الحمد لله ربّ العالمين، أحمده حقّ حمده، لا أُحصي ثناءً عليه هو كما أثنى على نفسه، وأشهدُ أن لا إله إلا الله، إله الأولين والآخرين، لا إله إلا هو الرحمن الرحيم، وأشهدُ أنّ محمداً عبدُ الله ورسولُه، صفيُّه وخليله، خيرتُه من خلقه، عرّفنا بالله، ودلنا على الطريق الموصل إليه، فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اتبع سنته بإحسانٍ إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته...
أهلاً وسهلاً بكم أيّها الأخوة والأخوات في هذه الحلقة الجديدة من برنامجكم{فادعوه بها}، إننا نعني بذلك أسماء الله العظيم،وأسماء الله الكريم، وأسماء الله الرحمن الرحيم، تلك الأسماء الدالة على عظيم ما لله من كمالات في صفاته وأفعاله ومعانٍ تُضاف إليه سبحانه وبحمده.
في هذه الحلقة سنتناولُ اسماً من أسماء الله ـ تعالى ـ ذكره في كتابه، في سورة الحشر، وفي سورة الجمعة، قال الله ـ جلّ في علاه ـ: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ} [الحشر:21] هذا هو الاسم الّذي سنخصص هذه الحلقة للتعرّف عليه، وما له من المعاني الجميلة الثابتة لله، وكيف نحقق الدعاء لله به؟ يقول الله ـ تعالى ـ: {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ}[الجمعة:1] فالقدوس ذكره الله في كتابه في مواضعين، في سورة الحشر، وفي سورة الجمعة.
وهذا الاسم جاء في السنة في ذكر الركوع، وفي الذكر الّذي يختم به المؤمن وتره بعد سلامه، فقد كان النبي ﷺيقول في ركوعه: (سبوح قدوس، ربّ الملائكة والروح)صحيح مسلم (487) وجاء في حديث أبيّ في المسند والسنن أنه كان إذا فرغ من وتره: قال: (سبحان الملك القدوس)سنن النسائي(1729)، ومسند الإمام أحمد (21142).
هذا الاسم من حيث معناه في اللغة: يدور على معنى الطهر، فالقدوس المقدَّس المطهر، المنزه، السالم من كل عيبٍ، ونقصٍ، وشر، وهذا المعنى هو المراد في أسماء الله ـ عز وجلّ ـ فإنّ القدّوس في أسماء الله ـ عز وجلّ ـ دالّ على هذا المعنى، ودال على أنه المُبرّأ من كل عيب، والسالم من كل نقص، والمطهر من كل دنس، ومن كل شرّ وعيب ـ سبحانه وبحمده ـ هذا معنى القدّوس عندما نضيفه إلى الله، فهو المطهر لغيره ـ جلّ في علاه ـ فكلُّ طهرٍ في الدنيا منه ـ سبحانه وبحمده ـ وكل طهرٍ في الآخرة هو منه ـ سبحانه وبحمده ـ فمعنى القدّوس: أي المُبرّأ من كل عيب، ومن كل نقص، ومن كل سوء، ومن كل شر ـ سبحانه وبحمده ـ هذا المعنى هو المفهوم من هذا الاسم العظيم من أسماء الله ـ تعالى ـ وعندما نقول المقدّس المطهر من كل عيب سواءً كانت من العيوب التي أضافها إليه بعضُ الخلق، بهتاناً وزوراً، كقول اليهود: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا}[المائدة:64] وكقولهم: {قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ}[أل عمران:181] فالله منزه عن هذه العيوب والنقائص، التي أضافها إليه الجاهلون من خلقه، كذلك هو المنزه ـ سبحانه وبحمده ـ عن أن يكون له ولد، كمن قال من قال من النصارى الّذين أضافوا إليه ولدا وكذلك اليهود لمّا قالوا : {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ}[التوبة:30] والله مقدّس عن هذا كله ـ سبحانه وبحمده ـ فإنّ تقديسه ـ جلّ في علاه ـ هو أن يُبعد عنه كلُ معنى سيئ، سواءً قيل أو لم يُقل، وسواءً تكلّم به أحد أو توهمه، فإنه منزهٌ عن كل عيبٍ ونقصٍ وشرّ في أسمائه، وفي صفاته، وفي أفعاله ـ سبحانه وبحمده ـ ولهذا يثبت من هذا معنى آخر، أنّه قدّوسٌ يُضافُ إليه كل حمد، فله المحامدُ كلها ـ جلّ في علاه.
كلُ المحامد وصفُ ذا الإحسانِ
سبحانه وبحمده، ليس هناك وصفٌ محمودٌ إلا هو مضافٌ إليه؛ لأنه القدّوس، ومن هنا نعرف أنّ القدّوس أفادنا معنيين، تنزُّه الله ـ جلّ في علاه ـ عن كل عيب ونقصٍ وشرّ يضيفه الناس إليه أو يتوهمونه فيه، ثم أيضاً هو الموصوف بكل حمدٍ وجلالٍ وكمالٍ ـ سبحانه وبحمده ـ فهو القدّوس، ولا تتحقق هذه المعاني إلا بهذين الأمرين، الطهارة من كل عيب، والاتصاف بكل فضلٍ وحمدٍ ومجدٍ ـ سبحانه وبحمده ـ إنّ معنى القدّوس تبين لنا من خلال هذا العرض أنه المنزه عن العيوب، الموصوف بكل كمال، وإذا تأملنا ما أخبر الله ـ تعالى ـ به عن نفسه؛ وجدنا أنه طهر نفسه من كل ما يمكن أن يكون من العيوب، فلمّا يقول الله ـ جلّ في علاه ـ في كتابه الحكيم: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}[يونس: 44]إنه يُخبرنا عن كماله، لمّا يقول الله: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا}[النساء: 40] يخبرنا عن كمال عدله، وأنه منزهٌ عن الظلم، لمّا يقول: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا}[النساء: 87] يخبرنا عن صدق قوله، وأنه لا يتطرق إليه اختلاف ولا توهم ولا كذب، لمّا يقول : {لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى}[طه: 52] يدل على عظيم إتقانه، فهو منزه عن كل هذه العيوب، مطهر عن كل هذه النقائص، ومثله أيضاً قوله ـ جلّ في علاه ـ: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}[الشورى: 11] ومثله: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ}[الإخلاص: 4]ومثله قوله: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا}[مريم:65] كل هذه المعاني الجميلة هي من تقديس الله ـ تعالى ـ وإجلاله، ولهذا لا يتحقق تمامُ التقديس لله ـ عزّ وجل ـ إلا بالعلم به، فمن علم بالله على حقيقته، وكما وصف به نفسه، ووصف به رسوله ﷺإيماناً لا يخالجه ريب ولاشك، ولا تحريف، ولا تعطيل، ولا تمثيل، ولا تكييف، عَلم أنّ الله ـ جلّ في علاه ـ متصفٌ بكل كمال، وأنه القدّوس سبحانه وبحمده.
إنّ هذا الاسم قرنه الله ـ تعالى ـ في القرآن بالملك في قوله ـ تعالى ـ: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ} [الحشر:21] وفي قوله: {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ}[الجمعة:1] وهذا يعطي دلالة أنّ الملك قد يكونُ سبباً للوقوع في شيءٍ من الطيش والطغيان، هذا في الخلق، أمّا ربنا ـ جلّ في علاه ـ فملكه عدلٌ وكمالٌ منزه مطهر عن كل ما يعتري ملك غيره من نقصٍ أو عيبٍ أو شر، فهو المنزه عن كل عيب ـ سبحانه وبحمده ـ وقد جاء قرنُ القدّوس أيضاً باسم السبّوح كما في الركوع في حديث عائشة أن النبي ﷺكان يقول في ركوعه: (سبّوح قدّوس ربّ الملائكة والروح) وهنا معنى المسبّح والمقدّس، والجمع بين هذين الاسمين يعطي دلالة اتصاف الله بكل كمال، واتصافه بالتنزه عن كل عيبٍ ـ سبحانه وتعالى ـ وهنا نعلم أنه لمّا نقول القدّوس فنحن نشير إلى المعنى الآخر في اسم السبوح، حيث إنّ السبوح هو المنزه عن كل عيبٍ ـ سبحانه وبحمده ـ إنّ هذا الاسم العظيم من أسماء الله ـ عز وجلّ ـ ليس مُفسراً بمعنى واحد، كما هو معلوم في أسماء الله ـ تعالى ـ في دلالتها تدل دلالتين: إما أن تدل على معنى واحد من معاني الكمال، وإمّا أن تدل على معاني مجموعة مستفادة من كل ما وصف الله ـ تعالى ـ به نفسه، أو سمى به نفسه أو أخبر به عن نفسه ـ سبحانه وبحمده ـ مَثلت وأعيد التمثيل حتى يتذكر من نسي {الرحمن الرحيم} هذان اسمان يدلان على الرحمة، {الكريم} يدل على الكرم، {القوي} يدل على القوة، وهلمّ جراً { السميع البصير} وما أشبه ذلك من الأسماء التي تدل على معانٍ مفردة، من الكمال الّذي لله، وهناك قسم آخر من أسماء الله ـ عز وجلّ ـ يدل على مجموع ما اتصف به ـ سبحانه وبحمده ـ مثل: المجيد والعظيم والحميد والصمد وكذلك القدّوس، فإنّ القدّوس وصفٌ مستفاد من مجمل ما أخبر الله ـ تعالى ـ به عن نفسه من الأسماء والصفات، إنّ هذا الاسم يتذكره المؤمن فيرى جلال الله وبهاءه وجماله بعين قلبه، ويدرك بفهمه شيئاً من عظمة الله، وجميل صفاته، وبديع صنعه ـ سبحانه وبحمده ـ إنّ الله منزه عن أن يتطرق لأسمائه أو صفاته أو أفعاله شيءٌ من النقص، لذلك تتحقق العبودية التامة عندما يمتلئ قلب المؤمن إيماناً بأنّ الله هو القدّوس.
الملائكة لمّا أخبرهم الله تعالى بأنه خالقٌ بشراً، و{جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ}[البقرة:30] {نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ} أي ننزهك عن كل عيب و {وَنُقَدِّسُ لَكَ} أي نثبتُ لك كل كمال، ونذلُّ لك في كلِ ما تأمرنا به جلّ في علاه، إذاً التقديس ثمرته تحقيق كمال العبودية لله عز وجلّ، وبهذا يتحقق ما أمر الله به المؤمنين في قوله: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا}[الأعراف:180].
اسم الله القدّوس ثمرته، ثمرةُ الإيمان به أن يدعو العبد الله ـ تعالى ـ بهذا الاسم، فيقول: يا قدّوس طهرني من كل عيب ودنس، ولم يرد ذلك في السنة على هذا النحو، لكن وردَ ذكراً تمجيداً وتقديساً لله ـ عز وجلّ ـ وثناءً وهو الدعاء دعاء العبادة، لكن جاء في كلام بعض الشعراء قوله:
يا مَلكٌ قدّوس قدّس سريرتي***وسلّم وجودي يا سلامُ من البَلاَ
هذا من التعبّد لله ـ تعالى ـ بهذا الاسم في المسألةِ والطلب، كذلك يكون في الدعاء دعاء العبادة، أي دعاء الثناء والتمجيد وتحقيق الذل لله ـ عز وجلّ ـ والخضوع بهذا الاسم، بذكره في مواطن الذكر وأنت راكع عندما تقول: (سبوح قدوس ربّ الملائكة والروح) تذكر عظمة الله ـ جلّ وعلا ـ وفي نهاية صلاتك في الوتر بعد قيام ما يَسَر الله لك من قيام الليل، تذكر أنّك عندما تقول: (سبحان الملك القدوس) أنت تقدس الله عن أن تبلغ حقه، فحقه أعظم من أن يقوم به العباد، أو أن يفيهِ أحدٌ، بل لو كافأ الإنسانُ وازنَ بين نعمة من نعم الله وبين عبوديته منذ أن خلقه الله إلى أن يتوفاه، لن يحقق شكر جزءٍ من نعم الله ـ جلّ في علاه ـ العبودية لله ـ عز وجلّ ـ تنطلق من تمام العلم به، وأنه الملك العظيم القدّوس السلام المؤمن، العلم بهذه الأسماء يلقي على القلب مهابةً لله، وتعظيماً له، ومحبةً له، ويحمل العبد على تعظيم دينه، وشعائر الله ـ عز وجلّ ـ فكل ذلك ثمرة الإيمان به، ثمرة الإيمان بأسمائه وصفاته، والعلم به، لذلك قال: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}[فاطر:28]{ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ}[الحج:32] القلوب التي امتلأت معرفةً بالله، ومحبةً له، وتعظيماً له، هي التي ستحقق العبودية له، وتكون كما قالت الملائكة في نفسها: {وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ}.
اللهم إنّا نسألك أن تجعلنا من خالص عبادك، ومن أوليائك وحزبك، وإلى أن نلقاكم في حلقة قادمة من برنامجكم {فادعوه بها} استودعكم الله الّذي لا تضيع ودائعه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.