السؤال:
سمعت أحد العلماء الكبار يقول: إن الإمام أحمد -رضي الله عنه وأرضاه ورحمه الله- رأى الله سبحانه وتعالى في المنام، وقال له: يا رب، ما هي أجلُّ الطاعات عندك؟ فقال: يا أحمد، قراءة القرآن، قال: يا رب بتدبُّر أم بغير تدبُّر؟ قال: بتدبر وغير تدبر.
يا شيخي الفاضل هذا الحديث تكلم به كثيرٌ من العلماء، فهل هذه القصة صحيحة؟ وهل رؤية الله سبحانه وتعالى في المنام جائزة؟
الجواب:
هذه الرواية بالتأكيد أنها لا تصِحُّ عن الإمام أحمد؛ لأنها مخالفة للنصوص من القرآن والسنة الآمرة بقراءة القرآن بتدبر، والتي تذمُّ من يقرأ القرآن بدون تدبر، قال الله تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ}سورة ص الآية 29، ولا شك أن أجر القراءة بتدبر لا يماثل أجر القراءة المجردة، بل القراءة المجردة عن التدبر نوع من القراءة التي يكون فيها ذَمٌّ؛ كما قال تعالى: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ}سورة البقرة : الآية 87، يعني: قراءة دون فهم معناه، ولا عمل بمقتضاه، فالتدبُّر هو مفتاح العمل، ولذلك هذه الرواية لو نُقِلَت فهي غير صحيحة المعنى، وليس لأحد يمكن أن يأتي بحكم شرعي بناء على المنامات، فالوحي قد تم وكمُل.
وأما مسألة رؤية الله في المنام فهي ثابتة للرسول صلى الله عليه وسلم، فقد ثبت عنه أنه قال: «رَأَيْتُ رَبِّي فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ فِي الْمَنَامِ»رواه أحمد (3484)، والترمذي (3233) عن ابن عباس رضي الله عنهما، ورواه أحمد (22109)، والترمذي (3235) عن معاذ رضي الله عنه، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، ونقل تصحيحه عن البخاري، وقال ابن رجب: "وفي إسناده اختلاف، وله طرق متعددة" انظر: مجموع رسائل ابن رجب (4/7)، وأما غير النبي صلى الله عليه وسلم فاختلف العلماء هل يرى المؤمن ربه في المنام؟ ولهم في ذلك قولان:
منهم من قال: أنه يمكن أن يرى المؤمن ربَّه في المنام، وقال آخرون: لا يرى المؤمن ربه في المنام.
والرأي الذي أميل إليه هو الوجه الثاني أنه لا أحد يعلم أنه رأى الله في المنام، وأما النبي صلى الله عليه وسلم فلا يُقاسُ عليه أحد، فهو أعلم الناس بربه، وهو الذي بلَّغنا عن صفاته، وعرَّفنا به، فليس أحد كالنبي صلى الله عليه وسلم في معرفته لما رأى هل هو الله أم لا.
أما غير النبي فمهما بلغ علمه، وعَلَتْ منزلته فيه، فإنه يقصر علمه عن الإحاطة بالله والتحقق من أن الذي رآه هو الله جل في علاه.
وعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيح: «تَعَلَّمُوا أَنَّهُ لَنْ يَرَى أَحَدٌ مِنْكُمْ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ حَتَّى يَمُوتَ»رواه مسلم (2931)، يدل على أن رؤية الله في الدنيا لا تكون، لا في اليقظة ولا في المنام؛ فلذلك رؤية الله في المنام لا يمكن أن يثبتها أحد، وحتى الذين قالوا بالرؤية كشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله -جوَّز رؤية الله في المنام - لكن قال: يراه حسب إيمانه. وفي ذلك إشكال؛ لأن القضية تتعلق بصفات الله وبه جل في علاه الذي ليس كمثله شيء، فكيف يمكن أن يرى الله وهو حسب ما يراه الإنسان؟! الإنسان يرى الأشياء وضوحًا وجلاء بحسب قوة بصره، فكذلك رؤيته لربه في المنام، فمن كان علمه بالله قويًّا ستكون رؤياه أجلى وأوضح، يعني أن قوة الرؤيا تكون بحسب رسوخ الإيمان في قلب العبد.
لكن يبقى أن هناك إشكالية، وهي قول النبي صلى الله عليه وسلم: «تَعَلَّمُوا أَنَّهُ لَنْ يَرْى أَحَدٌ مِنْكُمْ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ حَتَّى يَمُوتَ».
فإذا تجاوزنا هذا الخلاف، وقلنا: يمكن أن يُرى الله في المنام، فكل ما يأتي في هذا المنام مخالفًا لما جاءت به الأدلة في القرآن والسنة فإنه باطل مردود.
ويروى عن الشيخ عبد القادر الجيلاني رحمه الله أنه رأى من قال له: إنه الله، وأنه أسقط عنه التكليف! فقال له: اخسأ عدو الله. لأن هذا مخالف لما جاءت به الشريعة بلا ريب، فالتكاليف لا تسقُط عن أحد، والله أعلم.