×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

مرئيات المصلح / برامج المصلح / فادعوه بها -3 / الحلقة (29): والله شكور حليم

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه، ومن اتبع سنته بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

فحياكم الله أيها الأخوة والأخوات، في هذه الحلقة الجديدة من برنامجكم "فادعوه بها" تلك هي أسماء الله تعالى التي أسأل الله تعالى أن يرزقنا بركتها، والعلم بها، وصدق الإيمان بها، إنها الأسماء الحسنى، أمرنا الله تعالى بمعرفتها، وأمرنا بدعائه بها، فقال: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها}+++[الأعراف:180]---ولا يتحقق الدعاء بها إلا بالعلم بها، فيكون أمرا بالعلم والدعاء: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها} إن أسماء الله تعالى الحسنى عديدة كثيرة، نحن في هذه الحلقة سنتناول اسما من أسمائه الكريمة إنه اسم الله تعالى "الشكور" ذاك الاسم الذي أخبر الله تعالى به في كتابه، حيث قال جل في علاه : {إن تقرضوا الله قرضا حسنا يضاعفه لكم ويغفر لكم والله شكور حليم}+++[التغابن:17]---، وقد قال الله تعالى :{ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا إن الله غفور شكور}+++[الشورى:23]--- وقد أخبر جل في علاه أنه شاكر، وهو الصيغة الثانية التي ورد فيها هذا الاسم، في قوله تعالى : {إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم}+++[البقرة:158]--- قال جل وعلا في آية أخرى: {ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم وكان الله شاكرا عليما}+++[النساء:147]--- هكذا جاء هذا الاسم على هذا النحو في كلام الله عز وجل، وفيما جاءت به آيات القرآن الحكيم.

أما السنة النبوية، فإنه لم يأت في السنة النبوية لهذا الاسم ذكر في قول النبي ﷺإلا في سرد الأسماء الحسنى، في الحديث المدرج، في حديث أبي هريرة: (إن لله تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة)+++سنن الترمذي (3507)--- وهذا الاسم اسم "الشكور" مأخوذ من الشكر، والشكر هو العرفان بالإحسان ونشره، الشكر هو الثناء على الإنسان بالمعروف، هكذا هو في اللغة.

وأما في المعنى المضاف إلى الله عز وجل فشكر الله رضاه باليسير من الطاعة من عبده، وقبوله لما يكون من العمل، وإعظام الأجر والثواب له، فمن شكره جل في علاه أنه يجزي بالحسنة عشر أمثالها، إلى سبعمائة ضعف، إلى أضعاف كثيرة، وقد يجزي الله جل وعلا العبد على العمل بأنواع من الثواب العاجل قبل الآجل، فيدركه في الدنيا قبل الآخرة، كما قال تعالى في محكم كتابه: {إن الأبرار لفي نعيم}+++[الانفطار:13]--- فإنهم في نعيم في دنياهم، في نعيم في أخراهم، في نعيم في الدار البرزخ، فكل الدور الثلاثة التي يمر بها العباد، هم في نعيم، نعيم في الدنيا، هم في نعيم، نعيم في البرزخ، هم في نعيم في الأخرة، وهذا أعلاه، وأكمله، وأتمه، وأوفاه.

لذلك يكون المؤمن في حياة طيبة، وفي حياة هنيئة، وفي أمن وإيمان، وفي صلاح واستقامة، بقدر ما معه من طاعة الله عز وجل، فإن الله شكور يجزي على القليل الكثير.

إن المؤمن إذا لاحظ ما ذكره الله تعالى في هذا الاسم، وأنه ذكره جل في علاه مقترنا بأسماء تدل على عظيم كرمه، فمن ذلك أنه قرنه باسمه "العليم"  كما قال في آية الصفا والمروة، قال: {إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم}+++[البقرة:158]---ومناسبة الاقتران هنا أن الله تعالى يعلم ما في قلوب العباد، فمهما كان في ظاهرهم من الصلاح، أو كان في ظاهرهم من تخلف الصلاح لعارض، فإن الله مطلع عليم بما في قلوبهم، وما أكنته ضمائرهم، وما أخفته صدورهم، وسيجزيهم على ذلك ثوابا وأجرا عظيما، وفوزا وفضلا كبيرا، إن الله شاكر عليم، وقد قال الله تعالى: {ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم وكان الله شاكرا عليما}+++[النساء:147]--- فثوابه،و شكره جل وعلا لعباده عن علم بما أخفته صدورهم، وعن إحاطة بما كانوا يعملون، كذلك قرن الله تعالى اسمه الشكور- بالغفور فقال: {ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله إنه غفور شكور}+++[فاطر:30]---  وقال جل وعلا : {إن ربنا لغفور شكور}+++[فاطر:34]--- وقال: {ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا إن الله غفور شكور}+++[الشورى:23]--- وهنا مناسبة بين هذين الاسمين العظيمين (الغفور- الشكور) والقرن بينهما أن الله تعالى يشكر أهل الإحسان على إحسانهم، كما أنه يغفر لأهل الإساءة إساءتهم، فالعبد بين إساءة وإحسان، فبالإحسان ينال شكر الله عز وجل وإذا وقع في الذنب فتاب واستغفر، فهو ينال مغفرة الله جل وعلا وقد قرن الله تعالى شكره بمغفرة الذنوب، فيما رواه الإمام البخاري في صحيحه، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-: (أن رجلا كان يمشي في طريق، ووجد غصن شوك في هذا الطريق، فأخره - نحاه عن الطريق حتى لا يؤذي المارة- فشكر الله له، فغفر له)+++صحيح البخاري (652)--- فكان من شكر الله مغفرته لهذا، على هذا العمل اليسير الذي قد يتقاله كثير من الناس، مع أنه خصلة من خصال الإيمان، فقد قال النبي ﷺ: {الإيمان بضع وسبعون شعبة، أعلاها قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق}+++مسند أحمد (8926)---.

وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة –رضي الله عنه- : (أن رجلا كان يمشي فاشتد به العطش، فوجد بئرا، فنزل فيه، فشرب منه ثم خرج، فلما خرج إذا كلب يلهث، يأكل الثرى من شدة العطش- يعني يأكل المناطق الرطبة التي حول البئر، من شدة عطشه، طلبا للماء، لكنه لا يستطيع أن يدخل في البئر ليشرب- فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان بلغ بي، -فماذا صنع؟- فنزل البئر، -عرض نفسه للهلاك- فملأ خفه، ثم أمسكه بفيه، فسقى الكلب، فشكر الله له، فغفر له، قالوا يا رسول الله: وإنا لنا في البهائم لأجرا؟ فقال النبي ﷺ: نعم، في كل كبد رطبة أجر)+++صحيح البخاري (2363)، وصحيح مسلم (2244)---.

وهذا يدل على أن الله تعالى يشكر العبد، فيغفر ذنبه، فهناك قرن بين مغفرة الذنوب والشكر عليها، بحط السيئات والخطايا، إن الله تعالى قرن بين اسمه جل في علاه "الشكور" والحليم، فقال تعالى : {إن تقرضوا الله قرضا حسنا يضاعفه لكم ويغفر لكم والله شكور حليم}+++[التغابن:17]--- يشكركم على ما يكون من أعمالكم، ومن صالح حسناتكم، كما أنه يحلم على أصحاب الإساءة والتقصير، أصحاب التجاوز والخطأ، فهو بين إثابة لأهل الطاعة والإحسان، وبين أناة وعدم تعجل في حق أهل الإساءة والتقصير، لعلهم يستعتبون، ولعلهم يرجعون، ولعلهم يستغفرون، ولعلهم يؤوبون إلى الله جل وعلا هذا جزء من معنى هذا الشكر الذي أضافه الله تعالى لنفسه، فإن شكر الله تعالى واسع كسائر صفاته، فلذلك ينبغي للمؤمن أن يتعرض لهذا الشكر بالأخذ بأسبابه، وإن شكر الله تعالى لا ينال على وجه الكمال إلا بشكر العبد لله، لذلك أمر الله تعالى بالشكر، فقال: {اعملوا آل داوود شكرا}+++[سبأ:17]---  وأخبر أن أكثر العباد عن هذا العمل معرضون، فقال: {وقليل من عبادي الشكور}+++[سبأ:13]---  أمر الله بشكره جل وعلا فقال: {واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون}+++[البقرة:172]---  و:{أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير}+++[لقمان:14]--- هكذا ينبغي للمؤمن أن يكون شاكرا لله، حتى يفوز بشكره جل وعلا فالجزاء من جنس العمل، وإذا أدرك العبد ما لله عز وجل من كمال الإثابة على العمل، وأنه سبحانه وبحمده بعمل واحد يحط السيئات، إذا وافق صدقا، وإقبالا، وإخلاصا، وإنابة، عمل واحد يحط الله تعالى به الذنوب مهما عظمت، ويغفر به الخطايا مهما كبرت، ويتجاوز عن السيئ مهما امتد وعرض، كل ذلك رجاء فضل الله، وطلبا لرحمته، وسعيا في إدراك فضله، إذا تحقق العبد بهذا، فإنه لا بد أن يدرك عطاء الله تعالى فالله شكور لا يخيب سعي الساعين، ولا يرد عمل العاملين، إذا صدقوا في رغبتهم، وطلبهم لما عند رب العالمين جل في علاه، إن المؤمن إذا استحضر مثل هذه المعاني، علم أن شكره لله عز وجل يقربه من ربه، يبلغه رضاه جل في علاه ويبلغه محبته، فإن الله يحب العبد "الشكور" الذي يقوم بالحق، ويعمل به، ويثني على الله عز وجل ويستحضر نعمه جل في علاه فيشكره على شكره، بإثابته بجزيل العطاء، وحط السيئات والخطايا، فهو الغفور "الشكور" وهو الحليم "الشكور" وهو العليم "الشكور" سبحانه وبحمده، فينبغي للمؤمن أن يتعرض لهذه النفحات، وأن يقبل على الله عز وجل مستحضرا عظيم إحسانه، ليفوز بالشكر، وليس بعد ذاك الخبر الذي أخبر به النبي ﷺ: (أن رجلا كان يمشي في طريق، ووجد غصن شوك في هذا الطريق، فأخره - نحاه عن الطريق حتى لا يؤذي المارة- فشكر الله له، فغفر له)+++صحيح البخاري (652)---

كثير من الناس استكثر من السيئات والذنوب، عبر سنين، وعبر أيام خوال عصا فيها رب العالمين، الآن الفرصة متاحة، ما دام العرق ينبض، والعين تلحظ، وفي العمر مهلة، وفي الزمن والعمر بقية، ينبغي أن نستغل هذه الفسحة بالتوبة إلى الله تعالى وكثرة العمل الصالح، لنفوز بشكر الله "الشكور" فإنه لا حاجة له إلى عذابنا، فقد قال الله تعالى : {ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم وكان الله شاكرا عليما}+++[النساء:147]--- فهو"الشكور" جل وعلا الشاكر لعبادة إذا صدقوا في إقبالهم عليه، وليس في تعذيبه لعباده مصلحة، ولا حاجة، بل هو الغني عن العباد وعن عباداتهم، وإنما هي أعمال العباد، كما قال الله تعالى: (يا عبادي إنما هي أعمالكم، أحصيها لكم، ثم أوفيكم إياها -أي أجازيكم عليها-فمن وجد خيرا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه)+++صحيح مسلم (2577)--- يداك أوكتا وفوك نفخ، فما يكون من عذاب أو عثرة في الدنيا بأنواع المصائب، التي هي نتاج ما يكون من تقصير وقصور، إنما هي بسببك، وبالتالي إذا أردت التخلص من هذا، من عذاب الدنيا وسوء حالها، ومن عذاب الآخرة وشؤم مآلها، فلتحقق الشكر لله عز وجل ولتقبل عليه، ولتعلم أنك في رحاب العظيم، الكريم، الجواد، البر، الرؤوف، الرحيم، الحليم، الغفور "الشكور"، وستجد خيرا كثيرا عندما تقبل على الله متعبدا له بأسمائه وصفاته، وجلاله وعظمته.

أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يرزقنا وإياكم البصيرة في الدين، وأن يهدينا سبيله القويم، وأن يرزقنا الصراط المستقيم، وأن يسلك بنا صراط العزيز الحميد، وإلى أن نلقاكم في حلقة قادمة من برنامجكم "فادعوه بها" أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. 

المشاهدات:3497

الحمد لله ربِّ العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمةً للعالمين، نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه، ومن اتبَعَ سنته بإحسانٍ إلى يومِ الدين، أمّا بعد:

فحياكم الله أيها الأخوة والأخوات، في هذه الحلقة الجديدة من برنامجكم "فادعوه بها" تلكَ هي أسماءُ الله ـ تعالى ـ التي أسأل الله تعالى أن يرزقنا بركتها، والعلمَ بها، وصدق الإيمان بها، إنها الأسماءُ الحسنى، أمرنا الله تعالى بمعرفتها، وأمرنا بدعائه بها، فقال: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا}[الأعراف:180]ولا يتحقق الدعاءُ بها إلا بالعلمِ بها، فيكونُ أمراً بالعلمِ والدعاء: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} إنَّ أسماء الله ـ تعالى ـ الحسنى عديدة كثيرة، نحن في هذه الحلقة سنتناولُ اسماً من أسمائه الكريمة إنه اسمُ الله ـ تعالى ـ "الشكور" ذاك الاسم الّذي أخبرَ الله ـ تعالى ـ به في كتابه، حيثُ قال ـ جلّ في علاه ـ: {إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ}[التغابن:17]، وقد قال الله ـ تعالى ـ:{وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ}[الشورى:23] وقد أخبرَ ـ جلّ في علاه أنه شاكر، وهو الصيغةُ الثانية التي وَرد فيها هذا الاسم، في قوله ـ تعالى ـ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ}[البقرة:158] قال ـ جلّ وعلا ـ في آية أخرى: {مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا}[النساء:147] هكذا جاء هذا الاسم على هذا النحوِ في كلامِ الله عزّ وجل، وفيما جاءت به آياتُ القرآنِ الحكيم.

أمّا السنة النبوية، فإنه لم يأت في السنة النبوية لهذا الاسم ذكرٌ في قولِ النبي ﷺإلا في سرد الأسماء الحسنى، في الحديث المدرج، في حديث أبي هريرة: (إنّ لله تسعةً وتسعينَ اسماً من أحصاها دخل الجنة)سنن الترمذي (3507) وهذا الاسم اسم "الشكور" مأخوذ من الشكر، والشكر هو العرفانُ بالإحسانِ ونشره، الشكرُ هو الثناءُ على الإنسان بالمعروف، هكذا هو في اللغة.

وأمّا في المعنى المضاف إلى الله ـ عزّ وجل ـ فشكرُ الله رضاه باليسير من الطاعةِ من عبده، وقبوله لما يكونُ من العمل، وإعظَامُ الأجرِ والثواب له، فمن شكره ـ جلّ في علاه ـ أنه يجزي بالحسنةِ عشرَ أمثالها، إلى سبعمائة ضعف، إلى أضعافٍ كثيرة، وقد يجزي الله ـ جلّ وعلا ـ العبد على العمل بأنواعٍ من الثوابِ العاجلِ قبل الآجل، فيدركه في الدنيا قبل الآخرة، كما قال ـ تعالى ـ في مُحكمِ كتابه: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ}[الانفطار:13] فإنهم في نعيمٍ في دنياهم، في نعيمٍ في أُخراهم، في نعيمٍ في الدار البرزخ، فكل الدور الثلاثة التي يمر بها العباد، هم في نعيم، نعيمٌ في الدنيا، هم في نعيم، نعيمٌ في البرزخ، هم في نعيم في الأخرة، وهذا أعلاه، وأكمله، وأتمُّه، وأوفاه.

لذلك يكونُ المؤمنُ في حياةٍ طيبة، وفي حياةٍ هنيئة، وفي أمن وإيمان، وفي صلاحٍ واستقامة، بقدر ما معه من طاعة الله عزّ وجل، فإنّ الله شكورٌ يجزي على القليل الكثير.

إنّ المؤمن إذا لاحظ ما ذكره الله ـ تعالى ـ في هذا الاسم، وأنه ذَكره ـ جلّ في علاه ـ مقترناً بأسماءٍ تدلُ على عظيمِ كرمه، فمن ذلك أنه قرنه باسمه "العليم"  كما قالَ في آيةِ الصفا والمروة، قال: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ}[البقرة:158]ومناسبة الاقتران هنا أنّ الله ـ تعالى ـ يعلمُ ما في قلوب العباد، فمهما كان في ظاهرهم من الصلاح، أو كانَ في ظاهرهم من تخلُفِ الصلاح لعارض، فإنّ الله مُطلِعٌ عليمٌ بما في قلوبهم، وما أكنّته ضمائرهم، وما أخفته صدورهم، وسيجزيهم على ذلك ثواباً وأجراً عظيماً، وفوزاً وفضلاً كبيرا، إنّ الله شاكرٌ عليم، وقد قال الله تعالى: {مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا}[النساء:147] فثوابه،و شكره ـ جلّ وعلا ـ لعباده عن علمٍ بما أخفته صدورهم، وعن إحاطةٍ بما كانوا يعملون، كذلكَ قرن الله تعالى اسمه الشكور- بالغفور فقال: {لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ}[فاطر:30]  وقال ـ جلّ وعلا ـ: {إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ}[فاطر:34] وقال: {وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ}[الشورى:23] وهنا مناسبة بين هذين الاسمين العظيمين (الغفور- الشكور) والقرنُ بينهما أنّ الله ـ تعالى ـ يشكر أهل الإحسان على إحسانهم، كما أنه يغفر لأهل الإساءة إساءتهم، فالعبدُ بين إساءةٍ وإحسان، فبالإحسانِ ينالُ شكر الله ـ عزّ وجل ـ وإذا وقعَ في الذنبِ فتابَ واستغفر، فهو ينالُ مغفرة الله ـ جلّ وعلا ـ وقد قرنَ الله ـ تعالى ـ شكره بمغفرةِ الذنوب، فيما رواه الإمام البخاري في صحيحه، من حديثِ أبي هريرة -رضي الله عنه-: (أنّ رجلاً كانَ يمشي في طريق، ووجدَ غصنَ شوكٍ في هذا الطريق، فأخّره - نَحَّاه عن الطريق حتى لا يؤذي المارة- فشكر الله له، فغفرَ له)صحيح البخاري (652) فكانَ من شكر الله مغفرته لهذا، على هذا العمل اليسير الّذي قد يتقالُّه كثير من الناس، مع أنه خصلة من خصال الإيمان، فقد قال النبيُ ﷺ: {الإيمانُ بضعٌ وسبعونَ شعبة، أعلاها قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق}مسند أحمد (8926).

وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة –رضي الله عنه- : (أنّ رجلاً كان يمشي فاشتد به العطش، فوجدَ بئراً، فنزل فيه، فشرِبَ منه ثم خرج، فلمّا خرج إذا كلبٌ يلهث، يأكلُ الثرى من شدة العطش- يعني يأكل المناطق الرطبة التي حول البئر، من شدة عطشه، طلَباً للماء، لكنّه لا يستطيع أن يدخل في البئر ليشرب- فقال الرجل: لقد بلَغَ هذا الكلب من العطش مثلُ الّذي كانَ بلغَ بي، -فماذا صنع؟- فنزلَ البئر، -عرّض نفسه للهلاك- فملأ خفه، ثمّ أمسكه بفيه، فسقى الكلبَ، فشكرَ الله له، فغفرَ له، قالوا يا رسول الله: وإنّا لنا في البهائمِ لأجرا؟ فقال النبيُ ﷺ: نعم، في كلِ كبدٍ رطبةٍ أجر)صحيح البخاري (2363)، وصحيح مسلم (2244).

وهذا يدل على أنّ الله ـ تعالى ـ يشكر العبد، فيغفرُ ذنبه، فهناكَ قرنٌ بين مغفرةِ الذنوب والشكر عليها، بحط السيئات والخطايا، إنّ الله ـ تعالى ـ قرَنَ بين اسمه ـ جلّ في علاه ـ "الشكور" والحليم، فقال ـ تعالى ـ: {إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ}[التغابن:17] يشكركم على ما يكونُ من أعمالكم، ومن صالحِ حسناتكم، كما أنه يحلمُ على أصحابِ الإساءةِ والتقصير، أصحاب التجاوزِ والخطأ، فهو بين إثابةٍ لأهل الطاعة والإحسان، وبين أناةٍ وعدم تعجُلٍ في حقّ أهل الإساءة والتقصير، لعلهم يستعتبون، ولعلهم يرجعون، ولعلهم يستغفرون، ولعلهم يؤوبون إلى الله ـ جلّ وعلا ـ هذا جزءٌ من معنى هذا الشكرِ الّذي أضافه الله ـ تعالى ـ لنفسه، فإنَّ شكر الله تعالى واسع كسائر صفاته، فلذلك ينبغي للمؤمن أن يتعرّض لهذا الشكر بالأخذ بأسبابه، وإنّ شكرَ الله ـ تعالى ـ لا ينالُ على وجه الكمالِ إلا بشكر العبد لله، لذلك أمرَ الله ـ تعالى ـ بالشكر، فقال: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا}[سبأ:17]  وأخبر أنّ أكثر العباد عن هذا العمل معرضون، فقال: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ}[سبأ:13]  أمر الله بشكره ـ جلّ وعلا ـ فقال: {وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ}[البقرة:172]  و:{أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ}[لقمان:14] هكذا ينبغي للمؤمن أن يكونَ شاكراً لله، حتى يفوزَ بشكره ـ جلّ وعلا ـ فالجزاء من جنس العمل، وإذا أدركَ العبدُ ما لله ـ عزّ وجل ـ من كمال الإثابة على العمل، وأنه ـ سبحانه وبحمده ـ بعملٍ واحد يحطُ السيئات، إذا وافق صدقاً، وإقبالاً، وإخلاصاً، وإنابةً، عمل واحد يحطُ الله ـ تعالى ـ به الذنوب مهما عظُمت، ويغفر به الخطايا مهما كبرت، ويتجاوز عن السيئ مهما امتدَ وعَرُض، كل ذلكَ رجاءَ فضل الله، وطلَباً لرحمته، وسعياً في إدراك فضله، إذا تحقق العبد بهذا، فإنه لا بدَّ أن يُدركَ عطاء الله ـ تعالى ـ فالله شكور لا يخيّبُ سعي الساعين، ولا يردُ عملَ العاملين، إذا صدقوا في رغبتهم، وطلَبهم لما عندَ ربَّ العالمين جلّ في علاه، إنّ المؤمن إذا استحضر مثل هذه المعاني، علِمَ أنّ شكره لله ـ عزّ وجل ـ يقرّبه من ربه، يبلّغه رضاه ـ جلّ في علاه ـ ويبلِّغه محبته، فإنّ الله يُحبُ العبد "الشكور" الّذي يقومُ بالحقّ، ويعملُ به، ويثني على الله ـ عزّ وجل ـ ويستحضرُ نِعَمه ـ جلّ في علاه ـ فيشكره على شكره، بإثابته بجزيل العطاء، وحط السيئات والخطايا، فهو الغفورُ "الشكور" وهو الحليم "الشكور" وهو العليم "الشكور" سبحانه وبحمده، فينبغي للمؤمن أن يتعرّض لهذه النفحات، وأن يقبل على الله ـ عزّ وجل ـ مستحضراً عظيمَ إحسانه، ليفوزَ بالشكر، وليس بعد ذاكَ الخبر الّذي أخبر به النبي ﷺ: (أنّ رجلاً كانَ يمشي في طريق، ووجدَ غصنَ شوكٍ في هذا الطريق، فأخّره - نَحَّاه عن الطريق حتى لا يؤذي المارة- فشكر الله له، فغفرَ له)صحيح البخاري (652)

كثير من الناس استكثر من السيئات والذنوب، عبرَ سنين، وعبرَ أيامٍ خوالٍ عصا فيها ربّ العالمين، الآن الفرصة متاحة، ما دام العرقُ ينبض، والعينُ تلحظ، وفي العمُرِ مهلة، وفي الزمنِ والعمرِ بقيّة، ينبغي أن نستغلَّ هذه الفسحة بالتوبةِ إلى الله ـ تعالى ـ وكثرة العمل الصالح، لنفوز بشكر الله "الشكور" فإنه لا حاجة له إلى عذابنا، فقد قال الله ـ تعالى ـ: {مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا}[النساء:147] فهو"الشكور" ـ جلّ وعلا ـ الشاكر لعبادة إذا صدقوا في إقبالهم عليه، وليس في تعذيبه لعباده مصلحة، ولا حاجة، بل هو الغنيُ عن العبادِ وعن عباداتهم، وإنّما هي أعمالُ العباد، كما قال الله تعالى: (يا عبادي إنّما هيَ أعمالكم، أُحصيها لكم، ثم أوفِّيكم إياها -أي أُجازيكم عليها-فمن وجدَ خيراً فليحمدِ الله، ومن وجدَ غير ذلك فلا يلومنّ إلا نفسه)صحيح مسلم (2577) يداكَ أوكتا وفوك نفخ، فما يكونُ من عذابٍ أو عثرةٍ في الدنيا بأنواع المصائب، التي هي نتاجُ ما يكونُ من تقصيرٍ وقصور، إنّما هي بسببك، وبالتالي إذا أردت التخلّص من هذا، من عذابِ الدنيا وسوءِ حالها، ومن عذابِ الآخرة وشؤمِ مآلها، فلتحقق الشكرَ لله ـ عزّ وجل ـ ولتُقبل عليه، ولتعلم أنّكَ في رحابِ العظيم، الكريم، الجواد، البرّ، الرؤوف، الرحيم، الحليم، الغفور "الشكور"، وستجدُ خيراً كثيراً عندما تُقبل على الله متعبِداً له بأسمائه وصفاته، وجلاله وعظمته.

أسأل الله العظيم ربّ العرش الكريم أن يرزقنا وإياكم البصيرة في الدين، وأن يهدينا سبيله القويم، وأن يرزقنا الصراطَ المستقيم، وأن يسلُكَ بنا صراطَ العزيز الحميد، وإلى أن نلقاكم في حلقةٍ قادمةٍ من برنامجكم "فادعوه بها" أستودعكم الله الّذي لا تضيعُ ودائعه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. 

الاكثر مشاهدة

3. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات91422 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات87223 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف