×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

نموذج طلب الفتوى

لم تنقل الارقام بشكل صحيح

خطب المصلح / خطب مرئية / خطبة الجمعة : أفضل ما اكتسبته النفوس

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المشاهدات:5753

إِنَّ الحَمْدُ للهَ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنُعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنا وَسَيِّئاتِ أَعْمالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا.

وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ؛ إِلَهُ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ، لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، صَفِيُّهُ وَخَلِيلُهُ، خِيرَتُهُ مِنْ خَلْقِهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنِ اتَّبَعَ سُنَّتَهُ بِإِحْسانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ:

فاتَّقُوا اللهَ أَيُّها المؤْمِنُونَ، اتَّقُوا اللهَ تَعالَى حَقَّ التَّقْوَى كَما أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ فَقالَ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَآل عمران:102.

وَلا يُمْكِنُ لمؤْمِنٍ أَنْ يُحَقِّقُ التَّقْوَى إِلاَّ بِالعِلْمِ بِاللهِ تَعالَى وَمَعْرِفَتِهِ؛ فالعِلْمُ بِاللهِ ـ جَلَّ في عُلاهُ ـ هُوَ طَرِيقُ تَحْقِيقُ التَّقْوَى، وَلِذَلِكَ كانَ أَوَّلُ ما أُمِرِ بِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ ما أَمَرَهُ بِهِ رَبَّهُ في قَوْلِهِ: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَالعلق:1، فَإِنَّ اللهَ تَعالَى أَمَرَ رَسُولَهُ في أَوَّلِ آيَةٍ أَوْحاها إِلَيْهِ أَنْ يَقْرَأَ.

وَالقِراءَةُ هِيَ طَرِيقُ التَّعَلُّمِ، القَراءَةُ هِيَ مِفْتاحُ التَّعُلُّمِ، فَإِنَّهُ مَنْ لا قِراءَةَ لَهُ وَلا مَعْرِفَةُ فَإِنَّهُ لا يُدْرِكُ عِلْمًا وَلا مَعْرِفَةً، مَنْ لا يَقْرَأُ لا يَعْرِفُ، مَنْ لا يَقْرَأُ لا يَعْلَمُ.

وَالقِراءَةُ لَيْسَتْ مَحْصُورَةً عَلَى قِراءَةِ الحُرُوفِ، فَما أَكْثَرُ القُرَّاءِ، إِنَّما القَراءَةُ هِيَ تَتَبُّعُ العِلْمِ وَطَلَبُهُ، هِيَ النَّظَرُ فِيما يُفِيدُ الإِنْسانَ وَيَنْفَعُهُ سَواءً كانَ ذَلِكَ عَنْ طَرِيقِ السَّمْعِ، أَوْ كانَ ذَلِكَ عَنْ طَرِيقِ البَصَرِ، أَوْ كانَ ذَلِكَ بِقِراءَةِ الحُرُوفِ، أَوْ كانَ ذَلِكَ بِغَيْرِ هَذِهِ الوَسائِلِ مِمَّا تُدْرَكُ بِهِ العُلُومُ وَالمعارِفُ.

وَلِذَلِكَ كانَ مِنْ أَوائِلِ ما أَمَرَ اللهُ تَعالَى بِهِ رَسُولَهُ: العِلْمُ، فَكانَ في ذِكْرِ المعْلُوماتِ أَوَّلِ ما أُمِرَ بِهِ العِلْمُ فَقالَ تَعالَى: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَمحمد:19 فَأَمَرَهُ بِالعِلْمِ قَبْلَ العَمَلِ، لِذَلِكَ كانَ أَفْضَلُ ما اكْتَسَبَتْهُ النُّفُوسُ عِلْمٌ بِاللهِ وَعِلْمٌ بِرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَتِّبِعُهُ إِيمانٌ وَعَمَلٌ صالِحٌ، يَقُولُ اللهُ تَعالَى: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍالمجادلة:11.

فَالعِلْمُ حَياةُ القُلُوبِ، العِلْمُ حَياةُ الأَرْواحِ، العِلْمُ نُورُ البَصائِرِ، العِلْمُ شِفاءُ الصُّدُورِ، العِلْمُ مِيزانٌ يُدْرِكُ بِهِ الإِنْسانُ الخَيْرَ مِنَ الشَّرِّ، يَعْرِفُ بِهِ الحَقَّ مِنَ الباطِلِ، يَعْرِفُ بِهِ النَّافِعَ مِنَ الضَّارِّ.

لِذَلِكَ كانَتْ حاجَةُ الإِنْسانِ إِلَى العِلْمِ أَعْظَمَ مِنْ حاجَتِهِ إِلَى أَيْ شَيْءٍ آخِرَ، بَلْ حاجَتُهُ إِلَى العِلْمِ أَعْظَمُ مِنْ حاجَتِهِ إِلَى الطَّعامِ وَالشَّرابِ؛ فَالطَّعامُ وَالشَّرابُ تَقْوَى بِهِ الأَبْدانِ، إِلَّا أَنَّ العِلْمَ تَقْوَى بِهِ القُلُوبُ، تُنارُ بِهِ الطُّرُقُ، وَتُعْرَفُ بِهِ السُّبُلُ، وَيُدْرِكُ الإِنْسانُ مَنافِعَ ما بَيْنَ يَدَيِهْ مِنْ خَلْقِ اللهِ تَعالَى، لِذَلِكَ قالَ الإِمامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللهُ: «النَّاسُ إِلَى العِلْمِ أَحْوَجُ مِنْهُمْ إِلَى الطَّعامِ وَالشَّرابِ، فَالرَّجُلُ يَحْتاجُ إِلَى الطَّعامِ وَالشَّرابِ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ وَحاجَتُهُ إِلَى العِلْمِ بِعَدَدِ أَنْفاسِهِ«مَدارِجُ السَّالِكينَ(2/440), وَلَمْ أَجِدْهُ مُسْنَدًا.

وَكَيْفَ لا تَكُونُ هَذِهِ مَنْزِلَةُ العِلْمِ وَهُوَ الَّذِي بِهِ يُعْرَفُ اللهُ تَعالَى، تُعْرَفُ بِهِ أَسْماؤُهُ وَصِفاتُهُ، يُعْرَفُ بِهِ ما يَأْمُرُ بِهِ وَما يَنْهَى عَنْهُ، يُعْرَفُ بِهِ ما يَسْعَدُ بِهِ الإِنْسانُ وَيَشْقَى: ﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَاالأنعام:122.

أَيُّها المؤْمِنوُنَ: لا يَسْتَوِي مَنْ يَعْلَمُ مَعَ مَنْ لا يَعْلَمُ، فَقَدْ فَرَقَ اللهُ بَيْنَهُما، قالَ جلَّ في عُلاهُ: ﴿أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِالرعد:19.

وَالعِلْمُ أَصْلَهُ هُوَ العِلْمُ بِاللهِ، وَهَذا أَساسُهُ وَعَلَيِْهِ يُبْنَى كُلُّ عِلْمٍ بَعْدَ ذَلِكَ مِمَّا يَصْلُحُ بِهِ حالُ النَّاسِ في الدُّنْيا وَالآخِرَةِ، فَأَصْلُ العُلُومِ العِلْمُ بِاللهِ ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُفاطر:28، وَهُمُ الَّذِينَ عَرَفُوهُ بِما بَثَّهُ مِن الأَدِلَّةِ، وَبِما أَقامَهُ مِنَ البَراهِينَ، وَبِما بَعَثَ بِهِ الرُّسَلَ صَلَواتُ اللهِ وَسَلامُهُ عَلَيْهِمْ.

قالَ ابْنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللهُ: "إِنَّما يَخْشاهُ حَقَّ خَشْيَتِهِ العُلَماءُ العارِفُونَ بِهِ؛ لأَنَّهُ كُلَّما كانَتِ المعْرِفَةُ لِلعَظِيمِ القَدِيرِ العَلِيمِ الموْصُوفِ بِصِفاتِ الكَمالِ المنْعُوتِ بِالأَسْماءِ الحُسْنَى كُلَّما كانَتِ المعْرِفَةُ بِهِ أَتَمَّ، وَالعِلْمُ بِهِ أَكْمَلَ، كانَتْ خَشْيَتُهُ أَعْظَمَ وَأَكْبَرَ".تَفْسِيرُ ابْنِ كَثِيرٍ(6/544).

الَّلهُمَّ ارْزُقْنا خَشَيْتَكَ في الغَيْبِ وَالشَّهادَةِ، مُنَّ عَلَيْنا بِالعِلْمِ بِكَ وَبِشَرْعِكَ وَبِما يَنْفَعُنا في الدُّنْيا وَالآخِرَةِ.

أَقُولُ هَذا القَوْلَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ، فاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.

***

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

الحَمْدُ للهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبارَكًا فِيهِ، أَحْمَدُهُ حَقَّ حَمْدِهِ، وَأُثْنِي عَلَيْهِ الخَيْرَ كُلَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ.

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَما صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهيِمَ وَعَلَى آلِ إِبْراهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.

أَمَّا بَعْدُ:

فاتَّقُوا اللهَ أَيُّها المؤْمِنُونَ، اتَّقُوا اللهَ تَعالَى وَاعْرِفُوا حَقَّ العَلْمِ وَمَنْزِلَتَهُ، وَفَضْلَ العُلَماءِ وَعَظِيمَ مَكانَتِهِمْ؛ فَإِنَّ اللهَ رَفَعَ شَأْنَهُمْ وَأَعْلَى مَقامَهُمْ، قالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ في الدِّينِ»البُخارِيُّ(71), وَمُسْلِمٌ(1037)، فَمِنْ عَلاماتِ إِرادَةِ الخَيْرِ بِالعَبْدِ أَنْ يَرْزُقَهُ اللهُ تَعالَى فِقْهًا في الدِّينِ، يَعْلَمُ بِهِ كَيْفَ يُحِقَّقُ غايَةَ الوُجُودِ، يَعْلَمُ بِهِ كَيْفَ يَعْبُدُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ، يَعْلَمُ بِهِ كَيْفَ يَتَقَرَّبُ إِلَيْهِ، كَيْفَ يَصِلُ إِلَيْهِ جَلَّ في عُلاهُ؛ لِذَلِكَ أَعْلَى مَنْزِلَةً أَهْلُ العِلْمِ فَرَفَعَ اللهُ شَأْنَهُمْ وَأَعْلَى مَقامَهُمْ لا لِذَواتِهِمْ، إِنَّما لما حَمَلُوهُ في صُدُروِهِمْ مِنَ العِلْمِ بِهِ وَالمعْرِفَةِ بِهِ، وَهَذا لَيْسَ خَاصًّا بِفِئَةٍ، وَلا مَقْصُورًا عَلَى طائِفَةٍ، بِلْ هَذا مَفْتُوحٌ لِكُلِّ مَنْ طَلَبَ العِلْمَ مُخْلِصًا للهِ عَزَّ وَجَلَّ، «مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ في الدِّينِ»البُخارِيُّ(71), وَمُسْلِمٌ(1037)،

﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍالمجادلة:11 فَالرَّفْعُ لَيْسَ لِلأَشْخاصِ، إِنَّما هُوَ لِلمَعانِي الَّتي حَمَلُوها مِنَ العِلْمِ بِاللهِ وَالإيمانِ بِهِ جَلَّ في عُلاهُ.

فَيَنْبَغِي لِلمُؤْمِنِ أَنْ يَحْرِصَ عَلَى الاسْتِكْثارِ مِنَ الخَيْرِ وَمَعْرِفَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالعِلْمُ بِهِ بِكُلِّ الوَسائِلِ وَكُلِّ الطُرُقِ، فَقَدْ قالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا، سَهَّلَ اللهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ»مُسْلِمٌ(2699).

لَمْ يَرِدْ في كِتابٍ وَلا في شَرِيعَةٍ رَفْعٌ لِلعِلْمِ وَبَيانٌ لِفَضْلِهِ وَعِظِيمِ مَثْوبَةِ أَهْلِهِ كَما وَرَدَ في هَذِه الشَّرِيعَةِ؛ فَإِنَّ فَضْلَ العِلْمِ فِيها بيِّنٌ وَاضِحٌ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَدَبَ الجَمِيعَ إِلَى التَّعَلُّمِ وَالتَّعْلِيمِ فَقَالَ: «بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً»البُخارِيُّ(3461)، فَلَيْسَ هُناكَ حَدٌّ يُخاطَبُ بِهِ النَّاسُ فِيما يَتَعَلَّقُ بِالتَّعَلُّمِ أَوِ التَّعْلِيمِ، كُلُّ مَنْ عَلَّمَ عِلْمًا أَدْرَكَ فَضْلًا، وَكُلُّ مِنْ بَلَّغَ ما عَلِمَ أَدْرَكَ فَضْلًا وَلَوْ كانَتْ آيَةً، «بِلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً»البُخارِيُّ(3461).

فَيَنْبَغِي لِأُمَّةِ اقْرَأْ أَنْ تَتَقَدَّمَ إِلَى التَّعَلُّمِ وَالتَّعْلِيمِ بِكُلِّ قُوَّةٍ وَثَباتٍ، تَحْتَسِبُ الأَجْرَ في ذَلِكَ عِنْدَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلَّغَ عَنْ َرَبِّهِ ما تَصْلُحُ بِهِ حَياةُ النَّاسِ، ما يَصْلُحُ بِهِ مَعاشُهُمْ وَما يَصْلُحُ بِهِ مَعادُهُمْ، وَبِقَدْرِ أَخْذِنا وَمَعْرِفَتِنا لما جاءَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَمِلْنا بِذَلِكَ بِقَدْرِ ما نُحَقِّقُ مِنْ أَسْبابِ السَّعادَةِ.

﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُالإسراء:9 إذًا أَيْنَ المشْكِلَةُ؟ لماذا نَحْنُ عامَّةُ العالَمِ الإِسْلامِيِّ في آخِرِ القائِمَةِ؟

لأَمْرَيْنِ:

الأَمْرُ الأَوَّلُ: أَنَّنا لَمْ نَكْتَشِفْ هِداياتِ القُرْآنِ.

وَما عَلِمنْاهُ مِنْ هِداياتِهِ لِمْ نَعْمِلْ بِهِ.

فَعِنْدَما لا تَعْلَمُ الحَقَّ، وَعِنْدَما تَعْلَمُهُ وَلا تَعْمَلْ بِهِ فَإِنَّكَ لَنْ تُدْرِكَ السَّبْقَ، ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾ في كُلِّ شَأْنٍ لَيْسَ فَقَطْ فِيما يَتَعَلَّقُ بِصَلَتِكَ بِاللهِ كَيْفَ تُصَلِّي، كَيْفَ تُزَكِّي، كَيْفَ تَصُومُ، كَيْفَ تَحُجُّ، بَلْ في كُلِّ شَأْنٍ؛ في شَأْنِ الِّدِينِ وَشَأْنِ الدُّنْيا ﴿مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍالأنعام:38.

إِنَّما المهِمَّةُ المنَوطَةُ بِأَهْلِ الإِسْلامِ الَّتي يَنْبَغِي أَنْ يَنْبَرِي لَها أَهْلُ الإِسْلامِ هِيَ: اكْتِشافُ هِداياتِ القُرْآنِ، هَذا وَاحِدٌ، ثُمَّ بَعْد َذَلِكَ السَّعْيِ في نَشْرِ هذَهِ الهِداياتِ مُمارَسةً وَعَمَلًا لَيْسَ تَنْظِيرًا وَقَوْلًا.

فَنَحْنُ إِلَى العَمَلِ أَحْوَجُ مِنَّا إِلَى القَوْلِ؛ كَما قالَ عُثْمانُ عِنْدَما وَلِيَ أَمْرَ المسْلِمينَ قالَ في خُطْبَتِهِ: «أَنْتُمْ إِلَى إِمام فَعَّالٍ أَحْوَجَ مِنْكُمْ إِلَى إِمامٍ قَوَّالٍ»ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ البَرَّ في كِتابِهِ بَهْجَةُ المجالِسِ(10)، وَلَمْ أَجِدْهُ مُسْنَداً,قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: إِنَّهَا لَمْ تُعْرَفُ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ بَلْ فِي كُتُبِ الْفَقِهِ. يُنْظَرُ:الأَسْرارُ المرْفُوعَةُ في الأَخْبارِ الموْضُوعَةِللِقارِي ح(330), وَنَصْبِ الرَّايَةِ لِلزَّيْلَعِيِّ(2/197). فَالقَوْلُ كَثِيرٌ مَنْ يُحْسِنُهُ لَكِنَّ العَمَلَ يَتَخَلَّفُ في واقِعِ كَثِيرٍ مِنَّا، وَالمجاهَدَةُ في الأَمْرَيْنِ في تَحْصِيلِ الهِداياتٍ وَالعِلْمِ وَفي مُمَارَسَتِها وَإِيجادِها واِقعًا في حياتِنا.

اللَّهُمَّ أَلْهِمْنا رُشْدَنا، وِقِنا شَرَّ أَنْفُسِنا، أَعِنَّا عَلَى طاعَتِكَ، وَاصْرِفْ عَنَّا مَعْصِيَتَكَ.

أَيُّها المؤْمِنُونَ: كَثِيرونَ مِنَ النَّاسِ عِنْدَما يَسْمَعُونَ حَدِيثًا في فَضْل العِلْمِ الشَّرْعِيِّ؛ العِلْمُ بِاللهِ، العِلْمُ بِرَسُولِهِ، العِلْمُ بِقالَ اللهُ، العِلْمُ بِقالَ الرَّسُولُ يُصِيبُهُمْ نَوْعٌ مِنَ الاسْتِفْزازِ وَيَقُولُونَ: يَعْنِي أَنْتُمْ احْتَكَرْتُمْ الفَضائِلَ كُلَّها في الكِتابِ وَالسُّنَّةِ وَلَكُمْ، وَغَيْرُكُمْ يَعْبَثُ؟

الجَوابُ: لا.

أَوَّلًا: هَذِهِ الفَضائِلُ لَيْسَتْ لأَشْخاصٍ، هَذِهِ الفَضائِلُ لِكُلِّ مِنْ سَلَكَ هَذا الطَّرِيقَ، مَنْ تَعَلَّمَ العِلْمَ نالَ هَذِهِ الفَضائِلَ إِذا أَخْلَصَ للهِ وَأَتْبَعَ العِلْمَ العَمَلَ.

ثُمَّ بِقَيَّةُ عُلُومِ الدُّنْيا الَّتي يَحْتاجُها النَّاسُ هِيَ مِمَّا أَمَرَ اللهُ تَعالَى بِهِ وَرَسُولُهُ، هِيَ مِمَّا يَنْتَفِعُ بِهِ الإِنْسانُ، لَكِنِ العُلُومُ الأُخْرَى تَخْتَلِفُ في ناحِيَتَيْنِ:

أَنَّ وُجُوبَها لَيْسَ عَيْنِيًّا إِنَّما وُجُوبُها كِفائِيُّ، بِخلافِ العِلْمِ الشَّرْعِيِّ فَمِنْهُ قَدْرٌ يَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا. الآنَ الصَّلاةُ: كُلُّنا مَأْمُورُونَ بِالصَّلاةِ، ما الواجِبُ عَلَّي وَعَلَيْكَ وَعَلَى المرْأَةِ في بَيْتِها وَعَلَى الطِّفْلِ الَّذِي عُمُرُهُ سَبْعُ سَنَواتٍ؟ الواجِبُ عَلَيْنا جَمِيعًا أَنَّ نَتَعَلَّمَ كَيْفَ نُصِلِّي، هَذا مِمَّا يَشْتَرِكُ فِيهِ النَّاسُ، قِسْمٌ مِنَ العِلْمِ الشَّرْعِيِّ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ وَهُوَ العِلْمُ بِاللهِ الَّذِي يُحَقِّقُ بِهِ مَعْرِفَتُهُ لِيَعْبُدَهُ، وَالثَّانِي العِلْمُ بِالقَدْرِ الوَاجِبِ مِنَ العِباداتِ في الصَّلاةِ وَالزَّكاةِ وَالصَّوْمِ وَالحَجِّ وَسائِرِ الواجِباتِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي تَجِبُ عَلَى الِإنْسانِ، وَهَذا لا يَجِبُ في بَقِيَّةِ العُلُومِ الدُّنْيَوِيَّةِ، إِنَّما العُلُومُ الدُّنْيَوِيَّةُ بِكافَّةِ صُنُوفِها هِيَ في الأَصْلِ فُرُوضُ كِفاياتٍ إِذا كانَتْ الأُمَّةُ تَحْتاجُ إِلَيْها سَواءً كانَ في الطِّبِّ، كانَ في الهَنْدَسَةِ، كانَ في الصِّناعاتِ، كانَ في غَيْرِها مِنْ أَبْوابِ العِلْمِ هَذا واحِدٌ.

الأَمْرُ الثَّانِي، الفَرْقُ الثَّانِي بَيْنَ العُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ وَالعُلُومِ الطَّبِيعِيَّةِ وَالتَّطْبِيقِيِّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ: أَنَّ مُتَعَلِّمَ العِلْمِ الشَّرْعِيِّ إِذا قَصَدَ غَيْرَ اللهِ فِيها هَلَكَ؛ فَمَنْ طَلَبَ عِلْمًا - مِنَ العِلْمِ الشَّرْعِيِّ - يَبْتَغِي بِهِ وُجُوهَ النَّاسِ وَيَبْتَغِي بِهِ المماراةَ وَيَبْتَغِي بِهِ المنْزِلَةَ عِنْدَ النَّاسِ كانَ هَلاكًا لَهُ، أَمَّا العُلُومُ الدُّنْيَوِيَّةُ لَوْ تَطَلَّبَ ما تَطَلَّبَ مِنْ عُلُومِ الدُّنْيا حَتَّى تَنالَ مَنْزِلَةً عِنْدَ النَّاسِ أَوْ تَكْتَسِبُ بِها رِزْقًا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ إِثْمًا بَلْ كانَ ذَلِكَ مُباحًا، إِذًا هَذا فَرْقٌ آخَرُ؛ فَإِنَّ العِلْمَ الشَّرْعِيَّ إِذا طَلَبْتَهُ لِلدُّنْيا هَلَكْتَ، وَأَمَّا عِلْمُ الدُّنْيا إِذا طَلَبْتَهُ لِلدُّنْيا فَأَنْتَ تَشْتَغِلُ بِعَمَلٍ مُباحٍ.

لِكَنْ أَيْضًا هُناكَ فَرْقٌ؛ وَهُو الفَرْقُ الثَّالِثُ: أَنَّ العِلْمَ الشَّرْعِيَّ مَنْ طَلَبَهُ مُخْلِصًا للهِ رَفَعَ اللهُ مَقامَهُ وَأُجِرَ في كُلَّ لَحْظَةٍ في قَراءَتِهِ وَمُراجَعَتِهِ وَبَحْثِهِ وَتَذْكِيرِهِ؛ لأَنَّهُ عِبادَةٌ، أَمَّا العِلْمُ الدُّنْيَوِيُّ فَإِنَّهُ يُؤْجَرُ مَتَى؟ إِذا صَلَحَتْ نِيَتُهُ، بِمَعْنَى احْتَسَبَ أَجْرَ تَعَلُّمِهِ عِنْدَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، يَعْني يَطْلُبُ عِلْمَ الطِّبِّ حَتَّى يَسُدَّ حاجَةَ المسْلِمينَ، يَطْلُبُ عِلْمَ الهَنْدَسَةِ، عِلْمَ الصِّناعاتِ، سائِرَ العُلُومِ لأَجْلِ أَنْ يَسُدَّ حاجَةَ المسْلِمينَ هُنا يُؤْجَرُ لأَجْلِ نِيَّتِهِ.

هَذِهِ ثَلاثَةُ فُرُوقٍ بَيْنَ العِلْمِ الشَّرْعِيِّ وَبَيْنَ العِلْمِ الدُّنْيَوِيِّ، وَالمطْلُوبُ أَنْ نَشْتَغْلَ بِالأَمْرَيْنِ، فاَلأُمَّةُ بِحاجَةٍ ماسَّةٍ إِلَى عُلُومِ الشَّرِيعَةِ الَّتِي تَرْفَعُ الجَهْلَ عَنِ النَّاسِ وَتُبَصِّرُ، وَهِيَ بِحاجَةٍ إِلَى العُلُومِ الدُّنْيَوِيَّةِ الَّتِي بِها تَرْتَقِي وَتَسْمُو.

اللَّهُمَّ أَلْهِمْنا رُشْدَنا، وَقِنا شَرَّ أَنْفُسِنا، وَأَعِنَّا عَلَى طاعَتِكَ، وَاصْرِفْ عَنَّا مَعْصِيَتَكَ.

أَقُولُ هَذا القَوْلَ، وَأَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُصْلِحَ حالِي وَحالَكُمْ وَحالَ المسْلِمينَ، الَّلهُمَّ آمِنَّا في أَوْطانِنا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنا وَوُلاةَ أُمُورِنا، وَاجْعَلْ وِلايَتَنا فِيمَنْ خافَكَ وَاتَّقاكَ وَاتَّبَعَ رِضاكَ يا رَبَّ العالمينَ.

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَهْدِيَ ضالَّ المسْلِمينَ، اللَّهُمَّ اهْدِ ضالَّهُمْ، اللَّهُمَّ اهْدِ ضَالَّهُمْ، وَرُدَّهُمْ إِلَى الحِقِّ يا رَبَّ العالمينَ، اللَّهُمَّ ثَبِّتْنا بِالقَوْلِ الثَّابِتِ في الحياةِ الدُّنْيا وَفِي الآخِرَةِ.

رَبَّنا اغْفِرْ لَنا وَلِإخْوانِنا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالإيمانِ، وَلا تَجْعَلْ في قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذينَ آمَنُوا، رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ.

اللَّهُمَّ ارْفَعْ البَلاءِ عَنِ الإِسْلامِ وَالمسْلِمينَ في كُلِّ مَكانٍ، اللَّهُمَّ أَصْلِحْ حالَ المسْلِمينَ في كُلِّ مَكانٍ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ لإِخْوانِنا في سُورِيَّا وَالعِراقِ وَاليَمَنِ وَسائِرِ البُلْدانِ فَرَجًا وَمَخْرَجًا.

اللَّهُمَّ أَعِزَّ أَهْلَ الإِسْلامِ وَأَظْهِرْ دِينَكَ الَّذِي جاءَ بِهِ خَيْرُ الأَنامِ يا رَبَّ العالمينَ.

رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الخاسِرينَ.

 

الاكثر مشاهدة

4. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات94000 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات89900 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف