المقدم:صاحب الفضيلة يعني من الأسئلة التي تكثر وترد حول دعاء الصائم عند فطره، وأن هذا من مواطن إجابة الدعاء، نريد أن نقف يا شيخ أولًا مع الأحاديث الواردة في ذلك ومدى صحتها، ثم يا شيخ نلحظ أيضًا أن بعض الصائمين أحيانًا ربما فوت سنة تعجيل الفطر فيجلس ربما يدعو أحيانًا وقد ينتهي المؤذن لا هو الذي تابع المؤذن، ولا هو الذي أفطر وعجل في فطره، ما توجيهكم حفظكم الله؟
الشيخ:الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد...
فالدعاء من أجل العبادات، وأعظم القروبات يكثر فيه أمر الله ـ تعالى ـ به، ووعيده ـ جل في علاه ـ لمن تركه وتخلف عنه، يقول الله ـ تعالى ـ: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾[غافر:60]، فالدعاء مما أمر الله ـ تعالى ـ به وحذر من تركه، وتوعد على الإعراض عنه، وجاء في الترمذي من حديث النعمان بن البشير ـ رضي الله عنه ـ قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «الدُّعاءُ هو العِبادةُ»سنن أبي داود (1479)، وسنن الترمذي (2969) حديث النعمان بن البشير، فمنزلة الدعاء رفيعة وعليه ومقامه كبير.
لكن الدعاء له خاصية في كل أركان الإسلام، ومنها الصوم يعني الدعاء موجود في الصلاة وله مكانة كبرى، موجود في الزكاة فإنه يدعى يسن أن يدعى لبذل الزكاة، وموجد في الصوم وسيأتي بيان ذلك بعد قليل، وموجود في الحج فإنه: «خيرُ الدعاءِ دعاءُ يومِ عرفةَ وخيرُ ما قلتُ أنا والنبيونَ مِن قبلي لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له له الملكُ وله الحمدُ وهو على كلِّ شيءٍ قديرٌ»سنن الترمذي (3585)، الدعاء له صلة بالصيام من حيث أن الله ـ تعالى ـ في سياق ذكر أحكام الصيام ذكر سؤال الناس عن الله ـ عز وجل ـ في قوله ـ تعالى ـ: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾[البقرة:186].
هذا تفسير للقرب وأنه قرب يقتضي أنه ـ جل وعلا ـ يجيب دعوة الداعي إذا دعاه، هذا الذكر لآية إجابة الدعاء في ثنايا آية الصيام يتضمن إشارة واضحة في أن الدعاء في الصوم له خصوصية، هذا إذا كان صيامًا عاديًا أما رمضان خصوصًا في ليله ونهاره، فإنه من مظان إجابة الدعاء ذاك أنه كثي الخيرات، تفتح فيه أبواب الرحمن، وتفتح فيه أبواب السماء، وتفتح فيه أبواب الجنان، وتغلق فيه أبواب النيران، وينادي منادي يا باغي الخير أقبل، الخير بالثواب والخير بإجابة السؤال، فمظنة إجابة الدعاء في رمضان في ليله وناهره كبيرة وحري بالمؤمن أن يستغل أوقات رمضان ليلًا ونهارًا بالدعاء.
الدعاء في أثناء الصيام ورد فيه حديثان: حديث أبي هريرة، وحديث عبد الله بن عمر بن العاص ـ رضي الله عنهما ـ حديث أبي هريرة فيه: «ثلاثَةٌ لا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ : الصَّائِمُ حينَ يُفْطِرُ ، والإِمامُ العَادِلُ، ودَعْوَةُ المَظْلومِ؛ يَرْفَعُها فَوْقَ الغَمامِ ، وتُفَتَّحُ لها أبوابُ السَّماءِ ؛ ويقولُ الرب: وعزَّتي لَأنْصُرَنَّكِ ولَوْ بعدَ حِينٍ» سنن الترمذي (2526)، وسنن ابن ماجة (1752) فذكر منهم دعوة الصائم. حديث عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنه ـ ذكر التوقيت أحرى ما يكون من أوقات إجابة الصائم وهو قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «للصائِمِ عندَ إفطارِهِ دعوةٌ مستجابَةٌ».سنن ابن ماجة (1753)
الأحاديث من حيث النظر إلى أسانيدها لا تخلو من مقال، لكن ما دلت عليه باجتماع هذين الطريقين، هذين المخرجين إضافة لدلالة الآية يُشعر ويدل على أن الدعاء في وقت الصيام من مواطن الإجابة، على القول بأن الدعاء مجاب عند الفطر كما دل عليه حديث عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنه ـ فإن ذلك يكون أثناء الفطر، قبل الفطر، مع الفطر، بعد الفطر، ليس هناك تحديد عند فطره يشمل كل هذا، فالعندية هنا تشمل أثناء الإفطار، قبل الإفطار بقليل عند حضور وقته، بعد الإفطار، بعد الآذان ووقت الإفطار في كل ما يحيط، كل ما يتحقق أنه عند الإفطار، والعندية هنا نسبية وليست موضحة بالدقائق الفاصلة.
وفي بعض الناس كما ذكرت يعني يغلب جانب الدعاء على المبادرة إلى الفطر وهذه مسألة يعني سنأتي عليها بعد قليل لكن السنة أن يكثر من الدعاء في لك صومه، وفي كل ليالي رمضان في نهار رمضان وفي لياليه، هذا الذي يظهر أنه مندوب إليه وهو من موطن الإجابة، وينبغي للمؤمن أن يتحرى من الدعاء أجمعه، وأجمع ما في الدعاء ما كان من أدعية النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ففيها خير كثير.
فيما يتعلق بتحري وقت الإفطار وتأخير الفطر لأجل الدعاء هذا مخالف للسنة؛ لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال كما في الصحيحين من حديث أبي حازم عن سهل بن سعد: » لا يَزَالُ النَّاسُ بخَيْرٍ ما عَجَّلُوا الفِطْر»صحيح البخاري (1957)، فتعجيل الفطر مندوب وهو دلالة الخيرية على الأمة، وهو امتثال لأمر الله ـ تعالى ـ اشتغال بطاعته عن سؤاله، وقد جاء في حديث أبي سعيد في السنن: «منْ شغلهُ ذِكري عنْ مسألَتي، أعطيتُهُ أفضلَ ما أُعطي السائلينَ»سنن الترمذي (2926)، والذكر هنا يشمل ذكر القلب، ذكر اللسان، وذكر الجوارح بامتثال أمر الله.
من أشغله ذكري عن مسألتي، هذا الذي اشتغل بالفطر امتثالًا لأمر الله، اشتغل بالذكر عن السؤال، أعطيته خير مما أعطي السائلين. وفي الصحيحين من حديث عبد الله بن أبي أوفى أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان مع أصحابه في سفر، قال: «كُنَّا مع رَسولِ اللَّهِ ـ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ـ في سَفَرٍ وهو صَائِمٌ، فَلَمَّا غَرَبَتِ الشَّمْسُ قَالَ لِبَعْضِ القَوْمِ: يا فُلَانُ قُمْ فَاجْدَحْ لَنَا، فَقَالَ: يا رَسولَ اللَّهِ لو أمْسَيْتَ؟ قَالَ: انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا قَالَ: يا رَسولَ اللَّهِ، فلوْ أمْسَيْتَ؟ قَالَ: انْزِلْ، فَاجْدَحْ لَنَا، قَالَ: إنَّ عَلَيْكَ نَهَارًا، قَالَ: انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا، فَنَزَلَ فَجَدَحَ لهمْ، فَشَرِبَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: إذَا رَأَيْتُمُ اللَّيْلَ قدْ أقْبَلَ مِن هَا هُنَا، فقَدْ أفْطَرَ الصَّائِمُ»صحيح البخاري (1955)، وصحيح ومسلم (1101)، اجدح لنا أي اخلط لنا ماء بشيء من السويقة، بشيء من الطعام، فلم يشتغل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالدعاء بل بادر إلى الفطر وأمر صاحبه بأن يهيئ الفطر استغلالًا للوقت، وقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: إذا أقبل الليل من ها هنا وغربت الشمس فقد أفطر الصائم، وهذا يدل على استحباب المبادرة إلى الفطر، وعدم التشاغل بشيء على أن الدعاء الأمر يمكن أن يحصله الإنسان وهو يفطر: اللهم اغفر لي كما جاء فيما ذكر عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ورواه عبد الله بن عمر، في سنن أبي داود أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان إذا أفطر قال: «ذهب الظمأُ وابتلتِ العروقُ وثَبَت الأجرُ إن شاء اللهُ»سنن أبي داود (2357).
وهذا يوحي بأن ذلك أثناء الفطر؛ أنه ابتلت العروق لا يكون ابتلال العروق وذهاب الظمأ إلا إذا بادر إلى الفطر، إذا أفطر؛ لأنه لا يتحقق هذا الذي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم به إلا بتناول شيء من المفطرات من ماء أو تمر، «ذهب الظمأُ وابتلتِ العروقُ وثَبَت الأجرُ إن شاء اللهُ»سنن أبي داود (2357) هذا أصح ما ورد من الأدعية عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الفطر، لكن هذا لا يعني أنه لا يدعو بغيره، هذا الذي ورد يقوله لاسيما في الصوم إذا كان موجبًا لشيء من المشقة للحرارة، لكن عمومًا هو حتى في أيام الشتاء لأنه ابتلال العروق يكون حتى في كل فطر بعد صيام.
أما ذهب الظمأ فقد يكون في أيام الحر، وشدة الصيف، ولا يكون في أيام الشتاء لا يجد ظمأ، فيكون هذا من باب ذكر حلول ذهاب الوقت الذي يمنع من الشرب وهو الصيام. أنا أوصي نفسي وإخواني بالدعاء والإكثار منه فهو باب عظيم من أبواب الخير يدرك به الإنسان شيئًا عظيمًا، وقد جاء في الحديث: «ليسَ شيءٌ أَكْرمَ على اللَّهِ ـ تعالى ـ منَ الدُّعاءِ»سنن الترمذي (3370)، وسنن ابن ماجه (3829).
فينبغي لنا أن نكرم ما أكرمه الله ـ تعالى ـ وأن نؤمل منه خيرًا؛ لأنه كثير العطايا ـ جل في علاه ـ ونسأل بصدق خير الدنيا والآخرة لأنفسنا، ولأهلينا، ولأولادنا، ولأزواجنا، ووالدينا، وعلمائنا، ومشايخنا، ومن أفادنا، ومن استفاد منا، وسع الدائرة في الدعاء وأسأل الله من فضله فالله كريم عظيم يعطي عطاء واسعًا لمن صدق في الإقبال عليه، واسع، قال رجل: سمع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ رجلًا يقول: اللهم اغفر لي ولمحمدًا ولا ترحم معنا أحدًا، فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «أنَّ أعرابيًّا دخلَ المسجدَ فصلَّى رَكعتينِ ثمَّ قالَ اللَّهمَّ ارحمني ومحمَّدًا ولاَ ترحم معنا أحدًا. فقالَ رسولُ اللَّهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ لقد تحجَّرتَ واسعًا».صحيح البخاري (6010)
يعني رحمة الله وعطاءه لا يقتصر على فردين، إنما هو فضل الله الذي يسع كل السائلين، لذلك أنا أوصي نفسي وإخواني بالدعاء، والدعاء للأمة بالسلامة والنجاة لمستضعفين بالفرج، والخروج من المضائق وما إلى ذلك من الأمور التي فيها خير الدنيا والآخرة، نسأل الله أن يتقبل منا ومنكم.
المقدم:أحسن الله إليكم.