قوله تعالى: {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [البقرة:221] الآية, هذه الآية تدل بظاهرها على تحريم نكاح كل كافرة, ويدل لذلك أيضا قوله تعالى:{وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ}, وقد جاءت آية أخرى تدل على جواز نكاح بعض الكافرات؛ وهنّ الحرائر الكتابيات, وهي قوله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ}.
والجواب: أن هذه الآية الكريمة تخصص قوله: {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ} أي ما لم يكن كتابيات بدليل قوله: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ}, وحكى ابن جرير الإجماع على هذا, وأما ما روي عن عمر من إنكاره على طلحة تزويج يهودية, وعلى حذيفة تزويج نصرانية؛ فإنه إنما كره نكاح الكتابيات لئلا يزهد الناس في المسلمات, أو لغير ذلك من المعاني, قاله ابن جرير.
قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة:228] الآية, هذه الآية الكريمة تدل بظاهرها على أنّ كل مطلّقة تعتدّ بالأقراء, وقد جاء في آيات أخر أن بعض المطلقات يعتد بغير الأقراء؛ كالعجائز والصغائر المنصوص عليها بقوله: {وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ} إلى قوله: {وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ}, وكالحوامل المنصوص عليها بقوله: {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} على أنّه جاء في آية أخرى أنّ بعض المطلّقات لا عدة عليهنّ أصلا, وهنّ المطلقات قبل الدخول, وهي قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} الآية, والجواب عن هذا ظاهر وهو: أنّ آية (المطلقات) عامة, وهذه الآيات المذكورة أخصّ منها, فهي مخصصة لها, فهي إذاً من العام المخصوص .
قوله تعالى:{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً},[البقرة:234] هذه الآية يظهر تعارضها مع قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ} والجواب ظاهر وهو أن الأولى ناسخة لهذه, وإن كانت قبلها في المصحف؛ لأنها متأخرة عنها في النزول, وليس في القرآن آية هي الأولى في المصحف وهي ناسخة لآية بعدها إلاّ في موضعين؛ أحدهما: هذا الموضع, الثاني: آية {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ} هي الأولى في المصحف, وهي ناسخة لقوله: {لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ} الآية؛ لأنها تقدمت في المصحف فهي متأخرة في النزول, وهذا على القول بالنسخ، ويأتي إن شاء الله تحرير المقام في سورة الأحزاب .