القاعدة الثانية
القاعدة الثانية من قواعد الصفات:باب الصفات أوسع من باب الأسماء
وذلك لأن كل اسم متضمن لصفة كما سبق في القاعدة الثانية من قواعد الأسماء، ولأن من الصفات ما يتعلق بأفعال الله تعالى، وأفعاله لا منتهى لها، كما أن أقواله لا منتهى لها، قال الله ـ تعالى ـ: ﴿َلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾[لقمان: 27].
ومن أمثلة ذلك: أن من صفات الله ـ تعالى ـ المجيء، والإتيان، والأخذ والإمساك، والبطش، إلى غير ذلك من الصفات التي لا تحصى كما قال ـ تعالى ـ:﴿وَجَاءَ رَبُّك﴾ وقال ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ﴾ وقال ﴿فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ﴾ وقال ﴿وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ﴾ وقال ﴿إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ﴾ وقال ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ وقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ:"ينزل ربنا إلى السماء الدنيا".
فنصف الله ـ تعالى ـ بهذه الصفات على الوجه الوارد، ولا نسميه بها، فلا نقول إن من أسمائه الجائي، والآتي، والآخذ، والممسك، والباطش، والمريد، والنازل، ونحو ذلك، وإن كنا نخبر بذلك عنه ونصفه به.
القاعدة الثانية يقول: باب الصفات أوسع من باب الأسماء، أوسع المقصود أنه أكثر وأسهل من باب الأسماء، ويبين ذلك كيف أن باب الصفات أوسع من باب الأسماء بأمرين؛ يعني لو قيل لك ما معنى أن باب الصفات أوسع من باب الأسماء؟ فنقول إن هذا يتضح بأمرين؛
الأول أن كل اسم متضمن لصفة، فالرحمن يتضمن صفة الرحمة، العليم يتضمن صفة العلم، الحي يتضمن صفة الحياة وهلم جر، كل اسم يتضمن صفة على الأقل، وإلا قد يكون أكثر من صفة كما تقدم معنا من دلالة المطابقة ودلالة التضمن ودلالة الالتزام.
يقول: لأن كل اسم متضمن لصفة كما سبق في القاعدة الثالثة من قواعد الأسماء، يشير إلى قاعدة الدلالات دلالة التضمن ودلالة المطابقة ودلالة الالتزام.
قال: ولأن من الصفات ما يتعلق بأسماء الله تعالى، هذا الوجه الثاني لبيان سعة الصفات عن الأسماء أن الصفات تستفاد من الأفعال بخلاف الأسماء لا تستفاد من الأفعال، لا يشتق لله من أفعاله أسماء، لكن يؤخذ من أفعال الله صفات، ولذلك قال: ولأن من الصفات ما يتعلق بأفعال الله تعالى لا منتهى لها، كما أن أقواله لا منتهى لها دليل ذلك قول الله تعالى: ﴿فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ﴾[البروج: 16] وما يريده شيء لا حد له ولا منتهى، وأفعاله كما أن أقواله لا منتهى لها لماذا ربط بين الفعل والقول؟
لأن الفعل لا يكون إلا بالقول إنما أمره إذا أراد شيئًا أن يقول له كن فيكون، فإذا كانت أقواله لا منتهى لها فأفعاله لا منتهى لها.
يقول –رحمه الله-: كما أن أقواله لا منتهى لها قال الله ـ تعالى ـ: ﴿وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ﴾[لقمان: 27] جل في علاه سبحانه وبحمده.
ثم قال من أمثلة ذلك إن من صفات الله ـ تعالى ـ المجيء هذا التطبيق للقاعدة إن الصفات تؤخذ من الأفعال، المجيء مأخوذ من وجاء ربك والإتيان والأخذ والإمساك والبطش إلى غير ذلك من الصفات التي لا تحصى كما في قوله تعالى: ﴿وَجَاءَ رَبُّكَ﴾[الفجر: 22]، ﴿هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ﴾+[البقرة: 210]، ﴿فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ ﴾[آل عمران: 11]، ﴿وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ﴾[الحج: 65]، ﴿إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ﴾[البروج: 12]، ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾[البقرة: 185] وما إلى ذلك ينزل ربنا إلى السماء الدنيا، لكن هذه الأفعال لا يمكن أن يشتق منها أسماء فلا يقال الجائي، ولا يقال النازل، ولا يقال المريد على أنها أسماء، لأن الأسماء يجب أن تكون حسنى وهي توقيفية ليس للعقل فيها مجال.
قال: فنصف الله ـ تعالى ـ بهذه الصفات على الوجه الوارد ولا نسميه بها، فلا نقول إن من أسمائه الجائي والأتي والأخذ إلى آخر ما ذكر، وإن كنا نخبر بذلك عنه ونصفه به، فإذا قال الإنسان على وجه الخبر فلا بأس، لكن على وجه الاسم لا يمكن أن يكون هذا لأن الأسماء أولًا يجب أن تكون حسنى ولا يمكن أن يعقل الحسن إلا من قبيل النص، فلذلك كانت توقيفية.
القاعدة الثالثة من قواعد الصفات:
صفات الله ـ تعالى ـ صفات الله ـ تعالى ـ تنقسم إلى قسمين: ثبوتية، وسلبية:
هذه القاعدة الثالثة تقسيم الصفات، والصفات في كلام الله ـ تعالى ـ وكلام رسوله وكلام السلف الصالح ليس فيها تقاسيم، لم تقسم تقاسيم وتفرع وتصنف إلى أنواع وصنوف، إنما تذكر هكذا الله لا إله إلا هو الرحمن الرحيم، الله لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم، الله لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن وما إلى ذلك من الصفات الكثيرة المتنوعة التي تذكر للإجلال والتعظيم دون تصنيف وتقسيم.
لما حدث وأتى أهل الكلام بكلامهم ودخلت الفلسفة وطرق المتكلمين فيما يتعلق بالإلهيات فيما يتعلق بصفات الله ـ تعالى ـ قسموا، فاضطر علماء الأمة من سلف الأمة وأئمتها ممن تبعهم بإحسان إلى قبول ما هو صحيح من تلك الأقسام مجاراة للقوم بلسانهم حتى يقيموا الحجة عليهم بما اصطلحوه، فقبلوا من تلك الأقسام ما يمكن أن يكون صحيحًا، ولهذا تجد في كلام العلماء تقسيمات للصفات، فمن حيث وصف الله وعدم وصفه تنقسم الصفات إلى قسمين؛ ثبوتية، وسلبية أو منفية، فالسلبية المقصود بها هنا المنفية وهذا تقسيم للتقريب لا مشاحته فيه ولا إشكال نمشي ونقبل مثل هذا التقسيم ما دام أنه يدل دلالة صحيحة، سيأتينا أيضًا أنواع أخرى من التقاسيم وتفاريع وتفاصيل أخرى لا إشكالية عندنا في التقاسيم ما دامت تدل على معان صحيحة، وهذا معنى قول العلماء لا مشاحته في الاصطلاح يعني ما في تجاذب ولا تنازع في الاصطلاح، الاصطلاح لا إشكال فيه، لكن الإشكال فيما يدل عليه هذا التقسيم، هل يدل على معنى صحيح؟ يقبل، هل يدل على معنى باطل؟ يرد
إذًا يقول صفات الله ـ تعالى ـ تنقسم إلى قسمين: ثبوتية، وسلبية، لو قيل لك ما الدليل من كلام الله وكلام رسوله على هذه القسمة؟ تقول ما في دليل مباشر يقول إن الله ـ تعالى ـ موصوف بكذا وكذا، لكن هذا بالاستقراء والتأمل والنظر يمكن تقسيم الأسماء إلى هذين القسمين؛ ثبوتية، وسلبية وهي المنفية.
ومشى الشيخ بهذا التعبير عبر بالسلبية جريًا على ما مشى عليه المتكلم، وإلا قال في شرحه –رحمه الله-يقول: عبرنا بهذا التعبير يعني سلبية موافقة لغيرنا، والأولى أن يقال منفية وهي التي جاء بها القرآن ليس كمثله شيء هذا من كلامه رحمه الله.
الآن ما هي الصفات الثبوتية؟
فالثبوتية: ما أثبته الله ـ تعالى ـ لنفسه في كتابه، أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، وكلها صفات كمال لا نقص فيها بوجه من الوجوه، كالحياة والعلم، والقدرة، والاستواء على العرش، والنزول إلى السماء الدنيا، والوجه، واليدين، ونحو ذلك.
فيجب إثباتها لله ـ تعالى ـ حقيقة على الوجه اللائق به بدليل السمع والعقل.
إذًا الثبوتية هي ما أثبته الله تعالى لنفسه، أو أثبته له رسوله –صلى الله عليه وعلى آله وسلم-ما صفة هذه الصفات؟ قال: كلها صفات كمال لا نقص فيها بوجه من الوجوه وذكر جملة من هذه الصفات، فيجب إثباتها هذا النوع الأول من الصفات وهي الثبوتية التي جاء في الكتاب والسنة ما الموقف منها؟ الواجب إثباتها.
ولهذا يقول: فيجب إثباتها لله ـ تعالى ـ حقيقة يعني من غير تأويل، وسيأتي هذا في كلام المؤلف –رحمه الله-يثبتها حقيقة يعني يثبت المعاني حقيقة، لكن ليس من لازم الحقيقة أن يكون هناك تمثيل أو تشبيه لله تعالى بخلقه بل على الوجه اللائق به ما دليل وجود إثباتها؟ قال: بدليل السمع والعقل، يذكر أدلة السمع وأدلة العقل الدالة على وجوب إثبات الصفات لله تعالى.
أما السمع: فمنه قوله تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا بَعِيداً﴾.
فالإيمان بالله يتضمن: الإيمان بصفاته. والإيمان بالكتاب الذي نزل على رسوله يتضمن: الإيمان بكل ما جاء فيه من صفات الله. وكون محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ رسوله؛ يتضمن: الإيمان بكل ما أخبر به عن مُرْسِلِه، وهو الله عز وجل.
هذا الدليل الأول، فكل أية أمر الله ـ تعالى ـ فيها بالإيمان به، أو أثنى فيها على المؤمنين به، فإنها تدل على وجوب الإيمان بما أخبر الله ـ تعالى ـ به عن نفسه من صفاته، هذا من الإيمان بالله أن تؤمن بما أخبر الله ـ تعالى ـ عن نفسه أو أخبر به عنه رسوله، هذا الدليل الأول والأدلة في هذا كثيرة، وهو محل اتفاق وإجماع أهل العلم.
وأما العقل: فلأن الله ـ تعالى ـ أخبر بها عن نفسه، وهو أعلم بها من غيره، وأصدق قيلاً، وأحسن حديثاً من غيره، فوجب إثباتها له كما أخبر بها من غير تردد، فإن التردد في الخبر إنما يتأتي حين يكون الخبر صادراً ممن يجوز عليه الجهل، أو الكذب، أو العي بحيث لا يفصح بما يريد، وكل هذه العيوب الثلاثة ممتنعة في حق الله-عز وجل -فوجب قبول خبره على ما أخبر به.
وهكذا نقول فيما أخبر به النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن الله ـ تعالى ـ فإن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أعلم الناس بربه وأصدقهم خبراً وأنصحهم إرادة، وأفصحهم بياناً، فوجب قبول ما أخبر به على ما هو عليه.
إذًا العقل دليل العقل على وجوب إثبات الصفات لله ـ تعالى ـ أن الله أخبر بها عن نفسه، إذا كان أخبر بها عن نفسه، فمقتضى إخباره بها عن نفسه وجوب إثباتها، هذا هو دليل العقل ينضاف إلى هذا الدليل أن الله أخبر بها عن نفسه أن المخبر بهذا الخبر وهو الصفة التي أخبر الله بها عن نفسه من الحياة والعلم والقدرة وسائر ما أخبر الله به عن نفسه، خبر صادر عن علم، خبر صادر عن صدق، خبر صادر عن بيان وفصاحة لسان، وأقصد باللسان اللغة وفصاحة لغة، فهو خبر صادر بهذه المواصفات عن عليم وعن صادق وعن مبين، وهذه موجبات قبول الخبر ؛ لأن الخبر يأتيه الخلل من ماذا؟ يأتيه الخبر من إحدى هذه الجهات إما أن يكون خبرًا عن غير علم بجهل، وإما أن يكون خبرًا من عالم لكن ليس بصادق، وإما أن يكون خبرًا عن عالم صادق لكن ليس عنده قدرة على البيان والإيضاح هو عالم رأى الحدث وصادق لم يعهد عليه كذب، لكنه لا يستطيع أن يبين، ما يستطيع أن يفصح فهنا في إشكالية في الإفصاح، لكن أما أن يأتيك الخبر عن عليم وعن صادق وعن مبين عند ذلك لا يمكن أن ترد الخبر ولا يمكن أن تشكك فيه لتوافر مواصفات ومسوغات القبول في الخبر، مواصفات القبول العلم، الصدق، البيان، وكلها موصوف بها كلام رب العالمين.
يقول المؤلف –رحمه الله-: وهو أعلم بها من غيره وأصدق قيلا وأحسن حديثًا من غيره، فوجب إثباتها له كما أخبر بها من غير تردد، فإن التردد في الخبر إنما يأتي حين يكون الخبر صادرًا ممن يجوز عليه الجهل، وتعالى الله عنه ذلك، أو الكذب وتعالى الله عن ذلك، أو العي وهو عدم الفصاحة والوضوح والبيان، وتعالى الله عن ذلك، أو العي بحيث لا يفصح بما يريد، وكل هذه العيوب الثلاثة ممتنعة بحق الله ـ تعالى ـ فهو لا يحيط الخلق بعلمه وهو –جل وعلا-أصدق القائلين وهو أحسن حديثًا كما قال ـ تعالى ـ: ﴿وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا﴾[النساء: 122]، ﴿وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا﴾[النساء: 87] لا أحد أحسن منه حديثًا، ولا أحد أصدق منه قيلًا –جل وعلا-فوجد قبول خبره على ما أخبر به يعني على الوجه الذي أخبر به.
الرسول هو مخبر عن الله ـ تعالى ـ هذه مواصفات موجودة في الرسول –صلى الله عليه وسلم-ولهذا يقول وهكذا يعني ومثل ما قلنا في شأن ـ جل في علاه ـ في خبره عن نفسه، نقول فيما أخبر به النبي –صلى الله عليه وسلم-عن الله ـ تعالى ـ فإن النبي أعلم الناس بربه، وأصدقهم خبرًا وأنصحهم إرادة وأفصحهم بيانًا في صفة زادت ولا هي هي؟ في صفة زادت وهي صفة النصح، والنصح لله بأن يبين على الوجه الذي هو عليه جل في علاه فقد بينه رسول الله –صلى الله عليه وسلم-فهو أنصح الأمة للأمة، ما ترك خيرًا إلا دلنا عليه، ولا شرًا إلا حذرنا منه، فإذا كانت أخباره متصفة بهذه الصفات العلم والصدق والبيان والنصح كان هذا من موجبات قبول خبره –صلى الله عليه وسلم-فوجب قبول ما أخبر به على ما هو عليه، هذا هو القسم الأول من أقسام الصفات، وهو الصفات الثبوتية، القسم الثاني الصفات السلبية، لكن نتركها ـ إن شاء الله تعالى ـ في يوم غدا والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد.