الحمد لله ربّ العالمين، أحمده حق حمده، لا أحصي ثناءً عليه، هو كما أثنى على نفسه، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أنّ محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد، أمّا بعد: فحياكم الله... أيها الأخوةُ والأخوات، وأسأل الله تعالى أن يكونَ مجلسنا هذا مجلساً مبارك، وأن يرزقنا وإياكم العلم النافع، والعمل الصالح، نحن في هذه الحلقة سنتناول اسماً من أسماء الله ـ عزّ وجل ـ يفرحُ به المؤمنون، إنه اسمُ الله ـ تعالى ـ [النصير]. وقد جاء ذكر هذا الاسم في كتاب الله ـ تعالى ـ في مواضع عديدة، قال الله ـ تعالى ـ: {وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ}[الأنفال: 40]. وقال: {وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ}[الحج: 78] قال ـ جلّ وعلا ـ: {وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا}[النساء: 45] وقال ـ تعالى ـ في خبره عن رُسله، وتوجه العداواتِ لهم، قال ـ سبحانه وبحمده ـ: {وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا}[الفرقان: 31] وقال الله ـ تعالى ـ: {بَلِ اللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ}[آل عمران: 150] فجاء هذا الاسم على هذا الوزن "نصير" في أكثر الموارد، وجاء في صيغة التفضيل" خَيْرُ النَّاصِرِينَ " وكل ذلك يُثبتُ لله ـ عزّ وجل ـ هذا الوصف العظيم، وهو أنه ـ جلّ وعلا ـ نصيرٌ والناصر ـ سبحانه وبحمده ـ وجاء في السنة النبوية توسل النبي ﷺ لله بهذا الوصف، فقال فيما جاء في المسندِ، وبعض السنن من حديث أنس، في دعائه إذا غزا كان يقول ﷺ : (اللهم أنت عضدي، ونصيري، بك أصول، وبكَ أجول، وبكَ أُقاتل)سنن أبي داود (2632), وسنن الترمذي (3584), ومسند أحمد (12909) وقد قال النبي ﷺ لعمر بن الخطاب - رضي الله عنه – في صلح الحديبية، عندما جرى ما جرى من مصالحة المشركين، ومراجعة الصّحابة للنبي ﷺ قال النبي لعمر: (يا عمر إني رسول الله، ولستُ أَعصيه، وهو ناصري)صحيح البخاري (2732)، هذا خبر من النبي ﷺ عن هذا الوصف لله ـ عزّ وجل ـ وأنه ناصرٌ رسوله ﷺ. والنصير معناه الّذي يُديل عبادة المؤمنين على أعدائهم، ويعينهم، قال الله ـ تعالى ـ: {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}[آل عمران: 160] هكذا يُخبر الله ـ تعالى ـ أنه ينصرُ أولياءه، وأنّ نصره إذا كُتب لأحدٍ فلا غالب له: {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ} وهنا نفهم أنَّ النصرة ضدُّ الغلبة، وقد قال الله ـ تعالى ـ: {وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا}[النساء: 45] أي: حسبكم الله ـ تعالى ـ محباً لكم، وحسبكمُ الله ـ تعالى ـ ناصراً لكم على أعدائكم، فالنصر يأتي بمعنى الإظهار، والغلبة، والإعانة على الأعداء، وكذلك الله ـ تعالى ـ أخبر أنه ينصر، ويُظهر من نَصره من عبادة: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ }[محمد: 7] ونصر الله، أي نصر المؤمن لربه، وهو بحسنِ طاعته، والاستقامة على شرعه، ولزوم هديه، والله ـ تعالى ـ غنيٌ عن العبادِ، وعن طاعاتهم، وعن عباداتهم، وعن نصرهم، إنّما هذا بيان أنّ نصر الله تعالى بالتزام شرعه، والقيام بحقّه، يُثيبُ الله ـ تعالى ـ به العبد نظير ما عمل، فالجزاء من جنس العمل، من نصر الله، نصره الله، وهكذا فجزاءُ السيئة سيئةٌ مثلها، وجزاءُ الحسنة بعشرِ أمثالها، فالله ـ تعالى ـ يعطي عطاءً عظيماً لمن صدق في إقباله عليه، وهو إذا نصر العبدُ الله ـ عزّ وجل ـ بالتزام شرعه، فازَ بنصره. الله ـ تعالى ـ ذكر هذا الاسم [النصير] مقترناً بالمولى، فقال ـ تعالى ـ: {وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ}[الأنفال: 40] وقال: {وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ}[الحج: 78] وهنا اقتران المولى بالنصير، المولى مأخوذ من الولاية، والولاية نوعان: ولاية عامة، تقتضي إيصال الخير، والرزق، لكل العباد. ثمّ ولاية خاصة، تقتضي الحب، والرعاية، والصيانة، والتوفيق، والتسديد، والهداية هذه ذكرها الله ـ تعالى ـ لأوليائه في قوله: {فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ} وهو لا ينصرُ إلاّ أولياءه نصراً دائماً مستمراً، والنصر الّذي يناله أعداؤه إنّما هو نصرٌ مؤقت، يَعقبه ذُلٌ في الدنيا وفي الأخرة، فاقتران النصير بالمولى، لأنه المحبُّ لعبادة، الّذي يظهرهم على أعدائهم، كما أنّ الله ـ تعالى ـ قال في مُحكمِ كتابه: {وكذلك جعلنا لكل نبيٍّ عدواً من المجرمين} ثمّ قال: {وكفى بربّك هادياً ونصيرا}[الفرقان: 31] هادياً في مقامِ العلم، والحجة، والبرهان، فيعطي الله ـ تعالى ـ الرسل، وأتباعهم من البراهين، والحجج، ما يُبطل كل دعاوى المكذبين، ويقيم الحقّ بيّناً كالشمس في رابعة النهار، ثمّ إنّ هذا الحقّ الّذي أقامه الله تعالى بالحجة، يحتاج إلى قوة صلاح تصونه، وتحفظه، وتزيل ما يعيق وصوله إلى الناس، وهو النصر، ولذلك قال: {وكفى بربّك هادياً ونصيرا} لم يقتصر فقط على ذكر الهداية، بل جعل مع ذلك النصر، إنّ المؤمن محتاجٌ إلى أن ينصره الله ـ تعالى ـ في كل أحواله، ولذلك كان من دعاء النبي ﷺ في الغزوات: (اللهم أنت عضُدي، ونصيري، بك أصول، وبكَ أجول، وبكَ أُقاتل) وكذلك كان من دعائه ﷺ: (اللهم اعني، ولا تُعن عليّ، اللهم انصرني على من بغي عليّ، اللهم آثرني ولا تُؤثر عليّ)سنن أبي داود (1510)، وسنن الترمذي (3551). فالنصر يحتاجُه المؤمن في كل أحواله، نصرٌ على الأعداء، ونصرٌ على الظالمين، ونصرٌ على البُغاة، ونصرٌ على المعتدين، كل ذلك ممّا يحتاجه المؤمن، فمن نصره الله، فلا غالب له، ومن خذله، فإنه لا يأتيه نصرٌ، ولا يأتيه تأييدٌ، و لا يأتيه عون، لذلك إذا دعا المؤمن، ليستحضر أنه بحاجة إلى نصر الله، لاسيما أنه في زمن الفتن، وكثرة الخلافات، وتشعب آراء الناس، يحتاج الإنسان أن يستحضر أنه بحاجة إلى نصر الله وعونه، ليوقّيه شر الأشرار، وكيد الفجار، واعتداء أهل الضُّر والفساد، فإنه لا يتوقّى ذلك إلا بنصر الله عزّ وجل، لذلك كان من دعاء النبي ﷺ: (ربِّ اعني، ولا تُعن عليّ، ربِّ انصرني على من بغى عليّ) هنا الأدب في الدعاء، أنَّ النصر يُطلب على من اعتدى، وتجاوز بإنزال الضر، أو إلحاقِ الشرِ بالإنسان، وهذا النصر يحتاجه كلُ أحد، لا سيما في أزمنة الفتن، وتشعُّب الآراءِ، وكثرة الخلاف بين الناس، أنّ النصر الّذي يأملُه المؤمن، مقتبسٌ، ومأخوذٌ من اسمه تعالى [النصير] فإنه ينصرُ أولياءه، ينصرُ دينه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}[محمد: 7] والمؤمن إذا امتلأ قلبه بنصر الله ـ عزّ وجل ـ وأنّ الله ناصرٌ دينه، وكتابه، وأولياءه، كان ذلك معطياً له ثباتاً، وثقةً، ويقيناً، لأنه مهما اعترى الأمة، ومهما عرضَ على طريقه من العوائق، فالعاقبة للمتقين، قال الله ـ تعالى ـ: {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}[آل عمران: 160] وقد وَعَدَ الله ـ تعالى ـ أولياءه المؤمنين بالنصر، فقال: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ}[الروم: 47]. هنا قف! واعلم إنّه بقدر ما معك من الإيمان، بقدرِ ما تناله من نصر الرحمن، هذه قاعدة: قدر ما معك من الإيمان، يُمكِنُك بنفسِ القدرِ، بل بزيادة من فضل الله ـ تعالى ـ من نصر الرحمن، معك من نصر الرحمن، بقدر ما معك من الإيمان، لأنّ الله ـ تعالى ـ قد قال: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} أي أعطى النصرَ بوصف، وهو الإيمان، فمن زادَ إيمانه، زادَ نصيبه من نصر الرحمن، ومن قل قلّ بقدرِ ما ينقص: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ}[غافر: 51] وهذا وَعد أنّ النصر لا يقتصر على مرحلة، وعلى فترة، وعلى منزلة، بل هو نصرٌ ممتد، فهو نصرٌ في الدنيا، ونصرٌ في الآخرة، إذا صَدقَ العبدُ مع الله ـ تعالى ـ عند ذلك إذا عَلمْ العبد أنّ النصرَ بيدِ الله، وأنّ مفاتيح التوفيق، والتأييدِ منه ـ جلّ وعلا ـ لم يلتفت إلى سواه، ولم يعتمد على قواه، ولم يغترَّ بسلاحٍ أو قوة: {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ}[البقرة: 149] ذلك أنّ النصر من الله ـ عزّ وجل ـ وهذا لا يعطّل الأسباب، إنّما هذا يقتضي أن يبذل الإنسان كل ما يستطيع من الأسباب، لتحقيق نصر الله، لكن قلبه معلّقٌ بالله، لا يسألُ النصرَ إلا منه، ولا يطلبه إلا من صاحبه، وهو الله جلّ وعلا الّذي وَعده المؤمنين، ولهذا كان يقول: (ربّ أعنّي، ولا تُعن عليّ، وانصرني ولا تنصر عليّ، وامكر لي ولا تمكر بي، واهدني، ويسّر الهدى لي، وانصرني على من بغى عليّ) سنن أبي داود (1510)، وسنن الترمذي (3551)، كلُّ ذلك جاء عن النبي ﷺ في دعائه بأبي هو أمي رسول الله ﷺ لذلك ينبغي للمؤمن أن يستحضر أنّ توجه قلبه لغير الله لا يُعطيه نصراً، ولا يعطيه توفيقاً، ولا يعطيه قوةً، ولا يزيده ثباتاً، إنّما ثباته، ونصره، في أن يتولى الله، ومن تولاه الله فاز بعطائه، كما قال الله ـ جلّ وعلا ـ: {أنت مولانا فانصرنا على القومِ الكافرين}[البقرة: 286] هو مولانا ينصرنا على كل من عادانا، وعلى كلِّ من غلبنا، وعلى كلِ من بغى علينا: {نعمَ المولى ونعمَ النصير} إلى أن نلقاكم في حلقة قادمة من برنامجكم(فادعوه بها) استودعكم الله الّذي لا تضيع ودائعه، والسَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.