×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

مرئيات المصلح / برامج المصلح / فادعوه بها -3 / الحلقة(14): كفى بالله كفيلا

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، اللهم قنا شر أنفسنا، وسيئات أعمالنا يا رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، أما بعد:

فحياكم الله...وأهلا وسهلا بكم أيها الأخوة والأخوات، في هذه الحلقة الجديدة من برنامجكم(فادعوه بها) اللهم إنا نسألك علما بك، وعملا بما يرضيك عنا يا رب العالمين.

الأسماء الحسنى معرفة بالله عز وجل ودالة على ما له من الكمالات، وقد أخبر الله تعالى عن نفسه في كتابه، بأن له الأسماء الحسنى، فقال: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها}+++[الأعراف: 180]---  وقال: {له الأسماء الحسنى}+++[طه: 8]---  وأخبر تفصيلا عن أسمائه، فذكر من أسمائه شيئا كثيرا، ففي سورة الفاتحة: {الحمد لله رب العالمين* الرحمن الرحيم* مالك يوم الدين}.

هذه الأسماء من أسمائه، وهي أصول أسمائه جل وعلا وأخبر عن ذلك في مواضع عديدة، مما أخبر الله تعالى به. من أسمائه اسمه[الكفيل] وهذا الاسم اسم من أسمائه الكريمة الشريفة الحسنى، التي بها نعرف عظيم فضل الله تعالى وعظيم كفايته لنا، ذكر الله تعالى ذلك في قوله تعالى : {ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا}+++[النحل: 91]--- هكذا ذكر الله عز وجل هذا الاسم في قوله: {وقد جعلتم الله عليكم كفيلا} وجاء أيضا في قصة الرجل الذي طلب منه شخص في دين كفيلا، فقال: (وكفى بالله كفيلا)+++صحيح البخاري (2291)---.

الكفيل من حيث معناه في اللغة: هو الضامن، وهو الشاهد، وهو القائم بالأمر، وهو الحافظ له، ويأتي الكفيل بمعنى الوكيل، فالكفيل يطلق بمعنى الرقيب، ويطلق بمعنى الشهيد، ويطلق بمعنى الضامن، ويطلق بمعنى الحافظ، ويطلق بمعنى الوكيل، وعلى هذا دارت كلمات أهل العلم في تفسير قول الله تعالى : {وقد جعلتم الله عليكم كفيلا}+++[النحل: 91]---.

فقال مجاهد بن جبر -رحمه الله- في تفسير هذه الآية، أي: وكيلا.

وقال الشعبي: {وقد جعلتم الله عليكم كفيلا} أي شهيدا بالوفاء.

وقال ابن جرير: {وقد جعلتم الله عليكم كفيلا} أي جعلتموه جل وعلا بالوفاء بما تعاقدتم به على أنفسكم راعيا، أي حافظا يرعى الموفي منكم بعهد الله الذي عاهد على الوفاء به، ويرعى الناقض.

وقال الشوكاني –رحمه الله- في قوله تعالى: {وقد جعلتم الله عليكم كفيلا} أي شهيدا، وقيل حافظا، وقيل ضامنا، وقيل رقيبا، لأن الكفيل يرعى حال المكفول به.

هذه المعاني كلها مما يدل عليه قول الله تعالى : {وقد جعلتم الله عليكم كفيلا}، وقول ذاك الرجل: (كفى بالله كفيلا).

إن المؤمن يدعو الله تعالى بهذا الاسم، فيقول: وكفى بالله كفيلا، فيقول: اللهم يا كفيل تكفلني بكذا، وأعني على كذا، وما أشبه ذلك من الأدعية، فكل أسماء الله الحسنى يدعى بها، كل أسمائه يسأل بها جل وعلا بما يناسبها، ولو لم يرد في كلام النبي ﷺامتثالا لأمر الله تعالى : {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها}+++[الأعراف: 180]---.

دعاؤه بها دعاء مسألة في الطلب، وفي سياق عرض الحاجات عليه، وكذلك دعاء عباده، وذلك بالتعبد لله بهذه الأسماء، في تفكره بمعاني هذه الأسماء، وتدبره لدلالاتها، فيتفكر مثلا باسمه (الكفيل) وما تكفل الله تعالى له به من قضاء الحاجات، وسد المهمات، والقيام بالمطلوبات، وإغاثة اللهفات فيما يعلمونه، وفيما لا يعلمونه، فيما يذكره، وفيما لا يذكره، فإن الله تعالى كفيل بعباده، قائم عليهم، كما قال تعالى : {أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت}+++[الرعد: 33]--- فهو قائم على كل نفس بكسبها، وحالها، وشأنها، وما تحتاجه، وهو المقيم للسموات والأرض: {الله لا إله إلا هو الحي القيوم }+++[البقرة: 255]---سبحانه وبحمده.

إن المؤمن إذا تذكر كفالة الله له، وصدق في هذه الكفالة، كان ذلك موجبا عطاء الله تعالى وإحسانه له، وقيامه بشأنه على وجه يرضى به، ويتحقق له ما يؤمل، وقد ذكر النبي ﷺكما في صحيح البخاري، من حديث أبي هريرة، قصة رجل من بني إسرائيل، جاء إلى آخر فطلب أن يسلفه ألف دينار، فقال: (ائتني بشهيد يشهد أنك اقترضت مني أو استسلفت مني ألف دينار، فقال له الرجل: وكان صادقا: (كفى بالله شهيدا) قال: فائتني بالكفيل - يعني من يضمن لي هذا المبلغ إذا لم تؤد ما عليك- فقال له الرجل: (كفى بالله كفيلا).+++صحيح البخاري (2291)--- فما كان من هذا الرجل المؤمن من بني إسرائيل إلا أن قال: صدقت، فدفع إليه ألف دينار، بشهادة الله وكفالته، إلى أجل مسمى، أجل اتفق عليه أن يرد فيه المبلغ، فخرج هذا الرجل المستدين المقترض في البحر، يطلب بهذه الألف دينار رزقا، وكفاية، ويتجه بها، لما حل الموعد الذي ضربه لهذا الرجل أن يرد إليه ما اقترض منه من ألف دينار، طلب سفينة ليرجع إلى صاحبه، فلم يجد سفينة، لكنه تذكر كفالة الله وشهادته، فماذا صنع؟!

ماذا تتوقعون؟!

بحث عن خشبة فنقرها، ووضع فيها الألف دينار، وكتب فيها كتابا يذكر فيه ما بينه وبين هذا الرجل من عهد، وشهادة الله، وكفالته، وأنه لم يستطع أن يأتي بهذا المال إليه، وأنه إذا وصل إليه هذا المال فهو عما كان يطلبه، أخذ هذه الخشبة، وجاء إلى البحر فقال: اللهم إنك تعلم أني قد أخذت من فلان كذا وكذا، وطلبني شهيدا، فقلت: (كفى بالله شهيدا) وطلبني كفيلا، فقلت: (كفى بالله كفيلا، اللهم أد عني ما أخذت)، وألقاها في البحر، فأخذتها الأمواج، ساقتها إلى الجهة الأخرى، التي فيها الرجل، إلى البلد التي فيها الرجل. الرجل هذا صاحب المال الدائم، كان يخرج إلى البحر يرقب صاحبه في الموعد ليوفياه عليه من مال، فكان يخرج ولم يجد أحد، مرة من المرات خرج ينتظر هذا الرجل وإذ بهذه الخشبة تدفعها الأمواج إليه، فأخذها ليحتطب بها لأهله أو يستعملها حطبا لأهله، فنشرها - انظر كيف تدبير رب العالمين؟!

ما وضعها في النار مباشرة! إنما نشرها! ولم يوكل المرأة بنشرها، بل نشرها بنفسه – فإذا بهذه الخشبة فيها ألف دينار، وفيها كتاب من صاحبه يخبره بالذي كان.

قضى الله عنه لأنه الشهيد، قضى الله عنه لأنه كفى به وكيلا، وكفى به كفيلا سبحانه وبحمده.

الرجل صاحب الألف دينار ما نسي الأمر، ولم يكتف بهذا المال الذي وضعه بهذا البحر لأنه لا يدري يصل أو لا يصل، فركب سفينة، فجاء إلى صاحبه، وقال له: هذه الألف دينار التي تطلبني إياها، فقال له الدائن: ألم تبعث إلي بشيء قبل ذلك؟! قال: قلت لك أخبرتك أنني طلبت سفينة فلم أجد شيئا، ما أخبره بقصة المال الذي وضعه في الخشبة، إنما أخبره أنه طلب سفينة ولم يجد، لأنه في باله أن المال لم يصل، فأخبره ذلك الرجل أن الله تعالى قد أدى عنه بما بعثه بتلك الخشبة، أليس هذا مصدقا لقوله في كفالته: "وكفى بالله كفيلا" بلى كفى به كفيلا، لكن هذا عند من صدق الله، وأيقن بوعده، وامتلأ قلبه يقينا بأن الله تعالى سيكفيه، فعند ذلك يتحقق للمؤمن ما ظنه بربه، فإن الله لا يخيب من أحسن الظن به.

لذلك ينبغي للمؤمن أن يستشعر مثل هذه المعاني، التي بها يدرك الفضائل ويدرك الخير الكثير، والعطاء الجزيل، لكن عندما يمتلئ قلبه إيمانا بهذه الأسماء، إيمانا بتلك الصفات، إيمانا بالخبر الذي أخبر الله تعالى به عن نفسه، ولذلك قال: {ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا}+++[النحل: 91]---  فالله كفيل، ورقيب، وشهيد، وكيل، وحافظ: (احفظ الله يحفظك)+++سنن الترمذي (2516)--- كما قال النبي ﷺفي وصيته لابن عباس، فإذا جعلت الله كفيلا عليك في شيء، بل تيقن أن الله عليك كفيل في كل شيء، لكن إذا جعلته وفوضت الأمر إليه، عند ذلك أبشر بكفالة خاصة، فإنه كما قضى ذاك الرجل، وأوصل هذا المال إلى صاحبه، من غير عمل منه، بعد أن عجز عن إيصالها إليه من طريق السفر، أوصلها إليه بهذا العمل الذي قام به، وقضى دينه، كذلك سيقضي الله حاجتك، ويبلغك مرادك، إذا صدقت في التوكل عليه، وفي جعله كفيلا.

اللهم إنا نسألك الهدى والتقى، والعفاف والرشاد والغنى، إلى أن نلقاكم في حلقة قادمة من برنامجكم(فادعوه بها) أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المشاهدات:4267

إنّ الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، اللهم قنا شر أنفسنا، وسيئات أعمالنا يا رب العالمين، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أنّ محمداً عبدُ الله ورسوله، اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد، أمّا بعد:

فحيّاكم الله...وأهلاً وسهلاً بكم أيها الأخوةُ والأخوات، في هذه الحلقة الجديدة من برنامجكم(فادعوه بها) اللهم إنّا نسألك علماً بكَ، وعملاً بما يرضيك عنّا يا ربّ العالمين.

الأسماءُ الحسنى معرّفة بالله ـ عزّ وجل ـ ودالة على ما له من الكمالات، وقد أخبر الله ـ تعالى ـ عن نفسه في كتابه، بأنّ له الأسماءُ الحسنى، فقال: {ولله الأسماءُ الحسنى فادعوه بها}[الأعراف: 180]  وقال: {له الأسماء الحسنى}[طه: 8]  وأخبر تفصيلاً عن أسمائه، فذكر من أسمائه شيئاً كثيراً، ففي سورة الفاتحة: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ* الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ* مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}.

هذه الأسماء من أسمائه، وهي أصول أسمائه ـ جلّ وعلا ـ وأخبر عن ذلك في مواضع عديدة، ممّا أخبر الله ـ تعالى ـ به. من أسمائه اسمه[الكفيل] وهذا الاسم اسمٌ من أسمائه الكريمة الشريفة الحسنى، التي بها نعرف عظيم فضل الله ـ تعالى ـ وعظيم كفايته لنا، ذكر الله ـ تعالى ـ ذلك في قوله ـ تعالى ـ: {وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا}[النحل: 91] هكذا ذكر الله ـ عزّ وجل ـ هذا الاسم في قوله: {وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا} وجاء أيضاً في قصة الرجل الّذي طلب منه شخصٌ في دينٍ كفيلاً، فقال: (وكفى بالله كفيلا)صحيح البخاري (2291).

الكفيل من حيثُ معناه في اللغة: هو الضامن، وهو الشاهد، وهو القائم بالأمر، وهو الحافظُ له، ويأتي الكفيل بمعنى الوكيل، فالكفيل يطلق بمعنى الرقيب، ويطلق بمعنى الشهيد، ويطلق بمعنى الضامن، ويطلق بمعنى الحافظ، ويطلق بمعنى الوكيل، وعلى هذا دارت كلمات أهل العلم في تفسير قول الله ـ تعالى ـ: {وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا}[النحل: 91].

فقال مجاهد بن جَبر -رحمه الله- في تفسير هذه الآية، أي: وكيلا.

وقال الشعبي: {وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا} أي شهيداً بالوفاء.

وقال ابن جرير: {وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا} أي جعلتموه ـ جلّ وعلا ـ بالوفاءِ بما تعاقدتم به على أنفسكم راعياً، أي حافظاً يرعى الموفي منكم بعهد الله الّذي عاهدَ على الوفاءِ به، ويرعى الناقض.

وقال الشوكاني –رحمه الله- في قوله تعالى: {وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا} أي شهيداً، وقيل حافظاً، وقيل ضامناً، وقيل رقيباً، لأن الكفيل يرعى حال المكفول به.

هذه المعاني كُلها ممّا يدل عليه قول الله ـ تعالى ـ: {وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا}، وقول ذاك الرجل: (كفى بالله كفيلاً).

إنّ المؤمن يدعو الله ـ تعالى ـ بهذا الاسم، فيقول: وكفى بالله كفيلا، فيقول: اللهم يا كفيل تكفَّلني بكذا، وأعنِّي على كذا، وما أشبه ذلك من الأدعية، فكل أسماء الله الحسنى يُدعى بها، كل أسمائه يُسألُ بها جلّ وعلا بما يناسبها، ولو لم يَرد في كلام النبي ﷺامتثالاً لأمر الله ـ تعالى ـ: {ولله الأسماءُ الحسنى فادعوه بها}[الأعراف: 180].

دعاؤه بها دعاء مسألة في الطلب، وفي سياق عرض الحاجاتِ عليه، وكذلك دعاء عباده، وذلك بالتعبّدِ لله بهذه الأسماء، في تفكرِه بمعاني هذه الأسماء، وتدبّرِه لدلالاتها، فيتفكر مثلاً باسمه (الكفيل) وما تكفَّل الله ـ تعالى ـ له به من قضاء الحاجات، وسدِّ المهمات، والقيام بالمطلوبات، وإغاثة اللهفات فيما يعلمونه، وفيما لا يعلمونه، فيما يذكره، وفيما لا يذكره، فإنّ الله تعالى كفيلٌ بعباده، قائمٌ عليهم، كما قال ـ تعالى ـ: {أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ}[الرعد: 33] فهو قائمٌ على كل نفسٍ بكسبها، وحالها، وشأنها، وما تحتاجه، وهو المُقيمُ للسموات والأرض: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ }[البقرة: 255]سبحانه وبحمده.

إنَّ المؤمن إذا تذكر كفالة الله له، وصدق في هذه الكفالة، كان ذلك موجباً عطاء الله ـ تعالى ـ وإحسانه له، وقيامه بشأنه على وجهٍ يرضى به، ويتحقق له ما يُؤمّل، وقد ذكر النبي ﷺكما في صحيح البخاري، من حديث أبي هريرة، قصة رجلٍ من بني إسرائيل، جاء إلى آخر فطلب أن يُسلفه ألف دينار، فقال: (ائتني بشهيد يشهد أنّك اقترضت منّي أو استسلفت منّي ألف دينار، فقال له الرجل: وكان صادقاً: (كفى بالله شهيداً) قال: فائتني بالكفيل - يعني من يضمن لي هذا المبلغ إذا لم تؤدِّ ما عليك- فقال له الرجل: (كفى بالله كفيلا).صحيح البخاري (2291) فما كان من هذا الرجل المؤمن من بني إسرائيل إلا أن قال: صدقت، فدفع إليه ألف دينار، بشهادة الله وكفالته، إلى أجلٍ مسمى، أجل اتفق عليه أن يرد فيه المبلغ، فخرج هذا الرجل المستدين المقترض في البحر، يطلبُ بهذه الألف دينار رزقاً، وكفايةً، ويتجه بها، لمّا حلّ الموعد الّذي ضربه لهذا الرجل أن يرد إليه ما اقترض منه من ألف دينار، طلبَ سفينةً ليرجع إلى صاحبه، فلم يجد سفينةً، لكنّه تذكر كفالة الله وشهادته، فماذا صنع؟!

ماذا تتوقعون؟!

بحث عن خشبةٍ فنقرها، ووضع فيها الألف دينار، وكتب فيها كتاباً يذكرُ فيه ما بينه وبين هذا الرجل من عهد، وشهادة الله، وكفالته، وأنه لم يستطع أن يأتي بهذا المال إليه، وأنه إذا وصل إليه هذا المال فهو عمّا كان يطلبه، أخذ هذه الخشبة، وجاء إلى البحر فقال: اللهم إنّك تعلم أني قد أخذتُ من فلانٍ كذا وكذا، وطلبني شهيداً، فقلت: (كفى بالله شهيدا) وطلبني كفيلاً، فقلت: (كفى بالله كفيلا، اللهم أدّ عنّي ما أخذت)، وألقاها في البحر، فأخذتها الأمواج، ساقتها إلى الجهة الأخرى، التي فيها الرجل، إلى البلدِ التي فيها الرجل. الرجل هذا صاحب المال الدائم، كان يخرج إلى البحر يرقب صاحبه في الموعد ليوفياه عليه من مال، فكان يخرج ولم يجد أحد، مرة من المرات خرج ينتظر هذا الرجل وإذ بهذه الخشبة تدفعها الأمواج إليه، فأخذها ليحتطب بها لأهله أو يستعملها حطباً لأهله، فنشرها - انظر كيف تدبير ربّ العالمين؟!

ما وضعها في النار مباشرة! إنما نشرها! ولم يوكل المرأة بنشرها، بل نشرها بنفسه – فإذا بهذه الخشبة فيها ألف دينار، وفيها كتاب من صاحبه يخبره بالّذي كان.

قضى الله عنه لأنه الشهيد، قضى الله عنه لأنه كفى به وكيلا، وكفى به كفيلا سبحانه وبحمده.

الرجل صاحب الألف دينار ما نَسيَ الأمر، ولم يكتفِ بهذا المال الّذي وضعه بهذا البحر لأنه لا يدري يصل أو لا يصل، فركب سفينةً، فجاء إلى صاحبه، وقال له: هذه الألف دينار التي تطلبني إياها، فقال له الدائن: ألم تبعث إليّ بشيءٍ قبل ذلك؟! قال: قلت لك أخبرتك أنني طلبت سفينةً فلم أجد شيئاً، ما أخبره بقصة المال الّذي وضعه في الخشبة، إنما أخبره أنه طلب سفينة ولم يجد، لأنه في باله أنّ المال لم يصل، فأخبره ذلك الرجل أنَّ الله تعالى قد أدّى عنه بما بعثه بتلك الخشبة، أليس هذا مصدقاً لقوله في كفالته: "وكفى بالله كفيلا" بلى كفى به كفيلا، لكن هذا عند من صدق الله، وأيقن بوعده، وامتلأ قلبه يقيناً بأنّ الله ـ تعالى ـ سيكفيه، فعند ذلك يتحقق للمؤمن ما ظنه بربه، فإنّ الله لا يخيّبُ من أحسن الظن به.

لذلك ينبغي للمؤمن أن يستشعر مثل هذه المعاني، التي بها يدركُ الفضائل ويدركُ الخير الكثير، والعطاء الجزيل، لكن عندما يمتلئ قلبه إيماناً بهذه الأسماء، إيماناً بتلك الصفات، إيماناً بالخبرِ الّذي أخبر الله تعالى به عن نفسه، ولذلك قال: {وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا}[النحل: 91]  فالله كفيل، ورقيب، وشهيد، وكيل، وحافظ: (احفظ الله يحفظك)سنن الترمذي (2516) كما قال النبي ﷺفي وصيته لابن عباس، فإذا جعلت الله كفيلاً عليك في شيء، بل تيقّن أنّ الله عليك كفيل في كل شيء، لكن إذا جعلته وفوَّضت الأمر إليه، عند ذلك أبشر بكفالةٍ خاصة، فإنه كما قضى ذاكَ الرجل، وأوصل هذا المال إلى صاحبه، من غير عملٍ منه، بعد أن عجز عن إيصالها إليه من طريق السفر، أوصلها إليه بهذا العمل الّذي قام به، وقضى دينه، كذلك سيقضي الله حاجتك، ويبلّغك مرادك، إذا صدقت في التوكل عليه، وفي جَعلِه كفيلاً.

اللهم إنّا نسألك الهدى والتقى، والعفاف والرشاد والغنى، إلى أن نلقاكم في حلقة قادمة من برنامجكم(فادعوه بها) أستودعكم الله الّذي لا تضيع ودائعه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الاكثر مشاهدة

4. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات94004 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات89900 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف