قال الإمام الجليل محمد بن عثيمين –رحمه الله-وغفر له ولنا ولشيخنا وللحاضرين.
والصفات السلبية:ما نفاها الله - سبحانه - عن نفسه في كتابه، أو على لسان رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وكلها صفات نقص في حقه كالموت، والنوم، والجهل، والنسيان، والعجز، والتعب
فيجب نفيها عن الله تعالى-لما سبق- مع إثبات ضدها على الوجه الأكمل، وذلك ؛ لأن ما نفاه الله ـ تعالى ـ عن نفسه فالمراد به بيان انتفائه لثبوت كمال ضده، لا لمجرد نفيه ؛ لأن النفي ليس بكمال، إلا أن يتضمن ما يدل على الكمال، وذلك لأن النفي عدم، والعدم ليس بشيء، فضلاً عن أن يكون كمالاً، ولأن النفي قد يكون لعدم قابلية المحل له، فلا يكون كمالاً كما لو قلت: الجدار لا يظلم. وقد يكون للعجز عن القيام به فيكون نقصاً، كما في قول الشاعر:
قبيلة لا يغدرون بذمة * ولا يظلمون الناس حبة خردل
وقول الآخر:
لكن قومي وإن كانوا ذوي حَسَبٍ * ليسوا من الشر في شيء وإنْ هانا
مثال ذلك: قوله ـ تعالى ـ:﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوت﴾[الفرقان: 58]فنفي الموت عنه يتضمن كمال حياته.
مثال آخر: قوله ـ تعالى ـ: ﴿وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً﴾[الكهف: 49] نفي الظلم عنه يتضمن كمال عدله.
مثال ثالث: قوله ـ تعالى ـ: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ﴾ فنفي العجز عنه يتضمن كمال علمه وقدرته. ولهذا قال بعده: (إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً قَدِيراً)[فاطر: 44]. لأن العجز سببه إما الجهل بأسباب الإيجاد، وإما قصور القدرة عنه فلكمال علم الله ـ تعالى ـ وقدرته لم يكن ليعجزه شيء في السموات ولا في الأرض.
وبهذا المثال علمنا أن الصفة السلبية قد تتضمن أكثر من كمال.
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد.
فهذا هو القسم الثاني من أقسام الصفات من حيث الثبوت والنفي، تقدم الكلام على القسم الأول، وهو الصفات الثبوتية وقد ذكر المؤلف في بيان معناها ما أثبته الله لنفسه في كتابه أو على لسان رسوله –صلى الله عليه وسلم-والذي بين أيدينا اليوم من الصفات، الصفات السلبية، والصفات السلبية المقصود بها الصفات المنفية، وإنما سمى المؤلف –رحمه الله-هذا النوع من الصفات بالسلبية جريًا على الاصطلاح المستعمل، ومما ينبغي أن يعلم أن السلب بمعنى النفي، وهو تخلية الشيء عن شيء، فالصفات السلبية هذا معناها في اللغة، وأما معاناه في الاصطلاح ما نفاه الله ـ سبحانه ـ عن نفسه في كتابه أو على لسان رسوله هكذا عرفها المؤلف –رحمه الله-هي الصفات السلبية هي الصفات المنفية، وهي التي جاء نفيها في كلام الله ـ تعالى ـ أو كلام رسوله –صلى الله عليه وسلم-هكذا عرفها المؤلف وعرفها غيره بأنها الصفات التي لا تدل على معنى وجودي أصلا، إنما هي دالة على عدم لا على وجود، على عدم الوصف لا على وجوده، فهي ضد الثبوت، وهذه الصفات يعرف ويستدل عليها بدخول أداة من أدوات النفي عليها، ولذلك قال بعض أهل العلم الصفات السلبية أو المنفية هي ما دخل عليه حرف من حروف النفي، كما، لا، ليس.
مثال الأول قوله ـ تعالى ـ: ﴿وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾[فصلت: 46] هذا دخل عليها ما.
مثال لا قوله ـ تعالى ـ: ﴿وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾[الكهف: 49].
مثال ليس قوله ـ تعالى ـ: ﴿وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾[الحج: 10] وهذا تعريف مع مثال وهو تعريف بتوصيف وذكر مثال.
إذًا المنفية والسلبية هذا ما ذكره أهل العلم ـ رحمهم الله ـ في تعريفه، المؤلف ما نفاه الله ورسوله وغيره قال هي الصفات التي لا تدل على معنى وجوديًا أصلا، وقال آخرون هي ما دخل عليها أداة من أدوات النفي كلا وما وليس، والأمر في هذا قريب سواء قلنا بهذا أو بذاك، أو بما ذكر المؤلف المعنى في هذا متقارب.
يقول –رحمه الله-: وكلها صفات نقص في حقه أي جامع ما تتضمنه المنفيات عن الله تعالى أنها صفات نقص هذا هو الجامع فلما كانت صفات نقص نفاها الله تعالى عن نفسه، ولذلك كلها صفات نقص في حقه كالموت والنوم والجهل والنسيان والعجز والتعب، والله تعالى منزه عن هذا كله، وقد جاء نفي هذه الأشياء على وجه التعيين قال تعالى في الموت: ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ﴾[الفرقان: 58] والنوم قال: ﴿لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ﴾[البقرة: 255]، والجهل قال –جل وعلا-: ﴿لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنسَى﴾[طه: 52] وهذا كذلك النسيان والعجز ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ﴾[فاطر: 44]، والتعب ﴿وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ﴾[ق: 38].
يقول المؤلف بعد أن بين هذه الصفات، فيجب نفيها عن الله –عز وجل-هذا الواجب فيها لما سبق أي من أن الله متصف بالكمال ثم قال: مع إثبات ضدها على الوجه الأكمل وهذا هو سبب ورود النفي في صفات الله ـ تعالى ـ ورود النفي في صفات الله ـ تعالى ـ له أسباب وله غايات منها من أسباب ورود النفي في صفات الله ـ تعالى ـ وسيأتي هذا الكلام فيما ذكره المؤلف، إثبات كمال الضد.
ولهذا يقول يجب نفيها مع إثبات ضدها على الوجه الأكمل، فلما نفى الله ـ تعالى ـ عن نفسه العجز هذا أثبت به كمال القوة والقدرة، لما نفى عن نفسه الجهل والنسيان أثبت كمال العلم وأنه لا يلحقه نقص وهلم جر.
قال: لأن مما نفاه الله ـ تعالى ـ عن نفسه فالمراد بيان انتفائه لثبوت كمال ضده، لا لمجرد النفي يعني هذا مراد المؤلف النفي لا يرد مقصودًا في كلام الله ـ تعالى ـ لمجرد النفي لماذا؟ لأن النفي ليس كمالًا كما سيقول المؤلف.
قال: لا لمجرد النفي لأن النفي ليس بكمال إلا ما يتضمن ما يدل على الكمال، أما هو في ذاته فليس كمال وذلك لأن النفي لماذا لا يتضمن النفي كمالًا؟ قال: لأن النفي عدم والعدم ليس بشيء فضلًا عن أن يكون كمالًا، ولأن النفي هذا وجه.
الوجه الأول: في كونه لا يرد النفي في كلام الله ـ تعالى ـ مجردًا لماذا؟ لأن النفي ليس كمالًا هذا النفي الأول.
الوجه الثاني: لأن النفي لعدم قابلية المحل له أي للمدح، تستطيع أن تمدح هذا الجدار بالكرم؟ لا لماذا؟ هل لأنه ناقص؟ لا لكن ؛ لأنه لا يقبل المدح بهذا الوصف، كما أنك لا تمدح الأعمى بحدة البصر؟ لأنه لا يقبل الاتصاف بهذا الوصف هو لا يبصر حتى يوصف بقوة البصر وحدته، فالنفي قد يكون مجردًا.
النفي المجرد عن صفات الله ـ تعالى ـ لا يكون لأن النفي المجرد لا يفيد كمالًا واحد، ولأن النفي قد يكون لعدم قابلية الموصوف للوصف، عدم قابلية المحل للوصف المذكور لا لكونه نقص أو ما أشبه ذلك.
يقول: فلا يكون كمال كما لو قلت الجدار ولا يظلم، وقد يكون للعجز عن القيام به فيكون نقصًا، فهنا النفي قد يكون للعجز لا للكمال ولا لمعنى آخر مثل له بقوله:
قبيلة لا يغدرون بذمة * ولا يظلمون الناس حبة خردل
هل هذا في مساق المدح؟ هذا ذم فيما يشبه المدح، هذا ليس مدحًا هذا ذم ما الذي عرفنا أنه ذم؟ أن المؤلف ذكره بصيغة التصغير قبيلة والأصل في التصغير أنه للتحقير والذم، هذا الأصل فيه قد يأتي للتمليح وقد يأتي للتفخيم، لكن هذا خلاف الأصل، الأصل في التصغير في كلام العرب أنه للذم والتحقير، يأتي للتمليح والملاطفة كتصغير الناس لأسماء أولادهم وما أشبه ذلك مما يصغرونه على وجه التمليح له.
قال: وقول الآخر لكن قومي وإن كانوا ذوي حَسَبٍ يعني لهم شرف ومكانة، ليسوا من الشر في شيء وإنْ هانا هذا ليس مدحًا، إنما هذا ذم، مثل المؤلف –رحمه الله-للصفات السلبية والصفات المنفية بقوله: ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ﴾[الفرقان: 58] فنفي الموت عنه يتضمن كمال حياته، وهذا هو المقصود أن الصفات السلبية إنما يجاء بها لغاية وحكمة في كلام الله ـ تعالى ـ من الغايات والحكم هو إثبات كمال ضد ما نفي ومثال ذلك: ﴿وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾[الكهف: 49] نفي الظلم عنه يتضمن كمال عدله.
مثال ثالث قال: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ﴾[فاطر: 44] فنفي العجز عنه يتضمن كمال علمه وقدرته، ولهذا قال بعده ﴿إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَديرًا﴾[فاطر: 44] لأن العجز سببه إما الجهل بأسباب الإيجاد وإما قصور القدرة عنه، فلكمال علم الله ـ تعالى ـ وقدرته ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ﴾[فاطر: 44] ، وبهذا المثال علمنا أن الصفة السلبية قد تتضمن أكثر من كمال يبين هذا ويوضحه في القاعدة القادمة وهي القاعدة الرابعة كيف يستفاد الكمال من النفي؟
بعد أن انتهينا من تقسيم الصفات إلى ثبوتية وسلبية سؤال ما الأصل في صفات الله ـ تعالى ـ الإثبات أو النفي؟
يعني ما الأكثر ما الغالب الإثبات أو النفي؟ الإثبات هذا هو الأصل، ولهذا تجد النفي في كلام الله ـ تعالى ـ إذا قارنته بالإثبات قليل هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهمين العزيز الجبار المتكبر، ثم قال: هو الله الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى هذا البسط في الإثبات هو الأصل في كلام الله تعالى.
ولذلك كان الأصل في الصفات، الصفات الثبوتية، وأما الصفات السلبية التي هي صفات النفي فهي موجودة في كلام الله ـ تعالى ـ لكنها جاءت على نحوين؛ جاءت مجملة وجاءت مفصلة، النفي في صفات الله ـ تعالى ـ على نحوين يعني على صورتين على نوعين؛ مجمل، ومفصل، وكذلك الإثبات جاء مجملًا ومفصلًا، فكلاهما جاء مجملًا وجاء مفصلًا.
مثال المجمل: من يمثل للإثبات المجمل؟ ولله الأسماء الحسنى وله الأسماء الحسنى هذا إثبات مجمل، المجمل إجمالًا عامًا كقوله: ﴿وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى﴾[الروم: 27] هذا إثبات مجمل للكلام ﴿وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾[الأعراف: 180]، ﴿وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى﴾[الروم: 27].
الإثبات المفصل هو الأصل الذي ذكرناه قبل قليل، هو الله لا إله إلا هو، ثم قال: الملك القدوس السلام هذا إثبات مفصل.
إذًا الإثبات يأتي مجملًا ويأتي مفصلًا، النفي يأتي مجملًا ويأتي مفصلًا لكنه قليل.
مثال النفي المجمل: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾[الشورى: 11] هذا ما نفى شيئًا معينًا، إنما نفى أن يكون له مثيل أو نظير في شيء من شئونه –سبحانه وبحمده-وهذا نفي يسمى نفيًا مجملًا يعني عامًا عن أن يكون له نظير أو مثيل، ويأتي النفي مفصل لكنه قليل كقوله: ﴿لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ﴾[الإخلاص: 3]، و ﴿لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ﴾[البقرة: 255]، وكقوله ـ تعالى ـ: ﴿الَّذِي لا يَمُوتُ﴾[الفرقان: 58] وكقوله: ﴿وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾[فصلت: 46] وما أشبه ذلك لكن هذا محدود.
إذًا الأصل في الصفات هو الثبوت إجمالًا وتفصيلًا، ويأتي النفي مجملًا ومفصلًا لكنه قليل، ثم النفي في كلام الله تعالى غرضه وغايته ومقصوده إثبات كمال الضد وله مقاصد أخرى نأخذها في القاعدة التالية.
القاعدة الرابعة من قواعد الصفات
الصفات الثبوتية صفات مدح وكمال، فكلما كثرت وتنوعت دلالتها ظهر من كمال الموصوف بها ما هو أكثر.ولهذا كانت الصفات الثبوتية التي أخبر الله بها عن نفسه أكثر بكثير من الصفات السلبية، كما هو معلوم.أما الصفات السلبية فلم تذكر غالباً إلا في الأحوال التالية:
الأولى: بيان عموم كماله كما في قوله ـ تعالى ـ:﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾، ﴿وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾
الثانية: نفي ما ادعاه في حقه الكاذبون، كما في قوله ﴿أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا* وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا﴾.
الثالثة: دفع توهم نقص من كماله فيما يتعلق بهذا الأمر المعين، كما في قوله ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ﴾ وقوله ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ﴾.
هذه القاعدة تضمنت أن الصفات الثبوتية صفات مدح وكمال، وأنها الأصل فيما أخبر الله به عن نفسه، مما تضمنته القاعدة أن الصفات الثبوتية صفات مدح وكمال وهي الأصل فيما أخبر الله ـ تعالى ـ به عن نفسه، ومعنى الأصل يعني الأكثر والغالب فيما أخبر الله ـ تعالى ـ به عن نفسه.
أما الصفات السلبية فهي إنما تذكر لحكمة أو لغاية هذه الغايات التي من أجلها جاء النفي في صفات الله ـ تعالى ـ ثلاث غايات ثلاث حكم؛
الأول بيان عموم كماله بيان عموم الكمال ؛ لقوله ـ تعالى ـ: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾[الشورى: 11] هذا ماذا تستفيد منه لما تسمع قوله –جل وعلا-: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾[الشورى: 11] تثبت ماذا؟ عموم كمال الله ـ تعالى ـ من كل وجه لأنه ما لا نظير له ولا مثيل ولا سمي ولا ند ولا كفء هذا لا يكون إلا كاملًا، فهذا يثبت عموم الكمال لله –جل وعلا-فقوله: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾[الشورى: 11] و ﴿وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾[الإخلاص: 4] هي مما تنفي نفيًا عامًا يثبت عموم الكمال لله ـ تعالى ـ وعموم الكمال يعني الكمال في أسمائه، الكمال في صفاته، الكمال في أفعاله، الكمال في شأنه كله.
ولهذا نظائر كقوله ـ تعالى ـ: ﴿هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا﴾[مريم: 65] فهذا كله لإثبات الكمال، هذا نفي لإثبات الكمال.
المعنى الثاني أو الحكمة الثانية التي من أجلها يأتي النفي، نفي ما ادعاه في حقه الكاذبون كما في قوله: ﴿أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًاوَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا﴾[مريم: 91-92] ما ينبغي أي لا يجوز ومحال أن يكون للرحمن ولدًا، والامتناع هنا امتناع شرعي قدري كوني لا يكون لله ولدًا ـ جل في علاه ـ فهذا من المحالة وما ينبغي في القرآن تأتي لمحال إما قدرًا وإما شرعًا، فهي ليست لاستعمال الفقهاء ما ينبغي دون مرتبة التحريم والكراهة أرفع من الكراهة ودون التحريم لا، ما ينبغي إنما يذكر في كلام الله ـ تعالى ـ للمحالاة إما قدرًا وإما شرعًا.
الثالث دفع توهم نقص من كماله هذا المعنى الثالث الذي من اجله يأتي النفي، دفع توهم نقص من كماله فيما يتعلق بهذا الأمر المعين كقوله ـ تعالى ـ: ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ﴾[الأنبياء: 16] فهذا نفي أن يكون خلق السماوات والأرض لعبًا، ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ﴾[ق: 38] هذا لنفي النقص في صفاته جل في علاه في صفة القوة على وجه الخصوص.
ولذلك دفع توهم نقص من كماله فيما يتعلق بهذا الأمر المعين، فهذا نفي خاص كقوله: ﴿لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ﴾[البقرة: 255]، هذا ليس نفي نقص عام أو نقص خاص يتعلق بهذه الصفة.
إذًا النفي يأتي في صفات الله ـ تعالى ـ لإثبات الكمال، إما كمال الوصف أو عموم الكمال.
الثاني نفي ما ادعاه الكاذبون.
الثالث دفع توهم النقص.
هذا ما يتصل بهذه القاعدة الرابعة وهي بيان أن الأصل في الصفات أنها ثبوتية وأنها الأكثر في كلام الله ـ تعالى ـ لكونها تثبت كمالًا ومدحًا، ومجيء النفي في صفات الله ـ تعالى ـ لحكمه وغاية، ذكر المؤلف –رحمه الله-شيئًا من الحكم والغايات في ذلك.