السؤال:
ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم: ((لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض))؟
الجواب:
هذا الحديث جاء من طرق عديدة؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم استنصت الناس في حجة الوداع، ثم قال لهم: «لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض»، رواه البخاري ومسلم البخاري (121)، ومسلم (65). عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه، وجاء مثله عن ابن عمررواه البخاري (4403)، ومسلم (66).وأبي بكرةرواه البخاري (7078). وابن عباسرواه البخاري (1739).وغيرهم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وكثرة النقل يدل على أهميته وخطورته، وتحين النبي صلى الله عليه وسلم اجتماع الناس في حجة الوداع يدل على شفقته وعظيم نصحه لأمته، ليحذرهم من سفك دماء بعضهم بعضًا، وهو من أعمال أهل الكفر، وليس من أعمال أهل الإسلام، وهل هذا حكم بالكفر على من قتل غيره من المسلمين؟ الجواب: ليس حكمًا بالكفر، سواء أكان قتلًا خاصًّا كأن يقتل شخصًا، أو كان القتل على سبيل العموم، كأن يحصل الاقتتال بين طائفتين من أهل الإيمان؛ والدليل على أن هذا ليس كفرًا مخرجًا عن الملة، أن الله تعالى قال: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ}سورة البقرة: الآية 178.، فجعل الله تعالى القتيل أخًا للمقتول، وهذا في القتل الخاص، وقال تعالى في الاقتتال العام: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا}سورة الحجرات: الآية 9.، فأمر الله تعالى بالإصلاح بينهما ووصفهما بالمؤمنين، ثم قال سبحانه في نفس السياق: {فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ}سورة الحجرات: الآية 9.، ثم قال: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ}سورة الحجرات: الآية10.، إذن وقوع الاقتتال بين الطائفتين من أهل الإيمان ليس موجبًا لكفر أيٍّ من الطائفتين؛ لكن من استحل قتل المؤمنين هذا يكون كافرًا، إذا لم يكن هناك شبهة؛ لأنه في هذه الحال يكون قد رد شريعة محكمة، وهي تحريم دماء المسلمين، فكفره ليس لأجل القتل، وإنما لاستباحته الدماء اعتقادًا، ويدل على أنه لا يحكم بالكفر على من استباح دماء المسلمين لشبهة، أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه لما سئل عن الخوارج: أكفار هم؟ فقال: لا، من الكفر فروا! مع أنهم قاتلوه، وكفروه ومن معه، فقاتلهم ليمنع شرهم عن المسلمين، وامتثالًا لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد»رواه البخاري (3344)، ومسلم (1064) عن أبي سعيد الخدري رضى الله عنه.، والمقصود أن قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لاترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض»، ليس تكفيرًا مطلقًا لكل من وقع بينه وبين غيره اقتتال، إنما هو بيان أن هذا من أفعال الكفر، ولا يلزم أن يكون الفاعل كافرًا؛ لأن الكفر شعب، وكل معصية هي من شعب الكفر في الجملة، لكن لا يحكم لمرتكبها بالانتقال من الإسلام إلى الكفر، إلا بدليل بيِّن واضح أن هذا الفعل يخرج به الإنسان من الإسلام إلى الكفر، وقد جاء في الصحيح من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «سباب المسلم للمسلم فسوق، وقتاله كفر»رواه البخاري (48)، ومسلم (64).، فهذا كفر دون كفر، إلا أن يكون قد استباح قتل أهل الإيمان دون شبهة، فعند ذلك يكون من أهل الكفر، والله أعلم.