المقدم: دكتور خالد بعد أن تنفست كثير من البيوت الصعداء بعد انتهاء الاختبارات ونبارك لجميع الطلاب والطالبات التفوق والنجاح ونسأل الله لهم جميعًا الإعانة والتوفيق، الآن بدأت الإجازة يا شيخ نريد أن نقف مع هذه الإجازة الطويلة وإن كان هذا كثيرين يعني بعضهم يقول ليست طويلة هي قصيرة جدًا؛ لكن إجازة فيما لو استثمرت بما ينفع فيسكون الأثر كبير جدًا.
الناس ـ يا شيخ ـ في الإجازة بين إفراط وتفريط، بعض الناس أحيانًا ـ فعلا ـ يستفيدون، يوظف الإجازة التوظيف الأمثل والبعض الآخر تضيع سدى، ما نصيحتكم؟ وما توجيهكم؟ كيف يمكن يا شيخ أن يستفاد منها حفظكم الله؟
الشيخ: الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد.
فالطول والقصر أمر نسبي، يقول لي أحد الزملاء إن ابنه من الصفوف الدنيا الذين يبكرون في آخر الإجازة فرح أول يوم وثاني يوم فرح وثالث يوم قال: يا أبي مليت وما في شيء يعني ما في مدرسة، فالمسألة نسبية.
على كل حال مادة الحياة هي أمران؛ الزمان، والصحة والعافية هذه المادة الأساسية التي من خلالها يحصل كل إنجاز في الدنيا، ولذلك أشاد النبي –صلى الله عليه وسلم-بهاتين النعمتين وبين خسارة كثير من الناس فيهما قال كما في صحيح الإمام البخاري من حديث عبد الله بن عباس «نِعْمَتانِ مَغْبُونٌ فِيهِما كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ والفَراغُ»صحيح البخاري (6412)طيب هل هذا فقط هي النعم التي يغبن فيهما كثير من الناس؟ المال كثير من الناس يؤتى مال وهو نعمة، بل الله ـ تعالى ـ يقول: ﴿وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ﴾[النحل: 53]، ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا﴾[إبراهيم: 34] فهي كثيرة متنوعة، لكن لماذا خص النبي –صلى الله عليه وسلم-هاتين النعمتين بالذكر وأشار إلى الغبن الحاصل فيهما من كثير من الناس؟
الجواب: ما قدمت به حديثي وهو أن كل إنجاز في الدنيا مادته وقوامه الأساسي، وقاعدته التي ينطلق منها العافية والصحة في البدن والسعة والفسحة في الوقت، فإذا توفر هذان الأمران صحة البدن ووفرة الوقت واستغلهما الإنسان حصل كل إنجاز، بل كل إنجاز في الدنيا حتى الإنجاز الفاسد إلا يكون إلا بصحة وفراغ ولذلك قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «نِعْمَتانِ مَغْبُونٌ فِيهِما كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ والفَراغُ»صحيح البخاري (6412)وأردنا أن نقف مع صور الغبن حتى ندرك ما هي صور الغبن في الصحة؟
أنت تستثمرها فيما حرم الله ـ تعالى ـ وهذا أعلى ما يكون من الغبن أن تضع نعمة الله فيما يسخطه فالله ـ تعالى ـ أنعم النعم ومد بالعطاء ليستفيد من الإنسان في نفعه في دينه ودنياه فيستثمرها في معارضة ومعاندة من أنعم عليه كان ذلك من أكبر الجحود للنعمة أرأيت لو أنك أهديت شخصًا قلمًا فكتب به هجاء لك أيكون ذلك شكرًا للنعمة؟ ليس هذا من شكر النعمة، بل هذا هو الجحود وهذا الغبن الذي جعلك تستثمر هذه النعمة فيما تستزيد به سوءًا وشرًا، إن أعلى صور الغبن في قول النبي –صلى الله عليه وسلم-: «نِعْمَتانِ مَغْبُونٌ فِيهِما كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ والفَراغُ»صحيح البخاري (6412)هو أن تستثمر صحتك، قوتك، عافيتك في معاصي الله –عز وجل- الثاني أن تستثمر هذا الوقت فيما لا ينفعك مما يغضب الله –عز وجل-بالنسبة للوقت.
إذًا هما الصحة والفراغ أسوء استغلال لهما أو أكبر غبن فيهما أن يصرف في معصية الله، الثاني أن يذهب سدى لا في خير دنيا ولا في خير آخرة وذلك بإزياء الوقت وتقضيته بدون أي انتفاع ولا استثمار وهذا هو حال أكثر الناس ولذلك تجد الشخص يقول أزاي أنا أضيع الوقت؟ تقول: ليه ما تفعل كذا؟ قال: أتسلى بمعنى إني أمضي الوقت، الوقت لا تحتاج أن تضيعيه هو سيضيع، إذا لم تستثمره فهو ضائع ولذلك كونك تبذل جهد في إضاعة الوقت هذا في الحقيقة غبن وخسار.
الدقيقة التي تمضي من عمر الإنسان لا يستفيد منها فيما يعود عليه بصلاح في دينه أو صلاح في دنياه هو مغبون فيها هذا إذا لم يستفد منها، هذه ثاني صورة من صور الغبن.
الصورة الثالثة من صور الغبن في الصحة والفراغ أن يستعملها فيما هو مفضول فيما هو قاصر من خير لكن هو يستطيع أكثر من كده أحسن من هذا الحال، لكنه يقتصر على الأدنى يقتصر على الأسفل وكما قال المتنبئ:
ولم أر في عيوب الناس عيبًا كنقص القادرين على التمام
فالذي يقدر على التمام وينزل عنه درجة، فقد وقع في عيب لأنه وقع في غبن.
إذًا الغبن يمكن أن يكون بصرف هاتين النعمتين فيما يغضب الله –عز وجل-وهذا أعلاه، يكون أيضًا بإضاعتهما وعدم انتفاع فيهما في أمر دين أو دنيا، الأمر الثالث هو التقصير بصرفهما فيما هو مفضول عن الفاضل فيما هو مرجوح عن الراجح فيما هو دون عن الآلة وهو خير، لكنه دون ويستطيع أعلى منهم.
الحقيقة لا نستطيع أن نقول للناس في مثل هذه الإجازات افعلوا كذا أو كذا يعني تحديد البرنامج هذا لا يتأتى لأنه الناس تختلف أحوالهم وتختلف اهتماماتهم وتختلف همومهم وتختلف ظروفهم، لكن هناك جامع مشترك ينبغي أن ينتظم فيه الجميع وهو الاستفادة من هذا الكم الكبير من الوقت الفارغ سواء كان طالبًا أو كان معلمًا أو كان موظفًا استغل توقف الدراسة للإجازة ينبغي أن يستثمر هذا الوقت، الاستثمار هنا لا يعني ألا يكون فيه ترفيه، والاستثمار في الوقت لا يعني ألا يكون فيه رفاهية، بل هذا ممكن أن يكون لكن ينبغي أن يكون بحد، معلم الإجابة يقول: إني لاحتسب نومتي كما احتسب قومتي.
إذًا النوم حتى وهو ظاهرة طبيعية لا يستغنى عنها الإنسان يمكن أن تكون رصيدًا متى تكون هذه الأشياء الطبيعية العادية الترفيه والبهجة والفرح رصيدًا؟ إذا كانت تعين على الحق، إذا كانت تعين على النفع، إذا كانت تعين على الخير، فإذا كان الإنسان يأخذ استجمامًا ويرخي وقته بعض الشيء من التزاحم الذي ألفه في مراجعته، في دراسته، في تعليمه، في دعوته، في وظيفته، في شغله في أي شيء من شئون دينه أو دنياه لا شك أن هذا الاسترخاء الذي يعطي النفس بحبوحة وسعة للتنفس هذا سيكون عونًا لها على مزيد عطاء، ومزيد بناء في المستقبل.
ولذلك حتى أصحاب المناهج المعاصرة والتربوية الحديثة يذكرون النفوس تحتاج إلى هذا النوع من الاستجمام أو الإجمام الذي يعطيها قوة دافعة لمزيد من العمل والإنتاج.
إذًا نحن نحتاج إلى أن ننطلق في إجازاتنا من هذا المبدأ، إن هذه الإجازة ليست وقتًا ضائعًا، هي ليست بهدم ما بني، هي لاستكمال بناء أقل أحوالها تتوقف أن تتوقف على البناء لكن تعود بنشاط، فأما أن تكون هذه الإجازة هدم لمكتسبات فهذا مثل الذي يبني بيتًا وينشئه ويوصله إلى العظم، طبعا كثير من الناس إذا وصل إلى مرحلة البناء الأساسي توقف فترة حتى يأخذ البنيان راحته ويستقر على حالة معينة، أرأيت أن الرجل الذي بنى هذا البناء بعد أن وصل إلى هذه المرحلة مرحلة ما قبل التشطيب النهائي عاد ليكسر ويهدم وينقض ما بناه أيمكن أن يكتمل البنيان؟
لا يمكن أن يكتمل إذا كنت تبنى وغيرك يهدم فمتى يبلغ البنيان يومًا تمامه إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم، الآن المشكلة ما غيرك الذي يهدم أنت الذي تهدم يعني هذه الإجازة لما أنا أروح أضعها في كل ما يعود علي بالنقص كل ما يدمر ما بنيته من فضائل وأخلاق وشيم ومعارف وعلوم وأمسح كالممحاة للذاكرة لكل معرفة هذا لا شك أنه هدم، ولكن الهدم هنا أنت شريك رئيس فيه لأنك أنت الذي مكنت من الهدم كونك تقول والله أنا ما عندي إلا الإعلام أشاهد المسلسلات والأفلام وأسهر عليها والنت وما أشبه ذلك أنت تشارك هذه المعاور الهادمة لتهدم ما بنيت، لكن أنا أقول: لا بأس بالترفيه لا بأس بحد من الفسحة لم تكون أيام الإجازة كأيام الدراسة، لن تكون أيام الإجازة كأيام العمل بالتأكيد سيكون فيها نوع من البحبوحة نوع من الارتياح لكن ينبغي أن يكون هذا مغلفًا بأنني أنا لن أهدم ما بنيت أنا سأستثمر هذه الإجازة في مزيد تقوية للمستقبل ومواصلة بناء ومواصلة مسير، هناك مجالات عديدة بعض الناس له اهتمام في هذه الإجازات أن يدخل مثلا دورات علمية سواء كانت علمية مثل العلوم الشرعية أو في العلوم الإنسانية أو في علوم التقنية وهذا حسن جيد.
كل هذه الأشغال أشغال مباركة وأشغال مفيدة لأنك تشغلك بما يبني وبما يفيد وبما ينفع، منهم من يشتغل بالدخول في تقوية البدن، رياضات فإذا كانت بالحدود التي تحفظ دينك فلا حرج ولا توقعك في محاربة هذا طيب والبناء الصحيح للبدن لا شك أنه يعود على الفكر بالسلامة والقوة.
هناك المراكز الصيفية طبعا أنا بصريح العبارة أقول في كثير من المجتمعات هناك شح في مصادر استيعاب طاقات الشباب في أيام الإجازات طاقات الطلاب من الفتيان والفتيات في فترة الإجازة ليس هناك أطالب أنه لابد يكون هناك مراكز ثقافية، مراكز ترفيهية، مراكز تعليمية، مراكز لاستيعاب هذه الأوقات على شتى صنوفها مجانية، برسوم معقولة، متنوعة في مجاني، وفي برسوم حتى تستوعب كل هذه الطاقات يعني أبنائنا لماذا لا يجدون إلا الشوارع؟ أو كثير منهم قد يدمر نفسه يا أخي هؤلاء الشباب الذين يذهبون إلى أصقاع الدنيا زرافات ووحدان تحت مظلة السياحة وهي في الحقيقة ليست سياحة هي إفساد وتهديم لمكتسبات فتجدهم في أماكن اللهو والمحرم كالبارات والديسكوهات وتجدهم يمارسون ممارسات تشوه أول من يتشوه الإنسان نفسه ثم تشوه من خلفك حتى تصبح السمعة لبعض البلدان وبعض الجهات سمعة غير محمودة.
لذلك من الضروري أن تستوعب هذه الطاقات وأن ننشط كل ما يمكن أن يحفظ المجتمع، بالتأكيد أنه لن نلغي ظواهر الفساد بالكلية هذا شيء يعني من غير الممكن لكن نحن نستطيع أن نوسع دائرة النفع نوسع دائرة الاستفادة والصلاح وبالتالي إذا وسعنا هذه الدائرة ضاقت دائرة الفساد والمفسدين والشر وأهل الشر وما إلى ذلك.
وزارة التعليم في البلدان العربية والإسلامية عليها مسئولية ولها دور، لا تنتهي مسئولياتها بتسليم النتائج وينتهي الموضوع يفترض تفتح مراكز يا أخي ولا سيما نحن في دول الخليج وفي المملكة يعني هناك ولله الحمد قدرات مالية يعني فائضة والميزانية تزيد عن الاحتياجات السنوية نحن نستثمر في هذا الإنسان، هذا هو الذي سيبني البلد، هذا هو الذي سيحفظ كل المكتسبات التي اكتسبناها خلال المسيرات لن يحفظها إنسان فاشل، سيحفظها إنسان عاقل.
وأنا ادعو إخواني وأخواتي وأبنائي وبناتي إلى الاجتهاد في ضرب كل باب يوصلهم إلى الانتفاع والاستفادة شح الجهات والقنوات التي من خلالها يمكن أن يصلوا إلى الاستفادة والإفادة لا يعني أن ليس هناك سبيل، وقد تخرج الحاجات يا أم مالك نفائس من رب بهن ظنين وبالتالي إذا كان الإنسان على ما جرى والمشتهي يقطع هذا مثل غير شائع مثل مناطقي أو إقليمي، لكن هناك ما هو أشهر الحاجة أم الاختراع والبيت الأول هو في هذا المعنى قد تخرج الحاجات يا أم مالك نفائس من رب بهن ظنين.
فكوني أنا ولي الأمر في الأسرة والأولاد ذكورًا وإناث الأبناء والبنات يشعرون بهذه المسئولية الأمهات يشعرن بهذه المسئولية سيطرقون الأبواب وسيجدون وسائل لاكتساب فوائد من هذه الإجازة ولبناء أولادهم وحفظهم سهر الليل ونوم النهار وتمضية أكثر الأوقات أمام أجهزة الاتصال التي شاعت وانتشرت دون بناء ومعرفة وثقافة هو في الحقيقة توقف للحياة، بل هذا على أقل الأحوال فكيف إذا كان هذا تدمير للحياة لا شك أن الأمر خطير نسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين.
المقدم: اللهم أمين أحسن الله إليكم يا شيخ وجزاكم الله كل خير.