المقدم: شيخ خالد في مستهل هذه الحلقة نريد أن نقف مع موضوعين أو قضيتين، الأمر الأول يا شيخ في ما يتعلق بشهر رجب هل لهذا الشهر ـ يا شيخ ـ خاصية أو فضيلة تميزه على غيره من الشهور.
الشيخ:الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على نينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد:
فيما يتعلق برجب، رجب شهرٌ من أشهر الله الحرم، هذا أبرز خصائصه، فهذا الذي ثبت من خصائصه، فلم يثبت شيء من خصائص هذا الشهر غير أنه شهرٌ حرام، الله ـ تعالى ـ قسم الأشهر إلى قسمين: قال:﴿ إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ (36)﴾[التوبة:36]، الأربعة الحرم هي رجب وذو القعدة وذو الحجة ومحرم، هذه أربعةٌ حرم.
ومعنى حرم أن لها من الحرمة والمنزلة والمكانة ما خصها الله به، والله يخلق ما يشاء ويختار، لا أحد يقول لماذا؟ لأن الله يفعل ما يشاء واختص هذه الأشهر بهذه المزية، لا يعني لا توجد حكمة، هناك حكم؛ لكن السؤال حكمة غير السؤال اعتراضا، السؤال الذي يوحي عدم استيعاب وقبول، هذا التخصيص الله ـ عز وجل ـ خصَّ هذا الشهر بأنه شهرٌ من الأشهر الحرم وهو من أعظمها؛ لأنه فرد.
ولذلك يسمى برجب مضر؛ لكونه بعض العرب تهاون فيه لانفراده، فكانت مضر من القبائل التي تعظمه تعظيمًا مميزًا عن سائر قبائل العرب، ولذلك أضيف إليها في قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ «رجب مضر»صحيح البخاري (3197)، وصحيح مسلم (1679) هذا ميزته وهذه خاصيته.
ومن خصائص الأشهر الحرم أنه لا يبتدئ فيها القتال هذا الذي ذكره الله في كتابه ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ(217)﴾[البقرة:217]، إلى آخر الآيةفقوله: ﴿قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ﴾ أي من كبائر الإثم ومن عظائم الجرم الذي نهى الله ـ تعالى ـ عنه ورسوله، هذا ما يتعلق بخاصيته.
هل له من المزايا في العمل ما يخصه دون سائر الشهور؟ يعني هل له صلاة خاصة؟ هل له صيام؟ هل تشرع فيه عبادة خاصة تميزه عن باقي الأشهر الحرم وباقي أشهر الله ـ عز وجل ـ الأخرى التي تدور عليها أيام السنة؟
الجواب: لم يثبت في ذلك شيء، وهناك رسالة لطيفة للحافظ ابن حجر ـ رحمه الله ـ حول فضائل رجب عنوانها واسمها: تبيين العجب في فضائل رجب، والعجيب أنه ليس له فضيلة خاصة بمعنى أنه ليس هناك عملٌ يختص به هذا الشهر.
ولذلك من أوائل ما كتب ـ رحمه الله ـ في هذا الكتاب قال: أنه لم يثبت في رجب شيءٌ من الفضائل لا في صيامه ولا في صيام أي أيامٍ منه ولا في قيامه ولا في قيام ليالٍ منه معينة، هذا كلامه ـ رحمه الله ـ في هذا الكتاب، وعلى هذا تواطئت كلمة العلماء من الأئمة والأعلام الذين يصدرون عن سنة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليس في ذلك شيء.
فإذا جاء شخص يقول لنا مثلًا: إنه فيه فضيلة. فنحن نقول: ليتها ثابتة، أعطنا دليلها، فإذا كان الدليل قائمًا ـ الحمد لله ـ أقبلنا، وكان من الخير الذي نقبل عليه، لكن أن نخترع شيئًا لم يأتي في الكتاب ولا في السنة، فهنا نكون قد خرجنا عن الهدي القويم والصراط المستقيم الذي هو أكمل الهدي، أما بعد فأصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ كما كان يبتدئ خطبه، كما في الصحيح من حديث جابر.
إذًا لم يثبت في رجب فضيلة خاصة لا في صيامه ولا قيامه ولا في تخصيصه بأي عمل من الأعمال، عمرة في رجب، هل هناك عمرة في رجب؟ الجواب: ليس هناك دليل على عمرة في رجب، رجب كسائر الأشهر، يعني إذا كان هناك ما يمكن أن يربط به عمرة رجب هو ما كان من تحريم هذا الشهر في حكم الله ـ عز وجل ـ الأزلي يوم خلق السماوات والأرض السابق، فإن الله حكم سابقًا يوم خلق السماوات والأرض أن هذه الأشهر حرم، وكانت الجاهلية تتحين هذه الأشهر تنقلات؛ لأنها تأمن من اعتداءات المعتدي، فكانوا يتنقلون في هذه الأشهر طوال الحج والعمرة، للحج في أشهره وللعمرة في رجب، فلعل هذا هو الذي جعل بعض الناس أنه يتوهم أن هذا له ميزة تتعلق عمرة رجب.
أما من حيث عمل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أو قوله فلم يثبت في فضيلة رجب لا في صيامٍ ولا قيامٍ ولا في شيءٍ من العمل الخاص بل هو كسائر الشهور والله تعالى أعلم.
المقدم: إذًا يا شيخ ننتقل إلى قضيتنا الثانية ونحن نتحدث عن شهر رجب ما يتناقله كثير من الناس: (اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان)مسند الإمام أحمد (2346) هل ورد هذا الدعاء عن رسولنا عليه الصلاة والسلام؟
الشيخ: نعم هذا الحديث ورد من طريق أبي زائدة عن زياد عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه عند ـ الإمام أحمد وكذلك عند البزار وعند الطبراني في المعجم مداره على أبي زائدة وهو ضعيف، قال عنه الهيثمي نقلًا عن البخاري: قال البخاري: منكر الحديث، ولهذا الأئمة على تضعيف هذا الحديث، تضعيف أن يدعو بهذا الدعاء، فليس هناك سنة فيما يتعلق بالدعاء بالمباركة في رجب وشعبان وتبليغ رمضان، لم يثبت هذا الحديث، فلا تثبت هذه السنة؛ لكن لو أن أحدًا دعا وقال أنا أدعو بالبركة في هذا الشهر وفي غيره من الشهور، أسأل الله أن يبارك في أيامنا وأعمالنا وشهورنا وأعوامنا الكلام ليس هذا سنة.
أما جواز الدعاء، فالدعاء بابٌ واسع ادعوا بالبركة في كل لحظة ما في إشكال لكن ليس في ذلك سنة عن النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ وبعض الناس يقول: كيف تقول إنه يجوز ولم يثبت، هو الدعاء بابه واسع، والإنسان يدعو بما فيه مصلحته وما فيه خيره في دينه ودنياه، في يومه وغده وفي كل أيامه، فإذا دعا الإنسان بهذا فهو جائز.
وهناك فرق بين أن نقول هذا سنة وبين أن نقول هذا مباح وبين أن نقول هذا بدعة، فهي ليست إما أن تكون سنة وإما أن تكون بدعة، لا هناك منطقة بين السنة والبدعة وهي الأمر الذي ليس فيه إحداث تستند إلى عموم نصوص عامة وليس فيه اختراع طريقة محدة تضاهي الشرعية، ينبغي التمييز بين هذه الأشياء الثلاثة؛ لأنه بعض الناس إذا قلنا ليس بسنة مباشرة انتقل إلى كون ذلك بدعة.
أضرب لذلك مثلًا مثلًا التلبية غير تلبية النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لو قال قائل: لبيك ربنا إلهنا لبيك خالقنا لبيك يا رحمن يا رحيم في تلبيته مثلًا هل هذا يجوز؟ هل هذا سنة؟ الجواب: ليس سنةً، هل هذا بدعةً؟ الجواب:لا؛ لماذا؟ لأنه ثبت أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ سمع الصحابة يلبون تلبيةً غير تلبيته كتلبية ابن عمر (لبيك وسعديك والخير بيديك والرغباء إليك والعمل)صحيح مسلم (1184) ولم ينكر ـ صلى الله عليه وسلم ـ فدل ذلك على أنه هناك منطقة لا توصف بأنها بدعة وليست بسنة لكنها مباحة.
فالدعاء بهذا الدعاء وغيره هو من المباحات لكنه ليس مما ثبت عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأنا أدعو كل أحد أن يتحرى فيما ينسب إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لأن قوله وفعله وسائر حاله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أسوة، ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ(21)﴾[الأحزاب:21] ومقتضى هذه الأسوة أن يتحرى الإنسان فيما ينسب إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حتى لا يورط أحدًا بعمل يظن أنه من عمل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو ليس كذلك.