×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

نموذج طلب الفتوى

لم تنقل الارقام بشكل صحيح

رمضانيات / برامج رمضانية / فإني قريب / الحلقة (6) الأدب في الدعاء

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المشاهدات:3750

الحمدُ للهِ ربِّ السَّماواتِ وربِّ الأَرضِ ربِّ العرشِ العظيمِ، أحمدهُ حقَّ حَمْدِهِ، لا أُحْصِي ثَناءً علَيْهِ هُوَ كَما أَثْنَى علَى نفسِهِ، وأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ إِلَهُ الأوَّلِينَ والآخرينَ لا إلهَ إِلَّا هُوَ الرحمنُ الرحيمُ، وأشهدُ أَنَّ محمَّداً عبدُ اللهِ وَرسولُهُ صَفِيُّهُ وخليلهُ خيرتهُ مِنْ خلقِهِ، اللهُمَّ صَلِّ علِى محمدٍ وعَلَى آلهِ محمَّدٍ كَما صلَّيْتَ إِلَى إبراهِيمَ وعَلَى آلِ إِبْراهِيمَ إِنَّكَ حميدٌ مجيدٌ.

أَمَّا بعدُ:

فالسلامُ عليكُمْ ورحمةُ اللهِ وبركاتهُ، وحَيَّاكُمُ اللهُ أَيُّها الإخوةُ والأَخواتُ في هذهِ الحلقةِ الجديدةِ منْ برنامجكُمْ فَإِنِّي قريبٌ، في هذهِ الحلقةِ إِنْ شاءَ اللهُ تَعالَى نتحدثُ عنِ الأَدَبِ في الدُّعاءِ.

الأَدبُ هُوَ مما جاءتْ بهِ الشريعةُ، بَلِ اللهُ جلَّ في عُلاهُ أَنزلَ هَذا الكتابَ المبينَ، وأرسلَ الرسولَ الأَمينَ صَلَّى اللهُ علَيْهِ وسلَّمَ رحْمَةً لِلعالمينَ، وَإِنَّ سبيلَ تحقيقِ هذهِ السمةِ في الشريعةِ وَهِيَ أَنَّها رحمة للعالمين استعمال الآداب، ولذلك جاءت الشريعة على أكمل ما يكون في تحقيق الآداب في معاملة الله عز وجل وفي معاملة الخلق، يقول الله جل في علاه: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا ﴾[المائدة:3].

وقَدْ كَمَّلَ اللهُ تَعالَى لِنبيِّنا محمدٍ صَلَّى اللهُ علَيْهِ وَسلَّمَ طيِّبَ الأَخْلاقِ وَكَرِيمَ الشمائلِ، وشهِدَ لهُ بِالأَدَبِ العَظِيمِ فَقالَ: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾[القلم:4]، وقدْ قالَ صَلَّى اللهُ علَيْهِ وَسلَّمَ في بَيانِ ما جاءَ بِهِ مِنْ مَكارمِ الأخلاقِ وَطِيبِ الخصالِ: « إنما بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ صالحَ الأَخْلاقِ »، إِنَّ صالحَ الأَخْلاقِ لا يتحقَّقُ إِلَّا بِكَمالِ الأَدَبِ، وَلقَدْ كانَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ في الذُّروةِ مِنْ ذلكَ، فإنَّ خلُقَهُ القُرآنُ كَما وصفتْ عائشةُ رَضِيَ اللهُ عَنْها أَخلاقَهُ لما سُئلتْ عنْ خُلُقِهِ قالَتْ: كانَ خُلُقهُ القُرآنَ، بِأَبي هُوَ وأُمِّي صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ.

إنَّ حقيقةَ الأَدَبِ الَّذِي جاءَ بهِ النبيُّ صَلَّى اللهُ علَيْهِ وَسلَّم هُوَ اسْتِعمالُ الخُلُقِ الجميلِ معَ اللهِ عزَّ وجلَّ بتعظيمهِ وَإجلالهِ ومحبتِهِ وَتوقيرِهِ، وَالقِيامِ بأمرهِ ظاهِراً وباطِناً، إنَّ الأَدبَ الَّذِي جاءَ بهِ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ هُوَ توفيةُ الرسُولِ حقهُ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم بالإيمانِ بِهِ وقَبولِ خبرهِ، وَالإذعانِ لحكْمِهِ، وَتعظيمِ سُنَّتِهِ، والذَّبِّ عَنْ شريعتهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ، إنَّ مِنَ الأَدَبِ الَّذِي جاءَ بهِ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ما يُصْلِحُ به صلةُ الإِنْسانِ بغيرهِ مِنَ الخلقِ، ولذلكَ كانتْ وَصِيَّةُ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّم:َ « اتقِ اللهَ حيثُما كُنْتَ وأَتْبعِ السيئَةَ الحسنةَ تمحُها وخالقِ الناسَ بخلُقٍ حسنٍ »، إِنَّ شريعَةَ الإِسْلامِ جاءتْ آمِرةً بكُلِّ فضيلةٍ، ناهِيةً عنْ كُلِّ رَذِيلَةٍ، يقُولُ اللهُ تعالَى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾[النحل:90]، ويقول سبحانه وبحمده: ﴿ وَذَرُوا ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ ﴾[الأنعام:120]، ويقول جل في علاه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ﴾[التحريم:6]، قال المفسرون: أي: أدبوهم وعلموهم فإنما تتحقق وقاية النفس ووقاية الأهل من النار بتأديبهم وتكميل خصال الخير فيهم.

إن الله تعالى أمر المؤمنين باستعمال الأدب في الغيب والشهادة، بل رتب على استعمال الأدب في الغيب أجراً عظيماً وجعله من صفات المتقين، فقال في وصف المتقين: ﴿ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ ﴾[الأنبياء:49]، وقال في أجرهم وما أعد لهم: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ﴾[الملك:12]، وقال تعالى: ﴿ هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ ﴾ * ﴿ مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ ﴾ * ﴿ ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ ﴾[ق:32-34].

وإنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ علَيهِ وسلمَ نبَّهَ المؤْمِنينَ عَلَى هَذا فسألهُ رجُلٌ كَما في المسندِ وغيرهِ مِنْ حَدِيثِ بهْزِ بْنِ حَكيمٍ عنْ أَبِيهِ عَنْ كَشْفِ العورةِ في حالِ الخلْوَةِ فَقالَ: يا رسولَ اللهِ الرجُلُ يَكُونُ خالِياً أَيَسْتُرُ عورَتَهُ؟ فقالَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: « اللهُ أحقُّ أَنْ يُسْتَحْيَى منهُ منَ الناسِ »، إِنَّ التأدُّبَ مَعَ اللهِ يُوجِبُ كُلَّ صَلاحٍ في الظاهِرِ وَالباطِنِ، لِذلكَ يَنْبَغِي لِلمؤمِنِ أَنْ يَحْفظَ اللهَ تعالَى في السرِّ والعلَنِ، وإذا حققَ المؤمنُ كَمالَ الأَدَبِ بلغَ أَعْلَى مَراتِبِ الدِّينِ وَهِيَ دَرجةُ الإِحْسانِ الَّتي بيَّنَها الرسولُ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّم لما سألَهُ عنِ الإِحْسانِ قالَ: « أنْ تعبدَ اللهَ كأنَّكَ تَراهُ فإنْ لم تكُنْ تَراهُ فإنهُ يَراكَ ».

فالآدابُ بِها يتحققُ كَمالُ العُبوديَّةِ للهِ عزَّ وجلَّ، وبها يتحققُ كَمالُ الصَّلاحِ فِيما بينَ الإِنْسانِ وغيرهِ مِنَ الخلْقِ.

إنَّ الأَدبَ زينةُ كُلِّ شَيءٍ لذلكَ قِيلَ:

 لكُلِّ شيءٍ زينةٌ في الوَرى * وزينةُ المرءِ تمامُ الأَدبِ

قدْ يُشرفُ المرءُ بآدابهِ * فِينا وإنْ كانَ وَضِيعَ النسبِ.

الأَدبُ سُلُوكُ الأَنْبياءِ، وهُوَ سمةُ الأَتْقياءِ، هُوَ مُقْتَضَى الحكْمَةِ، هُوَ طَرِيقُ الأَولياءِ، مَنِ استعمَلَ الأَدبَ ارتفَعَ، وَمَنْ تركهُ سَفلَ ووُضِعَ، وَلذلكَ قِيلَ: مَنْ زادَ علَيْكَ في الخلْقِ زادَ عليْكَ في الدِّينِ.

إنَّ المؤمِنَ يبذُلُ جهدهُ في تحقِيقِ الأَدَبِ مَعَ اللهِ تَعالَى، في مُعاملَتِهِ لربِّهِ في السرِّ والإِعلانِ بِالتزامِ أمرهِ، وَطاعتِهِ فِيما أَمَرَ بهِ امْتِثالاً، وَفِيما نهَى عنهُ تَكْراً وَاجْتنابا، وإذا تحقق للعبد ذلك فاز فوزاً عظيماً، فالأدب في مقام معاملة الله عز وجل عظيم الشأن كبير المقام، وجماع الأدب الأخذ بمكارم الأخلاق والوقوف مع المستحسنات.

إن الأدب مع الله تعالى يستعمل في الأحوال كلها، لذلك ينبغي للمؤمن أن يحرص على التحلي بالآداب في كل العبادات وفي كل الأعمال، ولذلك تكلم العلماء رحمهم الله عن الآداب الشرعية في معاملة الخالق، وفي معاملة الخلق، وفي خاصة الإنسان، وفيما بينه وبين نفسه.

وإن من الآداب التي ينبغي للمؤمن أن يراعيها: الأدب مع الله تعالى في سؤاله وطلبه، في دعائه ومناجاته، فإن الأدب معه جل في علاه من موجبات قبول العمل، لذلك استعمال الأدب في العبادة دليل قبولها، فيبغي للمؤمن أن يحرص على التأدب مع الله تعالى في عباداته كلها، ومن ذلك الأدب معه في الدعاء.

إن الأدب في الدعاء يقوم على ثلاث مرتكزات:

الأول: أدب في القلب بأن يكون سالماً من الشرك وسوء الظن بالله تعالى فإنه ما وصل العبد إلى الله عز وجل بمثل التوحيد والإخلاص، كما أن حسن الظن جالب لكل خير، قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الإلهي: « إن عند ظن عبدي بي »، وجماع حسن الظن بالله تعالى يقوم على أمرين:

الأمر الأول: اعتقادك كمال غنى الله عز وجل.

والثاني: اعتقادك عظيم قدرته، وأنه على كل شيء قدير، فمن كمل في قلبه أن الله غني حميد، وأن الله على كل شيء قدير أيقن بأن الله تعالى يجيب الدعوات، وحقق بذلك ما جاء به الأمر في قوله صلى الله عليه وسلم: « ادعوا وأنتم موقنون بالإجابة ».

وإن مما يتعلق بأدب القلب في الدعاء: التضرع لله تعالى بالذل والانكسار بين يديه، وإظهار الافتقار إليه جل في علاه، واذكر في هذا قول موسى عليه السلام: ﴿ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ﴾[القصص:24].

المرتكز الثاني الذي يتحقق به الأدب مع الله تعالى: الأدب في اللسان، وذلك يتضمن جملةً من الخصال منها: أن يبدأ بحمد الله تعالى والثناء عليه، وأن يصلي على النبي  صلى الله عليه وسلم، وأن يعزم المسألة ولا يتردد، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « إذا دعا أحدكم فليعزم المسألة ولا يقل: اللهم اغفر لي وارحمني إن شئت فإن الله لا مكره له ».

ومن الأدب المتعلق باللسان والقلب: أن لا يستعجل في إجابة الدعاء فإنه جل وعلا على كل شيء قدير، وهو سبحانه وبحمده يعطي لحكمه، ويمنع لحكمه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: « يستجاب لأحدكم ما لم يعجل فيقول: قد دعوت فلم يستجب لي ».

إن ثالث المرتكزات التي يقوم عليها الأدب في الدعاء: هو أن يتأدب مع الله تعالى في مضمون سؤاله فلا يعتدي في مضمون السؤال بأن يسأل ما لا يحل له، أو ما لا يجوز، كأن يسأل الله تعالى يسير معصية، أو يسأله جل وعلا الإعانة على ظلم أو باطل أو زور أو شر، إن ذلك من الاعتداء في الدعاء المندرج في قوله تعالى: ﴿ ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾[الأعراف:55].

وبهذه المرتكزات الثلاثة: الأدب في القلب، الأدب في اللسان، الأدب في مضمون السؤال، يكمل الأدب مع الله عز وجل في الدعاء.

اللهم ألهمنا رشدنا، وقنا شر أنفسنا، وأهدنا سبل السلام، ارزقنا الأدب معك في السر والإعلان.

وإلى أن نلقاكم في حلقة قادمة من برنامجكم فإني قريب، أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الاكثر مشاهدة

4. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات96073 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات91835 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف