الحج المبرور الذي قال فيه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :«والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة»، هو الحج الذي كان على وجه ما شرعه الله تعالى.
إذاً: الحج المبرور هو: الذي يحقق فيه الإنسان ما أُمر به ظاهرا وباطنا، أي في قلبه: إخلاصا لله عز وجل، وفي جوارحه: انقيادا وامتثالا لما أمر الله تعالى به.
والبر بهذا المعنى جاء ذكره في القرآن الكريم في قوله تعالى:﴿ لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ ﴾ البقرة:177 ، هذا ما يتعلق بالقلب، ﴿ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ ﴾، هذا بذل وإحسان، ﴿وَأَقَامَ الصَّلاةَ﴾، هذا الثالث، ﴿وَآتَى الزَّكَاةَ ﴾، هذا الرابع، ﴿وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾، فهذه خمس خصال بين الله تعالى بها معنى البر.
فالحج المبرور تجتمع فيه هذه الخصال من: سلامة الباطن وانقياد الظاهر لما أمر الله تعالى به ورسوله، وقد جاءت في كلمات عن أهل العلم في بيان معنى الحج المبرور؛
فمنهم من قال: الحج مبرور هو: الذي لا معصية فيه.
ومنهم من قال: الحج المبرور كما جاء عن الحسن؛ أنه الذي لا معصية بعده.
ولكن فيما يظهر أن المعصية التي بعد الحج لا علاقة لها بوصف الحج المبرور، إذ إن البر وصف للحج، وهو ما كان على طاعة الله تعالى ظاهرا وباطنا، وقد فصل العلماء ذلك فمنهم من ذكر خمسة أوصاف جعلها من شروط ومن مواصفات الحج المبرور.
أول ذلك: الإخلاص لله تعالى في الحج، وهذا شرط في كل العبادات، وقد نص الله تعالى عليه في عبادة الحج دون غيره لأهمية استحضار هذا المعنى في كل تنقلات الإنسان؛ ولأن الحج يحقق معنى الإخلاص لله، فمثلا في الصلاة لم يذكر الله تعالى الصلاة له، إنما أمر بإقامة الصلاة وحث عليها وهي له جل في علاه لابد أن تكون له، الزكاة مثله، كذلك الصوم، أما الحج فقال في أول فرضه من المقصود بالعمل فقال:﴿ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾آل عمران:97 .، فبين في أول المنازل المقصود قبل أن يبين العمل، وذاك تأكيد على معنى الإخلاص لله عز وجل وأنه لابد أن يستحضر في كل خطوات الحاج وفي كل تنقلاته وفي كل أعماله أنه إنما جاء لله لا لسواه، إنما أراد بذلك وجه الله لا غيره، ﴿ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾، هذا الوصف الأول: أن يكون الحج خالصا.
الوصف الثاني: أن يكون على وفق ما جاء عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإنه لا يتحقق لعامل قبول ولا صوابيةإلا بأن يكون على وفق ما كان عليه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقد قال:«خذوا عني مناسككم لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا»، وقد قال الله تعالى:﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾(3).
الوصف الثالث: مما ينبغي أن يراعيه حتى يحقق الحج المبرور: أن يمتثل ما أمر الله تعالى به عموما وخصوصا.
عموما: في كل الأوامر التي أمر الله تعالى بها؛ من إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والإحسان إلى الخلق وما إلى ذلك مما أمر الله تعالى به ورسوله.
وفي الحج خصوصا: أن يأتي بما أمر الله تعالى به من أحكام المناسك المفروضة التي أوجبها الله تعالى على عباده من الطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة والوقوف بعرفة وسائر ما أمر الله تعالى به من المناسك. أن يأتي بما أمر به على وجه العموم مما يتعلق بالحج وبغير الحج، وبما يتعلق بالحج على وجه الخصوص.
الوصف الرابع: الذي يتحقق به وصف البر للحج: أن يكون الحاج مجتنبا لما نهي عنه عموما؛ في كل أحواله وفي الحج خصوصا – أي مما نهي عنه في الحج على وجه الخصوص-، يدل لذلك قول الله –تعالى-: ﴿ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ﴾، فندب الله تعالى المؤمنين إلى اجتناب هذه الأمور في الحج، وهي على وجه الخصوص في الحج وإن كان الفسوق منهيا عنه في الحج وفي غيره. إذن الوصف الرابع الذي يتحقق به وصف الحج المبرور: أن يكون سالما من المحرمات عامة وخاصة، ما يتعلق بالحج وما يتعلق بغيره.
الوصف الخامسالذي به يتحقق الحج المبرور: أن يكون من مال حلال طيب؛ فالله –تعالى- طيب لا يقبل إلا طيبا، وقد جاء في الصحيح من حديث أبي هريرة: «أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر-وهذا حال الحاج؛ فإنه قد يطيل السفر وهو على حال من الشعث والغبر ما ينطبق عليه وصفه- يمد يده إلى السماء يا رب يا رب يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك»، إشارة إلى أن وجود هذه المواصفات وهو: التحريم في المأكل والمشرب والملبس والشبع من ذلك مما يحول بين الإنسان وبين الإجابة، فينبغي أن يكون الحج من مال طيب، فالله طيب لا يقبل إلا طيبا.
هذا ما يتصل بمواصفات الحج المبرور؛ إذا تحققت على وجه التفصيل؛ فإنه يكون قد حقق المعنى الذي ذكرت آنفا أن: الحج المبرور هو الحج الذي يراعي فيه الإنسان ما أمره الله تعالى به باطنا وظاهرا، باطنا في قلبه، وظاهرا في قوله وعمله.