عن أبي محمد الحسن بن علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنهما ـ قال: ((حفظت من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، فإن الصدق طمأنينة، والكذب ريبة)) أخرجه أحمد 1/200 (1721) والتِّرْمِذِيّ" (2518) وقال حديثٌ صحيح، و"النَّسائي" 8/327. رواه الترمذي وقال حديثٌ صحيح.
مقدمة:
هذا الحديث الشريف أصلٌ فيما ينبغي أن يكون عليه المؤمن عندما تشتبه عليه الأمور، ويجد في نفسه قلقاً واضطراباً وريبة وشكاً وتردداً في أمرٍ من الأمور: أهو حلالٌ أم حرام أهو واجبٌ أم غير واجب أيفعله أم يتركه؟ إن صراط الورع وطريق السلامة من المؤاخذة هو أن يعمل الإنسان بهذا الحديث الشريف الذي فيه المخرج من هذا المضيق ذلك أن الأمور على ثلاثة أقسام كما جاء ذلك في حديث النعمان بن بشير ـ رضي الله عنه ـ قال صلى الله عليه وسلم:
1- ((الحلال بيّن)) -أي واضح وجليٌّ وظاهر-.
2- ((والحرام بيّن)) – أيضاً واضح وبيّن وجلي وظاهر-.
3- ((وبينهما –أي بين الحلال والحرام- أمورٌ مشتبهات)) أي: ملتبسة ليست واضحة ولا بينة.
فالحلال يأتيه الإنسان مطمئن النفس، والحرام يجب عليه أن يجتنبه، وإذا وقع فيه استغفر وتاب، أما المشتبه فهو مالم يتبين أهو حلال أم حرام، فالواجب وطريق السلامة فيه، هو ما ذكره النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في هذا الحديث الشريف.
معنى الحديث:
قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك" أي: دع مالا تطمئنُّ إليه، إلى ما تجد الطمأنينة فيه. وهذا من أيسر الطرق وأسهلها، ولذلك قَالَ حَسَّانُ بْنُ أَبِي سِنَانٍ: (مَا رَأَيْتُ شَيْئًا أَهْوَنَ مِنْ الْوَرَعِ.( دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ) صحيح البخاري (3/53). . فالذي تشكُّ في إباحته ويشتبه عليك أمره: أهو حرام أم حلال دعه، والذي تشك في وجوبه، أيجب عليك أن تفعله أو لا يجب؟ افعله. وذاك أن الورع يكون في الفعل، كما يكون في الترك؛ لأنَّ كثيراً من الناس يظنُّ أنَّ الورع فقط هو في ترك المحرمات؛ لا بل هو كذلك في فعل ما تشكُّ في وجوبه، فلتفعله وتخرج من العهدة، وتخرج من حالات الاشتباه ومضايق الشبهة.
وقوله صلى الله عليه وسلم: ((فإن الصدق طمأنينة)) أي: إنّ الإنسان لا يجد في الصدق قولاً أو فعلاً أيَّ تردُّد أو أيَّ ريبةٍ أو أيَّ شكٍّ أو أيَّ اضطراب، فهو طمأنينة، والصِّدق الذي يكون كذلك هو صدق القول وصدق العمل معاً.
وقوله صلى الله عليه وسلم: ((والكذب ريبة))، أي إنّ الكذب -وهو مخالفة الواقع، سواءٌ كان ذلك بقول أو بعمل- يوجبُ الرِّيبة.
وكثير من الناس يقول في هذا المقام ما قاله النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الحديث الآخر: ((اسْتَفْتِ قَلْبَكَ، وَاسْتَفْتِ نَفْسَكَ، اسْتَفْتِ قَلْبَكَ، وَاسْتَفْتِ نَفْسَكَ، الْبِرُّ مَا اطْمَأَنَّتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ، وَاطْمَأَنَّ إِلَيْهِ الْقَلْبُ، وَالإِثْمُ مَا حَاكَ فِى النَّفْسِ، وَتَرَدَّدَ فِي الصَّدْرِ، وَإِنْ أَفْتَاكَ النَّاسُ وَأَفْتَوْكَ، ثَلاَثًا.)) أخرجه أحمد 4/228 (18164). وهذا صحيح، وينبغي أن يُعلم أنَّ استفتاءَ القلب وسؤاله، هو عند العجز عن معرفة ذلك من أهل العلم، فالله تعالى أول ما أمر قال: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} النحل: 43 فإذا سألت وتجمعت لديك في المسألة عدة أقوال بينها اختلاف، فعندئذٍ: ((دع ما يريبك إلى ما لا يريبك)) و((استفت قلبك، ... ولو أفتاك الناس وأفتوك))، ومعنى ((استفت قلبك)): أي: انظر إلى ما يطمئنُّ إليه قلبك، وليس إلى ما يُحبُّ ويشتهي، كما يفهمه كثيرٌ من الناس!
فوائد هذا الحديث:
- هذا الحديث العظيم الشريف المختصر هو أصلٌ في طريق العمل بالورع للخروج المشتبهات.
- يجب على الإنسان لدى الأمور المشتبهة، أن يستفتي قلبه، وينظر: أين يجد فيه الطمأنينة: أفي الفعل أم في الترك؟ أفي إتيان الأمر أو في الإعراض عنه؟ أفي الإباحة أم في التحريم؟
- طمأنينة القلب دليل على موافقة الصواب، وإذا كان قلبك مضطرباً في أمرٍ؛ فاعلم أنك لم تطابق الواقعَ فيه، فهو كذب ولهذا جاء في حديث عطية السعدي عند أصحاب السنن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الرجل لا يكون من المتقين حتى يدع مالا بأس به حذرا لما به بأس) رواه الحاكم في المستدرك (7899)، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.