ومذهبهم باطل من وجوه: أحدها: أنه جناية على النصوص، حيث جعلوها دالة على معنى باطل غير لائق بالله ولا مراد له. الثاني: أنه صرف لكلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم عن ظاهره. والله تعالى خاطب الناس بلسان عربيٍ مبين ليعقلوا الكلام ويفهموه على ما يقتضيه هذا اللسان العربي، والنبي صلى الله عليه وسلم خاطبهم بأفصح لسان البشر، فوجب حمل كلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم على ظاهره المفهوم بذلك اللسان العربي، غير أنه يجب أن يصان عن التكييف والتمثيل في حق الله عز وجل. الثالث: أن صرف كلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم عن ظاهره إلى معنى يخالفه قول على الله بلا علم، وهو محرم لقوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ}، ولقوله سبحانه: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً}. فالصارف لكلام الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم عن ظاهره إلى معنى يخالفه قد قفا ما ليس له به علم، وقال على الله ما لا يعلم من وجهين: الأول: أنه زعم أنه ليس المراد بكلام الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم كذا، مع أنه ظاهر الكلام. الثاني: أنه زعم أن المراد به كذا لمعنى آخر لا يدل عليه ظاهر الكلام. وإذا كان من المعلوم أن تعيين أحد المعنيين المتساويين في الاحتمال قولٌ بلا علم، فما ظنك بتعيين المعنى المرجوح المخالف لظاهر الكلام؟. مثال ذلك: قوله تعالى لإبليس: {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيّ} فإذا صرف الكلام عن ظاهره وقال: لم يرد باليدين اليدين الحقيقيتين، وإنما أراد كذا وكذا. قلنا له: ما دليلك على ما نفيت؟، وما دليلك على ما أثبت؟. فإن أتى بدليل وأنّى له ذلك، وإلا كان قائلاً على الله بلا علم في نفيه وإثباته. الوجه الرابع في إبطال مذهب أهل التعطيل: أن صرف نصوص الصفات عن ظاهرها مخالف لما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وسلف الأمة وأئمتها، فيكون باطلاً، لأن الحق بلا ريب فيما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وسلف الأمة وأئمتها. الوجه الخامس: أن يقال للمعطل: هل أنت أعلم بالله من نفسه؟. فسيقول: لا. ثم يقال له: هل ما أخبر الله عز وجل به عن نفسه صدق وحق؟. فسيقول: نعم. ثم يقال له: هل تعلم كلاما أفصح وأبين من كلام الله تعالى؟. فسيقول: لا. ثم يقال له: هل تظن أن الله سبحانه وتعالى أراد أن يعمي الحق على الخلق في هذه النصوص ليستخرجوه بعقولهم؟. فسيقول: لا. هذا ما يقال له باعتبار ما جاء في القرآن. أما باعتبار ما جاء في السنة: فيقال له: هل أنت أعلم بالله من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟. فيقول: لا. ثم يقال له: هل ما أخبر به رسول الله عن الله صدق وحق؟. فسيقول: نعم. ثم يقال له: هل تعلم أن أحدًا من الناس أفصح كلاما وأبين من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟. فسيقول: لا. ثم يقال له: هل تعلم أن أحدًا من الناس أنصح لعباد الله من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟. فسيقول: لا. فيقال له: إذا كنت تقر بذلك، فلماذا لا يكون عندك الإقدام والشجاعة في إثبات ما أثبته الله تعالى لنفسه، وأثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم على حقيقته وظاهره اللائق بالله؟، وكيف يكون عندك الإقدام والشجاعة في نفي حقيقته تلك وصرفه إلى معنى يخالف ظاهره بغير علم؟، وماذا يضيرك إذا أثبت لله تعالى ما أثبته لنفسه في كتابه أو سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، على الوجه اللائق به فأخذت بما جاء في الكتاب والسنة إثباتا ونفيا؟، أفليس هذا أسلم لك وأقوم لجوابك إذا سئلت يوم القيامة: {مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ}؟، أو ليس صرفك لهذه النصوص عن ظاهرها وتعيين معنى آخر مخاطرة منك، فلعل المراد يكون على تقدير جواز صرفها غير ما صرفتها إليه. الوجه السادس في إبطال مذهب أهل التعطيل: أنه يلزم عليه لوازم باطلة، وبطلان اللازم يدل على بطلان الملزوم. فمن هذه اللوازم: أولاً: أن أهل التعطيل لم يصرفوا نصوص الصفات عن ظاهرها إلا حيث اعتقدوا أنه مستلزم أو موهم لتشبيه الله تعالى بخلقه، وتشبيه الله تعالى بخلقه كفر، لأنه تكذيب لقوله تعالى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}. قال نعيم ابن حماد الخزاعي أحد مشايخ البخاري رحمهما الله: (من شبه الله بخلقه فقد كفر، ومن جحد ما وصف الله به نفسه فقد كفر، وليس ما وصف الله به نفسه ولا رسوله تشبيها) اه. ومن المعلوم: أن من أبطل الباطل أن يجعل ظاهر كلام الله تعالى وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم تشبيها وكفرًا أو موهما لذلك.