×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

نموذج طلب الفتوى

لم تنقل الارقام بشكل صحيح

مرئيات المصلح / فضائيات / هل كل ما يصيب الإنسان من الكوارث والحوادث بسبب الذنوب

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المشاهدات:15267

المقدمُ: دكتورُ خالدٌ، لعلَّكم في هذه الحلقةِ -حفِظَكمُ اللهُ- تُوضِّحون أمْرًا التبسَ على بعضِ الناسِ وهو ربطُ الكوارثِ بالذنوبِ والمعاصي، ما يحدثُ مِن كوارثَ، ما يحدثُ مِن زلازلَ، ما يحدثُ مِن كسوفٍ، من خسوفٍ، مِن براكينَ، بعضُ الناسِ يربطُ هذه بأنها بسببِ ذنوبِ العبادِ وأن ما حدثَ هو عقوبةٌ مِن عندِ اللهِ لهؤلاءِ، وهُناك مَن يقولُ عكسَ هَذا الأمرِ أنَّ هذا الأمرَ هو تخويفٌ مِنَ اللهِ ـ سُبحانَه وتعالى ـ كيفَ نجمعُ بينَ هذه يا شيخُ وبينَ ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ[الشورى:30] كأنها عقوبةٌ، بينَ الأمرَينِ لعلَّكم تُوضحونَ هذا يا شيخُ؟

الشيخُ: الحمدُ للهِ ربِّ العالَمين وأُصلِّي وأُسلِّم على نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِه وأصحابِه أجمَعين، أما بعدُ:

الطرفانِ اللذانِ ذكرتَ هما طرفانِ مُتقابلان فهُناك مَن يجعلُ كلَّ ما يحدثُ عقوبةً، وهُناك مَن يقولُ: إن ما يحدثُ إنما هو أمرٌ طبيعيٌّ، والكوارثُ ترجعُ إلى أسبابٍ طبيعيةٍ معلومةٍ، وتُعرَفُ وقدْ تُرصَدُ وقدْ يُتنبأُ بها قبلَ حصولِها مثلَ الخسوفِ والكسوفِ، وبالتالي ما هُناك ما يمكنُ أن يقالَ إنه رابطٌ بينَ ما يحدثُ مِن أعمالِ العبادِ وبينَ هذه الظواهرِ.

الحقيقةُ، الأمرُ قد يكونُ وسطًا بينَ أمرَينِ، أولًا: حتى نصلَ إلى استضاءةٍ وإنارةٍ في هذا الجانبِ لا بُدَّ الانطلاقُ مِن كلامِ اللهِ ـ تعالى ـ وكلامِ النبيِّ ـ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ ـ الذي لا ينطقُ عَنِ الهَوَى، بينَ هذه الأحداثِ التي تقعُ ينبغي أن نعلمَ أن لها أسبابًا ظاهرةً طبيعيةً، هذه الأسبابُ الطبيعيةُ الظاهرةُ لا يمكنُ إنكارُها والذي ينكرُها فهو يكابرُ، فالخسوفُ والكسوفُ له أسبابٌ معلومةٌ معروفةٌ يعرفُها الناسُ وتُحسبُ بالدقائقِ وبالثواني، بأجزاءِ الثانيةِ وهو مشاهدٌ ومعروفٌ، وليسَ أمرًا حادثًا، الذي حدَثَ هو الدقةُ، وإلا فهذا معروفٌ مِن سنواتِ قديمةٍ وعلماءِ الفلكِ يدرِكونَ هذا منذُ زمنٍ.

فهلْ هذه الأسبابُ الطبيعيةُ التي قدْ يتنبأُ ببعضِها وقدْ يُستشعَرُ بعضُها وقد تُعرَفُ أسبابُها بعدَ وقوعِها تُلغي الأسبابَ الأخرى، بمعنَى أنه لا سببَ إلا هذا السببُ الطبيعيُّ فقط، الجوابُ المتبادرُ أنه لا يمكنُ أن نقولَ: أنه لا سببَ إلا هذا السببُ فقط، وبالتالي هذا الأمرُ طبيعيٌّ ولا صلةَ له بأفعالِ الناسِ، بل يَنبغي أن ننظرَ بنظرَينِ ونبصرَ ببصرَينِ، بصرٍ يقعُ على الظاهرةِ مِن حيثُ ظاهرُها المتبادرُ وهذا أمرٌ لا إشكالَ فيه، وإضافةُ الأحداثِ إلى أسبابِها الظاهرةِ أمرٌ لم تنكرْهُ الشريعةُ، فليسَ في الكتابِ ولا في السنةِ أنَّ هذه الظواهرَ لا أسبابَ لها، بل لها أسبابُ؛ لكن هُناك أسبابٌ قدْ تخفَى على الناسِ، وأسبابٌ لا تدركُها أبصارُهم ولا تحلِّلُها قياساتُهم.

هذا لا يَعني أن هذه الأسبابَ؛ بل لا بُدَّ إذا جاءَ ما يدلُّ على أنها أسبابٌ حقيقيةٌ، فلا بدَّ مِنَ اعتبارِها والنظرِ إليها، ولا بدَّ مِن تصديقِها إذا ثبتَتْ ثبوتًا لا يسعُ المؤمنَ إلا أن يقولَ: سمعْنا وأطعْنا، ولهذا أقولُ حتى في الأمورِ الطبيعيةِ، الأمورِ العاديةِ التي تجري في حياةِ الناسِ تجدُ أن هُناك أمورًا يمكنُ أن تُسندَ إلى سببٍ طبيعيٍّ فمثلًا إذا أخفقَ الطالبُ في مادةٍ مِنَ الموادِّ لو قيلَ له لماذا أخفقتَ؟ سُئلَ المدرسُ لماذا أخفقَ فلانٌ؟ أخفقَ لأنه لم يُحصِّلُ الدرجاتِ التي تؤهلُه للاجتيازِ، وهذا سببٌ ظاهرٌ، وهلْ سيقولُ أحدٌ إن هذا ليسَ بسببٍ، لا يمكنُ أن ينكرَ أحدٌ أن هذا ليسَ بسببٍ، لكن هل هذا يعني أنه ما في أسبابٍ أخرَى.

طيب ما الذي أدى إلى هذا الإخفاقِ وعدمِ بلوغِ هذا الحدِّ؟ قدْ يكونُ صعوبةً في الأسئلةِ، قد يكونُ رداءةً في المدرسِ، قد يكونُ صعوبةً في المنهجِ، قدْ يكونُ تقصيرٌ مِنَ الطالبِ، قدْ يكونُ قصورٌ مِنَ الطالبِ، كفاءاتُه وقدراتُه لا تبلِّغُه أنْ يدخلَ مثلَ هذه الامتحاناتِ، إذًا، هُناك عواملُ ما تقاسُ بالقياساتِ المعتادةِ ولا تقعُ عَلَيها العينُ مباشرةً في الأحداثِ، فلما نقولُ أنه لم يحصِّلِ القدرَ الكافيَ مِنَ الدرجاتِ لا يعني أنه لا أسبابَ أخرَى لهذا، بل هُناك أسبابٌ خفيةٌ لا تُعرَفُ إلا بالسبرِ والنظرِ والتأملِ.

لذلكَ هذه الأحداثُ النبيُّ -صلَّى اللهُ عَليهِ وعلى آلِه وسلَّمَ- لما كسفتِ الشمسُ في زمانِه -صلَّى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ- تكلمَ بكلامٍ واضحٍ، نفَى أسبابًا كانتْ سائدةً في زمانِه فقالَ: «إن الشمسَ والقمرَ آيتانِ مِن آياتِ اللهِ لا ينكسِفانِ لموتِ أحدٍ ولا لحياتِه»صحيح البخاري (3202) هذا مفهومٌ جاهليٌّ ألغاهُ النبيُّ -صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ- وبيَّنَ أن هذا لا يصلحُ أن يكونَ سببًا لهذا الحدثِ، لكنه معَ هذا ذكرَ سببًا آخرَ قالَ: «يُخوفُ اللهُ بهما عبادَه»صحيح مسلم (911) كما في بعضِ رواياتِ هذا الحديثِ في الصحيحِ.

وبالتالي نعلمُ أنَّ هذه الآيةَ هي آيةٌ تخويفيةٌ، بعضُ العلماءِ يقولُ: إن هذه الروايةَ لم تثبتْ أو في ثبوتِها نظرٌ، نقولُ: لو لم تثبتْ لفظًا فقدْ ثبتتْ معنىً، النبيُّ ـ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ ـ كما في الحديثِ في الصحيحِ في صحيحِ الإمامِ مسلمٍ خرجَ يجرُّ رداءَه يظنُّها الساعةَ، وهذا لا يكونُ إلا لأمرٍ خارجٍ عَنِ المعتادِ، أمرٍ فزِعَ منه النبيُّ ـ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ ـ هذا الفزعُ هو الترجمةُ للتخويفِ الذي ذكرَه ـ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ ـ «يخوِّفُ اللهُ بهما عبادَه»صحيح مسلم (911)، فقدْ قالَها قَولًا وترجَمَها عملًا، حيثُ خافَ ـ صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّمَ ـ أن تكونَ الساعةَ فخرجَ يَرجو ما عندَ اللهِ ـ تعالى ـ يتقربُ إليه بالنوافلِ ليستدفعَ ما يمكنُ أن يقعَ مِنَ البَلايا.

هل هذا الكسوفُ والخسوفُ مرتبطٌ بمعاصي العبادِ بمعنَى أنه لما يحصلُ كسوفٌ، إذًا هُناك ذنوبٌ خاصةٌ، آه، الناسُ لا ينفكُّونَ عنِ الذنبِ في كلِّ زَمانِهم، يقولُ النبيُّ ـ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ ـ كما في الحديثِ الصحيحِ عندَ الترمذيِّ مِن حديثِ قتادةَ عَن أنسٍ يقولُ: «كلُّ بني آدمَ خطاءٌ، وخيرُ الخطائين التوابونَ»سنن الترمذي (2499)سنن ابن ماجة (4251) إذًا، الخطأُ لصيقٌ بالإنسانِ، لا بُدَّ له مِن خطأٍ.

 ومعنَى هذا أنه إن كان كلُّ ذنبٍ هو سببٌ لكلِّ معصيةٍ يمكنُ أن نقولَ: هي سببُ الخسوفِ فلن تظهرَ شمسٌ ولن يبدوَ قمرٌ، لكن نقولُ: هذا الكسوفُ وهذا الخسوفُ هو تنبيهٌ لهذا الخطأِ الموجودِ الذي جُبلَ عَليهِ الإنسانُ، وهذا معنَى التخويفِ، معنى التخويفِ أنه أنت تستيقظُ، تفيقُ مِن غفلةٍ لتعاودَ صوابًا، لترجعَ إلى هُدًى، لكن لا يمكنُ أن نقولَ: إن هذا الخسوفَ أو ذاك الكسوفَ سببُه ذاك الذنبُ المعينُ أو الخطأُ المعينُ.

 ومثلُه تمامًا الكوارثُ لما تنزلُ كارثةٌ بالناسِ نقولُ: في الجملةِ كما قالَ اللهُ ـ تعالى ـ نحن لا نتكلمُ مِن قِبَلِ أنفسِنا إنما بوحيِ القرآنِ الكريمِ الذي يقولُ فيه ربُّ العالَمين: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ﴾ لماذا؟ ﴿لِيُذِيقَهُمْ[الروم:41]، إذًا هذا الفسادُ في السماءِ وفي البرِّ والبحرِ والأرضِ وغيرِ ذلك مما خلَقه اللهُ ـ تعالى ـ هو نتاجُ عملِهم، ﴿لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا[الروم:41] هذا جزءٌ مما عمِلَ الناسُ، واللهُ ـ تعالى ـ ما يعفُو عنهُ كثيرٌ.

ولذلكَ في الآيةِ الأخرى يقولُ ـ جلَّ وعَلا ـ: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ﴾، ثم قالَ: ﴿وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ[الشورى:30] فما تجاوزَ عنهُ ـ جلَّ في عُلاه ـ شيءٌ كثيرٌ، لكن هذا التوصيفُ هو توصيفٌ عامٌّ لكلِّ ما يصيبُ الإنسانَ ومقصودُ هذا التوصيفِ هو الإفاقةُ لا الشماتةُ؛ لأنَّ بعضَ الناسِ يقولُ فيما يَجري مِن حوادثَ إن هذه بسببِ ذنوبِهم وكأنه هو سالمٌ مِن كلِّ ذنبٍ وليسَ عندَه أيُّ خطيئةٍ وهذا غلطٌ لم يأتِ في كارثةٍ مِنَ الكوارثِ الخاصةِ إضافةُ الأمرِ إلى الناسِ على وجهِ الخصوصِ إلا في حادثةِ غزوةِ أحُدٍ لما قالَ الصحابةُ: أنَّى هذا، منين جت هذه الهزيمة والنبيُّ معَهم وهم على حقٍّ، قالَ اللهُ: ﴿قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ[آل عمران:165]، وذلكَ لسببٍ ظاهرٍ حصلَ مِنهم يُدركُه الجميعُ وهو ما حصلَ مِن تخلِّي الرماةِ.

لكن في الجملةِ ما يمكنُ أن نقولَ: إنَّ هذه بسببِ هذا الذنبِ إلا بوحيٍ وإلا فإنه عند ذلك سيقولُ الإنسانُ ما لا علمَ له به، فلو قالَ أيُّ قائلٍ إنَّ الخسوفَ والكسوفَ بسببِ مثلًا ظهورِ الربا، نقولُ: ما الدليلُ؟ هناك ذنوبٌ قد تكونُ أعظمَ مِنَ الربا، والربا موجودٌ ومستمرٌ في حياةِ كثيرٍ مِنَ الناسِ، لكن لا يعني هذا أنه لا ارتباطَ بينَ هذه الحوادثِ، بينَ الحوادثِ في الجملةِ وبينَ ما يقعُ في البَلايا.

اللهُ ـ تعالى ـ يقولُ لرسولِه وهو أكرمُ خَلقِه وأعبدُ الناسِ لربِّه وأبعدُهم عَن معصيةِ اللهِ ـ جلَّ وعَلا ـ يقولُ: ﴿مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ﴾، يعني مصيبةً، الحسنةُ هنا النعمةُ والسيئةُ هنا المصيبةُ، ﴿وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍفَمِنْ نَفْسِكَ[النساء:79]، إذًا إذا كانَ هذا في خطابِ اللهِ لرسولِه ـ صلَّى اللهُ عَليهِ وعلى آلِه وسلَّمَ ـ فكيفَ بخطابِه لسائرِ الناسِ؟!.

نحن ما في شكٍّ لا ننفكُّ مِنَ الذنوبِ الظاهرةِ والباطنةِ ولولا سِترُ اللهِ ما جالَسَنا أحدٌ كما قالَ بعضُ السلفِ؛ لكن هذا لا يعني أنه كلُّ ما يمكنُ أن يكونَ في حياتِنا مِن بَلايا نربطُها بذنوبٍ خاصةٍ، لا شكَّ أن الذنوبَ شؤمُها خطيرٌ وخطرُها عظيمٌ، وأنا أقولُ للطرفَينِ لمن يَنفي ولمَن يُثبِتُ نقولُ هل نحن الذين يُثبتون الذنوبَ هل يريدونَ الإخبارَ بهلاكِ الناسِ؟ الجوابُ: لا، والذين ينفون هل يُريدونَ أنهم مَغسولون بالكوثرِ كما يقالُ، يعني خالِصونَ مِن كلِّ ذنبٍ، ليسَ لهم ذنبٌ ولا خطيئةٌ.

نحن في مجتمعٍ وفي حياةٍ نقارفُ ذنوبًا ونقعُ في خَطايا ونسألُ اللهَ العفوَ والسترَ، ولذلك هذه الحوادثُ غايتُها ينبغي أن لا نخرجَ بها عَن مقصودِها، مقصودُها هو أن تَحيَ القلوبُ وأن تتعظَ النفوسُ وأن تستيقظَ، كونُنا نغفلُ عن هذا ونتجاوزُه إلى هلِ الكسوفُ والخسوفُ بسببِ الذنوبِ أو ليسَ بسببِ الذنوبِ، في الحقيقةِ نخرجُ عَنِ المقصودِ، ولا شكَّ أنَّ المقصودَ به التخويفُ، لكن ربطُ هذا بذنبٍ خاصٍ أو بعقوبةٍ خاصةٍ هذا يحتاجُ إلى دليلٍ.

ولهذا، القضيةُ كبيرةٌ لكن الذي يقولُ: لا صلةَ لهذه الأحداثُ بالذنوبِ بالكليةِ نقولُ له طيب أجبنا عَن هذا الذي حصلَ مِنَ النبيِّ ـ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ ـ لما كسفتِ الشمسُ وأخبرَ بما أخبرَ خطبَ أصحابَه ـ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ ـ صلَّى وخطبَ أصحابَه كانَ في جملةِ خطبتِه أنْ قالَ لأصحابِه «يا أمةَ محمدٍ ما مِن أحدٍ أغيرُ مِنَ اللهِ أنْ يزنيَ عبدَه أو أن تزنيَ أمتَه»صحيح البخاري (1044)، وصحيح مسلم (901) يعني ذكرَ الزِّنا في هذا المقامِ، كثيرٌ مِن أهلِ العلمِ الذين تكلَّموا على هذا الحديثِ قالوا: إنَّ النبيَّ ـ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ ـ إنما ذكرَ الزنا لبيانِ أنه مِن أسبابِ حصولِ الخسوفِ والكسوفِ.

هذا ليسَ يقينًا، لكنْ نقولُ: هذا إشارةٌ، النبيُّ ـ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ ـ حذَّرَ الأمةَ مِنَ الزنا في هذا الموقفِ، ما حذرَ مِنَ الربا، ما حذرَ مِنَ الشركِ، ما حذرَ مِن أشياءَ أخرَى قد تكونُ أخطرَ؛ لكنه ذكرَ هذا على وجهِ الخصوصِ تنبيهًا وله حكمةٌ في ذلكَ، إذًا لا بُدَّ أنْ يلتمسَ مثلَ هذا في كلامٍ النبيِّ -صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ.

المقصودُ نجملُ الكلامَ أنه في الجملةِ ما يحصلُ مِن بلاءٍ خاصٍّ أو عامٍّ هو بسببِ الذنبِ، لكن فيما يتعلقُ بالبَلايا تحديدًا الخاصةِ والعامةِ، في البلايا العامةِ ينبغي أن لا نقولَ للناسِ إذا حصلَ لهم كارثةٌ هذا بذنوبِكم، هذا ليسَ مَنهجًا قرآنيًا، لما حصلَتْ كارثةُ جدةَ مثلًا ما يصلحُ أن نقولَ للناسِ هذا بذنوبِكم، هناك مَن هم أسوَءُ وأخطرُ خطأً، وكذلك مثلًا زلزالُ فيهيتيا ما يمكنُ أن نقولَ هذا بسببِ ذنوبِ أولئك، لو نظرتَ إلى بقعةٍ أخرَى قد تكونُ أشدَّ ذنبًا.

 لكن في الجملةِ ما أصابَ الناسَ فهو بما كسبَتْ أيديهم، لكن في الأحداثِ الخاصةِ لا يُستحضَرُ مثلُ هذا المعنَى أو لا يقالُ مثلُ هذا المعنَى على وجهِ التشخيصِ للناسِ؛ لأنه هُنا في الحقيقةِ قدْ يقعُ الإنسانُ في نوعٍ مِنَ الشماتةِ بهم مِن حيثُ لا يشعرُ.

 ويذكرُ لهذا أيضًا مثالًا ولعلَّه يكونُ الخاتمَ لما حصلَتْ مصيبةُ قتلِ القراءِ السبعينَ مِن أصحابِ النبيِّ ـ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ ـ قُتلِوا في وقعةِ القراءِ، هذه مصيبةٌ كبرَى هلْ قالَ النبيُّ للصحابةِ وقد أُصيبوا بذلك هذا بذنوبِكم، ما قالَ النبيُّ ـ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ ـ لأصحابِه، بل دَعا ـ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ ـ على الذين قتلوهم شهرًا، قنتَ شهرًا يَدعو على القبائلِ التي غدرَتْ بهؤلاءِ الصحابةِ وقتلَتْهم وهي مصيبةٌ كبرَى، ولم يقلِ النبيُّ ـ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ ـ ولا جاءَ قرآنٌ أن هذا بسببِ الذنبِ معَ أنه لا نغفلُ أن اللهَ قدْ قالَ في عمومٍ: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ﴾.

فينبغي التمييزُ في ذكرِ هذا، هلْ ذِكرُ مثلِ هذا الكلامِ على وجهِ التشفِّي أو هو على وجهِ التنبيهِ وينبغي للإنسانِ حتى ينفكَّ مِنَ البَلايا أن يراجعَ اللهَ ـ تعالَى ـ وأنْ تكونَ هذه البَلايا موقظةً له، لا موقعةً له في أنواعِ مِنَ الغفلةِ والبُعدِ عَنِ اللهِ جلَّ وعَلا.

المقدمُ: أحسَنَ اللهُ إليكُم يا شيخُ على هذا البسْطِ وهذا التوضيحِ وهذا البيانِ.

الاكثر مشاهدة

4. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات95496 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات91246 )

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف