×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

مرئيات المصلح / برامج المصلح / فادعوه بها -3 / الحلقة (18): إن وليي الله

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، كما يحب ربنا ويرضى، أحمده حق حمده لا أحصي ثناء عليه هو كما أثنى على نفسه، وأشهد أن لا إله إلا الله، إله الأولين والآخرين، لا إله إلا هو الرحمن الرحيم، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، أما بعد: فحياكم الله... وأهلا وسهلا بكم أيها الأخوة الكرام، في هذه الحلقة الجديدة من برنامجكم (فادعوه بها) هذا البرنامج الذي نتناول فيه أسماء الله تعالى نقف في كل حلقة مع اسم من أسماء الله، نستجلي معناه، ونتعرف على مدلوله، ونتلمس بعض آثار الإيمان به، لعلنا أن نكون على دراية وعلم بهذا الرب الذي له نصلي، وله نزكي، وله نصوم، وإليه نحج. أيها الأخوة والأخوات في هذه الحلقة، سنتناول اسما من أسماء الله تعالى له خصوصية، وله عموم خصوصيته بأوليائه الصالحين، وعمومه لجميع خلق الله، الذين خلقهم رب العالمين، فالله تعالى هو[الولي] سبحانه وبحمده. اسم الله جل وعلا [الولي] من أسمائه العظيمة، التي أخبر الله تعالى بها في كتابه، فقال سبحانه وبحمده : {الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور}+++[البقرة: 257]--- وهذا الملحظ أو الجانب الخاص، في هذا الاسم، وهو ولايته لعباده المؤمنين، وقد قال الله تعالى : {وكفى بالله وليا}+++[النساء: 45]--- وقال جل وعلا : {أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلما وألحقني بالصالحين}+++[يوسف: 101]--- وقال جل وعلا : {ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق ألا له الحكم وهو أسرع الحاسبين}+++[الأنعام: 62]--- وهذه هي الولاية العامة التي تشمل كل خلق الله، لا يخرج عنها أحد من عباد الله: {ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم}+++[محمد: 11]--- وهذه ولاية خاصة بأوليائه المؤمنين، الذين أحبوه، وأقبلوا عليه، وآمنوا به، فكان لهم هذا الفضل من الله تعالى. إن السنة النبوية جاء فيها ذكر هذا الاسم على نحوين، ففي الصحيح، من حديث البراء بن عازب - رضي الله عنه - أن النبي ﷺ في غزوة أحد، لما قال أبو سفيان: لنا العزى ولا عزى لكم، قال النبي ﷺ: (ألا تجيبوه، قالوا: يا رسول الله ما نقول؟ قال قولوا: الله مولانا ولا مولى لكم)+++صحيح البخاري (3039)--- وقد جاء أيضا في الطبراني، بإسناد فيه مقال، عن أنس – رضي الله عنه – أنه كان من دعاء النبي ﷺ أنه يقول: (يا ولي الإسلام وأهله، مسكني بالإسلام حتى ألقاك عليه)+++المعجم الأوسط (661)---. هذا ما جاء في الكتاب والسنة من هذا الاسم، فما معنى الولي؟! الولي مأخوذ في اللغة من ولي الشيء إذا قرب منه، وهذا المعنى هو المعنى العام الذي ينتظم هذا الاسم في كل استعمالاته، فهناك ولاية عامة ثابتة لكل الخلق، تقرب إليهم كل خير من رب العالمين، وتوصل إليهم كل بر من الله جل وعلا وهناك ولاية خاصة بعباده المتقين، وأوليائه الصالحين، فالله هو الولي، وهو المولى جل في علاه الذي يلي أمور الخلق، فلا يخرج عن ذلك أحد من خلقه، كما قال تعالى : {وردوا إلى الله مولاهم الحق} فهو المولى جل في علاه الذي ينتظم في ولايته جميع خلقه، فيصلح شؤونهم، ويتولى أمورهم، ويدبر معاشهم، ويميتهم ويحييهم، ويتصرف في شؤونهم، ويصرف أقدارهم، كل ذلك منتظم في هذا المعنى العام الذي تقتضيه هذه الولاية العامة، وهي من معاني الربوبية، إذا الولاية العامة هي بمعنى أن الله تعالى هو: {رب العالمين} فولاية الله العامة، تقتضي الرزق، تقتضي الملك، تقتضي التدبير، تقتضي التصريف، تقتضي كل معنى من معاني ربوبية الله جل وعلا وهذا الذي أشار إليه قوله تعالى : {ثم وردوا إلى الله مولاهم الحق} هذه الولاية التي له جل في علاه لجميع خلقه، هي المقتضية لخلقهم، ورزقهم، وملكهم، وتدبيرهم، وهذا معنى أنه{رب العالمين}. أما الولاية الخاصة التي تكون لأوليائه، فهذه مزيد من العطاء، مزيد من النفحات، مزيد من الكرم، مزيد من الخصوصية، قال الله تعالى : {ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم} فالله تعالى نفى ولايته عن الكافرين، ليست الولاية العامة التي أثبتها، بل هي الولاية الخاصة التي جعلها لأوليائه، التي بها يخرجهم من الظلمات إلى النور، قال الله تعالى : {الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور} {يخرجهم من الظلمات} ظلمات الشقاء، ظلمات التعاسة، ظلمات الكد، ظلمات الضلال، ظلمات الضغوط، إلى سعة رحمته، إلى النور، نور القرآن، نور الإيمان، نور الهداية، هذه الأنوار التي يخرج الله تعالى المؤمنين من الظلمات إليها، هي بمقتضى ولايته الخاصة، كما أن هذه الولاية الخاصة لها ميزة، وهي أنها تقتضي العون، والتأييد، والنصر، والإظهار، كما قال تعالى في محكم كتابه: {أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين}+++[البقرة: 286]--- حتى في حال الانكسار: الله مولاك، وهو الذي يجبر كسرك، وهو الذي ينصرك، وهو الذي يحفظك، وهو الذي يظفرك على عدوك، ولهذا لما قال أبو سفيان في حال عز، وعلو، وانتشاء بنصر مؤقت، قال: العزى لنا ولا عزى لكم، قال النبي ﷺ لأصحابه: (ألا تجيبوه، قالوا: يا رسول الله ما نقول؟ قال قولوا: الله مولانا ولا مولى لكم) حتى في حال الانكسار، والهزيمة، استشعار المؤمن بولاية الله له، يجعله أقوى من كل هزيمة، يقابل كل ضغط، يقف أمام كل تحد، لأن الله مولاه، ومن كان الله مولاه فلن يضيعه، سيخرجه جل في علاه من الظلمات إلى النور، كما قال تعالى : {الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور} إن ولاية الله تعالى تنال بطاعته، ولذلك قال الله تعالى جل في علاه : {ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون}+++[يونس: 62]--- هذه الولاية الخاصة لا تنال إلا بطاعة الله جل وعلا وتقواه، والقيام بحقه، والصدق في الإقبال عليه، ولهذا قال جل وعلا في بيان طريق تحصيل التقوى، وثوابها: {ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون} من هم؟ {الذين آمنوا وكانوا يتقون}+++[يونس: 63]--- ثم قال، وقد قدم بعد ذلك ما لهم من الفضائل في قوله: {لا خوف عليهم ولا هم يحزنون} هذه الآية اشتملت على طريق تحصيل الولاية، وعلى ثواب الولاية، قال الله تعالى : {ألا إن أولياء الله لاخوف عليهم ولا هم يحزنون} هذا وعده، وهذا ثوابه، وهذه منته لأوليائه. ما طريق تحصيل هذه الفضائل؟! كيف يكون الإنسان وليا لله عز وجل؟! يكون وليا لله عز وجل بما ذكر من الإيمان، والتقوى: {الذين آمنوا وكانوا يتقون} وقد جاء تفصيل ذلك فيما رواه البخاري، في صحيحه، من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – أن النبي ﷺ قال في الحديث الإلهي، فيما يرويه عن ربه، قال النبي ﷺ يقول الله تعالى: (من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب)+++صحيح البخاري (6502)--- يعني من عادى وليا من أولياء الله تعالى فقد أعلمه الله تعالى بالحرب، أعلن الله تعالى عليه بالحرب: {من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب}. طيب: كيف يفوز المؤمن بهذه الولاية؟ كيف يحصلها؟ يأتي بيان ذلك في تتمة هذا الحديث الإلهي، يقول الله تعالى : (وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه) هذا الطريق الأول في تحصيل الولاية، أن تكون على قيام بما فرضه الله تعالى عليك من الواجبات، وتترك ما نهاك عنه من المنهيات: (وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه) في الواجبات فعلا، وفي المنهيات تركا، وبعد هذا هل هناك ما يزيد في القرب إليه جل وعلا، وتحصيل الولاية؟ نعم بعد الواجبات: (ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل) بأنواع الطاعات، والقربات، في الصلاة، والصوم، والزكاة، والحج، والإحسان إلى الخلق، حتى التبسم في وجه أخيك صدقة، كما يقول ﷺ، كل ألوان الإحسان التي فيما بينك وبين الله تعالى وفيما بينك وبين الخلق، هي مما يندرج في قوله ﷺ، فيما أخبر به عن الله عز وجل : (ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه) هنا تبلغ درجة الولاية: (فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله الذي التي يمشي بها، ولئن استنصرني لأنصرنه، ولئن استعاذني لأعيذنه). ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، إنه طريق يبلغ به العبد خيرا عظيما، في نيل بعض آثار هذا الاسم العظيم من أسمائه جل وعلا [الولي] فالله ولي الذين آمنوا: {أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلما وألحقني بالصالحين}+++[يوسف: 101]--- إن من مقتضايات الولاية أن يثبتك الله عز وجل على الحق حتى تلقاه، كما أمرك بذلك فقال: {ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون}+++[آل عمران: 102]--- إن من مقتضيات الولاية أن يكون الله تعالى أحب إليك من كل المحبوبات، فلا شيء في قلبك أحب إليك من الله تعالى، هكذا تحقق الولاية لله جل وعلا. إن المؤمن إذا استحضر هذه المعاني، تلمس فضل الله عز وجل في كل ما يحيط به، حتى إذا رأى شيئا من فضل الله على غيره، رأى ولاية الله تعالى لعبادة، يقول الله تعالى : {وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته وهو الولي الحميد}+++[الشورى: 28]--- يذكر هذا الاسم بعد هذا الفضل، في آثار السيل والمطر إذا رآه، وما ينتج عن نزول هذه الرحمة، يقول الله تعالى: {وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته وهو الولي الحميد} هكذا يدرك المؤمن شيئا من معاني هذا الاسم، بقلبه الباصر، وعينه الناظرة، التي تترقب آثار رحمة الله عز وجل في السموات، وفي الأرض، وفيما يجريه الله تعالى وكلما زاد العبد في الإقبال على الله، واعتصم به، نال من فضل ولايته الشيء الكثير، لذلك يقول الله تعالى: {واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير}+++[الحج: 78]--- إن المؤمن يدعو الله عز وجل مستحضرا هذا الاسم، فيسأله من فضله، كما قال يوسف عليه السلام في دعائه: {أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلما وألحقني بالصالحين} فتوسل إليه بوصف الولاية، لاستجلاب فضله، كذلك قال في خواتيم سورة البقرة: {أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين} فكلما دعوت الله تذكر أنه المولى، والمولى هو الذي يقرب منك بالمحبة، ويعطيك النصر، فالولاية تدور على هذين المعنيين: محبة الله، ونصره، اللهم اجعلنا من أوليائك، وحزبك، واسلك بنا طريق أوليائك، واجعلنا من خاصة عبادك، إلى أن نلقاكم في حلقة قادمة من برنامجكم{فادعوه بها} أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المشاهدات:3721

الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، كما يحبّ ربنا ويرضى، أحمده حق حمده لا أحصي ثناءً عليه هو كما أثنى على نفسه، وأشهدُ أن لا إله إلا الله، إله الأولين والآخرين، لا إله إلا هو الرحمن الرحيم، وأشهدُ أنّ محمداً عبدُ الله ورسوله، اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد، أمّا بعد: فحياكم الله... وأهلاً وسهلاً بكم أيها الأخوةُ الكرام، في هذه الحلقة الجديدة من برنامجكم (فادعوه بها) هذا البرنامج الّذي نتناول فيه أسماء الله ـ تعالى ـ نقفُ في كل حلقةٍ مع اسمٍ من أسماء الله، نستجلي معناه، ونتعرف على مدلوله، ونتلمس بعض آثار الإيمانِ به، لعلنا أن نكون على درايةٍ وعلمٍ بهذا الرب الّذي له نصلي، وله نزكي، وله نصوم، وإليه نحج. أيها الأخوة والأخوات في هذه الحلقة، سنتناول اسماً من أسماء الله ـ تعالى ـ له خصوصية، وله عموم خصوصيته بأوليائه الصالحين، وعمومه لجميع خلق الله، الّذين خلقهم ربُّ العالمين، فالله تعالى هو[الولي] سبحانه وبحمده. اسم الله ـ جلّ وعلا ـ [الولي] من أسمائه العظيمة، التي أخبر الله ـ تعالى ـ بها في كتابه، فقال ـ سبحانه وبحمده ـ: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ}[البقرة: 257] وهذا الملحظ أو الجانب الخاص، في هذا الاسم، وهو ولايته لعباده المؤمنين، وقد قال الله ـ تعالى ـ: {وكفى بالله وليّا}[النساء: 45] وقال ـ جلّ وعلا ـ: {أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ}[يوسف: 101] وقال ـ جلّ وعلا ـ: {ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ}[الأنعام: 62] وهذه هي الولاية العامة التي تشملُ كل خلق الله، لا يخرجُ عنها أحدٌ من عبادِ الله: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ}[محمد: 11] وهذه ولايةٌ خاصة بأوليائه المؤمنين، الّذين أحبُّوهُ، وأقبلُوا عليه، وآمنوا به، فكان لهم هذا الفضلُ من الله تعالى. إنّ السنةَ النبوية جاء فيها ذكرُ هذا الاسم على نحوين، ففي الصحيح، من حديث البراء بن عازب - رضي الله عنه - أنّ النبي ﷺ في غزوة أحد، لمّا قال أبو سفيان: لنا العزى ولا عُزّى لكم، قال النبي ﷺ: (ألا تجيبوه، قالوا: يا رسول الله ما نقول؟ قال قولوا: الله مولانا ولا مولى لكم)صحيح البخاري (3039) وقد جاء أيضاً في الطبراني، بإسنادٍ فيه مقال، عن أنس – رضي الله عنه – أنه كان من دعاءِ النبي ﷺ أنه يقول: (يا وليَّ الإسلام وأهله، مسكني بالإسلامِ حتى ألقاكَ عليه)المعجم الأوسط (661). هذا ما جاء في الكتاب والسنةِ من هذا الاسم، فما معنى الولي؟! الولي مأخوذٌ في اللغة من وليَ الشيء إذا قَرُبَ منه، وهذا المعنى هو المعنى العام الّذي ينتظم هذا الاسم في كل استعمالاته، فهناك ولاية عامة ثابتة لكلِّ الخلق، تُقرّب إليهم كل خير من ربّ العالمين، وتوصِلُ إليهم كل برّ من الله ـ جلّ وعلا ـ وهناك ولاية خاصة بعباده المتَّقين، وأوليائه الصالحين، فالله هو الوليُّ، وهو المولى ـ جلّ في علاه ـ الّذي يلي أمور الخلق، فلا يخرج عن ذلك أحدٌ من خلقه، كما قال ـ تعالى ـ: {وردوا إلى الله مولاهمُ الحقّ} فهو المولى ـ جلّ في علاه ـ الّذي ينتظمُ في ولايته جميع خلقه، فيصلحُ شؤونهم، ويتولى أمورهم، ويدبّرُ معاشهم، ويميتُهم ويُحييهم، ويتصرّفُ في شؤونهم، ويُصرِّفُ أقدارهم، كل ذلك منتظمٌ في هذا المعنى العام الّذي تقتضيه هذه الولاية العامة، وهي من معاني الربوبية، إذاً الولاية العامة هي بمعنى أنّ الله تعالى هو: {ربِّ العالمين} فولاية الله العامة، تقتضي الرزق، تقتضي المُلك، تقتضي التدبير، تقتضي التصريف، تقتضي كلَّ معنىً من معاني ربوبية الله ـ جلّ وعلا ـ وهذا الّذي أشارَ إليه قوله ـ تعالى ـ: {ثمّ وردوا إلى الله مولاهمُ الحقّ} هذه الولاية التي له ـ جلّ في علاه ـ لجميع خلقه، هي المقتضية لخلقهم، ورزقهم، ومُلكهم، وتدبيرهم، وهذا معنى أنه{ربُّ العالمين}. أمّا الولاية الخاصة التي تكونُ لأوليائه، فهذه مزيد من العطاء، مزيد من النفحات، مزيد من الكَرَم، مزيد من الخصوصية، قال الله ـ تعالى ـ: {ذلك بأنّ الله مولى الّذين آمنوا وأنّ الكافرينَ لا مولى لهم} فالله ـ تعالى ـ نفى ولايته عن الكافرين، ليست الولاية العامة التي أثبتها، بل هي الولاية الخاصة التي جعلها لأوليائه، التي بها يخرجهم من الظلماتِ إلى النور، قال الله ـ تعالى ـ: {الله وليُّ الّذين آمنوا يخرجهم من الظلماتِ إلى النور} {يخرجهم من الظلمات} ظلمات الشقاء، ظلمات التعاسة، ظلمات الكد، ظلمات الضلال، ظلمات الضّغوط، إلى سعة رحمته، إلى النور، نور القرآن، نور الإيمان، نور الهداية، هذه الأنوار التي يخرجُ الله تعالى المؤمنين من الظلماتِ إليها، هي بمقتضى ولايته الخاصة، كما أنّ هذه الولاية الخاصة لها ميزة، وهي أنها تقتضي العون، والتأييد، والنصر، والإظهار، كما قال تعالى في مُحكم كتابه: {أنت مولانا فانصرنا على القومِ الكافرين}[البقرة: 286] حتى في حال الانكسار: الله مولاك، وهو الّذي يجبرُ كسرك، وهو الّذي ينصرك، وهو الّذي يحفظك، وهو الّذي يُظفرك على عدوك، ولهذا لمّا قال أبو سفيان في حال عزّ، وعلو، وانتشاء بِنصرٍ مؤقت، قال: العُزّى لنا ولا عُزّى لكم، قال النبي ﷺ لأصحابه: (ألا تجيبوه، قالوا: يا رسول الله ما نقول؟ قال قولوا: الله مولانا ولا مولى لكم) حتى في حال الانكسار، والهزيمة، استشعار المؤمن بولاية الله له، يجعله أقوى من كل هزيمة، يُقابل كلَ ضغط، يقف أمام كل تحدٍّ، لأنّ الله مولاه، ومن كان الله مولاه فلن يضيعه، سيخرجه ـ جلّ في علاه ـ من الظلماتِ إلى النور، كما قال ـ تعالى ـ: {الله وليُّ الّذين آمنوا يخرجهم من الظلماتِ إلى النور} إنّ ولاية الله ـ تعالى ـ تُنالُ بطاعته، ولذلك قال الله ـ تعالى جلّ في علاه ـ: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}[يونس: 62] هذه الولاية الخاصة لا تُنال إلا بطاعة الله ـ جلّ وعلا ـ وتقواه، والقيامِ بحقه، والصدقِ في الإقبال عليه، ولهذا قال ـ جلّ وعلا ـ في بيانِ طريق تحصيل التقوى، وثوابها: {ألا إنَّ أولياء الله لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون} من هم؟ {الّذين آمنوا وكانوا يتقون}[يونس: 63] ثمّ قال، وقد قدّم بعد ذلك ما لهم من الفضائل في قوله: {لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون} هذه الآية اشتملت على طريق تحصيل الولاية، وعلى ثوابِ الولاية، قال الله ـ تعالى ـ: {ألا إنَّ أولياء الله لاخوفٌ عليهم ولا هم يحزنون} هذا وعده، وهذا ثوابه، وهذه منَّته لأوليائه. ما طريق تحصيل هذه الفضائل؟! كيف يكونُ الإنسانُ وليّاً لله عزّ وجل؟! يكونُ وليّاً لله ـ عزّ وجل ـ بما ذكر من الإيمان، والتقوى: {الّذين آمنوا وكانوا يتقون} وقد جاء تفصيل ذلك فيما رواه البخاري، في صحيحه، من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – أن النبي ﷺ قال في الحديث الإلهي، فيما يرويه عن ربه، قال النبي ﷺ يقول الله تعالى: (من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب)صحيح البخاري (6502) يعني من عادى وليّاً من أولياء الله ـ تعالى ـ فقد أعلمهُ الله ـ تعالى ـ بالحرب، أعلنَ الله ـ تعالى ـ عليه بالحرب: {من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب}. طيب: كيف يفوز المؤمن بهذه الولاية؟ كيف يُحصّلها؟ يأتي بيانُ ذلك في تتمة هذا الحديث الإلهي، يقولُ الله ـ تعالى ـ: (وما تقرّب إليَّ عبدي بشيء أحبّ إليّ ممّا افترضتُ عليه) هذا الطريق الأول في تحصيل الولاية، أن تكونَ على قيامٍ بما فرضه الله ـ تعالى ـ عليك من الواجبات، وتترك ما نهاكَ عنه من المنهيات: (وما تقرّب إليَّ عبدي بشيء أحبّ إليّ ممّا افترضتُ عليه) في الواجبات فعلاً، وفي المنهياتِ تركاً، وبعد هذا هل هناك ما يزيد في القرب إليه جلّ وعلا، وتحصيل الولاية؟ نعم بعد الواجبات: (ولا يزالُ عبدي يتقرّب إليّ بالنوافل) بأنواع الطاعات، والقربات، في الصلاة، والصوم، والزكاة، والحج، والإحسان إلى الخلق، حتى التبسم في وجه أخيك صدقة، كما يقول ﷺ، كل ألوان الإحسان التي فيما بينك وبين الله ـ تعالى ـ وفيما بينك وبين الخلق، هي ممّا يندرج في قوله ﷺ، فيما أخبر به عن الله ـ عزّ وجل ـ: (ولا يزالُ عبدي يتقرّب إليّ بالنوافل حتى أحبه) هنا تبلغ درجة الولاية: (فإذا أحببتُه كنتُ سمعه الّذي يسمعُ به، وبصره الّذي يُبصرُ به، ويده التي يبطشُ بها، ورجله الّذي التي يمشي بها، ولئن استنصرني لأنصرنّه، ولئن استعاذني لأُعيذنّه). ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، إنه طريقٌ يبلغ به العبد خيراً عظيماً، في نيل بعض آثار هذا الاسم العظيم من أسمائه ـ جلّ وعلا ـ [الوليّ] فالله وليُّ الّذين آمنوا: {أنت وليّي في الدنيا والآخرة توفَّني مسلماً وألحقني بالصَّالحين}[يوسف: 101] إنّ من مقتضايات الولاية أن يثبّتكَ الله عزّ وجل على الحقّ حتى تلقاه، كما أمرك بذلك فقال: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}[آل عمران: 102] إنّ من مقتضيات الولاية أن يكونَ الله ـ تعالى ـ أحبّ إليك من كل المحبوبات، فلا شيء في قلبك أحبُّ إليك من الله تعالى، هكذا تُحققُ الولاية لله جلّ وعلا. إنّ المؤمن إذا استحضر هذه المعاني، تلمس فضل الله ـ عزّ وجل ـ في كلِّ ما يحيطُ به، حتى إذا رأى شيئاً من فضل الله على غيره، رأى ولاية الله ـ تعالى ـ لعبادة، يقولُ الله ـ تعالى ـ: {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ}[الشورى: 28] يذكر هذا الاسم بعد هذا الفضل، في آثار السيل والمطر إذا رآه، وما ينتُج عن نزول هذه الرحمة، يقول الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ} هكذا يدركُ المؤمن شيئاً من معاني هذا الاسم، بقلبه الباصر، وعينه الناظرة، التي تترقّب آثار رحمة الله ـ عزّ وجل ـ في السموات، وفي الأرض، وفيما يُجريه الله ـ تعالى ـ وكلما زاد العبدُ في الإقبالِ على الله، واعتصمَ به، نالَ من فضلِ ولايته الشيء الكثير، لذلك يقول الله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ}[الحج: 78] إنّ المؤمن يدعو الله ـ عزّ وجل ـ مستحضراً هذا الاسم، فيسأله من فضله، كما قال يوسف ـ عليه السَّلام ـ في دعائه: {أنت وليّي في الدنيا والآخرة توفني مسلماً وألحقني بالصالحين} فتوسّل إليه بوصف الولاية، لاستجلابِ فضله، كذلك قال في خواتيم سورة البقرة: {أنتَ مولانا فانصرنا على القومِ الكافرين} فكلما دعوت الله تذكَّر أنه المولى، والمولى هو الّذي يَقربُ منكَ بالمحبةِ، ويعطيكَ النصر، فالولاية تدورُ على هذين المعنيين: محبةُ الله، ونصره، اللهم اجعلنا من أوليائك، وحزبك، واسلك بنا طريق أوليائك، واجعلنا من خاصة عبادك، إلى أن نلقاكم في حلقة قادمة من برنامجكم{فادعوه بها} أستودعكم الله الّذي لا تضيع ودائعه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الاكثر مشاهدة

4. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات94004 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات89900 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف