، يباشرون العمل ويكونون قدوة حسنة لأهلهم، وأولادهم لكن الغالب العام، أن كثيراً من الرجال، يرى اشتغال الرجل بمثل هذه الأعمال الطبيعية العادية، التي يقترب بها من أهله ويعايشهم ويعاشرهم، يرى أنها منقصة، أو نوعٌ من النزول عما ينبغي، وعما يؤمل أن تكون عليه الصلة بين الرجل والمرأة.
إن من أسباب حسن الصلة بين الزوجين، التواصي على الطاعة والعبادة، الله تعالى يقول: )وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ(سورة المائدة، الآية:2 ،ويقول -جلَّ وعلا-: )والمؤمنون والمؤمنات بعضُهم أولياء بعض(، فهذه في الصلة العامة بين جنس المؤمنين، وجنس المؤمنات، وفيما بين المؤمنين بعضهم مع بعض، وفيما بين المؤمنات بعضهن مع بعض، وفيما بين المؤمنين والمؤمنات، يقول: )وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ(يعنى بعضهم يحب بعضاً، وبعضهم ينصر بعضاً، )يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ(التوبة: 71 ولذلك لما ذكر قال: )وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً(سورة الروم، الآية:21 قال: )ورحمة(، الرحمة ثمرة المودة، وهنا لما ذكر الله تعالى الولاية بين الرجل والمرأة، بين المؤمنين والمؤمنات، في صورةٍ من صور الولاية بين أهل الإيمان، قال: )أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ(فالمودة تُثمر الرحمة بين الزوجين، وتظهر صلاحَ الصلة بين الأزواج إذا اتقوا الله تعالى، وحققوا أمر الله عزَّ وجلَّ.
إن النبي صلّى الله عليه وسلم ساوى بين الرجل والمرأة في التواصي بالبر، والتواصي على الخير، وإليك هذا الحديث، الذي رواه أصحاب السنن، من حديث أبي هريرة، رضي الله عنه يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «رحم الله رجلاً قام من الليل فصلى، وأيقظ امرأته، فإن أبت، نضح في وجهها»
النَّضح هو الرش اليسير، النضح الرش اليسير، الذي يحصل به التنبيه، ورحم الله، هذا بالنسبة للرجل، «ورحم الله امرأة، قامت من الليل فصلت، وأيقظت زوجها، فإن أبى نضحت في وجهه الماء»[سنن أبي داود(1308)، وصححه الألباني في صحيح الجامع(3494)] هذا تعاون على البر والتقوى، وهذه الرحمة هي من ثمار المودة، وهي ما يوطد الصلة بين الزوجين، الآن بعض الأزواج توقظه امرأته للفرض الواجب في صلاه الفجر، أو في غيرها من الصلوات، يقول ما عليك مني، فارقي، ترى إن فعلتِ أو أمرتِ، أو أيقظتني، أو أزعجتني، طالق، أو ما أشبه ذلك. كيف تستقيم المودة بين الزوجين على هذا النحو؟ إنَّ كلَّ نقص في صلة العبد بربه ، لابد أن ينعكس على صلته بأهله وبمن حوله، ولهذا كان السلف يرون ثمار معاصيهم في علاقاتهم بزوجاتهم، وفي علاقاتهم العامة، فيما يجري عليهم من حياة، حتى إن أحدهم يقول؛ إني لأرى أثر معصيتي، في عثرة دابتي وسوء خلق زوجتي.
إذاً التقوى وتحقيق العبودية، والتعاون على البر والتقوى، الاجتماع على الخير، هو مما يُصلح الصلة بين الناس، ومتى ما حصلت معصية، واجتمع الناس على معصية، فإنَّ الله تعالى يوقع بينهم من البغضاء، والسوء والنَّكد والشر، ما يُفرق جمعهم، ولكن هذا قد يتأخر في الدنيا، لكنه يظهر جليًّا في الآخرة، يقول الله تعالى: )الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ(سورة الزخرف، الآية 67، الأخلاء هم الذين كانت بينهم وشائج الحب، والخلة والمودة بعضهم لبعض عدو، هذا في يوم القيامة، )إلا المتقين(، إذاً التقوى سبب دوام المودة، التقوى سبب استمرار صلاح الحال بين الناس، فكلما ازدادت العلاقة تحقيقاً للتقوى، كانت سبباً لدوام الصلة بين الأزواج وصلاحها.
إن مما ينبغي أن يعرفه الرجال، أن من أسباب المودة -وأيضاً النساء- أن يدرك كل واحد من الطرفين طبيعة الآخر، لكن الرجل ينبغي له أن يعتني بهذا الجانب، لأن النبي صلّى الله عليه وسلم أبرزه في صلة الرجل بامرأته، فإن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «استوصوا بالنساء»، ثم قال: «فإن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه»
الضلع هو الضلع كالأضلاع التي في الصدر، خُلقت من ضلع آدم عليه السلام، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه»، ثم ذكر كيف تعامل الناس مع الضلع، إذا أردت أن تقيمه، فلابد لك أن تكسره، ما يمكن أن يستقيم ضلع إلا بالكسر، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: «فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء».[صحيح البخاري(5186)، ومسلم(1468/60)]
شوف ابتدأ بالوصية بالنساء، وختم بالوصية بالنساء، ونبه إلى طبيعة المرأة، أن ما يجده الرجل من تغير في حال المرأة، من نقص في حال المرأة، هو بطبيعتها، فالآن حينما يتكلم الناس عن المرأة، بقولهم: المرأة خلقت من ضلع أعوج، فعلى أي أساس يذكرون هذا الكلام، التنقص بالمرأة، الهُزء بها من منطلق استنقاصها، فتجد الرجل يقول: ناقصات عقل ودين، هذا كلام حق جاء في سياق باطل، النبي لم يذكر هذا لتنقص المرأة مطلقاً، حاشاه أن يتنقص أحداً من الخلق، إنما ذكر ذلك في سياق الاعتذار للمرأة، عمَّا يكون من قصور، أو نقص، فشتان بين من يقول هذا الكلام، ويستحضره لأجل أن يتنقص المرأة، هذا جاء بخلاف مقصود النبي صلّى الله عليه وسلم، هذا من وضع الكلم، وتحريف الكلم في غير موضعه، أما ذاك الذي يقول هذا الكلام ليذكِّر بضرورة، رعاية المرأة والصبر عليها، ومراعاة ما جُبلت عليه، فذلك موافق للمقصود النبوي فتأمل قوله: «استوصوا بالنساء، فان المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج ما في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج»، ثم قال: «واستوصوا بالنساء»
كل هذا التأكيد للمعنى الذي أراده صلّى الله عليه وسلم، من هذا التوصيف للمرأة، ولذلك من الضرورات، التي يجب أن يعيها الرجال، إن حق القوامة الذي جعله الله لهم، هو في حسن إدارة هذه الرابطة، في حسن إدارة هذه الصلة، لتُحفظ من الخلل، أو ما يكون سبباً لانفصامها، وعدم قيامها، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم، حرّج الرجال في حق المرأة، فقال: «اللهم إني أحرج حق الضعيفين، اليتيم والمرأة»[سنن النسائي الكبرى(9301)، ومسند أحمد(9666)، وقال محققو المسند:إسناده جيد]
والتحريج هو إلحاق الإثم والتذكير بخطورة ما يقع فيه الإنسان، من ضيق إذا أضاع هذا الحق، فإن الله -عزَّ وجلَّ- ذكر بالميثاق، وهذا من دواعي إقامة الود بين الزوجين، أن يتذكر كل واحد منهما، أن هذا الميثاق الذي بينهما، ميثاقٌ غليظ، وقال تعالى:)وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا(سورة النساء، الآية:21، وهو ما أمر الله تعالى به من العشرة بالمعروف، ولذا يجب على الرجل والمرأة، أن يُراعيا هذا الميثاق، وأن يحفظاه بإقامة الحقوق التي بها تصلح الأحوال بين الزوجين، وقد قال النبي صلّى الله عليه وسلم:«واتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهنَّ بكلمة الله».[صحيح مسلم(1218)]
إن مما يقيم الود بين الناس عموماً، وبين الأزواج على وجه الخصوص، أن تبنى العلاقة بين الزوجين، على التسامح، على التغافل، على التصافح، على العفو، على التنازل عن الحقوق، التي يمكن أن تكون سبباً لتجاوز العثرة، وتجاوز المشكلة، وذاك به تستقيم الصلات، وقد ذكر النبي صلّى الله عليه وسلم، بعدم حث النظر على السلبيات واستحضار معنى، وهذا أيضا يمكن أن يجعله سببًا، من أسباب حصول المودة بين الزوجين، أن يتذكر كل واحد منهما، الإيجابيات في الشخص الآخر، ولذلك قال صلّى الله عليه وسلم، فيما رواه موسى، في حديث أبي هريرة:« لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً » أي لا يكره الرجل المرأة، ولا المؤمن المؤمنة، لا يكره الرجل المؤمنة، ولا تكره المؤمنة زوجها المؤمن إن كره منها خلقا رضي منها آخر، وهذا التوازن في الصلات، لا يوجد إنسان كامل كل ابن آدم خطاء، ولابد من نقص في السلوك والمعاملة، لاسيما الشيء الدائم، وعلى قول العوام: الدائم شديد صعب، دوام الصلة بين الزوجين يقتضي نوعاً من وجود الهفوات، وعدم التحفظ أحياناً، مرور بظروف قد يخرج بها الإنسان عن حال الاستقامة، هنا يقال: «لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً» أي: لا يكره مؤمن مؤمنة،« إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ»[صحيح مسلم(1469/61)] ، بناء العلاقات على بذل الحقوق، مما يعين على استقامة الحال بين الزوجين، إذا بنيت علاقتي مع زوجتي، وبنت زوجتي علاقتها معي على المطالبة بالحقوق حصل التَّشاحُّ، والإنسان بطبيعته يغلب عليه الشح، لكن إذا بُنيت العلاقة على الإحسان، وما الذي يجب عليّ؟ أن أنظر إلى ما الذي يجب عليّ، قبل أن أنظر ما الذي يجب لي، عند ذلك تصلح العلاقة، ولهذا لما ذكر الله تعالى حق المرأة، لم يبدأ بذكر الحق الذي للرجل، إنما بدأ بذكر الحق الذي عليه، فقال: )وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ( سورة البقرة، الآية:288، وهذا تذكير للرجل، لأن الرجل له أثر بالغ في إقامة المقصود من الزواج، وإصلاح الحال بين الزوجين، قال: )ولهنَّ(بدأ بالحق الذي يجب للطرف الآخر، قبل الحق الذي يجب لك، )وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ( سورة البقرة، الآية:288، وقد كان سلفنا الصالح على وعيٍ بهذا الأمر، حتى فيما يتعلق بقضايا العناية بالمظهر والشكل، يقول ابن عباس، وهو حبر الأمة، وترجمان القرآن: "إني لأتزين لامرأتي، كما تتزين لي، وما أحب أن أستوفي كل حقي الذي عليها لي، فتستوفي كل حقها الذي لها عليَّ"[مصنف ابن أبي شيبة(19263)]، هكذا تُبنى العلاقات، على التغاضي والتسامح، وعلى أن أبادر بما يجب عليّ، يعني أنا أسأل: لو نظرنا إلى وضع التجمل في الرجال، بالنسبة للنساء، قلَّ من يعتنى بهذا الجانب لزوجته، إنما يتجمل ليتواصل، إذا جاء يطلع، إذا جاء يلتقي بأصحابه ، إذا جاء.. كل هذا طبيعي، لكن هي تستحق أن تعتني بنفسك، كما هي تعتني لك، لاسيما في زمنٍ الصورة أصبحت متاحة، وتظهر خلاف الواقع، لا بالنسبة للرجل، ولا بالنسبة للمرأة، بمعنى أنه المرأة تشاهد من صور في التلفاز، وفى وسائل الاتصال، ما يمكن أن يكون فتنة لها، فترى بهاءً وجمالاً وحسناً، في حين ترى نوعاً من التفريط، نوعاً من القبح بل عدم الاهتمام، بل الدمامة أحيانا، بل الطمالة أحياناً في الرجل، بسبب أنه يقول إنها زوجتي لماذا أتجمل لها؟ ويبلغنا من القصص وشكوى بعض النساء، في أمور يستحي الإنسان أن يتكلم بها، ولذلك من الضروري أن يعي الرجل أن للمرأة من الحقوق، كما للرجل عليها، وأن يعتني بالحق الذي عليه، كما يعتني بالحق الذي له، بل يقدم الحق الذي لها أكثر من الحق الذي له، هذه جملة من القضايا أو الوقفات، الوقت ضاق، وكان بودي أن أستعرض بعض القصص، في سير الصالحين، ابتداءً بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وسير أصحابه في معاملاتهم لأزواجهم، لعلَّ ذلك يكون في لقاء آخر.وصلى الله وسلم على نبينا محمد!