×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

خطب المصلح / خطب مرئية / خطبة الجمعة : أهلا رمضان

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المشاهدات:9024

إِنَّ الحَمْدَ للهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنا وَسَيِّئاتِ أَعْمالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا.

وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ؛ إِلَهُ الأَوَّلِينَ وَالآخِرينَ، لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، صَفِيُّهُ وَخَلِيلُهُ خِيرَتُهُ مِنْ خَلْقِهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنِ اتَّبَعَ سُنَّتَهُ بِإِحْسانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ:

فاتَّقُوا اللهَ أَيُّها المؤْمِنُونَ، اتَّقُوا اللهَ تَعالَى كَما أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَآل عمران:102.

عِبادَ اللهِ؛ رَوَىَ البُخارِيُّ وَمُسْلِمٌ في صَحِيحَيْهِما مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ بِالخَيْرِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ يَلْقَاهُ كُلَّ لَيْلَةٍ فِي رَمَضَانَ، حَتَّى يَنْسَلِخَ، يَعْرِضُ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ القُرْآنَ، فَإِذَا لَقِيَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ، كَانَ أَجْوَدَ بِالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ»البُخارِيُّ(1902), وَمُسْلِمٌ(2308).

هَذا الحَدِيثُ الموجَزُ المخْتَصَرُ الَّذِي وَصَّفَ فِيهِ ابْنُ عَبَّاسٍ خُلَقَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَما الَّذِي يَطْرَأُ عَلَيْهِ في رَمَضانَ.

رَمَضانُ شَهْرُ بِرٍّ وَخَيْرٍ، رَمَضانُ شَهْرُ إِقْبالٍ عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، رَمَضانُ شَهْرٌ تُفتَّحُ فِيهِ أَبْوابُ الِجنانِ وَتُغَلَّقُ فِيهِ أَبْوابُ النِّيرانِ، وَتُصَفَّدُ وَتُسَلْسَلُ الشَّياطِينُ، كُلُّ ذَلِكَ يَتْرُكُ في النَّفْسِ أَثَرًا، وَلابُدَّ أَنْ يَكُونَ لِهَذا التَّقْدِيرِ مِنْ تَأْثِيرٍ.

وَكانَ لِتَأْثِيرِهِ عَلَى سَيِّدِ وَلَدِ آدَمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ أَنْ كانَ إِذا جاءَ رَمَضانُ كانَ أَجْوَدَ النَّاسِ، كانَ أَجْوَدَ ما يَكُونُ، فَهُوَ أَجْوَدُ النَّاسِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في كُلِّ أَوْقاتِهِ، وَفي كُلِّ أَحْوالِهِ، وَفي كُلِّ زَمانِهِ، لَكِنْ في رَمَضانَ يَزِيدُ جُودُهُ حَتَّى يَبْلُغَ الغايَةَ في الجُودِ الممْكِنِ مِنَ البَشَرِ؛ ذاكَ لِفَضْلِ الزَّمانِ الَّذِي جَعَلَهُ اللهُ تَعالَى مِنْ خَصائِصِ هَذِهِ المدَّةِ وَهَذِهِ البُرْهَةِ مِنَ الزَّمَنِ؛ وَلِذَلِكَ اصْطَفاهُ اللهُ تَعالَى فَجَعَلَهُ مَحَلًّا لإِنْزالِ القُرْآنِ: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِالبقرة:185.

ابْنُ عَبَّاسٍ بَعْدَ أَنْ أَخْبَرَ عَنْ جُودِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّهُ أَجْوَدُ ما يَكُونُ في رَمَضانَ، ذَكَرَ الأَسْبابَ الَّتي زَادَ بِها جُودُهُ في رَمَضانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

أَوَّلُ ذَلِكَ: فَضِيلَةُ الزَّمانِ، «وَكانَ أَجْودُ مَا يَكُونُ في رَمَضانَ».

ثانِي ذَلِكَ: صُحْبَةُ الأَخْيارِ، فَإِنَّ جِبْرِيلَ صَحِبَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في تِلْكَ الَّليالِي، وَباِلتَّأْكِيدِ أَنَّ صُحْبَةَ الأَخْيارِ تُؤَثِّرُ في كُلِّ إِنْسانٍ، وَالصُّحْبَةُ في الجُمْلَةِ هِيَ عامِلٌ مِنْ عَوامِلِ الصَّلاحِ وَالفَسادِ؛ وَلِذَلِكَ يَنْبَغِي للِمُؤْمِنَ أَنْ يَنْظُرَ مَنْ يُقارِنُ، فَهَذا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَأَثَّرُ بِالصَّاحِبِ، فَجِبْرِيلُ صَحِبَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِه اللَّيالِي فَكانَ ذَ لِكَ مِنْ أَسْبابِ زِيادَةِ خَيْرِهِ وَجُودُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

أَمَّا السَّبَبُ الثَّالِثُ: فَهُوَ أَنَّهُ يَلْتَقِي مَعَ جِبْريلَ عَلَى خَيْرِ مَوْضُوعٍ؛ إِنَّهُ لِقاءٌ قُرْآنِيٌّ يَعْرِضُ فِيهِ القُرْآنَ، وَلِذَلِكَ قالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «كانَ يَعْرِضُ عَلَيْهِ القُرْآنَ كُلَّ لَيْلَةٍ»، فَالقُرْآنُ تَزْكُو بِهِ النُّفُوسُ، تَطِيبُ بِهِ الأَخْلاقُ، تَصْلُحُ بِهِ القُلُوبُ وَتَسْتَقِيمُ الأَعْمالُ، يَقُولُ اللهُ تَعالَى: ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُالإسراء:9، وَإِنَّهُ يَزِيدُ أَهْلَ الخَيْرِ خَيْرًا، وَيَزِيدُ أَهْلُ البِرِّ بِرًّا.

لِذَلِكَ قالَ ابْنُ عَبَّاسٍ بَعْدَ أَنْ خَتَمَ الأَسْبابَ وَعَدَّها، وَالَّتي بِها كانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ ما يَكُونُ قالَ: «كانَ رَسُولُ اللهِ أَجْوَدَ بِالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المرْسَلَةِ حِينَ يَلْقاهُ جِبْريلُ»، وَهَذا تَوْصِيفٌ عَظِيمٌ لما كانَ عَلَيْهِ مِنَ الجُودِ مِنَ الرِّيحِ المرْسَلَةِ؛ وَهِيَ: الرِّيحُ الَّتي تَهُبُّ بِالخَيْرِ مِنْ سحابٍ يَأْتِي بِمَطَرٍ عامٍّ يُصِيبُ الأَراضِي الطَّيِّبَةَ وَغَيْرَها، كَذاكَ كانَ رَسُولُ اللهِ صَلََى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كانَ ما يَأْتِي مِنْهُ مِنْ خَيْرٍ في رَمَضانَ يُصِيبُ كُلَّ أَحَدٍ قَرِيبٍ أَوْ بَعِيدٍ.

»كانَ رَسُولُ اللهِ أَجْوَدَ بِالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المرْسَلَةِ»، هَكَذا يَتَأَثَّرُ سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ بِهَذِهِ الأَسْبابِ، وَهِيَ أَسْبابٌ وَاضِحَةٌ كَما أَنَّها مُتاحَةٌ في الجُمْلَةِ لِكُلِّ أَحَدٍ:

فَرَمَضانُ يُدْرِكُهُ كُلُّ مُؤْمِنٌ حَيٍّ فَيَكُونُ فُرْصَةً لِزِيادَةِ الجُودِ وَالخَيْرِ وَالإِيمانِ وَالصَّلاحِ.

الصُّحْبَةُ الطَّيِّبَةُ لَنْ يَرْقَى الإِنْسانُ إِلَى صُحْبَةِ جِبْريلَ إِنَّما يَصْحَبُ مِنْ الأَخْيارِ مَنْ يُعينُهُ عَلَى طاعَةِ اللهِ وَيُقَرِّبُهُ إِلَى مَرْضاتِهِ جَلَّ في عُلاهُ.

الثَّالِثُ: هُوَ مَوْضُوعُ اللِّقاءِ يَنْبَغِي أَنْ يُقْبِلَ الإِنْسانُ عَلَى القُرْآنِ، فَالقُرْآنُ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبابِ الصَّلاحِ وَالاسْتِقامَةِ، فَمَنْ أَقْبَلَ عَلَيْهِ صادِقًا لا يُخَيِّبُهُ اللهُ جَلَّ وَعَلا سَيَزِيدُ خَيْرُهُ، وَيَسْتَقِيمُ قَلْبُهُ وَتَصْلُحُ أَعْمالُهُ، فَهَذا وَعْدُ مَنْ لا يُخْلِفُ الميعادَ، كُلُّ مَنْ أَقْبَلَ عَلَى اللهِ لا يَجِدُ ِإلَّا خَيْرًا ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَاالعنكبوت:69.

اللَّهُمَّ أَلْهِمْنا رُشْدَنا، وَقِنا شَرَّ أَنْفُسَنا، أَعِنَّا عَلَى الطَّاعَةِ وَالإِحْسانِ، وَاصْرِفْ عَنَّا السُّوءَ وَالفَحْشاءَ يا ذا الجَلالِ وَالإِكْرامِ.

أَقُولُ هَذا القَوْلَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ، فاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.

***

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

الحَمْدُ للهِ حَمْدَ الشَّاكِرينَ، أَحْمَدُهُ حَقَّ حَمْدِهِ لا أُحْصِي ثَناءً عَلَيْهِ هُوَ كَما أَثْنَى عَلَى نَفْسِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدً وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَما صَلَّيْتَ عَلَى إِبْراهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْراهِيمَ، إِنَّكَ َحَمِيدٌ مَجِيدٌ.

أَمَّا بَعْدُ:

فَاتَّقُوا اللهَ أَيُّها المؤْمِنُونَ، اتَّقُوا اللهَ تَعالَى وَقُومُوا بِما أَمَرَكُمُ اللهُ تَعالَى بِهِ مِنْ المسابَقَةِ إِلَى كُلِّ خَيْرٍ، ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُآل عمران:133 مَنْ لَمْ تَنْشَطْ نَفْسُهِ إِلَى الخَيْرِ في هَذِهِ الأَيَّامِ وتَنَكَفُّ عَنِ السُّوءِ فَإِنَّهُ في غَيْرِ رَمَضانَ أَسْوَءُ حالًا.

أَيُّها المؤْمِنُونَ وَالصَّادِقُونَ الرَّاغِبُونَ فِيما عِنْدَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِاقْتِناصِ الفُرْصَةِ، إِنَّها فُرْصَةٌ عَظِيمَةٌ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُقَوِّمَ سُلُوكَهُ وَمَنْ أَرادَ أَنْ يُصْلِحَ حالَهُ، هَذِهِ مِنْحَةٌ مِنَ اللهِ أَنْ بَلَّغَكَ رَمَضانَ، فاجْتَهِدْ في كُلِّ ما يُقَرِّبُكَ إِلَى اللهِ، لا تَبْخَلْ عَلَى نَفْسِكَ خيرًا.

وَالجُودُ لَيْسَ جُودَ المالِ فَحَسْب، الجُودُ هُوَ: كُلُّ بِرٍّ وَإِحْسانٍ في صِلَةِ العَبْدِ بِرَبِّهِ, وَفي صِلَتِهِ بِالخَلْقِ، فِيما يَتَعَلَّقُ بِالواجِباتِ، وَفِيما يَتَعَلَّقُ بِالمسْتَحَبَّاتِ وَالمنْدُوباتِ.

إِنَّ هَذِه الشَّرِيعَةَ بِكُلِّ ما فِيها جاءَتْ لِلسُّمُوِّ بِالنَّفْسِ، جاءَتْ لِإصْلاحِ القُلُوبِ، جاءَتْ لِتَطْهِيرِ النَّفْسِ مِنْ كُلِّ أَدْرانِها، فَهِيَ:

فُرْصَةٌ أَنْ نَغْتَنِمَ أَيَّامَ هَذا الشَّهْرَ وَلَيالِيهِ في تَزْكِيَةِ أَنْفُسِنا وَإِصْلاحِها وَتَعاهُدِ ما فِيها مِنْ خَلَلٍ لِتَسْتَقِيمَ عَلَى الجادَّةِ.

فَرْصَةٌ تَتَخَفَّفُ فِيها مِنَ الذُّنُوبِ وَالخَطايا، وَتُسابِقُ فِيها إِلَى اللهِ تَعالَى، إِذا خَفَّتْ خَطاياكَ خَفَّ حِمْلُكَ، وَإِذا خَفَّ حِمْلُكَ؛ جَدَّ سَيرُكَ وَقَوِيَ، أَرَأْيتَ سَيَّارَةً قَدْ حُمِّلَتْ بِأَحْمالٍ كَثِيرَةٍ كَيْفَ يَكُونُ سَيرُها؟ وَكَيْفَ يَكُونُ سَيْرُ هَذِهِ السَّيَّارَةِ إِذا خَفَّ حِمْلُها؟ كَذَلِكَ أَنا وَأَنْتَ مِنْ حَيْثُ الذُّنُوبُ إِذا كَثَّرْنا الذُّنُوبَ وَلَمْ نَسْتَغْفِرْ مِنْها ثَقُلَ حِمْلُنا فَبَطُأَ سَيْرُنا إِلَى اللهِ تَعالَى، وَإِذا أَكْثَرْنا مِنَ التَّوْبَةِ وَالاسْتِغْفارِ وَالتَّخَْفُّفِ مِنَ السَّيِّئاتِ وَالمعاصِي كانَ ذَلِكَ عَوْنًا لَنا عَلَى خِفَّةِ السَّيْرِ إِلَى اللهِ تَعالَى، وَصِدْقِ الِإقِبالِ عَلَيْهِ.

فَلْنَغْتَنِمِ الفُرْصَةَ «مَنْ صامَ رَمَضانَ إِيمانًا وَاحْتِسابًا غُفِرَ لَهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ»، وَ«مَنْ قامَ رَمَضانَ إِيمانًا وَاحْتِسابًا غُفِرَ لَهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبَهِ»البخاري(2014), ومسلم(760).

وَاحْذَرُوا أَيُّها المؤْمِنُونَ صُحْبَةَ الأَشْرارِ، وَصُحْبَةُ الأَشْرارِ لا تَقْتَصِرُ فَقَطْ عَلَى صاحِبٍ تُجالِسُهُ أَوْ تُماشِيهِ أَوْ تَرْكَبُ مَعَهُ في السَّيَّارَةِ أَوْ تُحادِثُهُ في الهاتِفِ، إِنَّها أَوْسَعُ مِنْ ذَلِكَ، صُحْبَةُ الأَشْرارِ تَكُونُ بِكُلِّ وَجْهٍ يُؤَثِّرُ عَلَيْكَ سَواءً كانَ ذَلِكَ عَبْرَ مُصاحَبَةٍ مُباشَرَةً، أَوْ عَبْرَ وَسائِلِ التَّواصُلِ الاجْتِماعِيِّ الحَدِيثِ، أَوْ عَبْرَ ما تُشاهِدُهُ وَتَجْلِسُ أَمامَهُ السَّاعاتُ الطُّوالُ مِنْ أَجْهِزَةِ الإِعْلامِ المرْئِيِّ أَوِ المسْمُوعِ.

إِنَّنا بِحاجَةٍ إِلَى أَنْ نَنْتَقِي مِنْ هَذا كُلِّهِ ما يَصْلُحُ بِهِ إِيمانُنا، وَأَنْ نَتَوَقَّى كُلَّ ما يُوقِعُنا في الزَّلَلِ، النبي يتأثر بصاحبه فكان يزداد خيره عندما يلقى جبريل، ويزداد خيره أيضًا لأنه يلتقي مع جبريل لا على السواليف ومجاذبة الحديث، إنما كان لقاءً قرآنيًّا فكان يزيد خيره، فانتقِ من الأصحاب سواءً كان مسموعًا أو مرئيًّا أو مُباشرًا، انتقِ من الأصحاب من يزيد به إيمانك، وتوقَّ كُلُّ مَنْ يُبْعِدُكَ عَنِ اللهِ.

أَنْتَ مَوْضِعُ الخَسارِ وَالرِّبْحِ ﴿إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِالعصر:2-3.

وَاسْتَعِنْ عَلَى هَذا بِصِدْقِ الِإقْبالِ عَلَى اللهِ، بِالدُّعاءِ أَنْ يُثَبِّتَ قَلْبَكَ وَيَهْدِيَهُ سَواءَ السَّبِيلِ، أَلِحَّ عَلَى اللهِ بِالدُّعاءِ أَنْ يَأْخُذَكَ إِلَى طَرِيقِ الاسْتِقامَةِ وَيُثَبِّتَكَ عَلَيْهِ، فَإِنَّ القُلُوبَ بِيَدِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، بَيْنَ أُصْبَعِيْنِ مِنْ أَصابِعِهِ يُصَرِّفُها كَيْفَ شاءَ فَقُلْ: يا مُصَرِّفَ القُلُوبِ صَرَّفْ قَلْبي عَلَى طاعَتِكَ، وَاصْرِفْ عَنِّي مَعْصِيَتَكَ.

وَاعْلَمْ أَنَّكَ المسْتَفِيدُ وَأَنَّكَ الخاسِرُ، المسْتَفِيدُ إِذا اسْتَقَمْتَ عَلَى الطَّاعَةِ، وَالخاسِرُ إِذا أَغْضَبْتَ اللهَ تَعالَى، وَالاسْتِفادَةُ لَيْسَتْ فَقَطْ في النَّجاحِ في الآخِرَةِ وَجَنَّةٍ عَرْضُها السَّمواتُ وَالأَرْضُ، هَذا جُزْءٌ مِنَ النَّجاحِ، لَكِنَّ النَّجاحَ تُدْرَكُ بَوادِرُهُ وَبَشائِرُهُ في الدُّنْيا بِطُمَأْنِينَةِ القَلْبِ وَانْشِراحِهِ وَلَذَّةِ الإيمانِ وَسُكُونِ النَّفْسِ، وَالبَصِيرَةِ الَّتِي تُمَيِّزُ بِها بَيْنَ الحَقِّ وَالباطِلِ، وَتَجْنِي بِها سَعادَةَ الدُّنْيا قَبْلَ نَعِيمِ الآخِرَةِ.

﴿إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍالانفطار:13، في الدُّنْيا وَهُمْ في نَعِيمٍ في البَرْزَخِ، وَهُمْ في نَعِيمٍ عِنْدَما يَلْقَوْنَ اللهَ تَعالَى فَيُقالُ لَهُمْ: ﴿وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَالزخرف:72.

اللَّهُمَّ اجْعَلْنا مِنْ عِبادِكَ المتَّقِينَ، وَحِزْبِكَ المفْلِحينَ، وَأَوْلِيائِكَ الصَّالحينَ يا رَبَّ العالمينَ.

ادْعُوا لأَنْفُسِكُمْ بِخَيْرٍ، وَاغْتَنِمُوا لَيْلَ هَذِهِ الأَيَّامِ وَنَهارَها في كُلِّ بِرٍّ، وَاسْأَلُوا اللهَ تَعالَى مِنْ فَضْلِهِ فَإِنَّهُ يَمْنَحُ جَلَّ في عُلاهُ مَنْحًا عَظِيمًا، لَوْ أَنَّ الأَوَّلِينَ وَالآخِرينَ وَالإنْسَ وَالجِنَّ كانُوا عَلَى صَعِيدٍ واحِدٍ فَسَأَلَ كُلُّ واحِدٍ مَسْأَلَتَهُ مَهْما جاءَ في بالِهِ مِنَ المسائِلِ أَعْطَى اللهُ كُلَّ واحِدٍ مَسْأَلَتَهُ ما نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِ اللهِ شَيْئًا.

سُبْحانَهُ مَنْ بِيَدَيْهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ، فاسْأَلُوهُ مِنْ فَضْلِهِ، كُلَّ خَزائِنِ السَّمواتِ وَالأَرْضِ بِيَدِهِ، تَوَجُّهُوا إِلَيْهِ بِصِدْقٍ، اسْأَلُوهُ مِنْ خَيْرِ الدُّنْيا وَالآخِرَةِ وَأَبْشِرُوا فَلَنْ يَخِيبَ مَنْ قالَ: يا اللهُ، لَنْ يَخِيبَ مَنْ قالَ: يا رَبَّ، مَهْما أَصابَهُ وَمَهْما نالَهُ فَإِنَّهُ فائِزٌ بِمُعامَلَةِ رَبِّهِ.

«ما مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو مِنْ غَيْرِ إِثْمٍ وَلا قَطِيعَةِ رَحِمٍ إِلَّا أَعْطاهُ اللهُ إِحْدَى ثَلاثِ خِصالٍ: إِمَّا أَنْ يُجِيبَهُ إِلَى ما سَأَلَ، وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَ ما سَأَلَ، وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَها لَهُ في الآخِرَةِ», هَذِهِ ثَلاثُ خِصالٍ كُلُّ مَنْ قالَ: يا رَبَّ، كُلُّ مَنْ قالَ: يا اللهُ، فَإِنَّهُ لا يَخْلُو مِنْ واحِدٍ مِنْ هَذِهِ الأُمُورِ الثَّلاثَةِ.ثُمَّ «قالُوا: يا رَسُولَ اللهِ إِذًا نُكْثِرُ»، إِذًا كانَ إِمَّا أَنْ يُعْطِيَنا سُؤالَنا، أَوْ يَصْرِفَ عَنَّا مِنَ السُّوءِ وَالشَّرِّ ما لَمْ نَتَخَيَّلْ وَلا يَأْتِي في بِالِنا، وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهُ لَنا في الآخِرَةِ، فَإِذًا نُكْثِرَ يا رَسُولَ اللهِ، قالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللهُ أَكْثَرُ»أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ(11133)بِإِسْنادٍ جَيِّدٍ، عطاؤُهُ وَفَضْلُهُ وَبِرُّهُ وَإِحْسانُهُ وَجُودُهُ وَمُلْكُهُ أَكْثَرُ مِنْ سُؤالِ السَّائلينَ.

فَتَعَرَّضُوا للهِ عَزَّ وَجَلَّ بِالخَيْرِ، بِالسُّؤالِ لأَنْفُسِكُمْ بِكُلِّ بِرٍّ وَخَيْرٍ، وَكَذَلِكَ لأُمَّتِكُمْ فَالأُمَّةُ تَمُرُّ بِبَلاءٍ عَظِيمٍ وَكَرْبٍ شَدِيدٍ لا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ، لا يَحْتاجُ إِلَى بَيانٍ وَكَلامٍ، ما نُشاهِدُهُ وَنَسْمَعُهُ يَفُوقُ كُلَّ فَصاحَةٍ وَكُلَّ بَيانٍ، إِنَّهُ بَلاءٌ عَظِيمٌ تَمُرُّ بِهِ الأُمَّةُ في أَصْقاعٍ عَظِيمَةٍ وَكَثِيرَةٍ مِنْ هَذِهِ الأَرْضِ، اسْأَلُ اللهَ أَنْ يُفَرِّجَ لِلمُؤْمِنينَ وَالمؤْمِناتِ.

اللَّهُمَّ أَنْجِ إِخْوانَنا المسْتَضْعَفِينَ في كُلِّ مكانٍ، اللَّهُمَّ أَنْجِهِمْ في فَلَسْطِينَ، اللَّهُمَّ أَنْجِهِمْ في العِراقِ، اللَّهُمَّ أَنْجِهِمْ في سُورِيَّا، اللَّهُمَّ أَنْجِهِمْ في سائِرِ البِلادِ يا رَبَّ العالمينَ.

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ بِأَنَّكَ أَنْتَ اللهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أَنْتَ الأَحَدُ الصَّمَدُ، عَزَّ جارُكَ وَجَلَّ ثَناؤُكَ وَتَقَدَّسَتْ أَسْماؤُكَ، سَبْحانَكَ وَبِحَمْدِكَ، نَسْأَلُكَ أَنْ تَدْفَعَ عَنَّا شَرَّ كُلِّ ذِي شَرٍّ أَنْتَ آخِذٌ بِناصِيَتِهِ.

الَّلهُمَّ احْفَظْ بِلادَنا مِنْ كَيْدِ الكائِدينَ، وَمَكْرِ الماكِرينَ، اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِكُلِّ مَنْ أَرادَ بِنا سُوءًا يا رَبَّ العالمينَ، اللَّهُمَّ احْفَظْنا بِحِفْظِكَ، وَادْفَعْ عَنَّا بِقُوَّتِكَ، لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلَّا بِكَ، عَّز جارُكَ وَجَلَّ ثَناؤُكَ وَتَقَدَّسَتْ أَسْماؤُكَ سُبْحانَكَ وَبِحَمْدِكَ.

اللَّهُمَّ لا مَهْرَبَ وَلا مَنْجَى مِنْكَ إِلَّا إِلَيْكَ، بِكَ نَسْتَجِيرُ فَأَجِرْنا مِنْ شَرِّ كُلِّ ذِي شَرٍّ أَنْتَ آخِذٌ بِناصِيَتِهِ، اللَّهُمَّ احْفَظْ بِلادَ المسْلِمينَ في كُلِّ مَكانٍ، هَيِّئْ لَهُمْ خَيْرًا يُعَزُّ فِيهِ أَهْلُ طاعَتِكَ، وَيُذَلُّ فِيهِ أَهْلُ مَعْصِيَتِكَ يا رَبَّ العالمينَ.

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الهُدَى وَالتُّقَى وَالعَفافَ وَالرَّشادَ وَالغِنَى، اُسْلُكْ بِنا سَبِيلَ الاسْتِقامَةِ، أَعِنَّا عَلَى الطَّاعَةِ في السِرِّ وَالإِعْلانِ، خُذْ بِنَواصِينا إِلَى ما تُحِبُّ وَتَرْضَى مِنَ الأَعْمالِ يا رَبَّ العالمينَ.

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تُوَفِّقَ وُلاةَ أُمُورِنا إِلَى ما تُحِبُّ وَتَرْضَى، اللَّهُمَّ سَدِّدْهُمْ في أَقْوالِهِمْ وَأَعْمالِهِمْ وَآرائِهِمْ، اللَّهُمَّ مُنَّ عَلَيْهِمْ بِبِطانَةٍ صالحِةٍ تَدُلُّهُمْ عَلضى الخَيْرِ وَتَأْمُرُهُمْ بِهِ، وَاكْفِهِمْ شَرَّ بِطانَةِ السُّوءِ الَّتي تُغَرِّرُهُمْ وَتُضَلُّهُمْ عَنِ الطَّرِيقِ القَوِيمِ.

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ لِوُلاةِ أَمْرِنا كُلَّ خَيْرٍ في العاجِلِ وَالآجِلِ يا رَبَّ العالمينَ، اللَّهُمَّ سَدِّدْهُمْ في أَقْوالِهِمْ وَأَعْمالِهِمْ.

رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الخاسِرِينَ.

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَما صَلَّيْتَ عَلَى إِبْراهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْراهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.

 

الاكثر مشاهدة

3. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات90632 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات87043 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف