القاعدة الخامسة:
الصفات الثبوتية تنقسم إلى قسمين:ذاتية وفعلية:
فالذاتية: هي التي لم يزل ولا يزال متصفاً بها، كالعلم، والقدرة، والسمع، والبصر، والعزة، والحكمة، والعلو، والعظمة، ومنها الصفات الخبرية، كالوجه، واليدين، والعينين.
والفعلية: هي التي تتعلق بمشيئته، إن شاء فعلها، وإن شاء لم يفعلها، كالاستواء على العرش، والنزول إلى السماء الدنيا، وقد تكون الصفة ذاتية فعلية باعتبارين، كالكلام، فإنه باعتبار أصله صفة ذاتية؛ لأن الله ـ تعالى ـ لم يزل ولا يزال متكلمًا. وباعتبار آحاد الكلام صفة فعلية ؛ لأن الكلام يتعلق بمشيئته، يتكلم متى شاء بما شاء كما في قوله ـ تعالى ـ:﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ وكل صفة تعلقت بمشيئته ـ تعالى ـ فإنها تابعة لحكمته. وقد تكون الحكمة معلومة لنا، وقد نعجز عن إدراكها لكننا نعلم علم اليقين أنه-سبحانـه-لا يشاء شيئاً إلا وهو موافق للحكمة، كما يشير إليه قوله ـ تعالى ـ:﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيمًا﴾.
القاعدة الخامسة: الصفات الثبوتية تنقسم إلى قسمين؛ ذاتية، فعلية لقائل أن يقول لماذا هذا التقسيم؟ أجبنا على هذا في أول ما ذكر المؤلف –رحمه الله-من تقسيم الصفات إلى ثبوتية وسلبية، وقلنا إن هذا التقسيم أولا مجاراة لما أحدثه المتكلمون في هذا الباب لإقامة الحجة عليهم، وبيان الحق لهم، وإيضاح الهدى الذي كان عليه سلف الأمة، فهذا من مخاطبتهم بما اصطلحوا لتقريب الحق إليهم.
ثانيًا: أن هذا التقسيم اصطلاحي، وهو مما لا يترتب عليه معنى باطل، ولا مشاحته في الاصطلاح.
ثالثًا: أن في هذا تقريبًا للعلم وما كان مقربًا للعلم، فإنه لا حرج فيه ولا إشكال فيه، وقد يستحب وقد يكون مباحًا يستوي الطرفان على حسب ما يفضي إليه هذا التقسيم وهذا الترتيب.
المقصود أن العلماء قسموا الصفات إلى قسمين؛ ذاتية، فعلية، لقائل أن يقول توا نقول الصفات ثبوتية وسلبية كيف تأتون الآن بتقسيم ذاتية وفعلية؟
نقول: التقسيم يختلف باختلاف المعيار الذي يعتبر، الشيء الواحد يمكن أن تقسمه إلى عدة أقسام وتصنفه عدة تصنيفات بالنظر إلى المعايير والاعتبارات التي تعتمدها، فمثلا لو أردت أن أقسم الحضور باعتبار البلدان التي جاءوا منها، هذا اعتبار سينتج لنا عن هذا التقسيم ستة، سبعة، ثمانية، عشرة أقسام باعتبار العمر سيكون عندنا أيضًا عدة أقسام، باعتبار التحصيل سيكون عندنا عدة أقسام، باعتبار اللغة سيكون عندنا عدة أقسام، باعتبار التحصيل سيكون عندنا عدة أقسام، الشيء واحد الذي قسم ولا أشياء؟ شيء واحد كذلك الصفات هنا قسمت بعدة اعتبارات ولا مشاحته في هذه التقاسيم للتقريب.
الآن قسم الصفات إلى ذاتية، وفعلية من المهم في أي تقسيم أن تسأل على أي أساس تم التقسيم، في أي تقسيم يرد عليك سل نفسك على أي أساس ورد التقسيم؟ حتى تنظر هل التقسيم مستوعب أو ليس مستوعبًا؟ هل هو صحيح أو ليس صحيحًا؟ فالآن لما قسم الصفات إلى ذاتية وفعلية ما الاعتبار؟ ما الأساس الذي على ضوئه قسم؟
الاعتبار والأساس الذي على ضوئه قسم هو داوم الاتصاف بالصفة، هل هي صفة أزلية أبدية أو هل هي صفة لا تنفك عنها الذات؟ أو هي صفة معلقة بالمشيئة متى شاء اتصف بها ومتى لم يشأ لم يتصف بها هذا هو المعيار الذي على ضوئه تم التقسيم.
فبالنظر إلى الصفات نجد أنها من حيث دوام الاتصاف بها تنقسم إلى قسمين؛ صفات لم يزل الله ـ تعالى ـ متصف بها ولا يزال متصف بها، فهو متصف بها أزلًا يعني في القدم وأبدًا يعني فيما لا نهاية هذه يسميها العلماء الصفات الذاتية وهي التي عرفها المؤلف بقوله فالذاتية هي التي لم يزل ولا يزال متصفًا بها فهي صفات لا تتعلق بالمشيئة بمعنى أن الله ـ تعالى ـ متصف بها أزلًا وأبدًا لا تنفك عنها الذات كالعلم والقدرة والسمع والبصر والحياة وما أشبه ذلك.
المؤلف قال في الأمثلة كالعلم والأمثلة والسمع والبصر والعزة والحكمة والعلو والعظمة هذا القسم الأول.
قال: ومنها الصفات الخبرية كالوجه واليدين والعينين.
إذًا الصفات الذاتية ما هي؟
هي التي لم يزل ولا يزال الله ـ تعالى ـ متصف بها، وهي تنقسم إلى قسمين؛ صفات معنوية، وصفات خبرية، لكن لا ندخل في هذا التقسيم الآن حتى نستكمل الذاتية والفعلية ما يشوش علينا.
إذًا عرفنا ما هي الذاتية؟ أزلًا وأبدًا التي لم يزل ولا يزال متصفًا بها، أما الفعلية يقول المؤلف والفعلية التي تتعلق بالمشيئة إن شاء اتصف بها، وإن شاء لم يتصف بها، إن شاء فعلها وإن شاء لم يفعلها كالاستواء على العرش والنزول إلى السماء الدنيا.
إذًا الآن هل عندكم تصور واضح في الفرق بين الصفات الذاتية والفعلية؟
الذاتية هي التي لم يزل ولا يزال متصف بها ملازمة للذات، وأما الفعلية فهي المتعلقة بالمشيئة إن شاء فعلها، وإن شاء لم يفعلها هذا الذي ذكره المؤلف –رحمه الله-من تعريف الصفات الذاتية والفعلية، وقد ذكر بعض أهل العلم أقوالًا أخرى في التفريق بين الصفات الفعلية والصفات الذاتية، نستعرض على وجه الإجمال ما ذكره أصحاب الطوائف في التفريق بين الذاتية والفعلية.
فالمعتزلة على سبيل المثال عندهم ما جرى فيه النفي والإثبات، فهو ذاتي الصفات الفعلية ما يجري فيه النفي والإثبات أي ما يثبت وما ينفى عن الله ـ تعالى ـ كقوله مثلا خلق الله تعالى الشمس في السماء ولم يخلقها في الأرض فهنا صفة أضيفت نفيًا وإثباتًا، ما جرى فيه النفي والإثبات فهو فعلي.
وأما الذاتي فهو ما لا يجري فيه نفي، إنما هو إثبات كالحياة هذا تفريق المعتزلة بين الذاتية والفعلية.
تفريق الأشاعرة يقولون: ما يلزم من نفيه نقيصة، فهو من صفات الذات، وما لا يلزم منه نقيصة فهو فعل، لأنه كمال في وقت فعله، وفي حال عدم فعله الكمال عدم الفعل.
الثالث من الأقوال قول الماتردية حيث قالوا ما يجوز أن يوصف به وبضده فهو من صفات الفعل، يعني خلق ولم يخلق، وأما ما لا يجوز وصفه بضده فهو من صفات الذات، هذه التفريقات في الحقيقة تعود إلى معنى واحد وهو ما أجمله الشيخ –رحمه الله-في قول الذاتية هي التي لم يزل ولا يزال متصف بها، فهي لا تقبل على قول المعتزلة لا تقبل النفي، وعلى قول الأشاعرة نفيها نقيصة، وعلى قول الماتردية لا يوصف الله بضدها فهذه التعريفات كلها منطبقة على ما ذكر الشيخ في تعريفه حيث قال في الذاتية التي لم يزل ولا يزال متصف بها.
أما الفعلية فهي التي تتعلق بالمشيئة، فهي قابلة للنفي والإثبات هذا كما قال المعتزلة، وأما الأشاعرة فقالوا التي ليس في نفيها نقيصة وهذا في حال عدم الفعل، فهو منطبق على التعريف، وفي تعريف الماتردية ما يجوز أن يوصف به وبضده وهو ما ينطبق على قوله والفعلية هي التي تتعلق بمشيئته إن شاء فعلها، وإن شاء لم يفعلها كالاستواء على العرش والنزول إلى السماء الدنيا.
لكن ينبغي أن يعلم أن الفعلية متى تكون كمالًا؟ ما تكون الصفات الفعلية كمالًا؟
عند اتصاف الله ـ تعالى بها، فصفة النزول صفة نزول الله ـ تعالى جل في علاه ـ إنما هي كمال متى؟ عندما يتصف بها، استوائه على العرش إنما كان كمالًا لما استوى على العرش، عندما يغضب إنما يكون الكمال عندما يتصف بالغضب، وهلم جر.
بخلاف الصفات الذاتية فهي كمال مطلق، هذا أيضًا فرق بين الصفات الذاتية والصفات الفعلية، الصفات الذاتية هي صفات كمال على وجه الإطلاق، أما الصفات الفعلية فهي صفات فعلية من حيث الأصل هي صفة كمال لكن متى تكون كمالًا؟ حينما يتصف بها جل في علاه.
قبل ما ننتقل إلى بقية كلام المؤلف في تداخل الصفات، وأن هذا التقسيم ليس حاجزًا دقيقًا بمعنى يمنع أن تشترط الصفة بأن تكون ذاتية وفعلية.
الصفات الذاتية تنقسم إلى قسمين حسب ما ذكر المؤلف في التمثيل صفات معنوية، وصفات خبرية.
الصفات المعنوية هي الصفات التي للعقل مدخل في إثباتها هذا ضابطها كالعلم والكلام والحياة والقدرة والعزة والعظمة والمجد وما أشبه ذلك، هذه صفات للعقل مدخل في إثباتها يستدل لثبوتها بالعقل.
أما الصفات الخبرية فهي التي يتوقف في إثباتها على النص على الخبر، ولذلك يسميها العلماء خبرية لأنها تستند إلى الخبر، يسمونها الصفات النقلية، يسمونها الصفات السمعية ؛ لأنها لو لم ترد في النص ما يمكن للعقل أن يثبت، هل يمكن أن يثبت العقل أن لله وجهًا؟ لا العقل لا يستقل بهذا، أن لله أصابع؟ لا، لا يستقل العقل بالإثبات لو لم يأتي الخبر بثبوت هذه الصفات ما كان يمكن أن تثبت هذه بالعقل.
فلذلك سميت خبرية لكن نقول هنا هل العقل ينفي هذه الصفات؟
الجواب: لا هو لا يثبتها لكن لا يلزم من عدم إثباته لها أنه ينفيها، لأن العقل قد يقصر عن إثبات شيء لكنه لا ينفيه لأنه لا يعلمه ولا يعلم ما يمنع منه.
إذًا الصفات الذاتية تنقسم إلى قسمين؛ صفات معنوية، وصفات خبرية، ما الفرق بينهما؟ الذاتية للعقل مدخل في إثباتها ما معنى للعقل مدخل في إثباتها؟ يعني مما يمكن أن يستدل له بالعقل أو يستدل عليه بالعقل هذا معنى العقل له مدخل وليس أن العقل يستقل بإثباتها، العقل لا يستقل بإثبات شيء من الأمور الغيبية، يعني لا ينفرد بإثباتها، لكن لما أخبر الله ـ تعالى ـ عن نفسه بأنه حي العقل يمكن أن يثبت هذه الصفة فلا يمكن أن يكون ربًا ليس بحي.
ولذلك قال الله ـ تعالى ـ في ذم من يدعى من دونه أموات غير أحياء، فلا يمكن أن يكون ربًا من لا حياة له، فهذا العقل يمكن أن يدخل في إثبات هذه الصفات، أما الخبرية لا يمكن أن يدخل العقل في أدلة إثبات أن للوجه عقل لا يمكن، لأن هذا العقل لا يقصر عن إدراك هذا، لكن فيما يتصل بالصفات المعنوية يمكن أن تقول أدلة إثبات حياة الله ـ تعالى ـ السمع والعقل هذا الفرق بين الصفات المعنوية والصفات الخبرية.
أريد أن يتضح ما معنى قولنا: للعقل مدخل في إثباتها؟ يعني أنه يمكن أن يستدل بالعقل في ثبوت هذه الصفة، لكن هل ينفرد العقل بإثبات صفة لله تعالى لم يرد بها النص؟ لا، لا يمكن لأننا ذكرنا أن الأسماء والصفات توقيفية.
ثم قال: وقد تكون الصفة ذاتية فعلية باعتبارين، كالكلام فإنه باعتبار أصله صفة ذاتية ؛ لأن الله ـ تعالى ـ لم يزل ولا يزال متكلمًا، وباعتبار الأصل صفة ذاتية لكن باعتبار آحاد كلامه ـ جل في علاه ـ آحاد أي أفراد هذه الصفة كلام الله لموسى هذا فرد، كلام الله لمحمد هذا فرد من صفة الكلام، آحاد الكلام صفة فعلية لأن الكلام يتعلق بالمشيئة يتكلم متى شاء بما شاء، كما في قوله: ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾[يس: 82] وكل صفة تعلقت بمشيئة الله ـ تعالى ـ فإنها تابعة لحكمته، وقد تكون حكمة معلومة وقد تعجز عن إدراكها هذا استطراد لكننا نعلم علم اليقين أنه لا يشاء شيء وهو موافق للحكمة ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾[الإنسان: 30] هذا استطراد لا صلة له بالقاعدة.
إنما الكلام على أصل هذه الصفة، وهي أن صفة الكلام صفة ذاتية وفعلية، ذاتية باعتبار أصل الاتصاف بهذه الصفة لم يزل ولا يزال متصف بها، وباعتبار أفراد هذه الصفة هي فعلية.