×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

مرئيات المصلح / دروس المصلح / العقيدة / القواعد المثلى / الدرس(22) من القواعد المثلى المثال الثالث والرابع

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المشاهدات:3761

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد.

قال شيخنا العالم الجليل محمد بن عثيمين –رحمه الله-وغفر له ولنا ولشيخنا وللحاضرين.

المثال الثالث: "إني أجد نَفَسَ الرحمن من قبل اليمن". والجواب: أن هذا الحديث رواه الإمام أحمد في المسند من حديث أبي هريرة ـ رضى الله عنه ـ قال: قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «ألا إن الإيمان يمان، والحكمة يمانية، وأجد نَفَسَ ربكم من قبل اليمن»أخرجه أحمد (10978). قال في "مجمع الزوائد": (رجاله رجال الصحيح، غير شبيب وهو ثقة). قلت وكذا قال في "التقريب" عن شبيب: (ثقة، من الثالثة، وقد روى البخاري نحوه في التاريخ الكبير). وهذا الحديث على ظاهره، والنفَس فيه اسم مصدر نفس ينفس تنفيسا، مثل فرّج يفرج تفريجا وفَرَجا. هكذا قال أهل اللغة، كما في "النهاية" و"القاموس" و"مقاييس اللغة"، قال في مقاييس اللغة: (النَّفس: كل شيء يفرج به عن مكروب). فيكون معنى الحديث: أن تنفيس الله ـ تعالى ـ عن المؤمنين يكون من أهل اليمن. قال شيخ الإسلام ابن تيميه: "وهؤلاء هم الذين قاتلوا أهل الردة، وفتحوا الأمصار، فبهم نَفَّسَ الرحمن عن المؤمنين الكروبات" انتهى من "مجموع فتاوى شيخ الإسلام: لابن قاسم.

الحمد لله رب العالمين نحمده ـ جل في علاه ـ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اتبع سنته بإحسان إلى يوم الدين أما بعد.

فهذا هو المثال الثالث من الأمثلة التي ذكرها المؤلف –رحمه الله-لما اعترض به المعترضون من المحرفين المؤولين على أهل السنة والجماعة حيث قالوا إنكم أنكرتم علينا التأويل وأنتم فعلتموه وعملتم به في مواضع عديدة فكان جواب الشيخ –رحمه الله-جوابًا مجملًا ومفصلًا على هذه الشبهة وهذا الاعتراض.

أما الجواب المجمل فمركب من أمرين؛ المنع، والتسليم منع دعوى التأويل الذي يسمونه تحريفًا، والثاني التسليم بوجود التأويل ولكنه تأويل يختلف عن تأويل المحرفين حيث أنه تأويل يستند إلى دليل هذا ملخص الجواب المجمل وهو الجواب العام الذي يصلح لكل شبهة.

أما الجواب المفصل فهو الجواب على ما ذكره هؤلاء من أمثلة جعلوها حجة لهم في صحة ما هم عليه من تأويل مذموم وتحريف للكلم عن مواضعه، مضى من هذا التمثيل مثالان؛ المثال الأول الحجر الأسود يمين الله في الأرض، والمثال الثاني "قلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن".

المثال الثالث قال فيه –رحمه الله-: "إني أجد نفس الرحمن من قبل اليمن"، وفي الجواب على ما ادعاه هؤلاء من أنه تأويل في هذا الأثر سلك المؤلف –رحمه الله-أولًا بيان حال هذا الأثر من حيث الثبوت وعدمه لأنه لا بد في المنقول عن النبي –صلى الله عليه وسلم-من النظر في حال نقلته في إسناده هل هو ثابت أو لا؟ فإذا ثبت عند ذلك نظر في المعنى، فالنظر في المعاني هو المنزلة الثانية بعد النظر في النقلة والرواة، ولهذا ابتدأ بذكر حال رواة هذا الحديث ثم تطرأ إلى معناه.

أين التأويل الذي قالوا إن أهل السنة والجماعة أخذوا به في هذا الحديث، أنهم قالوا في قوله إني أجد نفس الرحمن نفس هنا قالوا هو التنفيس وهو التفريج وهو الكشف للكربة وإزالة النازلة هذا قالوا إنه تأويل للحديث وهو نظير ما نفعله قيل لهم ما الظاهر الذي فهمتموه من هذا حتى عددتم هذا تأويلًا قالوا الظاهر أن النفس هو الهواء الذي يخرج من الجوف، فظاهر الحديث في قوله: "إني أجد نفس الرحمن" أي ما يخرج من جوفه ـ جل في علاه ـ هكذا قالوا وهذا ظاهر النص، ومعلوم أنه لا يقول بذلك أحد من أهل السنة والجماعة فالله ـ تعالى ـ الصمد، ومن معاني الصمد المصمد الذي لا جوف له.

ومقتضى قولهم إن هذا هو الظاهر حلول الله ـ تعالى ـ في خلقه، وهذا مما لا يقوله أهل السنة والجماعة، فتبين خطأ ما توهموه من الظاهر من جهتين وأن هذا لا يمكن أن يكون ظاهر النص قبل النظر في معنى الحديث نقرأ ما قاله المؤلف –رحمه الله-فيما يتصل بإسناده، لكن أحببت أن أبين ما الظاهر الذي فهموه وقالوا إن أهل السنة والجماعة أوله، فالظاهر ما هو؟ الذي زعموه أن ظاهر النص أن النفس هنا هو النفس المعهود وهو الهواء الخارج من الجوف.

قالوا: هذا الظاهر وبالتالي أنتم لما لم تقبلوا هذا أولتموه، فماذا تنكرون علينا من تأويلنا ما أولناه؟ أولًا ما يتصل بصحة الحديث يقول المؤلف –رحمه الله-والجواب أن هذا الحديث رواه الإمام أحمد في المسند من حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: "ألا أن الإيمان يمان والحكمة يمانية وأجد نفس ربكم من قبل اليمن" أخرجه أحمد (10978) من قبل يعني من جهة اليمن، واليمن هو ما كان في يمين الكعبة وهو على كلام المؤلف المتقدمين من حيث توصيف اليمن الطائف وما دونها، وتعرفون أن هذه الأسماء يعني جرى عليها تغيير اصطلاحي عبر التاريخ وأصبحت هذه المناطق تسمى في جهات محددة والمقصود اليمن المعهود في كلام النبي –صلى الله عليه وسلم-كسائر تسمياته للمناطق المشهورة في زمانه، فكان اليمن في زمانه هو ما تحت الطائف.

يقول –صلى الله عليه وسلم-: "وأجد نفس ربكم من قبل اليمن" قال في مجمع الزوائد رجاله رجال الصحيح غير شبيب وهو ثقة قلت وكذا قال في التقريب ابن حجر يعني عن شبيب ثقة من الثالث، وقد روى البخاري نحوه أي نحو هذا الحديث في التاريخ الكبير، وهذا الحديث من حيث ثبوته للعلماء فيه قولان؛ منهم من ضعف هذا الحديث لضعف ما جاء من طرق، والشيخ –رحمه الله-مال إلى أن الحديث لا بأس بإسناده لثوثيق شبيب في كلام بعض أهل العلم، وقد جاء أيضًا مما يعضد هذا جاء ما يعتضد به الحديث فقد روي من طريق سلمة بن نوفيل رضي الله عنه في مسند البزار قال عنه الحافظ بن حجر بإسناد حسن وقد قال في الجملة عن الحديث حديث أبي هريرة قال: لا بأس بإسناده فله شاهد من حديث سلمة بن نوفيل وله شاهد من قول أبي بن كعب فقد جاء عنه موقوفًا ـ رضي الله عنه ـ أنه قال: لا تسبوا الريح فإنها من نفس الرحمن تبارك وتعالى.

هذا من حيث الإسناد، الإسناد ثابت على وجه لا بأس به ليس ثبوتًا قويًا، لكن على وجه لا بأس به وقد ضعفه بعض أهل العلم، وعلى كل حال فإن تضعيف من ضعفه ليس تضعيفًا شديدًا، إذا كان حديث ثابت فقد أمنا من جهة النقل والرواية بقي من جهة النظر في معاني الحديث هل ما زعموه هو الظاهر من الحديث؟ الجواب لا لأنه تقدم لنا أن الظاهر وهو المعنى الذي يسبق إلى الفهم، وهو المعنى الذي يتبادر إلى الذهن ما الذي يحدده؟ يحدده سياقه وما أضيف إليه، فإضافة النفس إلى السياق وإضافة النفس إلى الله ـ تعالى ـ يقطع المؤمن بأنه ليس المراد النفس الذي هو الهواء الخارج من الجوف لا من حيث السياق ولا من حيث الإضافة، فالكلام يتبين ويتحدد ويتضح بما أضيف إليه.

فقوله –صلى الله عليه وسلم-: "إني أجد نفس الرحمن من قبل اليمن"، وقوله في الحديث: "وأجد نفس ربكم من قبل اليمن" معناه التنفيس فنفس كفرج فنفس تنفيسا كفرج تفريجا وزنا ومعنًا، وعلى هذا قول أهل اللغة وشراح الحديث وكل من تكلم عن هذا الحديث من أهل العلم لا يذكر إلا هذا ولا يأتي في ذهنه إلا هذا المعنى، وقد قال بهذا أئمة أهل اللغة كالأزهري وصاحب المقاييس وصاحب القاموس وغيرهم كما أنه قال به أئمة المتكلمين على الحديث من أهل العلم والشراح الذين قالوا إن المقصود بالنفس هنا هو التنفيس والتفريج للكرب.

قال ابن عطية –رحمه الله-معلقًا على كلام أبي ـ رضي الله عنه ـ وهو قوله: لا تسبوا الريح فإنها من نفس الرحمن. قالوا ومعنى الإضافة هنا من إضافة خلق إلى خالق كما هو في قوله: وروحي فنفس الرحمن هنا هو إزالته الكروب والشدائد وهو نصره وتأييده لأوليائه ومنه من كون الريح نفسا للرحمن، قوله –صلى الله عليه وسلم-:"ونصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور"أخرجه البخاري (1035)، ومسلم (900) وهذا الحديث في الصحيح فإن الريح جعلها الله تعالى ناصرة لأوليائه مهلكة لأعدائه، هذا من كونها نفسا حيث إنها حصل بها النصر لأولياء الرحمن والإظهار لهم هذا ما يتصل بهذا المثال وتبين أن ما زعموه من أنه تأويل كتأويلهم ليس بصحيح إنما هو بيان لمعنى النص وإيضاح لمعنى الكلام بالنظر إلى سياقه وبالنظر إلى ما أضيف إليه.

المثال الرابع: قوله ـ تعالى ـ: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ}. والجواب: أن لأهل السنة في تفسيرها قولين: أحدهما: أنها بمعنى ارتفع إلى السماء. وهو الذي رجحه ابن جرير قال في تفسيره بعد أن ذكر الخلاف: (وأولى المعاني بقول الله ـ جل ثناؤه ـ: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ}[البقرة: 29]: علا عليهن وارتفع، فدبرهن بقدرته، وخلقهن سبع سماوات) وذكره البغوي في تفسيره قول ابن عباس وأكثر مفسري السلف، وذلك تمسكا بظاهر لفظ {اسْتَوَى}، وتفويضا لعلم كيفية هذا الارتفاع إلى الله عز وجل. القول الثاني: أن الاستواء هنا بمعنى القصد التام. وإلى هذا القول ذهب ابن كثير في تفسير سورة البقرة، والبغوي في تفسير سورة فصلت، قال ابن كثير: (أي: قصد إلى السماء، والاستواء هاهنا ضُمِّنَ معنى القصد والإقبال، لأنه عدي بإلى). وقال البغوى: (أي: عمد إلى خلق السماء). وهذا القول ليس صرفا للكلام عن ظاهره، وذلك لأن الفعل {اسْتَوَى} اقترن بحرف يدل على الغاية والانتهاء، فانتقل إلى معنى يناسب الحرف المقترن به. ألا ترى إلى قوله ـ تعالى ـ: {عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ}[الإنسان: 6] حيث كان معناها يَروَى بها عباد الله، لأن الفعل {يَشْرَبُ} اقترن بالباء فانتقل إلى معنى يناسبها وهو يروى، فالفعل يُضَمَّن معنى يناسب معنى الحرف المتعلق به ليلتئم الكلام.

المثال الرابع قوله ـ تعالى ـ: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ[البقرة: 29] ذكر الله ـ تعالى ـ هذا في موضعيين من كتابه أو في أكثر من ذلك، فقوله في مثل قوله ﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ[فصلت: 11] واستواء الله ـ تعالى ـ إلى السماء قال أهل التعطيل وأهل التأويل المذموم إنكم أولتموه عن ظاهره ؛ لأن الاستواء عندكم بمعنى العلو، وبمعنى الارتفاع وهنا قلتم الاستواء إلى السماء ليس علوا وارتفاعًا ؛ لأن من لازمه أن تكون السماء فوقه ـ جل في علاه ـ فيكون استوى إليها أي علا إليها وهذا لا يقبل أن يكون الله ـ تعالى ـ في شيء من خلقه، أو أن يكون فوقه شيء من خلقه.

الإشكال الذي قالوا إنكم فررتم منه أن ظاهر الآية ثم استوى إلى السماء أن السماء فوق الله ـ تعالى ـ وأنها تحتها وهذا باطل ؛ لأنه العلي الأعلى ـ جل في علاه ـ ليس فوقه شيء من خلقه، بل هو فوق عباده، وهو القاهر فوق عباده ـ جل في علاه ـ هذا هو المعنى المتبادر من النص، وأنتم أولتموه، فإذا كنتم قد أجزتم لأنفسكم التأويل هنا ؛ لأن ظاهر النص يفيد معنى لا يليق بالله، فما الذي يمنع أن نؤول فيما أولنا لأن ظاهر النص لا يليق بالله قيل لهم أولًا إن ظاهر النص لا يمكن أن يدل دلالة لا تليق بالله ـ تعالى ـ فما زعمتموه من ظاهر النص ليس صحيحًا فظواهر النصوص لا تدل على النقص، بل تدل على الكمال لو سلمنا أن ما زعمتموه أو ذكرتموه أنه ظاهر النص، فيكون تأويل الكلام وصرفه عنه إنما هو لقرينة، إنما هو لدليل وإذا كان الصرف لقرينة أو لدليل فإنه لا مذمة فيه ولا إشكال فيه، بل هو من مسلك أهل العلم الراسخين الذين يحملون النصوص على أكمل ما يكون من المعاني اللائقة بالله تعالى.

أصل كلمة استوى ذكرها الله ـ تعالى ـ في كتابه الحكيم على عدة أحوال، وبسياقات مختلفة وهذا يفيد أن استوى كلمة لها عدة معاني تختلف باختلاف السياق الذي وردت فيه، وفي الجملة يمكن أن نقول استوى جاءت في القرآن على نحوين؛ على صورتين؛ مطلقة، ومقيدة.

جاءت مطلقة في نحو قوله: ﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى[القصص: 14] وهي في هذا السياق بمعنى الكمال والتمام وبلوغ الغاية يعني النهاية في الشيء هذه مطلقة وهي دالة على الكمال والتمام، ومنه قولك: (استويت الثمرة نضجت يعني)، ومنه قولك: (استوى الطعام يعني نضج وأصبح سائغًا للأكل) هذه صورة من الصور التي جاءت به هذه الكلمة وهي مجيئها مطلقة.

النوع الثاني والصورة الثانية التي جاءت بها هذه الكلمة مقيدة، وهي على ثلاثة أحوال؛ تقييدها جاء على ثلاث صور أو على ثلاث أحوال، تقييدها بعلى كقوله ـ تعالى ـ: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى[طه: 5] وهي هنا بمعنى العلو والارتفاع بإجماع سلف الأمة.

والصورة الثانية تجيء مقيدة بالواو واو المعية، وهذا لم يأتي في القرآن نظيره، لكنه في كلام العرب كقوله استوى الماء والخشب الواو هنا واو المعية بمعنى أنهما متساويان فهي من تعديل الشيء ومساواته هذه الصورة الثانية أو الحال الثانية من حال مجيء استوى مقيدة وهي أن تكون مقيدة بالواو التي تفيد المعية.

الحال الثالثة مجيئها مقرونة أو مقيدة بإلى وهو ما إذا عديت به كالآية التي بين أيدينا ﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ[البقرة: 29] وهي هنا بالإجماع يراد بها العلو والارتفاع في قول، وفي القول الثاني يعني هذا القول متفق عليه وقال جماعة من أهل العلم إن معناها الإقبال على الشيء والقصد له.

نعود إلى ما ذكره المؤلف –رحمه الله-من الجواب على احتجاجهم بتفسير ثم استوى إلى السماء هنا بخلاف ما ظنه ظاهرًا.

يقول –رحمه الله-: والجواب أن لأهل السنة في تفسيرها قولين؛ أحدهما أنه بمعنى ارتفع إلى السماء وهو الذي رجحه ابن جرير قال في تفسيره بعد أن ما ذكر الخلاف وأولى المعاني بقول الله ـ تعالى ـ: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ[البقرة: 29] علا عليهن وارتفع فدبرهن بقدرته وخلقهن سبع سموات.

وذكر البغوي في تفسير قول ابن عباس وأكثر مفسري السلف، وذلك تمسكًا بظاهر لفظ استوى، وتفويض لعلم كيفية هذا الاستواء إلى الله –عز وجل-فهم فسروه بالعلو والارتفاع، لكن هذا لا يلزم منه معنى باطل، لأن الكيفيات أمرها إلى الله ـ جل في علاه ـ هذا هو الوجه الأول، والذي جعل هؤلاء يفسرون الاستواء بمعنى علا فسروا إلى بمعنى على هو مجيئه في القرآن حيث قال الرحمن ـ جل في علاه ـ: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى[طه: 5].

المعنى الثاني وهذا قال به جماعة من أهل التفسير وهم من أئمة السلف وأهل السنة، أن الاستواء هنا بمعنى القصد التام وإلى هذا القول ذهب ابن كثير في تفسير سورة البقرة، والبغوي في تفسير سورة فصلت قال ابن كثير أي قصد إلى السماء واستوائهم هاهنا ضمن معنى القصد والإقبال، لأنه عدي بإلى، فجعل السياق هنا سياق ضمن معنى فهم من الحرف الذي استعمل في التعدية، ويشير هنا إلى ما يعرف في كلام أهل البلاغة واللغة التضمين، التضمين ما هو؟

التضمين أن تستعمل كلمة ثم تعدي هذه الكلمة فعلا كانت أو وصفًا، ثم تستعمل حرفا في تعدية هذه الكلمة يفهم من هذه التعدية معنى آخر يعني الآن وعرف عندكم التضمين هنا قال فالفعل يضمن معنى مناسب معنى الحرف المتعلق به ليلتئم الكلام، التضمين هو استعمال كلمة وتعديتها بحرف يدل على معنى آخر في الفعل غير المعنى المتبادر منه هذا معنى التضمين.

الآن قال –جل وعلا-: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ[البقرة: 29] استوى فعل وعده بماذا؟ بإلى فضمن معنى الاستواء الإقبال والقصد لماذا؟ لأنه عداه بإلى التي تستعمل في الإقبال والقصد فكان هذا تضمينًا ومثل بذلك لمثال أوضح من محل النزاع وهو قوله تعالى في نعيم أهل الجنة من الأبرار قال: ﴿عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ[الإنسان: 6] يشرب بها الآن عد الفعل يشرب بالباء، والعادة في يشرب أن تعد بمن، يشرب من ما تقول شربت من الكأس ولا تقول شربت بالكأس إذا أردت أن تفيد أنك أخذت من هذا الشيء الذي في الكأس، فلما عد يشرب بالباء فهم منه معنى زائد على مجرد الشرب وهو الارتواء.

ولذلك قال حيث كان معنى ﴿عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ[الإنسان: 6] أي يروون منها أي يروون بها حيث كان معناه يروى بها عباد الله لأن الفعل يشرب اقترن بالباء، فانتقل إلى معنى يناسبها يناسب حرف الجر وهو الباء وهو يروى بها، فالفعل يضمن معنى يناسب معنى الحرف المتعلق به ليلتئم الكلام، فالتضمين هو المجيء بفعل وتعديته بتعدية فعل آخر، فأفاد المعنيين أفاد الفعل، وأفاد المعنى المضمن.

فالآن استوى إلى السماء أفاد العلو وأفاد الإقبال والقصد، فيكون قصدًا من علو هذا ما أفاده تضمين هذا الفعل لمعنى العلو فكان قصدا من علو فلا يتوهم منه أي معنى باطل هذا هو المثال الرابع الذي ذكره المؤلف –رحمه الله-من الأمثلة التي ناقض بها وعارض بها المؤولون طريقة أهل السنة والجماعة، وتبين أن أهل السنة والجماعة لم يخرجوا عن هذا السنن المستقيم، فهم فسروا الاستواء بمعناه كما هو قول عامتهم، ومنهم من فسره بالإقبال وهذا التفسير له قرينة تدل عليه وهي القرينة اللفظية حيث ضمن الاستواء معنى الإقبال فعداه بحرف يدل عليه.

الاكثر مشاهدة

4. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات93795 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات89657 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف