×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

مرئيات المصلح / برامج المصلح / فادعوه بها -3 / الحلقة (15): والله شكور حليم

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:

فأهلا وسهلا... وحياكم الله أيها الأخوة والأخوات، في هذه الحلقة الجديدة من برنامجكم (فادعوه بها) هذه الحلقة سنتحدث فيها عن اسم من أسماء الله تعالى وهو[الحليم] اسم عظيم من أسماءه جل وعلا أخبر عنه في كتابه، فقال جل وعلا : {إن تقرضوا الله قرضا حسنا يضاعفه لكم ويغفر لكم والله شكور حليم}+++[التغابن:17]---.

وقد جاء ذكر هذا الاسم في السنة، في حديث ابن عباس، في ذكر النبي ﷺعند الكرب: (لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب السموات، ورب الأرض، رب العرش العظيم)+++صحيح البخاري (6345)، وصحيح مسلم (2730)--- وجاء أيضا ذكره في الحديث المدرج، الذي عد أسماء الله عز وجل في حديث أبي هريرة: (إن لله تسعة وتسعين اسما، من أحصاها دخل الجنة)+++سنن الترمذي (3507)---.

 هذا الاسم الكريم، من أسماء الله جل في علاه دال على معنى عظيم، وهو عدم العجلة، ومعالجة الأمور بصبر، وعلم، وحكمة، فإن الحلم هو الصبر، والعلم، والحكمة التي تثمر أناة، ورفقا، وعدم عجلة في التعاطي مع الأمور، وفيما يجري من الحوادث والوقائع.

الله تعالى حليم، فهو ذو أناة لا يعجل جل وعلا في عقوبته، فلا يعاجل عباده بالعقوبة، لايستفزه غضب، ولا يستخفه جهل، ولا يجعله يبادر عباده بالعقوبة لعصيان عاص، بل هو جل وعلا ذو الفضل والإحسان، والمجد، والكرم، والحلم، عباده قد يستعجلونه بالعقوبة، كما جرى ذلك من أهل الشرك والكفر، فإنهم استعجلوا الله تعالى بالعقوبة، كأنهم استبطؤوا ذلك، أو تحديا لرسل الله عز وجل وقد قال الله تعالى لرسوله، في جواب أولئك الذين يستعجلون: {قل لو أن عندي ما تستعجلون به} من العقاب والعذاب {لقضي الأمر بيني وبينكم والله أعلم بالظالمين}+++[الأنعام:58]--- وقال جل وعلا في خطاب الكفار، وبيان حالهم، وما يقولونه للرسل، وما يصدر عنهم: {ويستعجلونك بالعذاب} أي يطلبون تعجيله، وحلوله، ونزوله، والله تعالى يقول لهم: {ولن يخلف الله وعده وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون}+++[الحج:47]--- إن الله جل وعلا ذكر هذا الاسم العظيم الدال على الرفق، والصبر، والعلم، والحكمة، والرحمة، وعدم المعاجلة بالعقوبة، والمؤاخذة على السيئة، وقد قرنه الله تعالى في كتابه بعدد من الأسماء، فقرنه جل وعلا بالغفور، كما في قوله تعالى : {تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليما غفورا}+++[الإسراء:44]--- وقد قال الله تعالى : {لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم والله غفور حليم}+++[البقرة:225]--- وهنا اقترن اسمه الحليم باسمه الغفور جل وعلا لذلك يكون منه كل خير لعباده، فإن من اتصف بالمغفرة، وهي الصفح عن الذنوب والخطايا، والحلم وهو عدم المعاجلة في الأخذ على الذنوب والسيئات، كان لعباده منه الخير الكثير، والبر العظيم، فلذلك استحضر عند الذنب أنه غفور، وأنه حليم، وأنه جل وعلا يمحو السيئات، ولا يعاجل بالعقوبات، فبادر بالتوبة إلى الله عز وجل هذا لا يغر من كان بصيرا، عالما بالله عز وجل لأن من الناس من يجعل مثل هذه الأسماء مفتاحا لتبرير الخطأ، والتكثر من السيء من العمل، وهذا من جهله بالله، فالله تعالى {غفور حليم} لكنه جل في علاه يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، لذلك احذر أن يملي الله لك، فإنه قد أخبرك بمغفرته، وحلمه، لتؤوب وتعود، وترجع إليه عز وجل وتتعرض لفضله وإحسانه.

إن الله تعالى قرن هذا الاسم أيضا بالعليم، في مواضع عديدة، فقال وصية يوصى في آية المواريث بالعلم في مواضع من كتابه، فقال في آية المواريث في خاتمتها: {والله عليم حليم}+++[النساء:12]--- وقال جل وعلا : {والله يعلم ما في قلوبكم وكان الله عليما حليما}+++[الأحزاب:51]--- وقال: {ليدخلنهم مدخلا يرضونه وإن الله لعليم حليم}+++[الحج:59]---, وفي هذا الجمع بين هذين الوصفين العظيمين، ما يبين أن الله تعالى ذو حلم واسع، فإنه لم يعف عن عباده، ولم يكن ذا أناة، ولم يعاجلهم بالعقوبة لجهله بما يكون منهم، بل هو عليم بكل ما يكون من عباده، في الظاهر والباطن، لكنه جل وعلا حليم لا يعاجل، وقد الله تعالى : {ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم فإن الله كان بعباده بصيرا}+++[فاطر:45]---.

إن المؤمن إذا علم هذا كان حاملا له على إصلاح العمل، وتطييب السريرة، وأن يكون جوهره وظاهره على حال يرضاه الله تعالى عنه، فإن الله تعالى لم يمل لك، لم يؤخر العقوبة لأجل أن تستكثر من السيء، أو لأنه لا يعلم ماذا تفعل؟ بل الله يعلم السر وأخفى، إنما أمهلك ليعطيك فرصة تتوب، وتستعتب، وترجع، فلا تفوت هذه الفرصة على نفسك، كما أن الله تعالى قرن اسمه الحليم بالغني، في قوله تعالى : {قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حليم}+++[البقرة:263]---{والله غني حليم} غني عن عبادة، ولا يقبل جل وعلا المن بالعمل، فإنه من من بالعمل أو آذى به فإنه يحبطه، ولذلك ينبغي لك أن تعرف أن غنى الله عنك هو وصف له ذاتي، وهو يخبر بذلك أنك فقير إليه، فمن تمام غناه جل وعلا أنه لا يعاجل عباده بالعقوبة، بل يملي لهم، ويفسح لهم، ليعود إليه، ويؤوب إليه، كذلك قرن الله تعالى هذا الاسم الكريم بالشكور، في قوله تعالى : {إن تقرضوا الله قرضا حسنا يضاعفه لكم ويغفر لكم والله شكور حليم (17) عالم الغيب والشهادة العزيز الحكيم}+++[التغابن:17: 18]--- فجاء اسمه الحليم مع الشكور ليبين متعلق هذين الاسمين، فهو شكور للطائعين، حليم على العاصين، وهذا به تكتمل الصفات الكاملة له عز وجل فهو شكور لأهل الطاعة والإحسان، حليم على أهل الإساءة والعصيان، شكره يستوجب مزيد الطاعة له سبحانه وتعالى وحلمه يستوجب سرعة الأوبة والعودة إليه بالاستغفار والتوبة، إن هذا الاسم العظيم يتذكره المؤمن عند الكرب، لماذا يتذكر عند الكرب؟!

لأن ما أصابه من مصيبة فبما كسبت يده، كما قال الله تعالى : {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير}+++[الشورى:30]---  فبما كسبت يدك هو سبب ما نزل بك من مصائب وبلايا، لهذا إذا حل بك كرب تذكر حلم الله، وأثن عليه به، فإنه ما يصيبك إلا بعض نتاج عملك، ولهذا كان النبي ﷺكما في الصحيحين، من حديث ابن عباس، يقول في دعاء الكرب: (لا إله إلا الله العظيم الحليم) العظيم الذي كمل في عظمته، الحليم الذي لا يعاجل عبادة بالعقوبة: (لا إله إلا الله رب السموات، ورب الأرض، ورب العرش العظيم)+++صحيح البخاري (6345)، وصحيح مسلم (2730)---  كذلك يدعو المؤمن بهذا الدعاء عندما تضيق به السبل، وعندما تحل به المصائب طلبا لكشفها، وإزالتها، توسلا إلى الله بالتوحيد، وتوسلا إليه بجميل صفاته، وعظيم ما أخبر به عن نفسه من أسمائه الحسنى سبحانه وبحمده الله يحب من عبادة أن يتصفوا بالحلم، ولذلك جاء وفد عبد القيس إلى النبي ﷺفجاء فيهم رجل فقال له: (إن فيك لخصلتين يحبهما الله ورسوله، الحلم والأناة)+++سنن أبي داود (5225)، ومسند أحمد (11175)--- وهذان الوصفان، والخصلتان اللتان أثنى عليهما النبي ﷺدليل على أن الله يحب هذه الصفة، يحب من عبده أن يكون حليما، فلا يغضب، ولا يبادر بالعقوبة، ولا يعجل في الأمور، فالحلم هو عند وجود الاستفزاز، والأناة في التعاطي مع الأمور، وبذلك يكمل للإنسان صلاح الحال، وصلاح المآل، إذا كان ذا حلم، وكان ذا أناة تدبر أموره، واستبصر على نحو يتوقى به الشرور، ويقدم به على ما يحب من الأمور.

إن هذا الوصف العظيم لله عز وجل يوجب محبته في القلوب، فإن العباد إذا علموا حلمه جل وعلا أحبوه، لأنه رب حليم، ولأنه رب رفيق، ولأنه رب يمهل عباده، ولا يعاجلهم بالعقوبة، كما أنه يلقي في قلب العبد حياء من الله عز وجل فإنه من ذكر هذه الصفة، وذكر إساءته، وذكر أنه يملي له جل في علاه ويمهله ليستعتب، كان ذلك حاملا له على الاستحياء من الله، والكف عن سيء العمل، كما أنه يفتح للعبد باب الرجاء، فأنه إذا كان الله حليما لا يعاجل بالعقوبة، كان ذلك مدعاة إلى العودة إليه في أسرع وقت ممكن، ولهذا قال النبي : (كل ابن آدم خطأ، وخير الخطائين التوابون)+++سنن الترمذي (2499)، وسنن ابن ماجة (4251)--- وإذا عاد العبد إلى الله، وجد ربا رؤوفا رحيما، يمحو السيئة، ويتجاوز عن الزلل، ويقبل التوبة، ويغفر الخطيئة، فيكون بذلك مقبلا على رب ذي كمال في فضله، وذي إحسان في عطائه، حليم جل في علاه ذو أناة، الحلم كما ذكرت قد يغري بعض الناس، بأن يمتد في السيئات، لكن تذكر العبد بقية صفات الله عز وجل وأن حلمه على عباده ليس سببا للاغترار به، إنما هو سبب للعودة والأوبة إليه، تذكر أنه إن امتد في الخطأ واستمر على العصيان، فستغلق عليه أبواب الهداية، ويناله ما ذكره الله تعالى في كتابه: {فلما آسفونا} أي أغضبونا {انتقمنا منهم}+++[الزخرف: 55]--- وتذكر قوله تعالى : {فوربك لنحشرنهم والشياطين ثم لنحضرنهم حول جهنم جثيا}+++[مريم: 68]--- هكذا يخبر جل وعلا عن عقوبته إذا تجاوز العبد الحدود واغتر بما أخبر الله تعالى به عن نفسه من حلمه، فإن ذاك يوقعه في الهلاك، اللهم إنا نسألك من لطفك ونستعيذ بك من غضبك، ونرجوك من فضلك، وإلى أن نلقاكم في حلقة قادمة من برنامجكم (فادعوه بها) أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المشاهدات:3925

الحمد لله ربّ العالمين، وأصلي وأُسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، أمّا بعد:

فأهلاً وسهلاً... وحيَّاكم الله أيها الأخوةُ والأخوات، في هذه الحلقة الجديدة من برنامجكم (فادعوه بها) هذه الحلقة سنتحدث فيها عن اسمٍ من أسماء الله ـ تعالى ـ وهو[الحليم] اسمٌ عظيمٌ من أسماءه ـ جلّ وعلا ـ أخبر عنه في كتابه، فقال ـ جلّ وعلا ـ: {إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ}[التغابن:17].

وقد جاء ذكرُ هذا الاسم في السنةِ، في حديث ابن عباس، في ذكر النبي ﷺعند الكربِ: (لا إله إلا الله العظيمُ الحليم، لا إله إلا الله ربُّ السموات، وربُّ الأرض، ربُّ العرش العظيم)صحيح البخاري (6345)، وصحيح مسلم (2730) وجاء أيضاً ذكره في الحديث المدرج، الّذي عدّ أسماء الله ـ عزّ وجل ـ في حديث أبي هريرة: (إنَّ لله تسعةً وتسعين اسماً، من أحصاها دخل الجنة)سنن الترمذي (3507).

 هذا الاسم الكريم، من أسماء الله ـ جلّ في علاه ـ دالٌّ على معنىً عظيمٍ، وهو عدمُ العجلة، ومعالجة الأمور بصبرٍ، وعلمٍ، وحكمة، فإنّ الحلمَ هو الصبرُ، والعلمُ، والحكمةُ التي تثمرُ أناةً، ورفقاً، وعدم عجلةٍ في التعاطي مع الأمور، وفيما يجري من الحوادث والوقائع.

الله ـ تعالى ـ حليم، فهو ذو أناةٍ لا يعجلُ ـ جلّ وعلا ـ في عقوبته، فلا يعاجلُ عباده بالعقوبة، لايستفزّه غضبٌ، ولا يستخفّه جهلٌ، ولا يجعله يبادرُ عباده بالعقوبةِ لعصيانِ عاصٍ، بل هو ـ جلّ وعلا ـ ذو الفضلِ والإحسانِ، والمجدِ، والكرمِ، والحلم، عباده قد يستعجلونه بالعقوبة، كما جرى ذلك من أهل الشرك والكفر، فإنهم استعجلُوا الله ـ تعالى ـ بالعقوبة، كأنهم استبطؤوا ذلك، أو تحدّياً لرسل الله ـ عزّ وجل ـ وقد قال الله ـ تعالى ـ لرسوله، في جواب أولئك الّذين يستعجلون: {قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ} من العقاب والعذاب {لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ}[الأنعام:58] وقال ـ جلّ وعلا ـ في خطاب الكفار، وبيان حالهم، وما يقولونه للرسل، وما يصدرُ عنهم: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ} أي يطلبون تعجيله، وحلوله، ونزوله، والله ـ تعالى ـ يقولُ لهم: {وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ}[الحج:47] إنّ الله ـ جلّ وعلا ـ ذكر هذا الاسم العظيم الدال على الرفق، والصبر، والعلم، والحكمة، والرحمة، وعدم المعاجلة بالعقوبة، والمؤاخذة على السيئة، وقد قرنه الله ـ تعالى ـ في كتابه بعددٍ من الأسماء، فقرنه ـ جلّ وعلا ـ بالغفور، كما في قوله ـ تعالى ـ: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا}[الإسراء:44] وقد قال الله ـ تعالى ـ: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ}[البقرة:225] وهنا اقترن اسمه الحليم باسمه الغفور ـ جلّ وعلا ـ لذلك يكونُ منه كلُّ خير لعباده، فإنّ من اتصف بالمغفرة، وهي الصفح عن الذنوب والخطايا، والحلم وهو عدم المعاجلة في الأخذِ على الذنوب والسيئات، كان لعباده منه الخيرُ الكثير، والبرُّ العظيم، فلذلك استحضر عند الذنبِ أنه غفور، وأنه حليم، وأنه ـ جلّ وعلا ـ يمحو السيئات، ولا يعاجل بالعقوبات، فبادر بالتوبة إلى الله ـ عزّ وجل ـ هذا لا يَغرُّ من كان بصيراً، عالماً بالله ـ عزّ وجل ـ لأنّ من الناس من يجعل مثل هذه الأسماء مفتاحاً لتبرير الخطأ، والتكثُّر من السيء من العمل، وهذا من جهله بالله، فالله ـ تعالى ـ {غفورٌ حليم} لكنّه ـ جلّ في علاه ـ يُملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، لذلك احذر أن يملي الله لك، فإنه قد أخبرك بمغفرته، وحلمه، لتؤوب وتعود، وترجع إليه ـ عزّ وجل ـ وتتعرّض لفضله وإحسانه.

إنّ الله ـ تعالى ـ قرن هذا الاسم أيضاً بالعليم، في مواضع عديدة، فقال وصيةً يُوصى في آية المواريث بالعلم في مواضع من كتابه، فقال في آية المواريث في خاتمتها: {والله عليمٌ حليم}[النساء:12] وقال ـ جلّ وعلا ـ: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا}[الأحزاب:51] وقال: {لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ}[الحج:59], وفي هذا الجمع بين هذين الوصفين العظيمين، ما يبيّن أنّ الله ـ تعالى ـ ذو حلم واسع، فإنه لم يعفُ عن عباده، ولم يكن ذا أناة، ولم يعاجلهم بالعقوبة لجهله بما يكون منهم، بل هو عليم بكل ما يكون من عباده، في الظاهر والباطن، لكنّه ـ جلّ وعلا ـ حليم لا يعاجل، وقد الله ـ تعالى ـ: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا}[فاطر:45].

إنّ المؤمن إذا عَلِمَ هذا كان حاملاً له على إصلاح العمل، وتطييب السريرة، وأن يكون جوهره وظاهره على حالٍ يرضاه الله ـ تعالى ـ عنه، فإنّ الله ـ تعالى ـ لم يملِ لك، لم يؤخر العقوبة لأجل أن تستكثر من السيء، أو لأنه لا يعلم ماذا تفعل؟ بل الله يعلم السرّ وأخفى، إنما أمهلك ليعطيك فرصة تتوب، وتستعتب، وترجع، فلا تفوّت هذه الفرصة على نفسك، كما أنّ الله ـ تعالى ـ قرن اسمه الحليم بالغني، في قوله ـ تعالى ـ: {قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ}[البقرة:263]{وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ} غنيٌ عن عبادة، ولا يقبلُ ـ جلّ وعلا ـ المنّ بالعمل، فإنه من منّ بالعملِ أو آذى به فإنه يحبطه، ولذلك ينبغي لك أن تعرف أنّ غنى الله عنك هو وصفٌ له ذاتي، وهو يخبرُ بذلك أنّك فقيرٌ إليه، فمن تمام غناه ـ جلّ وعلا ـ أنه لا يعاجلُ عباده بالعقوبة، بل يملي لهم، ويفسح لهم، ليعودَ إليه، ويؤوبَ إليه، كذلك قرن الله تعالى هذا الاسم الكريم بالشَّكور، في قوله ـ تعالى ـ: {إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ (17) عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}[التغابن:17: 18] فجاء اسمه الحليم مع الشكور ليبيّن متعلّق هذين الاسمين، فهو شكور للطائعين، حليم على العاصين، وهذا به تكتمل الصفاتُ الكاملةُ له ـ عزّ وجل ـ فهو شكورٌ لأهل الطاعة والإحسان، حليمٌ على أهل الإساءةِ والعصيان، شكره يستوجبُ مزيد الطاعة له ـ سبحانه وتعالى ـ وحلمه يستوجب سرعة الأوبةِ والعودةِ إليه بالاستغفار والتوبة، إنّ هذا الاسم العظيم يتذكره المؤمن عند الكرب، لماذا يتذكرُ عند الكرب؟!

لأن ما أصابه من مصيبة فبما كسبت يده، كما قال الله ـ تعالى ـ: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ}[الشورى:30]  فبما كسبت يدك هو سبب ما نزل بك من مصائب وبلايا، لهذا إذا حلّ بكَ كربٌ تذكر حلم الله، وأثنِ عليه به، فإنه ما يُصيبكَ إلا بعضُ نتاجِ عملك، ولهذا كان النبي ﷺكما في الصحيحين، من حديث ابن عباس، يقول في دعاء الكرب: (لا إله إلا الله العظيمُ الحليم) العظيم الّذي كَمُلَ في عظمته، الحليم الّذي لا يعاجلُ عبادة بالعقوبة: (لا إله إلا الله ربُّ السموات، وربُّ الأرض، وربُّ العرش العظيم)صحيح البخاري (6345)، وصحيح مسلم (2730)  كذلك يدعو المؤمن بهذا الدعاء عندما تضيق به السبل، وعندما تحل به المصائب طلباً لكشفها، وإزالتها، توسلاً إلى الله بالتوحيد، وتوسلاً إليه بجميل صفاته، وعظيم ما أخبر به عن نفسه من أسمائه الحسنى ـ سبحانه وبحمده ـ الله يحب من عبادة أن يتصفُوا بالحلم، ولذلك جاء وفد عبد القيس إلى النبي ﷺفجاء فيهم رجلٌ فقال له: (إنّ فيك لخصلتين يحبُّهما الله ورسوله، الحلمُ والأناة)سنن أبي داود (5225)، ومسند أحمد (11175) وهذانِ الوصفان، والخصلتان اللتان أثنى عليهما النبي ﷺدليلٌ على أنّ الله يحب هذه الصفة، يحب من عبده أن يكونَ حليماً، فلا يغضب، ولا يبادر بالعقوبة، ولا يعجل في الأمور، فالحلمُ هو عند وجود الاستفزاز، والأناةُ في التعاطي مع الأمور، وبذلك يكملُ للإنسانِ صلاحُ الحال، وصلاحُ المآل، إذا كان ذا حلمٍ، وكان ذا أناةٍ تدبّر أموره، واستبصر على نحوٍ يتوقّى به الشرور، ويُقدم به على ما يحب من الأمور.

إنَّ هذا الوصف العظيم لله ـ عزّ وجل ـ يُوجبُ محبته في القلوب، فإنّ العباد إذا عَلِموا حلمه ـ جلّ وعلا ـ أحبُّوه، لأنه ربٌ حليمٌ، ولأنه ربٌّ رفيقٌ، ولأنه ربٌّ يمهلُ عباده، ولا يعاجلهم بالعقوبة، كما أنه يلقي في قلب العبدِ حياءً من الله ـ عزّ وجل ـ فإنه من ذكر هذه الصفة، وذكر إساءته، وذكرَ أنه يملي له ـ جلّ في علاه ـ ويمهله ليستعتب، كان ذلك حاملاً له على الاستحياءِ من الله، والكف عن سيء العمل، كما أنه يفتحُ للعبدِ باب الرجاء، فأنه إذا كان الله حليماً لا يعاجلُ بالعقوبة، كان ذلك مدعاةً إلى العودة إليه في أسرع وقت ممكن، ولهذا قال النبي : (كل ابن آدم خطّأ، وخير الخطائين التوابون)سنن الترمذي (2499)، وسنن ابن ماجة (4251) وإذا عاد العبدُ إلى الله، وجد رباً رؤوفاً رحيماً، يمحو السيئة، ويتجاوز عن الزلل، ويقبلُ التوبة، ويغفرُ الخطيئة، فيكون بذلك مقبلاً على ربٍّ ذي كمالٍ في فضله، وذي إحسانٍ في عطائه، حليمٌ ـ جلّ في علاه ـ ذو أناة، الحلم كما ذكرت قد يغري بعض الناس، بأن يمتد في السيئات، لكنَّ تذكرَ العبد بقيّة صفات الله ـ عزّ وجل ـ وأنّ حلمه على عباده ليس سبباً للاغترار به، إنما هو سببٌ للعودة والأوبةِ إليه، تذكر أنه إن امتدَّ في الخطأ واستمر على العصيان، فستُغلق عليه أبواب الهداية، ويناله ما ذكره الله ـ تعالى ـ في كتابه: {فَلَمَّا آسَفُونَا} أي أغضبونا {انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ}[الزخرف: 55] وتذكَّر قوله ـ تعالى ـ: {فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا}[مريم: 68] هكذا يخبرُ ـ جلّ وعلا ـ عن عقوبته إذا تجاوز العبدُ الحدود واغترَّ بما أخبر الله تعالى به عن نفسه من حلمه، فإنّ ذاك يوقعه في الهلاك، اللهم إنّا نسألك من لطفك ونستعيذُ بك من غضبك، ونرجوك من فضلك، وإلى أن نلقاكم في حلقة قادمة من برنامجكم (فادعوه بها) أستودعكم الله الّذي لا تضيع ودائعه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الاكثر مشاهدة

4. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات94004 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات89900 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف