وله أن يقطع الشجر لكن نفس الحرم لا يقطع شيئا من شجره وإن كان غير محرم ولا من نباته المباح إلا الإذخر وأما ما غرس الناس أو زرعوه فهو لهم وكذلك ما يبس من النبات يجوز أخذه ولا يصطاد به صيدا وإن كان من الماء كالسمك على الصحيح ؛ بل ولا ينفر صيده : مثل أن يقيمه ليقعد مكانه . وكذلك حرم مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ما بين لابتيها و " اللابة " هي الحرة وهي الأرض التي فيها حجارة سود وهو بريد في بريد والبريد أربعة فراسخ وهو من عير إلى ثور وعير هو جبل عند الميقات يشبه العير وهو الحمار وثور هو جبل من ناحية أحد وهو غير جبل ثور الذي بمكة ؛ فهذا الحرم أيضا لا يصاد صيده ولا يقطع شجره إلا لحاجة كآلة الركوب والحرث ويؤخذ من حشيشه ما يحتاج إليه للعلف فإن النبي صلى الله عليه وسلم رخص لأهل المدينة في هذا لحاجتهم إلى ذلك إذ ليس حولهم ما يستغنون به عنه بخلاف الحرم المكي . وإذا أدخل عليه صيد لم يكن عليه إرساله . وليس في الدنيا حرم لا بيت المقدس ولا غيره إلا هذان الحرمان ولا يسمى غيرهما حرما كما يسمي الجهال . فيقولون : حرم المقدس وحرم الخليل . فإن هذين وغيرهما ليسا بحرم باتفاق المسلمين والحرم المجمع عليه حرم مكة . وأما المدينة فلها حرم أيضا عند الجمهور كما استفاضت بذلك الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يتنازع المسلمون في حرم ثالث . إلا في " وج " وهو واد بالطائف وهو عند بعضهم حرم وعند الجمهور ليس بحرم . وللمحرم أن يقتل ما يؤذي بعادته الناس : كالحية والعقرب والفأرة والغراب والكلب العقور وله أن يدفع ما يؤذيه من الآدميين والبهائم حتى لو صال عليه أحد ولم يندفع إلا بالقتال قاتله فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { من قتل دون ماله فهو شهيد ومن قتل دون دمه فهو شهيد ومن قتل دون دينه فهو شهيد ومن قتل دون حرمته فهو شهيد . } وإذا قرصته البراغيث والقمل فله إلقاؤها عنه وله قتلها . ولا شيء عليه وإلقاؤها أهون من قتلها وكذلك ما يتعرض له من الدواب فينهى عن قتله وإن كان في نفسه محرما كالأسد والفهد فإذا قتله فلا جزاء عليه في أظهر قولي العلماء وأما التفلي بدون التأذي فهو من الترفه فلا يفعله ولو فعله فلا شيء عليه . ويحرم على المحرم الوطء ومقدماته ولا يطأ شيئا سواء كان امرأة ولا غير امرأة ولا يتمتع بقبلة ولا مس بيد ولا نظر بشهوة . فإن جامع فسد حجه وفي الإنزال بغير الجماع نزاع ولا يفسد الحج بشيء من المحظورات إلا بهذا الجنس فإن قبل بشهوة أو أمذى لشهوة فعليه دم . فصل : إذا أتى مكة جاز أن يدخل مكة والمسجد من جميع الجوانب لكن الأفضل أن يأتي من وجه الكعبة اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم فإنه دخلها من وجهها من الناحية العليا التي فيها اليوم باب المعلاة . ولم يكن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم لمكة ولا للمدينة سور ولا أبواب مبنية ولكن دخلها من الثنية العليا ثنية كداء بالفتح والمد المشرفة على المقبرة . ودخل المسجد من الباب الأعظم الذي يقال له : باب بني شيبة ثم ذهب إلى الحجر الأسود فإن هذا أقرب الطرق إلى الحجر الأسود لمن دخل من باب المعلاة . ولم يكن قديما بمكة بناء يعلو على البيت ولا كان فوق الصفا والمروة والمشعر الحرام بناء ولا كان بمنى ولا بعرفات مسجد ولا عند الجمرات مساجد بل كل هذه محدثة بعد الخلفاء الراشدين ومنها ما أحدث بعد الدولة الأموية ومنها ما أحدث بعد ذلك فكان البيت يرى قبل دخول المسجد . وقد ذكر ابن جرير { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى البيت رفع يديه وقال : اللهم زد هذا البيت تشريفا وتعظيما وتكريما ومهابة وبرا وزد من شرفه وكرمه ممن حجه أو اعتمره تشريفا وتعظيما } فمن رأى البيت قبل دخول المسجد فعل ذلك وقد استحب ذلك من استحبه عند رؤية البيت الدعاء ولو كان بعد دخول المسجد .