السؤال:
قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَتَى كَاهِنًا أَوْ عَرَّافًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ، فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ» رواه أحمد (9536)، وأبو داود (3904) عن أبي هريرة رضي الله عنه ، وقال: «مَنْ أَتَى امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ»رواه أحمد (10167)، والترمذي (135)، وابن ماجه (639) عن أبي هريرة رضي الله عنه، وضعَّفه الترمذي، انظر: بيان الوهم والإيهام (3/326)، البدر المنير (7/651)، فهل الذي يعمل هذه المنكرات يكفُرُ كُفرًا مُخرِجًا عن الملة، أم هي مِنَ الكبائر؟
الجواب:
قد يُطلَقُ الكفرُ على المعاصي، فهو اسمٌ جامع لكل خروجٍ عما يجب، وهو مراتب؛ فمنه ما يكون مُخرِجًا عن الملَّةِ، يَخْلَعُ به الإنسانُ رِبْقَةَ الإسلام، وينتقل من الإيمان إلى الكفر، ومنه ما هو دون ذلك، فيكون من جملة المعاصي والسيئات، وهي وإن كانت تُسمَّى كفرًا، لكنها كفرٌ دون كفر، كقول النبي صل الله وعليه وسلم: «اثْنَتَانِ فِي النَّاسِ هُمَا بِهِما كُفْرٌ: الطَّعْنُ فِي الْأَنْسَابِ، وَالنِّيَاحَةُ عَلَى الْمَيِّتِ»، وكذلك الحديثان اللذان ذكرهما السائل، «مَنْ أَتَى كَاهِنًا أَوْ عَرَّافًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ، فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ»، فإذا صدَّقه كان كفره مخرجًا عن الملة؛ لأنه تكذيبٌ للقرآن، فتصديق الكاهن في أمر لا يمكن العلم به إلا مِن قِبَل الوحي -وهو العلم المستقبلي- فهذا كفر مخرج عن الملة.
أما إذا كان ذلك من الأمور النِّسْبِيَّة، أو أتى كاهنًا ولم يصدقه، لكنه لأجل أن يزجي الوقت، أو فضولًا، كما يفعله بعض الناس ممن يذهبون إلى مَنْ يقرأ الكفَّ، أو يقرأ الفنجان، يقول: أنا لا أصدقه، لكن أريد رؤية ما عنده، فهذا داخل في قول النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ، لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً»رواه مسلم (2230) عن بعض أزواج النبي.
وهذا وعيد شديد يُبيِّن أن هذا الفعل من كبائر الذنوب، ويبين أن إتيان الكُهَّان والسحرة ليس على درجة واحدة، إنما هو على درجتين:
الأولى: كفرٌ مخرجٌ عن الملة، وهذا فيما إذا صدَّقهم، وفعل ما يدعون إليه من شرك وكفر.
الثانية: إذا جاء إليهم سائلًا سواء كان ذلك للفضول، أو كان ذلك هُزءًا ومزاحًا، فإنه موعود بهذا الوعيد الشديد الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: «لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاةٌ أَرْبَعِينَ يَوْمًا»، ولكنه ليس كفرًا مُخرِجًا من المِلَّة.
ومعرفة هذا الكفر في الأحاديث هَل هو كفرٌ مُخرِجٌ عن الملة، أو أنه كفر دون كفر يُستَفادُ من مجموع الأحاديث؛ لأن الأحاديثَ يُبيِّن بعضها بعضًا، وكذلك النصوص من الكتاب والسنة يبيِّن بعضها بعضًا، فمن خلال المطالعة في النصوص يتبيِّن مراتب هذه الأعمال هل هي كفر مخرجٌ عن الملة أو كفر دون ذلك؛ ولهذا ينبغي للإنسان أن يتريَّثَ وأن يتأمَّلَ، وألَّا يبادِرَ في إطلاق حكم الكفر إلَّا على ما استبان بما لا ريبَ فيه ولا شَكَّ.