×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

مرئيات المصلح / برامج المصلح / فادعوه بها -3 / الحلقة (22) : إن الله رفيق

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

 الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، كما يحب ربنا ويرضى، أحمده حق حمده، له الحمد كله، لا أحصي ثناء عليه هو كما أثنى على نفسه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لا إله إلا هو الرحمن الرحيم، لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم، وأشهد أن محمدا عبدالله ورسوله، صفيه وخليله خيرته من خلقه، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، أما بعد:

فحياكم الله...أيها الأخوة والأخوات، ومرحبا بكم في برنامجكم(فادعوه بها) هذا البرنامج الذي نتناول فيه أسماء الله تعالى التي جاءت في القرآن، وفي السنة، نقف مع بعض هذه الأسماء، مستجلين معانيها متلمسين مفهومها، مواردها، دلالاتها، كل ما يتعلق بها، على قدر السعة والإمكان، فنسأل الله الإعانة والتسديد.

في هذه الحلقة سنتناول اسما من أسماء الله تعالى لم يذكره الله في كتابه، بل جاء الخبر عنه في قول رسوله ﷺوما جاء به النبي ﷺمن الأخبار، ومن الأحكام وجب قبوله، قال الله تعالى : {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا}+++[الحشر:7]---   فما جاء عن النبي ﷺمن الأخبار عن الله أو عن سائر ما أخبر به ﷺ، وجب تصديقه، والقبول له، والإيمان به، كما أنه ما جاء به من الأحكام، وجب أخذه، والتسليم له: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما}+++[النساء:65]--- وقد قال الله تعالى : {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا}+++[الأحزاب:36]--- فاللهم ألهمنا رشدنا، وقنا شر أنفسنا.

اسم الله تعالى [الرفيق] لم يأتي ذكره في الكتاب، إنما جاء ذكره في السنة المطهرة، في كلام ما لا ينطق عن الهوى ﷺ، فقد قال عليه وعلى آله وسلم كما في مارواه البخاري ومسلم، من حديث عائشة، قال ﷺ: (يا عائشة إن الله رفيق يحب الرفق)+++صحيح البخاري (6927), وصحيح مسلم (2593)--- وقد أخذ هذا الاسم جماعة من أهل العلم، واثبتوه لله عز وجل كما جاء في السنة النبوية، وبعضهم قال: إن هذا وصف وليس اسما، وعلى كل حال هو من أسماء الله عز وجل فيما يظهر، وقد أثبت ذلك جماعة من أهل العلم.

ما معنى الرفق؟! الرفق في اللغة: دائر على الموافقة، وعلى المقاربة، وعلى عدم العنف.

فالرفق في الشيء هو مقاربته، وملاطفته، وملاينته وألا يكون فيه عنف، هذه دلالته في اللغة.

أما معناه في صفات الله عز وجل فالرفق الذي اتصف الله تعالى به هو أنه جل وعلا ذو إحسان بعبادة، ليس بعجول يعاجلهم بالعقوبة أو ما يخافونه من النوازل، والبلايا، والمصائب، فالله تعالى رفيق بعبادة، ذو أناة في تعامله معهم جل وعلا وفي شأنه معهم، ليس فقط في الأقدار، بل في الأقدار، وفي والتشريع، ولذلك من أسماءه[الرفيق] سبحانه وبحمده، رفيق في أفعاله، رفيق في شرعه، ودينه، ولذلك كان جل في علاه على غاية من الكمال في هذا الوصف، قدرا، وكونا، وشرعا، ودينا، وأمرا، ولنتلمس ذلك في النظر إلى شيء من أفعال الله عز وجل وإلى شرعه، فيقول الله تعالى فيما ذكره من خلقه:{إنا كل شيء خلقناه بقدر}+++[القمر:49]---  وهذا الدليل على إتقان الخلق، وإنه في غاية الرفق، فليس في شيء من خلقه جل وعلا خروج عن الرفق، بل خلقه سبحانه وبحمده كان في غاية الرفق، والإحسان، والإتقان، ولذلك كان خلقه كما قال تعالى : {صنع الله الذي أتقن كل شيء}+++[النمل:88]---  إن الله تعالى خلق السموات والأرض في ستة أيام، ليس عجزا عن أن يوجدها بكن، فهو الذي إذا أراد شيئا: {إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون}+++[يس:82]---  لكن ذلك من حكمته، ومن عظيم رحمته بعبادة، من رحمته بخلقه أن أوجدهم على الصورة التي أخبرنا بها لحكمة يعلمها سبحانه وبحمده هذا ما يتعلق برفقه في خلقه، وفي أمره جل وعلا الكوني، أما رفقه في شرعه فالله سبحانه وبحمده رفيق في شرعه، فقد بنى هذا الشرع على اليسر، والسهولة، كما قال الله تعالى : {وما جعل عليكم في الدين من حرج}+++[الحج:78]---  وكما قال تعالى : {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر}+++[البقرة:185]--- وكما قال تعالى : {ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر}+++[القمر:17]--- كل هذا اليسر الذي يخبر الله تعالى عنه في كتابه، فيما يتعلق بدينه، إنما هو من رفقه بعبادة جل في علاه ومن رفقه أنه لم ينزل التكاليف مرة واحدة، بل كان ذلك متدرجا، منجما، على حسب الوقائع، على حسب الحوائج، على حسب ما تقتضيه أحوال الناس في التشريع: {وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا}+++[الفرقان:32]---

هكذا جعل الله تعالى هذا الإنزال على هذا النحو من التفريق، والتنجيم في نزوله، حتى ينال العباد التعبد لله بقبول الأخبار على وجه، يحصل به اطمئنان قلوبهم، وانشراح صدورهم، والأناة في بلوغ ما يطلبه ربهم منهم، ولهذا في تشريع الصلاة، فرض الله تعالى الصلاة أولا على الناس دون تحديد لقدرها، ولا لركعاتها بتحديد، إنما قال تعالى : {يا أيها المزمل* قم الليل إلا قليلا* نصفه أو انقص منه قليلا* أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا}+++[المزمل:1: 4]---  ثم جاء بعد ذلك التخفيف على النبي ﷺ، وعلى هذه الأمة، بعد مدة من الوقت، لأجل تحقيق هذا الرفق، فقال جل في علاه: {والله يقدر الليل والنهار علم أن لن تحصوه فتاب عليكم فاقرءوا ما تيسر من القرآن علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله فاقرءوا ما تيسر منه}+++[المزمل:20]---  هذا من رفق الله تعالى بعبادة أن خفف عنهم، كذلك في القتال، في أول الأمر فرض الله تعالى القتال الواحد في مقابل العشرة، ثم لما شق عليهم وعلم منهم ضعفا، قال: {لآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا}+++[الأنفال:66]---  فكان التخفيف أن يكون الرجل في مقابل رجلين من أهل الكفر، وذلك من تخفيف الله تعالى في فرض الصلاة، رفق الله تعالى وتخفيفه لعبادة، أن فرض الصلاة خمسين، لحاجتهم إليها وليس لحاجته إلى عبادتنا، نحن محتاجون للصلاة، فرضها خمسين لعظيم الحاجة إليها، ثم لما حصلت المراجعة، كان من فضله، ورفقه بعبادة أن أبقها جل وعلا خمسين في الأجر، وهي خمسة في العدد، للرفق بالعباد، والتيسير عليهم.

إذا الرفق في كل أمر من أموره جل في علاه في خلقه، وتدبيره لأمر مملكته جل في علاه وأيضا في تشريعه، ودينه الذي شرعه لعبادة، الرفق لا يخلو عن شيء من أفعال الله تعالى وتشريعة، فهي صفة له سبحانه وبحمده، إنا الرفق يحبه الله تعالى لأنه الرفيق.

وهو الرفيق يحب أهل الرفق*** بل يعطيهم بالرفق فوق أمان

يعطيهم فوق ما يتمنون بالرفق، ولذلك قال النبي ﷺ: (إن الله رفيق يحب الرفق)+++صحيح البخاري (6927), وصحيح مسلم (2593)--- وهذا يدفع المؤمن إلى أن يتحلى بهذا الوصف، وأن يتذكر أن ربه رفيق، وأن جزاء مقابلة هذا الرفق حتى يناله على وجه الكمال من الله، أن يكون هو رفيق أيضا في معاملته للخلق، فإن الرفق بالخلق موجب لرفق الخالق بك، فاجتهد أن تكون رفيقا بالخلق، وقد كان النبي ﷺمستحضرا هذا حتى في معاملته لمن يعاديه، ومن يعارضه، ومن يكفر به، فقد جاء في الصحيحين، من حديث عائشة -رضي الله عنها-: (أن رهطا من اليهود، دخلوا على النبي ﷺ، فقالوا له: السام عليك) "السام عليك" السام هو: الموت، يدعون عليه بالموت، لكن هم جاء بها على هذا النحو الذي لووا بها ألسنتهم، ليوهم أنهم يسلمون عليه، فيسمعها كأنهم قالوا: السلام عليك، وهم لا يقولون: السلام عليك، إنما يقولون: "السام" يعني الموت عليك، قالت عائشة لما فهمت ما قالوا، قالت: (وعليكم السام واللعنة) أي عليكم الموت، واللعنة، غضبا للنبي ﷺ، وكرها لما سمعته منهم في حق النبي ﷺ، (فقال لها النبي ﷺ: مهلا يا عائشة "إن الله يحب الرفق في الأمر كله" قالت يا رسول الله؟ ألم تسمع ما قالوا؟ قال رسول الله ﷺقد قلت "وعليكم")+++صحيح البخاري (6927), وصحيح مسلم (2593)---  يعني رددت عليهم بما قالوا لي، فكفى هذا في تحقيق المقصود، مقابلة الإساءة بمثلها دون تجاوز للحد، وفي رواية أخرى، قال النبي ﷺ: (مهيأ يا عائشة - لما قالت: السام عليكم، واللعنة - إن الله لا يحب الفحش ولا التفحش، قالوا قولا فرددنا عليهم، فلم يضرنا شيء، ولزمهم إلى يوم القيامة)+++مسند أحمد (25029)--- يعني ما قال لهم ﷺمن المقولة التي وجهها إليه، من قولهم: السام عليك.

إن الرفق يكون بالنظر إلى أهل التقصير، والعصاة بالرحمة لهم، فإن النبي ﷺكان أرحم الخلق بالناس، كان يطلب الأعذار لهم، ويبحث عن المخارج لهم، ويسهل لهم العودة، والأوبة.

هكذا ينبغي أن يكون المؤمن رفيقا لأهل القصور، والتقصير، وليذكر نعمة الله عليه، أنه من نعمة الله عليه أن وقاه شرور تلك السيئات، التي تورط فيها الآخرون، والله لولا الله ما كان لك من الفضل على أحد بل كنت أيضا مثلهم، فتذكر أنه لو شاء الله كنت أيضا مثلهم، لكن من الله عليك لو شاء ربك كنت أيضا مثلهم، فالفضل في كل ما أنت فيه للرحمن، فاشكره جل في علاه وأثني عليه خيرا، لأنه المتفضل عليك بأن هداك، ولا تنظر إلى غيرك بنظرة الدون، بل ترفق بهم لتخرجهم مما هم فيه، النبي كان يؤتى له برجل يشرب الخمر فيجلده، فقال أحد الصحابة: لعنه الله، ما أكثر ما يؤتى به، فقال النبي : (ما علمت إلا أنه يحب الله ورسوله)+++صحيح البخاري (6780)--- عاقبة لأجراء حد الله، وإنزال ما فرضه الله من عقوبة، لكنه مع ذلك لم يلغي ما فيه من خير، بل قال: ما علمت إلا أنه يحب الله ورسوله، فالرفق ينبغي أن يستحضر في التعامل مع الخلق كلهم، مع صالحهم، ومع عاصيهم، مع المستقيم، ومع غيره، لأنه بالرفق يحصل من الخير ما لا يتصور الإنسان، ويكفي فيه ما جاء في قول النبي : (من يحرم الرفق، يحرم الخير)+++صحيح مسلم (2592)--- من يحرم الرفق يحرم الخير، فنسأل الله أن يرزقنا وإياكم الرفق، وأن يجعلنا من أهله، وأن يمن علينا برفقه الذي يشمل أحوالنا، وشؤوننا، ويصلحلنا في حالنا، ومآلنا، وإلى أن نلقاكم في حلقة قادمة من برنامجكم(فادعوه بها) استودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته...

المشاهدات:3704

 الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، كما يحب ربنا ويرضى، أحمده حق حمده، له الحمدُ كله، لا أحصي ثناءً عليه هو كما أثنى على نفسه، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لا إله إلا هو الرحمنُ الرحيم، لا إله إلا هو عالمُ الغيبِ والشهادةِ هو الرحمنُ الرحيم، وأشهدُ أنّ محمداً عبدُالله ورسوله، صفيُه وخليله خِيرتُه من خلقه، اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد، أمّا بعد:

فحياكم الله...أيها الأخوةُ والأخوات، ومرحباً بكم في برنامجكم(فادعوه بها) هذا البرنامج الّذي نتناولُ فيه أسماء الله ـ تعالى ـ التي جاءت في القرآن، وفي السنة، نقف مع بعض هذه الأسماء، مستجلينَ معانيها متلمسينَ مفهومها، مواردها، دلالاتها، كل ما يتعلّق بها، على قدرِ السعة والإمكان، فنسأل الله الإعانة والتسديد.

في هذه الحلقة سنتناول اسماً من أسماء الله ـ تعالى ـ لم يذكرهُ الله في كتابه، بل جاء الخبرُ عنه في قولِ رسوله ﷺوما جاء به النبي ﷺمن الأخبار، ومن الأحكام وَجبَ قبوله، قال الله ـ تعالى ـ: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}[الحشر:7]   فما جاء عن النبي ﷺمن الأخبار عن الله أو عن سائر ما أخبرَ به ﷺ، وجبَ تصديقه، والقبول له، والإيمانُ به، كما أنه ما جاء به من الأحكام، وجبَ أخذه، والتسليمِ له: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}[النساء:65] وقد قال الله ـ تعالى ـ: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا}[الأحزاب:36] فاللهم ألهمنا رشدنا، وقنا شرّ أنفسنا.

اسمُ الله ـ تعالى ـ[الرفيق] لم يأتي ذكره في الكتاب، إنّما جاء ذكره في السنة المطهرة، في كلامِ ما لا ينطق عن الهوى ﷺ، فقد قالَ ـ عليه وعلى آلهِ وسلم ـ كما في مارواه البخاري ومسلم، من حديث عائشة، قال ﷺ: (يا عائشة إنّ الله رفيقٌ يُحبُ الرفق)صحيح البخاري (6927), وصحيح مسلم (2593) وقد أخذَ هذا الاسم جماعة من أهل العلم، واثبتوه لله ـ عزّ وجل ـ كما جاء في السنةِ النبوية، وبعضهم قال: إنَّ هذا وصفٌ وليس اسماً، وعلى كلِ حال هو من أسماء الله ـ عزّ وجل ـ فيما يظهر، وقد أثبتَ ذلك جماعة من أهل العلم.

ما معنى الرفق؟! الرفق في اللغة: دائرٌ على الموافقة، وعلى المقاربة، وعلى عدم العنف.

فالرفقُ في الشيء هو مقاربته، وملاطفته، وملاينته وألاّ يكون فيه عنف، هذه دلالته في اللغة.

أمّا معناه في صفات الله ـ عزّ وجل ـ فالرفق الّذي اتصف الله ـ تعالى ـ به هو أنه ـ جلّ وعلا ـ ذو إحسانٍ بعبادة، ليس بعجولٍ يعاجلهم بالعقوبةِ أو ما يخافونه من النوازل، والبلايا، والمصائب، فالله ـ تعالى ـ رفيقٌ بعبادة، ذو أناةٍ في تعامله معهم ـ جلّ وعلا ـ وفي شأنه معهم، ليس فقط في الأقدار، بل في الأقدارِ، وفي والتشريع، ولذلكَ من أسماءه[الرفيق] سبحانه وبحمده، رفيقٌ في أفعاله، رفيقٌ في شرعه، ودينه، ولذلك كانَ ـ جلّ في علاه ـ على غايةٍ من الكمال في هذا الوصف، قدراً، وكوناً، وشرعاً، وديناً، وأمراً، ولنتلمّس ذلك في النظرِ إلى شيءٍ من أفعال الله ـ عزّ وجل ـ وإلى شرعه، فيقول الله ـ تعالى ـ فيما ذكره من خلقه:{إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ}[القمر:49]  وهذا الدليل على إتقانٍ الخلق، وإنه في غاية الرفق، فليس في شيءٍ من خلقه جلّ وعلا خروجٌ عن الرفق، بل خلقه ـ سبحانه وبحمده ـ كان في غايةِ الرفق، والإحسان، والإتقان، ولذلكَ كانَ خَلْقه كما قال ـ تعالى ـ: {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْء}[النمل:88]  إنّ الله ـ تعالى ـ خلقَ السمواتِ والأرض في ستةِ أيام، ليس عجزاً عن أن يُوجدها بكنّ، فهو الّذي إذا أرادَ شيئاً: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}[يس:82]  لكنَّ ذلك من حكمته، ومن عظيم رحمته بعبادة، من رحمته بخلقه أن أوجدهم على الصورةِ التي أخبرنا بها لحكمةٍ يعلمها ـ سبحانه وبحمده ـ هذا ما يتعلّق برفقه في خلقه، وفي أمره ـ جلّ وعلا ـ الكوني، أمّا رُفقه في شرعه فالله ـ سبحانه وبحمده ـ رفيقٌ في شرعه، فقد بنى هذا الشرع على اليسر، والسهولة، كما قال الله ـ تعالى ـ: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}[الحج:78]  وكما قال ـ تعالى ـ: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْر}[البقرة:185] وكما قال ـ تعالى ـ: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ}[القمر:17] كل هذا اليسر الّذي يخبرُ الله ـ تعالى ـ عنه في كتابه، فيما يتعلّق بدينه، إنّما هو من رفقه بعبادة ـ جلّ في علاه ـ ومن رفقه أنه لم يُنزل التكاليف مرة واحدة، بل كان ذلك متدرِجاً، منجماً، على حسب الوقائع، على حسب الحوائج، على حسب ما تقتضيه أحوال الناسِ في التشريع: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا}[الفرقان:32]

هكذا جعل الله ـ تعالى ـ هذا الإنزال على هذا النحوِ من التفريق، والتنجيم في نزوله، حتى ينالَ العبادُ التعبُّد لله بقبولِ الأخبارِ على وجهٍ، يحصلُ به اطمئنانُ قلوبهم، وانشراح صدورهم، والأناة في بلوغ ما يطلبُه ربهم منهم، ولهذا في تشريع الصلاة، فرضَ الله ـ تعالى ـ الصلاة أولاً على الناس دون تحديدٍ لقدرها، ولا لركعاتها بتحديدٍ، إنّما قال ـ تعالى ـ: {يا أيّها المزمّل* قُمِ الليل إلا قليلا* نصفه أو انقص منه قليلا* أو زد عليه ورتّلِ القرآنَ ترتيلا}[المزمل:1: 4]  ثمّ جاء بعد ذلك التخفيف على النبي ﷺ، وعلى هذه الأمة، بعد مدةٍ من الوقت، لأجل تحقيق هذا الرفق، فقالَ جلّ في علاه: {وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ}[المزمل:20]  هذا من رفق الله ـ تعالى ـ بعبادة أن خفف عنهم، كذلك في القتال، في أول الأمر فرضَ الله ـ تعالى ـ القتال الواحد في مقابل العشرَة، ثمّ لمّا شقّ عليهم وعلِمَ منهم ضعفا، قال: {لْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا}[الأنفال:66]  فكان التخفيف أن يكون الرجل في مقابل رجلين من أهل الكفر، وذلك من تخفيف الله ـ تعالى ـ في فرض الصلاة، رُفق الله ـ تعالى ـ وتخفيفه لعبادة، أن فرضَ الصلاة خمسين، لحاجتهم إليها وليس لحاجته إلى عبادتنا، نحن محتاجون للصلاة، فرضها خمسين لعظيم الحاجة إليها، ثمّ لمّا حصلت المراجعة، كان من فضله، ورفقه بعبادة أن أبقها ـ جلّ وعلا ـ خمسين في الأجر، وهي خمسةٌ في العدد، للرفق بالعبادِ، والتيسير عليهم.

إذاً الرفق في كلِ أمرٍ من أموره ـ جلّ في علاه ـ في خلقه، وتدبيره لأمر مملكته ـ جلّ في علاه ـ وأيضاً في تشريعه، ودينه الّذي شرعه لعبادة، الرفق لا يخلو عن شيءٌ من أفعالِ الله ـ تعالى ـ وتشريعة، فهي صفةٌ له سبحانه وبحمده، إنّا الرفقَ يحبه الله ـ تعالى ـ لأنه الرفيق.

وهو الرفيق يحبُ أهل الرفق*** بل يعطيهمُ بالرفق فوق أمانِ

يعطيهم فوق ما يتمنون بالرفق، ولذلك قال النبي ﷺ: (إّن الله رفيقٌ يحبُ الرفق)صحيح البخاري (6927), وصحيح مسلم (2593) وهذا يدفعُ المؤمن إلى أن يتحلّى بهذا الوصف، وأن يتذكرَ أنّ ربه رفيق، وأنّ جزاءَ مقابلةَ هذا الرفق حتى يناله على وجه الكمال من الله، أن يكونَ هو رفيقٌ أيضاً في معاملته للخلق، فإنّ الرفق بالخلقِ موجبٌ لرفقِ الخالقِ بك، فاجتهد أن تكون رفيقاً بالخلق، وقد كان النبي ﷺمستحضراً هذا حتى في معاملته لمن يعاديه، ومن يعارضه، ومن يكفرُ به، فقد جاء في الصحيحين، من حديث عائشة -رضي الله عنها-: (أنّ رهطاً من اليهود، دخلوا على النبي ﷺ، فقالوا له: السامُ عليك) "السامُ عليك" السام هو: الموت، يدعون عليه بالموت، لكن هم جاءُ بها على هذا النحوِ الّذي لووا بها ألسِنتهم، ليوهمُ أنهم يُسلّمون عليه، فيسمعها كأنهم قالوا: السلام عليك، وهم لا يقولون: السلام عليك، إنّما يقولون: "السام" يعني الموتُ عليك، قالت عائشة لمّا فَهِمت ما قالوا، قالت: (وعليكمُ السامُ واللعنة) أي عليكم الموت، واللعنة، غضباً للنبي ﷺ، وكرهاً لما سمعته منهم في حقّ النبي ﷺ، (فقال لها النبي ﷺ: مهلاً يا عائشة "إنّ الله يحبُ الرفق في الأمرِ كله" قالت يا رسول الله؟ ألم تسمع ما قالوا؟ قال رسول الله ﷺقد قلتُ "وعليكم")صحيح البخاري (6927), وصحيح مسلم (2593)  يعني رددت عليهم بما قالوا لي، فكفى هذا في تحقيق المقصود، مقابلة الإساءة بمثلها دون تجاوزٍ للحد، وفي روايةٍ أخرى، قال النبي ﷺ: (مهيأ يا عائشة - لمّا قالت: السامُ عليكم، واللعنة - إنّ الله لا يحبُّ الفحش ولا التفحش، قالوا قولاً فرددنا عليهم، فلم يضرنا شيءٌ، ولزِمهم إلى يوم القيامة)مسند أحمد (25029) يعني ما قال لهم ﷺمن المقولةِ التي وَجَهُها إليه، من قولهم: السامُ عليك.

إنّ الرفق يكونُ بالنظرِ إلى أهلِ التقصيرِ، والعصاة بالرحمة لهم، فإنّ النبي ﷺكان أرحم الخلقِ بالناس، كان يطلبُ الأعذارَ لهم، ويبحثُ عن المخارجِ لهم، ويُسَهِلُ لهم العودة، والأوبة.

هكذا ينبغي أن يكون المؤمن رفيقاً لأهل القصور، والتقصير، وليذكر نعمةَ الله عليه، أنه من نعمةِ الله عليه أن وقاهُ شرورَ تلك السيئات، التي تورطَ فيها الآخرون، والله لولا الله ما كان لك من الفضلِ على أحدٍ بل كنتَ أيضاً مثلهم، فتذكر أنه لو شاء الله كنت أيضاً مثلهم، لكن منّ الله عليك لو شاء ربّك كنت أيضاً مثلهم، فالفضلُ في كل ما أنت فيه للرحمن، فاشكره ـ جلّ في علاه ـ وأثني عليه خيراً، لأنه المُتفضل عليك بأنّ هداك، ولا تنظر إلى غيرك بنظرةِ الدون، بل تَرفّق بهم لتخرجهم ممّا هم فيه، النبي كان يؤتى له برجلٍ يشربُ الخمر فيجلده، فقال أحد الصحابة: لعنه الله، ما أكثر ما يؤتى به، فقال النبي : (ما علمتُ إلا أنه يحبُّ الله ورسوله)صحيح البخاري (6780) عاقبة لأجراء حدّ الله، وإنزال ما فرضه الله من عقوبة، لكنّه مع ذلك لم يلغي ما فيه من خير، بل قال: ما علمتُ إلاّ أنه يحبُّ الله ورسوله، فالرفق ينبغي أن يستحضر في التعامل مع الخلقِ كلهم، مع صالحهم، ومع عاصيهم، مع المستقيم، ومع غيره، لأنه بالرفقِ يحصلُ من الخير ما لا يتصور الإنسان، ويكفي فيه ما جاء في قولِ النبي : (من يُحرم الرفق، يُحرمُ الخير)صحيح مسلم (2592) من يحرم الرفقَ يُحرم الخير، فنسأل الله أن يرزقنا وإياكم الرفق، وأن يجعلنا من أهله، وأن يمنَّ علينا برفقه الّذي يشملُ أحوالنا، وشؤوننا، ويصلحلنا في حالنا، ومآلنا، وإلى أن نلقاكم في حلقة قادمة من برنامجكم(فادعوه بها) استودعكم الله الّذي لا تضيع ودائعه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته...

الاكثر مشاهدة

4. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات94004 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات89900 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف