×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

مرئيات المصلح / برامج المصلح / فادعوه بها -3 / الحلقة التاسعة: وكان الله بكل شي عليما

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، كما يحب ربنا ويرضى، أحمده سبحانه هو أحق من حمد، وأجل من ذكر، له الحمد في الأولى والآخرة، وهو الحكيم الخبير، أحمده سبحانه على نعمه الكثيرة، وآلائه الجسيمة، لا أحصي ثناء عليه هو كما أثنى على نفسه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، أما بعد:

فحياكم الله...وأهلا وسهلا بكم أيها الأخوة والأخوات في هذه الحلقة الجديدة من برنامجكم{فادعوه بها} ذاك البرنامج الذي نتناول فيه أسماء الله تعالى ونرجو الله أن يرزقنا وإياكم العلم بها، نحاول أن نقرب معاني هذه الأسماء، نقف عند بعض مدلولاتها، ونتلمس شيئا من أسرارها، فأفضل العلم وأشرفه هو العلم بالله، والعلم بالله طريق معرفة ما أخبر الله تعالى به عن نفسه، وإدراك ما ذكره الله في كتابه من أسمائه وصفاته، فإن ذلك يفتح بابا عظيما من أبواب المعرفة والعلم، وقد قال الله تعالى في كتابه: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها}+++[الأعراف:180]--- فدل ذلك على أن العلم به طريق تحقيق العبودية له: {فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك}+++[محمد:19]---.

في هذه الحلقة نتناول اسما من أسماء الله عز وجل إنه اسم الله تعالى {المحيط} فمن أسمائه الحسنى التي ذكرها في كتابه جل في علاه أنه المحيط سبحانه وبحمده جاء هذا الاسم في جملة من المواضع في كتاب الله تعالى يقول الله تعالى : {ألا إنهم في مرية من لقاء ربهم ألا إنه بكل شيء محيط}+++[فصلت:54]--- ويقول جل وعلا في محكم كتابه: {قال ياقوم أرهطي أعز عليكم من الله واتخذتموه وراءكم ظهريا إن ربي بما تعملون محيط}+++[هود:92]---  وقال جل وعلا : {أو كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت والله محيط بالكافرين}+++[البقرة:19]---   ويقول الله تعالى مخاطبا رسوله: {وإذ قلنا لك إن ربك أحاط بالناس}+++[الإسراء:60]---  هذه جملة من الآيات التي يخبر الله تعالى فيها عن نفسه بهذا الاسم وهذا الوصف، وهو أنه سبحانه وبحمده محيط.

كلمة محيط مشتقة من حوط {والحاء، والواو، والطاء} في اللغة تدل على عدة معان، من خلالها نستطيع أن نفهم معنى هذا الوصف، الذي وصف الله تعالى به نفسه في كتابه، فمادة حوط التي هي أصل هذا الاسم {محيط} تدل على حفظ الشيء والتعهد به وصيانته، فتقول حاط الشيء يحوطه، يحفظه بمعنى يحفظه ويتعاهده، وإذا هذا معنى من معاني الإحاطة، ومعنى أحاط يحيط محيطا أنه يحفظ ويتعهد بالشيء، ويدل أيضا تدل هذه المادة على الحذر وأخذ الانتباه، والأخذ بالأوثق من الأمور، ومنه احتاط الرجل أي أخذ في أموره بالحزم، واحتاط الرجل لنفسه أي أخذ بالثقة، وما أشبه ذلك من الأمور التي تدل على الحذر والعناية والاهتمام بالشيء والصيانة له.

إذا عندنا الآن معنى الحفظ والتعهد والصيانة، ومعنى أيضا الأخذ بالحزم والحذر فيما يتعلق بأصل هذه المادة، وتطلق مادة الإحاطة على الاستيعاب للشيء، والإحاطة والإحداق به من كل جانب، ومنه سمي الحائط حائطا؛ لأنه يحيط بالشيء فيلم جميع أطرافه، ويأتي به من كل جهاته، فيكون قد أحاط به، وهذا مما يفيده هذا اللفظ، ومما يؤخذ من هذه الكلمة.

إذا إذا أردنا أن نعرف معنى المحيط في اللغة، عرفنا أنه بمعنى الحفظ والتعاهد، وبمعنى الأخذ بالأوثق والحذر، وبمعنى الإحاطة بالشيء من جوانبه، والاستيعاب له، ومن هذا المعنى تطلق الإحاطة على الأخذ في مقام العقوبة، أحاط به كذا أي عاقبه ونزلت به العقوبة على وجه لا ينفك منه، كقوله تعالى : {وأحيط بثمره فأصبح يقلب كفيه}+++[الكهف:42]--- {وأحيط بثمره} أي أهلك هذا الثمر من كل جانب، ولم يتخلص منه شيء، فقد استوعب الهلاك والعقاب كل ثمره.

من هذه المعاني اللغوية ندلف وندخل في المعنى الاصطلاحي أو المعنى الشرعي أو المعنى القرآني لهذا اللفظ، فالله تعالى أنزل القرآن بلسان عربي مبين، لا يمكن فهمه إلا بفهم لسان العرب، وقد عرفنا معنى الإحاطة ومعنى محيط في اللغة حسب ما سبق الإشارة إليه، ننتقل إلى معناه في الاستعمال القرآني، الله تعالى ذكر هذا الوصف له في مواضع عديدة لإثبات كمال صفاته جل في علاه فالمحيط لا يدل على فقط معنى واحد، بل يدل على معان عديدة في العلم، والقدرة، وسائر ما وصف الله تعالى به نفسه، يقول الله تعالى في كتابه: {ولله ما في السماوات وما في الأرض وكان الله بكل شيء محيطا}+++[النساء:126]---  أثبت الله تعالى إحاطته بكل شيء، هذه الإحاطة إحاطة قدرة، إحاطة خلق، إحاطة قوة، إحاطة علم، إحاطة سمع، إحاطة بصر، إحاطة رعاية، إحاطة تدبير، فجميع معاني الربوبية ثابتة لله عز وجل على وجه الكمال من هذا الاسم، فالإحاطة لا تستقل بمعنى واحد من هذه المعاني: {ألا إنهم في مرية من لقاء ربهم ألا إنه بكل شيء محيط}+++[فصلت:54]--- وهذا كالآية السابقة في إثبات عموم إحاطة الله بكل شيء، في هذا الكون، بكل ما فيه من سماء وأرض وخلق، الله تعالى محيط بذلك كله، وقد قال الطبري -رحمه الله- في تفسير قوله: {ألا إنه بكل شيء محيط} قال: إن الله بكل شيء مما خلق محيط، عالما بجميعه، وقدرته عليه، لا يعزب عنه علم شيء منه، أراده فيفوته، ولكنه المقتدر عليه، العالم بمكانه.+++تفسير الطبري (21/495)---

إذا يتلخص لنا من كلام المفسرين لمعنى المحيط، أنه الملم المحيط بكل خلقه، وبجميع ما في سماواته وأرضه علما، وقدرة، وقوة، وقهرا، وسائر معاني الربوبية الثابتة له جل في علاه فالله عز وجل محيط بالأشياء كلها، لأنها تحت قدرته، لا يمكن لها الخروج عن إرادته، ولا يمتنع عليه منها شيء، بل كل شيء بأمره سبحانه وتعالى : {أحاط بكل شيء علما}+++[الطلاق:12]--- علم كل شيء على الحقيقة، لا يفوته جل وعلا من شأن خلقه شيء، محيط قدرة وعلما، وإرادة، وتصريفا، وهذه المعاني العظيمة لله عز وجل كلها ثابتة على وجه الكمال، على وجه ليس له فيها نظير ولا له فيها مثيل سبحانه وبحمده ولهذا يؤمن العبد بأن الله هو العليم:

وهو العليم أحاط علما بالذي*** في الكون من سر ومن إعلان

وبكل شيء علمه سبحانه*** فهو المحيط وليس ذا نسيان

وكذاك يعلم ما يكون غدا وما*** قد كان والموجود في ذا الآن

وكذاك أمر لم يكن لو كان كيف*** يكون ذاك الأمر ذا إمكان

إذا هذا فيما يتعلق بصفة من صفات الله تعالى تعلق الإحاطة بهذه الصفة يدل على سعة العلم، وسع الله تعالى كل شيء علما، وسع إحاطة بكل خلقه سبحانه وبحمده مما يجعل المؤمن يثق بالله تعالى تمام الثقة، ويكل إليه الأمر تمام الإيكال، ويكتفي به عما سواه، ويفوض أمره إليه، فالله تعالى بكل شيء محيط سبحانه وبحمده إن المؤمن إذا أدرك هذا المعنى، وأن الله بكل شيء محيط، علما وقدرة، امتلأ قلبه هيبة وخوفا من الله عز وجل وحياء منه سبحانه وبحمده وانكفافا عن السوء والشر، يقول الله تعالى : {يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول وكان الله بما يعملون محيطا}+++[النساء:108]--- الله محيط بكل عملك، بكل ما يكون منك، في سر وفي إعلان، وفي قوة وفي ضعف، وفي ما يتعلق بطاعته، وفي ما يتعلق بمعصيته، لا يخفى عليه شيء من شأنك، يقول الله في كتابه: {وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون}+++[فصلت:22]--- هذا الإيقان بهذا الوصف يحمل المؤمن على أن يكون محترزا في قوله، وفي عمله، لأن الله به محيط، والإحاطة فقط وصف له على وجه الكمال، لكنها لا تقتصر فقط على الظاهر، بل على الظاهر والباطن، وهو العليم جل وعلا بالخواطر واللواحظ، والأفكار، والهواجس،ما كان في السر وما كان في الإعلان.

لذلك ينبغي للمؤمن أن يحتاط في ظاهره وباطنه، وأن لا يكون في باطنه على حال لا يرضي الله، ويقول أكتفي بظاهري في تحقيق الاستقامة والصلاح، بل لا بد أن يتوافق الظاهر والباطن، ليتحقق كمال الصلاح والاستقامة للعبد، كما أن إدراك العبد بأن الله محيط، يحمله على الخوف من عقابه إذا وقع في شيء من مخالفة أمره، فيحمله ذلك على التوبة، لأن لا مفر: {كلا لا وزر (11) إلى ربك يومئذ المستقر (12)} +++[القيامة:11 : 12]--- فإلى أين تفر من الله عز وجل لا بد أن تعرف أنه لا ملجأ منه إلا إليه، ولا مهرب منه إلا إليه، فعد إلى الله صادقا إذا أذنبت، إذا أخطأت، لا تظن أنك تستطيع الخلاص من عقوبة الله تعالى ومن أخذه، فالله على كل شيء قدير وهو: {بكل شيء محيط}+++[فصلت:54]--- بل عد إلى الله عز وجل تائبا آيبا، وأبشر فهو: {الغفور الرحيم} وهو البر الكريم، وهو ذو الجود والإحسان، وهو الذي يفرح بتوبة العبد إذا تاب إليه، وهو المتفضل الذي: {إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين}+++[البقرة:222]--- إذا أدركت إحاطة الله بك، وأنه لا مفر ولا وزر دونه أجل في علاه فليس لك إلا أن تحقق ما أمرك الله تعالى به: {ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين}+++[الذريات:50]---

أسأل الله العظيم رب العرش الكريم، أن يرزقني وإياكم الفرار إليه، وصدق الإيمان به، وأن يجعلنا وإياكم من حزبه وأوليائه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، إلى أن ألقاكم في حلقة قادمة من برنامجكم{فادعوه بها} أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه...

المشاهدات:3687

الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، كما يحب ربنا ويرضى، أحمده سبحانه هو أحقُّ من حُمد، وأجلُّ من ذُكر، له الحمدُ في الأولى والآخرة، وهو الحكيم الخبير، أحمده ـ سبحانه ـ على نعمه الكثيرة، وآلائه الجسيمة، لا أحصي ثناءً عليه هو كما أثنى على نفسه، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أنّ محمداً عبدُ الله ورسولُه، اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، أمّا بعد:

فحيّاكم الله...وأهلاً وسهلاً بكم أيها الأخوةُ والأخوات في هذه الحلقةِ الجديدة من برنامجكم{فادعوه بها} ذاك البرنامج الّذي نتناولُ فيه أسماء الله ـ تعالى ـ ونرجو الله أن يرزقنا وإياكم العلم بها، نحاول أن نقرّب معاني هذه الأسماء، نقف عند بعض مدلولاتها، ونتلمس شيئاً من أسرارها، فأفضلُ العلمِ وأشرفه هو العلم بالله، والعلمُ بالله طريق معرفة ما أخبر الله ـ تعالى ـ به عن نفسه، وإدراك ما ذكره الله في كتابه من أسمائه وصفاته، فإنّ ذلك يفتح باباً عظيماً من أبواب المعرفة والعلم، وقد قال الله ـ تعالى ـ في كتابه: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا}[الأعراف:180] فدل ذلك على أن العلم به طريق تحقيق العبودية له: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ}[محمد:19].

في هذه الحلقة نتناول اسماً من أسماء الله ـ عز وجلّ ـ إنه اسم الله ـ تعالى ـ {المحيط} فمن أسمائه الحسنى التي ذكرها في كتابه ـ جلّ في علاه ـ أنه المحيط ـ سبحانه وبحمده ـ جاء هذا الاسم في جملة من المواضع في كتاب الله ـ تعالى ـ يقول الله ـ تعالى ـ: {أَلَا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَاءِ رَبِّهِمْ أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ}[فصلت:54] ويقول ـ جلّ وعلا ـ في محكم كتابه: {قَالَ يَاقَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ}[هود:92]  وقال ـ جلّ وعلا ـ: {أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ}[البقرة:19]   ويقول الله ـ تعالى ـ مخاطباً رسوله: {وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ}[الإسراء:60]  هذه جملة من الآيات التي يُخبرُ الله ـ تعالى ـ فيها عن نفسه بهذا الاسم وهذا الوصف، وهو أنه ـ سبحانه وبحمده ـ محيط.

كلمة محيط مشتقة من حَوَطَ {والحاء، والواو، والطاء} في اللغة تدل على عدة معانٍ، من خلالها نستطيع أن نفهم معنى هذا الوصف، الّذي وصف الله ـ تعالى ـ به نفسه في كتابه، فمادة حوط التي هي أصل هذا الاسم {محيط} تدل على حفظ الشيء والتعهد به وصيانته، فتقول حاط الشيء يحوطه، يحفظه بمعنى يحفظه ويتعاهده، وإذاً هذا معنى من معاني الإحاطة، ومعنى أحاط يحيطُ محيطاً أنه يحفظُ ويتعهد بالشيء، ويدل أيضاً تدل هذه المادة على الحذر وأخذ الانتباه، والأخذ بالأوثق من الأمور، ومنه احتاط الرجل أي أخذ في أموره بالحزم، واحتاط الرجل لنفسه أي أخذ بالثقة، وما أشبه ذلك من الأمور التي تدل على الحذر والعناية والاهتمام بالشيء والصيانة له.

إذاً عندنا الآن معنى الحفظ والتعهد والصيانة، ومعنى أيضاً الأخذ بالحزم والحذر فيما يتعلق بأصل هذه المادة، وتُطلق مادة الإحاطة على الاستيعاب للشيء، والإحاطة والإحداق به من كل جانب، ومنه سُمّي الحائط حائطاً؛ لأنه يحيطُ بالشيء فيلمُّ جميع أطرافه، ويأتي به من كل جهاته، فيكون قد أحاط به، وهذا مما يفيده هذا اللفظ، ومما يؤخذ من هذه الكلمة.

إذاً إذا أردنا أن نعرف معنى المحيط في اللغة، عرفنا أنه بمعنى الحفظ والتعاهد، وبمعنى الأخذ بالأوثق والحذر، وبمعنى الإحاطة بالشيء من جوانبه، والاستيعاب له، ومن هذا المعنى تُطلق الإحاطة على الأخذ في مقام العقوبة، أحاط به كذا أي عاقبه ونزلت به العقوبة على وجهٍ لا ينفكُّ منه، كقوله ـ تعالى ـ: {وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ}[الكهف:42] {وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ} أي أُهلك هذا الثمر من كل جانب، ولم يتخلّص منه شيء، فقد استوعب الهلاكُ والعقابُ كل ثمره.

من هذه المعاني اللغوية نَدلف وندخل في المعنى الاصطلاحي أو المعنى الشرعي أو المعنى القرآني لهذا اللفظ، فالله ـ تعالى ـ أنزل القرآن بلسان عربيّ مبين، لا يمكن فهمه إلا بفهم لسان العرب، وقد عرفنا معنى الإحاطة ومعنى محيط في اللغة حسب ما سبق الإشارة إليه، ننتقل إلى معناه في الاستعمال القرآني، الله ـ تعالى ـ ذكر هذا الوصف له في مواضع عديدة لإثباتِ كمال صفاته ـ جلّ في علاه ـ فالمحيط لا يدل على فقط معنى واحد، بل يدل على معانٍ عديدة في العلم، والقدرةِ، وسائر ما وصف الله ـ تعالى ـ به نفسه، يقول الله ـ تعالى ـ في كتابه: {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطًا}[النساء:126]  أثبت الله ـ تعالى ـ إحاطته بكل شيء، هذه الإحاطة إحاطة قدرة، إحاطة خلق، إحاطة قوة، إحاطة علم، إحاطة سمع، إحاطة بصر، إحاطة رعاية، إحاطة تدبير، فجميع معاني الربوبية ثابتة لله عز وجلّ على وجه الكمال من هذا الاسم، فالإحاطة لا تستقل بمعنى واحد من هذه المعاني: {أَلَا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَاءِ رَبِّهِمْ أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ}[فصلت:54] وهذا كالآية السابقة في إثبات عموم إحاطة الله بكل شيء، في هذا الكون، بكل ما فيه من سماء وأرض وخلق، الله ـ تعالى ـ محيطٌ بذلك كله، وقد قال الطبري -رحمه الله- في تفسير قوله: {ألا إنه بكل شيءٍ محيط} قال: إنّ الله بكل شيءٍ مما خلق محيط، عالماً بجميعه، وقدرته عليه، لا يعزبُ عنه علمُ شيءٍ منه، أراده فيفوته، ولكنه المقتدر عليه، العالمُ بمكانه.تفسير الطبري (21/495)

إذاً يتلخص لنا من كلام المفسرين لمعنى المحيط، أنه الملمُّ المحيطُ بكل خلقه، وبجميع ما في سماواته وأرضه علماً، وقدرةً، وقوةً، وقهراً، وسائر معاني الربوبية الثابتة له ـ جلّ في علاه ـ فالله ـ عز وجلّ ـ محيطٌ بالأشياء كلها، لأنها تحت قدرته، لا يمكن لها الخروج عن إرادته، ولا يمتنع عليه منها شيء، بل كل شيء بأمره ـ سبحانه وتعالى ـ: {أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا}[الطلاق:12] عَلم كل شيء على الحقيقة، لا يفوته ـ جلّ وعلا ـ من شأن خلقه شيء، محيطٌ قدرةً وعلماً، وإرادةً، وتصريفاً، وهذه المعاني العظيمة لله ـ عز وجلّ ـ كلها ثابتة على وجه الكمال، على وجه ليس له فيها نظير ولا له فيها مثيل ـ سبحانه وبحمده ـ ولهذا يؤمن العبد بأن الله هو العليم:

وهو العليم أحاط علماً بالّذي*** في الكون من سرٍّ ومن إعلانِ

وبكل شيءٍ علمُهُ سبحانه*** فهو المحيطُ وليس ذا نسيانِ

وكذاكَ يعلمُ ما يكونُ غداً وما*** قدْ كانَ والموجودَ في ذا الآنِ

وكذاكَ أمرٌ لمْ يكنْ لو كانَ كيف*** يكونُ ذاكَ الأمرُ ذا إمكانِ

إذاً هذا فيما يتعلق بصفة من صفات الله ـ تعالى ـ تَعلّق الإحاطة بهذه الصفة يدلُّ على سَعة العلم، وَسع الله ـ تعالى ـ كل شيءٍ علما، وَسع إحاطةً بكلِ خلقه ـ سبحانه وبحمده ـ مما يجعل المؤمن يثق بالله ـ تعالى ـ تمام الثقة، ويَكل إليه الأمر تمام الإيكال، ويكتفي به عمّا سواه، ويفوض أمره إليه، فالله ـ تعالى ـ بكل شيءٍ محيط ـ سبحانه وبحمده ـ إنّ المؤمن إذا أدرك هذا المعنى، وأن الله بكل شيءٍ محيط، علماً وقدرة، امتلأ قلبه هيبةً وخوفاً من الله ـ عز وجلّ ـ وحياءً منه ـ سبحانه وبحمده ـ وانكفافاً عن السوء والشر، يقول الله ـ تعالى ـ: {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا}[النساء:108] الله محيط بكل عملك، بكل ما يكونُ منك، في سرٍّ وفي إعلان، وفي قوةٍ وفي ضعف، وفي ما يتعّلق بطاعته، وفي ما يتعلّق بمعصيته، لا يخفى عليه شيءٌ من شأنك، يقول الله في كتابه: {وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ}[فصلت:22] هذا الإيقان بهذا الوصف يحمل المؤمن على أن يكون محترزاً في قوله، وفي عمله، لأنّ الله به محيط، والإحاطة فقط وصفٌ له على وجه الكمال، لكنها لا تقتصرُ فقط على الظاهر، بل على الظاهر والباطن، وهو العليمُ جلّ وعلا بالخواطر واللواحظ، والأفكار، والهواجس،ما كان في السرّ وما كان في الإعلان.

لذلك ينبغي للمؤمن أن يحتاط في ظاهره وباطنه، وأن لا يكون في باطنه على حالٍ لا يرضي الله، ويقول أكتفي بظاهري في تحقيق الاستقامة والصلاح، بل لا بدّ أن يتوافق الظاهر والباطن، ليتحقق كمالُ الصلاح والاستقامة للعبد، كما أنَّ إدراك العبد بأنّ الله محيط، يحمله على الخوفِ من عقابه إذا وقع في شيءٍ من مخالفة أمره، فيحمله ذلك على التوبة، لأن لا مفر: {كَلَّا لَا وَزَرَ (11) إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ (12)} [القيامة:11 : 12] فإلى أين تفر من الله ـ عز وجلّ ـ لا بدّ أن تعرف أنه لا ملجأ منه إلا إليه، ولا مهرب منه إلا إليه، فعُد إلى الله صادقاً إذا أذنبت، إذا أخطأت، لا تظن أنّك تستطيع الخلاص من عقوبة الله ـ تعالى ـ ومن أخذه، فالله على كل شيءٍ قدير وهو: {بكل شيءٍ محيط}[فصلت:54] بل عُد إلى الله ـ عز وجلّ ـ تائباً آيباً، وأبشر فهو: {الغفور الرحيم} وهو البرُّ الكريم، وهو ذو الجودِ والإحسان، وهو الّذي يفرح بتوبة العبد إذا تاب إليه، وهو المتفضل الّذي: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}[البقرة:222] إذا أدركت إحاطة الله بك، وأنه لا مفر ولا وزر دونه ـ أجلّ في علاه ـ فليس لك إلا أن تحقق ما أمرك الله ـ تعالى ـ به: {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ}[الذريات:50]

أسأل الله العظيم ربّ العرش الكريم، أن يرزقني وإياكم الفرار إليه، وصدق الإيمان به، وأن يجعلنا وإياكم من حزبه وأوليائه، وصلى الله وسلّم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، إلى أن ألقاكم في حلقة قادمة من برنامجكم{فادعوه بها} أستودعكم الله الّذي لا تضيع ودائعه...

الاكثر مشاهدة

4. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات93793 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات89655 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف