الحمد لله رب العالمين، أحمده جل في علاه، وأثني عليه الخير كله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبد الله ورسوله صفيه وخليله خيرته من خلقه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اتبع سنته واقتفى أثره بإحسان إلى يوم الدين أما بعد.
فحياكم الله أيها الإخوة مرحبا بكم في هذا الجامع في هذه الدروس التي أسال الله –جل وعلا-أن تكون نافعة مباركة يحصل بها بيان الحق وإيضاحه، والإعانة على العمل الصالح ونفع العباد والبلاد، هذا المجلس هو المجلس الأول في قراءة القواعد المثلى وسيكون ـ إن شاء الله تعالى ـ في هذا الوقت من كل يوم ومدة الدرس قرابة الخمس وأربعين دقيقة ـ وإن شاء الله جل في علاه ـ سيكون التركيز على التأصيل فيما ذكره المؤلف –رحمه الله-من القواعد على حسب الإمكان، وما يتسع به الوقت.
والقواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى كتاب ألفه شيخنا محمد بن صالح العثيمين –رحمه الله-وغفر له وأعلى درجته في المهديين، وهذا الكتاب كان في أصله مجموعة قواعد كان الشيخ –رحمه الله-يلقيها على تلاميذه وطلابه في هذا الباب العظيم من أبواب العلم، ثم إنه –رحمه الله-رأى أن يجمع ذلك ليقرب هذا الباب لأفهام الناس وليوضحه لهم توضيحًا يزول به الإشكال، ويندفع به الالتباس.
ولهذا الكتاب من حيث تأليفه أسباب ذكر المؤلف –رحمه الله-جملة منها في بداية تأليفه، وفي مقدمته –رحمه الله-وهذا الكتاب مكون من خمسة مقاطع أو من خمسة أمور؛
الأمر الأول: مقدمة بين فيها المؤلف –رحمه الله-سبب التأليف.
قواعد في الأسماء وذكر فيها سبع قواعد.
قواعد في الصفات وذكر فيها سبع قواعد.
قواعد في أدلة الأسماء والصفات وذكر فيها أربع قواعد.
جاء إلى التمثيل فذكر خمسة عشرة مثالًا لتطبيق تلك القواعد المتقدمة.
وهذا هو الجزء الخامس من أجزاء الفقرة الخامسة من فقرات هذه الرسالة، ثم ذكر خاتمة ماتعة فيها تفصيل وإجمال وبسط لبعض ما أجمله فيما تقدم.
إذًا هذه مكونات الرسالة، المقدمة مختصرة، فلذلك لم أعدها على انها شيء رئيس، وبعد ذلك قواعد في الأسماء، بعده قواعد في الصفات، بعده قواعد في الأدلة، بعده أمثلة وتطبيقات، وبعد ذلك خاتمة.
هذه القواعد هي من أهم ما ينبغي لطالب العلم أن يعتني به في دراسة الأسماء والصفات، لأنها أصول تبنى عليها التفاريع والجزئيات في هذا الباب، فإذا ضبطها الطالب وأتقنها ليس بحاجة إلى شيء وراء ذلك فيما يتعلق بالأسماء والصفات.
والقواعد في الجملة ـ يا إخواني ـ أمر ينبغي لطالب العلم أن يهتم به ويعتني، فالقواعد من أهم ما يضبط العلم للطالب، ولذلك يتمايز الناس في تحصيلهم وقوة فهمهم وإدراكهم بقدر ما معهم من فهم القواعد، فالتمايز بين طلاب العلم وبين أهل العلم عمومًا هو بقدر الإتقان للقواعد والاعتناء بها، فكلما عظمت عناية الطالب بالتقعيد كان هذا من موجبات الفهم والإدراك والضبط والتمكن من الإجابة على الإشكالات والواردات من المسائل.
ولهذا يقول الشيخ عبد الرحمن السعدي –رحمه الله- في مقدمته في منظومة القواعد يقول: فاحرص على فهمك للقواعد جامعت المسائل الشوارد لتترقي وهنا الشاهد في العلم خير مرتقى فإن ارتقاء الطالب في العلم خير مرتقى إذا اعتنى بالقواعد وتقتفي سبل الذي قد وفق.
فلهذا ينبغي لطالب العلم أن يحرص على فهم القواعد ؛ لأنها تجمع له المنثور من المسائل، وتضبط له المشتبه وتقعد عنده الباب، وتجعله من أهل الرسوخ في الفن الذي ضبط قواعده وأتقن أصوله.
وباب الأسماء والصفات باب عظيم جلي سنقرأ ما ذكره المؤلف –رحمه الله- ونعلق على ما جاء في رسالته.
وقفة مع العنوان (القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى)
القواعد جمع قاعدة، والقاعدة في اللغة هي الأصل الذي يبنى عليه غيره، الأصل أو الأساس الذي يبنى عليه غيره هذا تعريف القاعدة في اللغة.
وأما في الاصطلاح فهناك جملة من التعريفات مختلفة في ألفاظها، متفاوتة في ضبطها، لكن أقرب ما يقال في تعريف القواعد أن يقال القواعد: قضايا كلية، أو نقول القاعدة: قضية كلية.
هذا تعريف القاعدة حيث ما كانت قاعدة في النحو، قاعدة في اللغة، قاعدة في العقيدة، قاعدة في الأصول، القواعد جمع قاعدة والقاعدة قضية كلية معنى قضية كلية يعني أنها أمر عام، وإذا قلنا قضية كلية نفهم من هناك جزئيات وهذه الجزئيات هي الأفراد التي تندرج تحت هذه القاعدة كل مجتهد موفق هذه قاعدة كلية، لما يأتي زيد ويجتهد وعمرو ويجتهد وبكر ويجتهد هؤلاء أفراد وجزيئات يندرجون تحت هذه القاعدة.
فالقاعدة عمومًا هي قضية كلية يعني حكم إجمالي، حكم عام، المؤلف يقول القواعد المثلى في صفات الله وصفاته الحسنى.
إذًا هي قواعد في باب الأسماء والصفات يعني في العقيدة أو في باب من أبواب العقيدة ما معنى القواعد في الأسماء والصفات؟ يقال قضايا كلية في باب الأسماء والصفات، هذا ما يعتني به المؤلف –رحمه الله-في هذه الرسالة.
إذًا القواعد جمع قاعدة والقاعدة هي قضية كلية، والقضايا الكلية تكون في كل باب على حسب ما يناسبه، ففي الفقه قواعد كلية فقهية، في الأصول قضايا كلية أصولية، في النحو قضايا كلية نحوية، وهلم يعني أنت لا تحتاج إلى أن تذكر الفن إلا عندما تضيف تقول قواعد فقهية، فعند ذلك تقول قضايا كلية فقهية، في العقيدة قضايا كلية عقدية وهلم جر.
لكن المهم أن نعرف معنى القاعدة، وأنها قضية كلية يندرج تحتها جزيئات ومسائل وفروع، وهذه القاعدة في الغالب تتسم بوجاذه اللفظ هذا في الغالب، أنها ذات ألفاظ وجيزة فهي من جوامع الكلم وما معنى جوامع الكلم؟ يعني الكلمات قليلة اللفظ كثيرة المعنى.
وقوله –رحمه الله-: المثلى مؤنث الأمثل مثل: (الحسنى مؤنث الأحسن)، ومثله (الفضلى، الكبرى) وما أشبه ذلك، فهو اسم تفضيل مؤنث وما معنى المثلى؟ يعني الفضلى فهي قواعد فضلى قواعد أفضل ما يكون في ضبط هذا الباب وإتقانه.
وأما قوله في صفات الله وأسمائه، فهذا بيان موضوع هذه القواعد، وأنها في باب الأسماء والصفات، والأسماء جمع اسم وهو من السمة وهي العلامة، والصفات جمع صفة وهي ما يتصف به الشيء، وسيأتي مزيد بيان وإيضاح لهذين الأمرين في ثنايا كلام المؤلف –رحمه الله-هذا ما يتصل بتعريف موضوع الكتاب أو تعريف عنوان الكتاب وبيان موضوعه وأنه يتصل بتقعيد الأسماء والصفات.
نشرع في قراءة كلام المؤلف –رحمه الله-وما ذكره من كلام في مقدمته.
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
قال شيخنا محمد ابن عثيمين رحمه الله تعالى:
المقدمة
الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان، وسلم تسليمًا.
وبعد:
فإن الإيمان بأسماء الله وصفاته أحد أركان الإيمان بالله ـ تعالى ـ وهي الإيمان بوجود الله ـ تعالى ـ والإيمان بربوبيته، والإيمان بألوهيته، والإيمان بأسمائه وصفاته.
وتوحيد الله به أحد أقسام التوحيد الثلاثة: توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات.
فمنزلته في الدين عالية، وأهميته عظيمة، ولا يمكن أحداً أن يعبد الله على الوجه الأكمل حتى يكون على علم بأسماء الله ـ تعالى ـ وصفاته، ليعبده على بصيرة، قال الله ـ تعالى ـ:﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾[الأعراف: 180].وهذا يشمل دعاء المسألة، ودعاء العبادة.
فدعاء المسألة: أن تقدم بين يدي مطلوبك من أسماء الله ـ تعالى ـ ما يكون مناسباً مثل أن تقول: يا غفور اغفر لي. ويا رحيم ارحمني. ويا حفيظ احفظني. ونحو ذلك.
ودعاء العبادة: أن تتعبد لله ـ تعالى ـ بمقتضى هذه الأسماء، فتقوم بالتوبة إليه؛ لأنه التواب، وتذكره بلسانك ؛ لأنه السميع، وتتعبد له بجوارحك لأنه البصير، وتخشاه في السر ؛ لأنه اللطيف الخبير، وهكذا.
ومن أجل منزلته هذه، ومن أجل كلام الناس فيه بالحق تارة وبالباطل الناشئ عن الجهل أو التعصب تارة أخرى، أحببت أن أكتب فيه ما تيسر من القواعد، راجيًا من الله ـ تعالى ـ أن يجعل عملي خالصًا لوجهه، موافقًا لمرضاته، نافعًا لعباده.
وسميته "القواعد المثلى في صفات الله تعالى وأسمائه الحسنى".
(الشرح)
هذه المقدمة ابتدأ فيها المؤلف –رحمه الله-بالبسملة وحمد الله ـ تعالى ـ كسائر ما يجري عليه عمل أهل العلم في مؤلفاتهم من البداءة بالبسملة وحمد الله ـ تعالى ـ والثناء عليه، وقبل أن نعلق على ما جاء في المقدمة، هذا الكتاب شرحه شيخنا –رحمه الله-علق عليه في عام عشرين وأربعمائة وألف، وذلك في دورة علمية في هذا الجامع في هذا المكان، وكان ابتدأها في نهاية شهر أربعة، وتم في خلال ثلاثة عشرة يومًا أو خمسة عشرة يومًا الكتاب، وكانت نهاية شرحه او تعليقه في ليلة الثلاثاء ثلاثة عشرة خمسة ألف وأربعمائة عشرين هجرية.
وتعليق الشيخ –رحمه الله-كان تعليقًا موجزًا مختصرًا، لتجلية بعض ما في هذا الكتاب من وقفات، وقد ألحق فيه بعض التعديلات والاقتراحات منه على سبيل المثال: أنه في المقدمة لما قرأ القارئ عليه قوله في المقدمة الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه قال في تعليقه على قوله: ونتوب إليه هذه الجملة لم ترد في الحديث وإنما ذكرناها موافقة لبعض أهل العلم، والأولى عدم ذكرها هكذا قال –رحمه الله-وله جملة من التعليقات مفيدة وشيء قد سجل وأظنه قد فرغ.
فمراجعته فيه فائدة كما أنه شرح شروح كثيرة، من أقدم الشروح التي رأيتها، ولم أسمعها شرح الشيخ محمد أمان الجامعي –رحمه الله-وغفر له، وأيضًا هناك شروح مفرغة ومكتوبة لبعض أهل العلم، ومن الشروح المؤلفة في هذا شرح المجلى (كتاب المجلى) في شرح القواعد المثلى لباحثة اسمها كاملة الكواري وقد أجادت وأفادت فيما كتبته حول هذه القواعد.
المقصود أن هذا الكتاب قد خدم واحتفى به أهل العلم شرحًا وتعليقًا وإيضاحًا، وذلك لما تضمنه من القواعد المهمة والرئيسة في هذا الباب.
المؤلف كما ذكرت ابتدأ بالمعهود من البداءة بالبسملة، وعقب ذلك وثناه بحمد الله تعالى، ثم بعد ذلك قال: وبعد فإن الإيمان بأسماء الله وصفاته أحد أركان الإيمان، هذا بيان لأهمية هذا الباب باب الأسماء والصفات لماذا ألف المؤلف هذا الكتاب؟
ألفه لأهمية هذا الباب، وأنه باب عظيم من أبواب الدين، هو أحد أركان الإيمان وهذا هو السبب الأول أو هذا هو أول ما ذكره في بيان منزلة هذا العلم، ومعلوم أن شرف العلم يكتسب من شرف المعلوم، فكلما عظم شأن المعلوم المدرك عظم شأن العلم، فلما كان علم الأسماء والصفات موضوعه العلم بالله تعالى، العلم بصفاته وما له من الكمالات جل في علاه، كان أشرف العلوم.
لذلك يقول المؤلف: فإن الإيمان بأسماء الله وصفاته أحد أركان الإيمان بالله وهي الإيمان بوجوده ذكر بعد ذلك ما يتصل بالإيمان بالله.
إذًا أول ما تتبين به أهمية هذا العلم، ويتبين به منزلته أنه أحد أركان الإيمان، ثم ذكر في الإيمان أنه الإيمان بوجود الله تعالى والإيمان بربوبيته وألوهيته وأسماء الله وصفاته، وهذا التفصيل لمعنى الإيمان بالله، فالإيمان بالله يندرج تحته هذه الأمور الأربعة، ولو اقتصر على ثلاثة لكان كافيًا كما هو الجاري في كلام أكثر أهل العلم، يقول الإيمان أو التوحيد توحيد الله بألوهيته، بربوبيته، بأسمائه وبصفاته، أو الإيمان بالله بربوبيته، بألوهيته بأسمائه وبصفاته، لكن ذكر الوجود هنا فائدته الرد على الملحدين الذين ينكرون وجود الله ـ جل في علاه ـ فكان من الإيمان بالله الإيمان بوجوده سبحانه وبحمده.
قال: وتوحيد الله به أحد أقسام التوحيد، هذا ثاني ما يبين أهمية هذا العلم، أنه لا يتحقق توحيد الله ـ تعالى ـ إلا بتوحيد أسمائه وصفاته، ثم لما ذكر هذا احتاج إلى أن يبين أقسام التوحيد، فقال توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات، وهذا التفصيل لمعاني التوحيد أو لأنواع التوحيد، هو من التقسيمات الاصطلاحية، يعني هذا تقسيم لو أراد الإنسان أن يأتي له بدليل من كلام الله وكلام رسوله على هذا العد لم يكن له دليل إلا الاستقراء، والاستقراء هو التتبع وهو دليل ينفع في كثير من المسائل، ويستعمله العلماء في جملة من العلوم، فالشروط والأركان، عد الشروط وعد الأركان وعد الواجبات، طريقه الاستقراء ليس له دليل خاص، فمثلا لو قيل لك: ما الدليل على أن شروط البيع سبعة؟ ما الدليل على أن شروط لا إله إلا الله سبعة؟ ما الدليل على أركان الصلاة أربعة عشر؟ ما تأتي بدليل نصي، إنما تأتي بدليل تتبعي، تتبع النصوص العلماء تتبعوا النصوص واستقرئوها واستخرجوا منها هذه الشروط، فكذلك هذه الأقسام إنما يتوصل إليها العلماء بالاستقراء بالنظر إلى ما جاء في هذا الباب، النصوص التي جاءت في التوحيد دلت على أن هناك توحيدًا يتعلق بالإلهية، أن هناك توحيد يتعلق بالربوبية، أن هناك توحيد يتعلق بالأسماء والصفات.
ولهذا لو قال لك قائل ما الدليل على هذا التقسيم؟
نقول: الدليل الاستقراء، لو قال: هذا محدث، هذا بدعة.
قلنا له: نحن لا نطالبك بهذا التقسيم من حيث اللفظ، يعني لو أن شخصًا قال أنا لا أقسم هذا التوحيد، ولكني أؤمن بأن الله رب العالمين، وأنه لا إله غيره وأن له الأسماء الحسنى والصفات العلى، هل هذا يخل وينقص من إيمانه؟
الجواب: لا هذا التقسيم فائدته التقريب، وهذا من جهود العلماء ـ رحمهم الله ـ في تقريب العلوم وتسهليها، أنهم قسموا تقسيمات في شروط وواجبات وسنن، وأيضًا قسموا فيما يتصل بأمور أخرى كتقسيمات العلوم والأبواب وما أشبه ذلك، كل هذا لتيسير العلم وتسهيله، وإلا لو أن أحدًا أقر بهذا الأمر، ولم يأتي بهذا التقسيم ما نقص ذلك من إيمانه ولا من دينه شيئًا، ثم هل هناك تقاسيم أخرى للتوحيد؟
الجواب:نعم هناك تقاسيم أخرى للتوحيد، وهي تقاسيم اصطلاحية، لكن هذا التقسيم هو باعتبار ما يجب على العبد أن يوحد الله في أسمائه، أن يوحد الله في ألهيته، أن يوحد الله في ربوبيته.
هناك تقسيم آخر من العلماء من يقول أن التوحيد ينقسم إلى قسمين:
توحيد معرفة وطلب.
وتوحيد قصد وإرادة.
وهذا التقسيم أيضًا قريب وهو تقسيم للتوحيد بالنظر إلى ما يتصل بالله –جل وعلا-من العلم وهو توحيد المعرفة والعلم، والثاني توحيد الطلب والقصد والإرادة.
هذا النوع من التقسيم كله للتقريب، ولذلك لا مشاحته بهذه التقسيمات.
إذًا عندنا الآن المؤلف ذكر في بيان أهمية هذا العلم أمرين:
الأمر الأول: أنه أحد أركان الإيمان.
الأمر الثاني: أنه أحد أقسام التوحيد.
الثالث: وهو أهمها أو من أهمها في بيان أهمية هذا العلم.
قال: فمنزلته في الدين عالية وأهميته عظيمة كيف هذا؟ قال: ولا يمكن أحدًا أن يعبد الله على وجه الكمال حتى يكون على علم بأسماء الله ـ تعالى ـ وصفاته، ليعبده على بصيرة، قال الله ـ تعالى ـ: ﴿وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾[الأعراف: 180] وهذا يشمل دعاء المسألة، ودعاء العبادة.
هذا الكلام من المؤلف تنبيه لأمر مهم وهو ثمرة العلم بالأسماء والصفات، ثمرة العلم التي ينبغي أن يتفقدها الإنسان وينظر إليها في باب الأسماء والصفات هو تحقيق العبودية لله –جل وعلا-فإن العبودية لله –جل وعلا-مقترنة بالعلم به، فكلما ازداد العبد بالله علمًا كان له أعبد وأخشع وأتقى وأقرب.
لهذا يقول ابن سعدي –رحمه الله-فإن تمام العبادة متوقف على المعرفة بالله –جل وعلا-بل كلما ازداد العبد معرفة بربه كانت عبادته أكمل، وهذا معنى يغيب عن كثير من الذين يدرسون هذا الباب، وهو أمر تتعجب منه كيف يهتم الإنسان بهذا الباب؟ ثم لا يثمر ولا يتفطن إلى هذه الثمرة المهمة وهو أثر هذا العلم في قلبه من تحقيق العبودية لله تعالى، والعبودية منطلقها ماذا يا إخوان؟
العبودية منطلقها تمام المحبة وتمام التعظيم حتى تربط بين الأسماء والصفات، وإن كل ما ازددت به علمًا ازددت له عبادة كيف؟
العلم به يثمر محبته، العلم به يثمر تعظيمه، فإذا أثمر العلم المحبة في القلب والتعظيم للرب، كان ذلك تحقيقًا للعبودية.
يقول ابن رجب –رحمه الله-: محبة الله تبع للعلم به، فكلما كان العلم به أتم كانت محبته أعظم، وبهذا تعلم أن كلما ازددت به علمًا بأسمائه وصفاته، وكلما ازددت معرفة بالأسماء والصفات، كان هذا داعيًا إلى محبته لأنه يثمر المحبة.
أما التعظيم فيقول الهروي –رحمه الله-: على قدر معرفة العبد بالرب يكون تعظيمه في القلب، وأعرف الناس به أشدهم له تعظيمًا، وهذا السر في كون النبي –صلى الله عليه وسلم-قال لأصحابه: «إنِّي لأَعلَمُكم باللهِعزَّ وجلَّ، وأَخْشاكم له»أخرجه البخاري (43)، ومسلم (785) فاجعل الخشية ثمرة العلم، وهذا معنى قوله ـ تعالى ـ: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾[فاطر: 28] فهؤلاء لما كمل علمهم بالله –جل وعلا-كملت عبوديتهم له جل في علاه.
يقول ابن القيم –رحمه الله-: عرفوه بالأوصاف فامتلأت قلوبهم له بالحب والإيمان، عرفوه بالأوصاف يعني بما ذكره –جل وعلا-بالأوصاف فامتلأت قلوبهم له بالحب والإيمان فتطايرت تلك القلوب إليه بالأشواق إذ ملئت من الإيمان، فالحب يتبع للشعور بحسبه يقوى ويضعف ذاك ذو تبيان.
هكذا يرتبط الحب بالعلم، هكذا يرتبط التعظيم بالعلم به ـ جل في علاه ـ والله ـ تعالى ـ أمر بالعلم به قال: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ﴾[محمد: 19] وأمر عباده أن يدعوه بأسمائه، والدعاء بالأسماء هو التعبد له بها فقال: ﴿وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾[الأعراف: 180] وقال –جل وعلا-: ﴿قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَّا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾[الإسراء: 110].
ثم ذكر المؤلف –رحمه الله-جملة مما يتصل بالدعاء، وهو بيان أقسام الدعاء قال: فدعاء المسألة ودعاء العبادة يقول –رحمه الله-فدعاء المسألة أي ما يندرج تحت قوله تعالى: ﴿فَادْعُوهُ بِهَا﴾[الأعراف: 180] نوعان من الدعاء، يشمل دعاء المسألة ودعاء العبادة.
دعاء المسألة هو دعاء الطلب، سواء كان ذلك في جلب مرغوب، أو دفع مرهوب، في تحصيل ما يحب، أو في دفع ما يكره، فدعاء المسألة يقول: أن تقدم بين يدي مطلوبك من أسماء الله ـ تعالى ـ ما يكون مناسبًا مثل أن تقول: يا غفور اغفر لي، ويا رحيم ارحمني، ويا حفيظ أحفظني وهلم جر.
ودعاء العبادة أن تتعبد لله تعالى بمقتضى هذه الأسماء.
مثال الأول: مثال دعاء المسألة: ﴿رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾[البقرة: 127] في قول إبراهيم ـ عليه السلام ـ فإنه دعا الله ـ تعالى ـ القبول، ثم توسل إليه بأسماء تقتضي العطاء، وهو أنه سميع عليم جل في علاه.
وأما النوع الثاني وهو دعاء العبادة يقول: ودعاء العبادة أن تتعبد لله –جل وعلا-بمقتضى هذه الأسماء، فتقوم بالتوبة إليه ؛ لأنه التواب، وتذكره بلسانك لأنه السميع، وتتعبد له بجوارحك لأنه البصير، وتخشاه في السر ؛ لأنه اللطيف الخبير وهكذا، وهذا من آثار العلم بأسمائه ـ جل في علاه ـ وهو المراد بقوله –جل وعلا-: ﴿وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا﴾[مريم: 48] فالدعاء هنا هو التعبد لله ـ تعالى ـ بمقتضى أسمائه، بمقتضى صفاته جل في علاه.
وهذا نوع من أنواع العبادة والدعاء وهو دعاء العبادة، بعد هذا الإيجاز في بيان أهمية علم الأسماء والصفات ذكر فيه أنه ركن من أركان الإسلام، أنه قسم من أقسام التوحيد، أنه لا تتحقق العبودية لله ـ تعالى ـ إلا به.