×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

مختارات مرئية / زاد الحج / النوازل الفقهية في الحج الجزء الأول

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

الحمد لله رب العالمين ، .... أما بعد. فقول الله تعالى : ﴿فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج﴾+++البقرة:197--- ، هذه آية من آيات الكريمة التي تبين أن المحرم إذا تلبس بالإحرام ودخل في النسك يلزمه أن يمتنع من أمور، وهذه الأمور تنقسم إلى قسمين: - أمور هي محرمة على المسلم سواء أن كان في حج وعمرة أو كان في غير الحج والعمرة وهو الفسوق الذي يشمل كل مخالفة لأمر الله ورسوله في ترك واجبات، أو في مواقعة محرمات، هذا نوع من أنواع المحظورات. - النوع الثاني هو محظورات خاصة بالإحرام، بمعنى أنه يمنع المسلم منها حال إحرامه، وهي ما جاءت الإشارة إليه أو إلى بعضه في قوله تعالى: ﴿ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله﴾+++البقرة:196--- ، وجاء بيان ذلك فيما يتصل باللباس فيما رواه البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم سأله رجل قال له: ما يلبس المحرم؟ يعني أي شيء يلبسه المحرم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يلبس القمص, ولا العمائم, ولا السراويلات, ولا البرانس «وكمل صلى الله عليه وسلم جملة من الممنوعات في هذا الحديث، وهي في بيان ما الذي يمنع منه المحرم في حين أن السائل سأله عن أي شيء يلبس، فأجابه بما يمتنع من لبسه وذلك أن ما يلبسه المحرم ليس عليه فيه حد بل هو متاح موسع بخلاف ما يمنع منه فهو المحدود المبين الذي ينبغي للمحرم أن يجتنبه. فيما يتصل بالمحظورات هناك نوعان من المسائل يكثر السؤال عنهما وهما: نوعا ما قد يعدان من النازل، أي الأمور الحديثة التي لم يسبق كلام عنها من أهل العلم، وإن كان قد تقدم في كلام العلماء إشارات إلى هذه المسائل، نأخذ على سبيل المثال فيما يتصل بمحظورات الإحرام من النوازل التي يسأل عنها ويبحث فيها ما يعرف بالإزار المفصل الذي يجعل له رباط ويخاط خياطة على قدر الوسط ليمسك الإزار عن السقوط، هذا الإزار هل هو من محظورات الإحرام؟ هل هو من اللباس الذي يمنع منه المحرم أو لا؟ للعلماء المعاصرين في هذا النوع من اللباس قولان، فذهب طائفة منهم إلى أنه لا يجوز هذا الإزار الذي خيط وفصل على أسفل البدن لكونه مما يدخل في المخيط، والمخيط قد نقل غير واحد من أهل العلم الإجماع على منعه وتحريمه. والحقيقة أن المخيط لفظ لم يرد النهي عنه لا في الكتاب ولا في السنة، يعني ليس هناك دليل في القرآن ولا في سنة النبي صلى الله عليه وسلم يفيد أن المحرم ممنوع من لبس المخرط إنما المحرم ممنوع من ألبسة جاء ذكر تفصيلها وبيانها في كلام النبي صلى الله عليه وسلم، فقال صلى الله عليه وسلم: «لا يلبس القمص, ولا العمائم, ولا السراويلات, ولا البرانس, ولا الخفاف, إلا أحد لا يجد نعلين فليلبس الخفين وليقطعهما أسفل من الكعبين, ولا يلبس من الثياب شيئا مسه زعفران أو ورس، ولا تنتقب المرأة، ولا تلبس القفازين«، هذه أمور محدودة ليس فيها شيء من ذكر المخيط، لم يقل: لا يلبس ما فيه خياطة أو ما فيه مخيط ولذلك الإجماع منعقد على أن المحرم لا يمنع من لبس إزار فيه خياطة، إلا أن يكون مفصلا على البدن فهنا إذا فصل على البدن كأن يفصل سروالا مثلا أو يفصل لغطاء على البدن فإن هذا يمنع منه إما لكونه مفصلا أو لكونه يشبه المفصل. أما ما ليس كذلك فإنه لا دليل على المنع ولهذا كان القول الثاني في مسألة الإزار المخيط الذي يجعل له رباط في وسطه، وقد يجمع طرفاه ويخاطان. القول الثاني في هذا النوع من الألبسة أنه لا يمنع منه المحرم، وأنه يجوز له لبس ذلك لأنه لا دليل على المنع، فهذا لا يدخل في شيء مما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم، فليس هذا قميصا، ولا هذا عمامة، ولا هذا برنسا، ولا هذا سروالا، ولا هذا نقابا ولا قفازين، إذا ما الذي يسوغ المنع؟! وهذا دليل القائلين بالجواز أنه ليس هناك ما يدل على المنع، وإذا منع الإنسان شيئا لابد أن يقيم الدليل على المنع لأن الأصل الحل، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يوجب بحصر ما يلبسه المحرم، وإنما أجاب بحصر ما لا يلبسه المحرم وبالتالي ما لم يذكره صلى الله عليه وسلم فالأصل فيه الإباحة والحل، حتى يقوم دليل التحريم والمنع، هذا من حيث التأصيل.  وأما من حيث ما جاء عن العلماء وما ذكروه رحمهم الله فقد ذكروا جملة من الصور هي قريبة من هذا النوع من الإزار الذي أشكل على بعض المعاصرين فجعله ممنوعا لكونه مخيطا وبعضهم أذن فيه. فعلى سبيل المثال في كلام بعض الفقهاء المتقدمين أنه إذا وضع لإزار تكة تمسكه فإنه لا يمنع ولا يدخل فيما منعه النبي صلى الله عليه وسلم من المحرم. وهذا قد نص عليه فقهاء متنوعون، فنص عليه بعض فقهاء الحنيفة، وكذلك بعض فقهاء الشافعية، وكذلك الحنابلة. فعلى سبيل المثال قال السرخسي رحمه الله فيما ذكر في محظورات الإحرام أنه إذا لم يجد الإزار ففتق السراويل إلا موضع التكة يعني الرباط أو مكان إمساك الإزار والسروال من السقوط، إذا فتق السروال واكتفى بفتقه ولم يزل التكة فإنه لا حرج عليه في ذلك. يقول: فلا بأس حينئذ بلبسه بمنزلة المئزر، وهذا تصريح في أن وجود رباط يمسك الإزار من السقوط لا يعد ممنوعا ولو كان مخيطا؛ لأن التكة في الغالب توضع على نوع من الخياطة التي فيها محل لسير يربط الإزار أو السروال وبهذا يتبين أنه لا يحرج فيما يلبسه كثير من الحجاج لاسيما في بعض المناطق ليسهل عليهم الحركة والذهاب والمجيء بهذه الأزر التي قد أعدت وهيأت بنوع من التكة التي تمسكها من السقوط. وكذلك قال فقهاء الشافعية فقد قال النووي رحمه الله في المجموع شرح المهذب: اتفقت نصوص الشافعي والمصنف والأصحاب على أنه يجوز أن يعقد الإزار، ويشد عليه خيطا، وأن يجعل له مثل الحجزة ويدخل فيه التكة وغير ذلك لأن ذلك من مصلحة الإزار، فإنه لا يستمسك إلا بنحو ذلك. هكذا صرح به المصنف والأصحاب في جميع طرقهم، وهذا يؤكد جواز مثل هذه الصورة. فإذا وجود ما يمسك الإزار ولو كان مفصلا، ولو كان مخيطا، فإنه لا يمنع منه، لا يمنع المحرم منه. هنا إشكالية أخرى في هذا الإزار، يعني إشكالية في وجود التكة التي تمسك الإزار تبين لنا أن جمهور العلماء على أن ذلك جائز، صرح بذلك بعض فقهاء الحنيفة والشافعية وكذلك الحنابلة. أما الإشكالية الثانية في هذه الأزر التي تخاط وتهيأ على صورة ما يعرف بالتنورة أن طرفا الإزار يخاطان، يجمع طرفاه بخياطة، هذا الإشكال هو أقوى من الإشكال السابق لأن من الفقهاء من نص على أن وجود خياطة في طرف الإزار بجمعهما ولو بزر، ولو بعقل يشكل على صفة الإزار. ولهذا ذهب المالكية والشافعية إلى أنه إذا جمع طرفا الإزار بخياطة فإنه يكون بذلك قد وقع في محظور لأنه يشبه ما منع منه من اللباس، حيث أنه يكون بذلك قريبا من السراويل أو قريبا من الثياب التي تستمسك بنفسها، هكذا قالوا وعللوا رحمهم الله في هذه المسألة. والقول الثاني أن هذه الخياطة ليس فيها حرج أيضا وذلك أن الإزار له أشكال، وصور متعددة، والنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن أشياء محددة وأذن في الإزار، فكيفما كانت صورة الإزار فإنه لا دليل على المنع. ولذلك ذهب طائفة من أهل العلم إلى أن هذا النوع من الأزر الذي وضعت فيه تكة لإمساكه من السقوط، وجمع طرفاه بخياطة ليلا يتكشف، أن هذا لا يخرج بهذه الإدخالات وهذه الأعمال في... الإزار لا يدخل عن كونه إزارا فإن جماعة من أهل الفقه والحديث عرفوا الإزار بأنه ما يشد به الوسط، وهذا وصف صادق على هذا النوع من الألبسة، فلا يخرج بوجود هذه الخياطة ولا بالتكة عن كونه إزارا ولهذا فإنه لا يمنع منه، وهذا هو الأقرب إلى الصواب من القولين لكن من أراد أن يحتاط، ومن أراد أن يجتنب ما هو مسار مناقشات، وإشكالات، وسؤالات من الحجيج فلا بأس فهذا باب واسع، قد يترك الإنسان ما هو مباح دفعا لإشكالية قد تقع من المناقشات والمجادلات التي لا طائل وراءها. فالمقصود أنه من حيث البحث النظري فإنه لا يحرج في مثل هذه الأنواع من الأزر، وأما من حيث التطبيق العملي فإن للإنسان أن يترك ذلك دفعا للاشتباه الذي يمكن أن يقع عند بعض الناس، وإزالة لما يمكن أن يقع من مناقشات وإشكالات مع بعض الحجيج. هذا ما يتصل بهذه النازلة وهي في الحقيقة قد لا ينطبق عليها التعريف الذي ذكرناه للنوازل وأنه المسائل التي لم يرد فيها نص لا في الكتاب ولا في السنة ولا فيها اجتهاد سابق. تبين أن هذه الصورة فيها اجتهاد سابق من الفقهاء والعلماء المتقدمين من فقهاء المذاهب، وعلى كل حال هي لكونها حادثة ويكثر الجدال حولها، والمؤلفات بين أهل العلم بين مؤيد ومعارض احتجنا إلى بيان حكمها حتى تكون على وضوح وبيان. وممن قال بجواز هذا النوع من الأزر شيخنا محمد بن العثيمين رحمه الله فإنه أفتى بجواز هذا النوع من الأزر، وأنه لا يخالف الإزار الذي يشرع للمحرم، وبهذا ننتهي من هذه المسألة. المسألة الثانية المتعلقة بمحظورات الإحرام مسألة استعمال الحاج أو المعتمر في حال إحرامه استعماله للمنظفات ذوات الروائح الذكية. هذه المنظفات سواء أن كانت صابونا أو كانت مما يغسل به الرأس من السوائل التي تعرف بالشامبو أو كانت مما ينظف به الأسنان أو كانت مما يغسل به الثياب كل هذه المنظفات على اختلاف صورها ما كان فيه رائحة إن كانت هذه الرائحة مما يعد طيبا كالمسك أو العود أو الورد أو نحو ذلك من الأطياب المعروفة فإنه يمنع منه المحرم  على أصح قولي العلماء؛ لأن هذا نوع من التطيب فهو داخل في قول النبي صلى الله عليه وسلم: «ولا يلبس من الثياب شيئا مسه زعفران أو ورس «. وهذا منع للمحرم من أن يلبس ما مسه الطيب، فإذا كانت هذه الأشياء من المنظفات سواء أن للبدن أو لثياب الإحرام فيها روائح طيبة مقصودة عطرية مقصودة فإنه يمنع منها المحرم لكونها من الطيب، وهذا يدخل في قوله صلى الله عليه وسلم: «ولا يلبس من الثياب شيئا مسه زعفران أو ورس «فهذا مسه شيئا من الورس وشيئا من الزعفران ونظيرهما الأطياب الأخرى التي تطيب بها الثياب. أما إذا كانت هذه الروائح، هذا القسم الثاني من الروائح إذا كانت هذه الروائح ليست طيبا في العرف ولا في العادة إنما هي روائح ذكية كالنكهات، وروائح بعض الفواكه نكهة الليمون، ونكهة البرتقال وما أشبه ذلك من الروائح الذكية فإن المحرم لم يمنع من كل رائحة ذكية، إنما منع من الطيب ولذلك يجوز للمحرم أن يأكل الفواكه بالاتفاق ولو كانت رائحتها طيبة، كالليمون والبرتقال والتفاح ونحو ذلك من الفواكه التي لها رائحة ذكية لا يمنع منها المحرم. فكذا إذا استعملها في التنظيف، واستعمل موادا فيها نكهة برتقال أو نكهة ليمون أو ما أشبه ذلك من النكهات التي لا تعد طيبا، فإنه لا أحد يذهب يتطيب بتفاح، ولا أحد يتطيب ببرتقال، إنما هذه مصاحبة لروائح ذكية لا إشكال في استعمالها تأسيسا يعني ابتداء وقصدا، ولا كذلك أن تكون قد خلطت بمواد منظفة، هذا ما يتصل بهذا النوع من المنظفات. من أهل العلم من يقول: يجتنب كل منظف فيه رائحة ذكية، من أهل العلم من يرى أنه يجتنب كل منظف فيه رائحة ذكية لأنها نوع من الطيب، وهذا القول محل نظر، والذي عليه الفتوى من الأئمة الأعلام على أنه لا يمنع من هذه الأنواع من الأطياب أو من المنظفات التي فيها روائح ذكية. وبذلك أفتى شيخنا عبد العزيز بن الباز وكذلك شيخنا محمد بن العثيمين وجماعات من أهل العلم، ومن أهل الفتوى المعاصرين على أنه يجوز للمحرم أن يستعمل هذه المنظفات ذوات الروائح الذكية إذا لم تكن أطيابا مقصودة، هذا هو الضابط وهذه هي القاعدة، هذا ما يتصل بثاني ما يكثر السؤال عنه وهو في الجملة من النوازل لأن المنظفات هذه حادثة وعصرية تستعمل في الثياب، وتستعمل في تنظيف أجزاء البدن. ننتقل إلى جملة من النوازل المتصلة بأحكام الطواف، ثم بعد ذلك السعي. عندما فيما يتصل بأحكام الطواف، الطواف بالبيت عبادة هي من أجل العبادات والقربات التي يتقرب بها المؤمنون لله تعالى في مكة، ومعلوم أن الطواف الأصل فيه أن يكون بالبيت لقوله تعالى: ﴿وليطوفوا بالبيت العتيق﴾+++الحج:29--- ، ولا خلاف بين أهل العلم أنه يسن للطائف أن يقرب من البيت فكلما كان أقرب إلى البيت كان أعظم ثوابا وأجرا، وأعظم تحقيقا لقوله تعالى: ﴿وليطوفوا بالبيت العتيق﴾+++الحج:29--- ؛ لأن الطواف عبادة تتعلق بالبيت وهي أخص العبادات المتعلقة بالبيت لأنها لا تفعل إلا في البيت الحرام. ولهذا عندما ذكر الله تعالى تطهير البيت الحرام فيما أمر به إبراهيم عليه السلام ذكر في جملة الأعمال التي من أجلها يطهر البيت ذكر الطواف، وجعله مقدما على سائر الأعمال، قال الله تعالى: ﴿وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت أن لا تشرك بي شيئا وطهر بيتي للطائفين﴾+++الحج:26--- ، فأول من ذكر الله تعالى من الذين يطهر البيت لأجلهم الطائفين. قال الله تعالى: ﴿وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود﴾+++الحج:26--- ، فتقديم الطواف على سائر أنواع العبادات لأنه أخص العبادات فلا يفعل في مكان إلا في هذا البيت، ولا يجوز باتفاق علماء الأمة الطواف بغير هذا البيت، فالطواف بغير هذا البيت إنما هو من المحدثات والبدع المنكرة التي نهى الله تعالى عنها ورسوله صلى الله عليه وسلم. والطواف بالبيت في الأصل يكون في قربه، وحوله، وإذا كان قريبا كان أعظم لأجل الطائف، هذا هو الأصل. المسجد الحرام في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن محوطا، كان البيت الكعبة في فناء وحوله بيوتات أهل مكة، ولم يكن سورا يميز الحرم، مسجد الكعبة عن غيره حتى جاءت خلافة عمر رضي الله عنه فكان أن ابتنى سورا قصيرا أحاط بالبيت، وهو أول من بنى المسجد الحرام رضي الله عنه. ثم تتابع الخلفاء بعده حتى وصل إلى الحال التي نشهدها الآن من كون المسجد الحرام مميز ببناء يحيط به من كل جانب، وهذا شيء قديم في أصله وإن كان حصل زيادات، وتوسعات، وتحديثات في البناء لكن من حيث بناء المسجد، بناء المسجد قديم. ولهذا اختلف العلماء السابقون في حكم الطواف الطائف خارج المسجد، هل يجوز أن يطوف خارج بناء المسجد؟ يعني خارج بناء السور الذي يحيط بالمسجد؟ اختلفوا فيه رحمهم الله، فاتفقوا ابتداء على أنه لا يجوز لأحد أن يطوف خارج المسجد، ذكر ذلك الاتفاق جماعة من أهل العلم، فأجمعوا على أن من طاف خارجا من المسجد لم يجزئه الطواف، ذكر ذلك ابن المنذر، وذكره ابن حزم في ما نقلوه من إجماعات. إذا الاتفاق انعقد على أن الطواف خارج البناء سواء أن كان في جميع الشوط أو كان في بعضه لا يجوز، وأن الطائف لا يجزئه طوافه. الآن هذه محل اتفاق والخلاف في ماذا؟ الخلاف فيما إذا امتلأ المكان، واحتاج مع هذا الامتلاء والزحام إلى أن يطوف خارجا من المسجد، هل يجوز طوافه أو لا؟ هنا اختلف العلماء رحمهم الله على قولين: منهم من يقول: يصح الطواف، ومنهم من يقول: لا يصح الطواف، بناء على أنه فيما كان خارج المسجد لا يعد طائفا بالبيت بل يعد طائفا بالمسجد، بسور المسجد لا بالكعبة هكذا قال أهل العلم رحمهم الله. والقول الثاني أنه يجوز الطواف خارج المسجد في كل الطواف أو في بعضه إذا دعت إلى ذلك حاجة أو اقتضت ذلك شدة زحام كما هو المشاهد الآن. الآن الذي يحدث كثيرا هو أن بعض الطائفين في بعض مناطق الطواف التي يختنق فيها المسير بسبب كثرة واقتضاض الحجيج، قد يخرج عن المدار المعتاد إلى خارج المسجد، ومثاله الظاهر البيت لمن يطوف في السطح فإنه إذا جاء في منطقة من جهة باب الكعبة أي من الجهة الشرقية للكعبة قد يحتاج إلى الخروج إلى المسعى، ففي الخروج إلى المسعى هو خارج عن بناء المسجد في قول بعض أهل العلم، فهل يجوز هذا الطواف أو لا؟ العلماء المعاصرون اختلفوا على قولين: منهم من يرى أنه يجوز الطواف في هذه الحال؛ لأنه إنما خرج لعدم وجود ممر يستطيع أن يمر منه وهو نظير اتصال الصفوف خارج المسجد، قالوا: فكما يصح صلاة المصلي خارج المسجد إذا اتصلت الصفوف فكذلك الطائف إذا طاف بالبيت وازدحم واحتاج مع الزحام أن يخرج إلى المسعى أو إلى خارج المسجد فإنه لا حرج عليه، وهو بهذا يكون قد فعل ما يستطيع، والله تعالى يقول: ﴿فاتقوا الله ما استطعتم﴾+++التغابن:16--- . وقد ذكر ذلك بعض علماء العصر فإذا اتصل الزحام يصير الجميع متصلا بالبيت وبالتالي يصح أن يطوف ولو خرج عن المسجد، وقد نص على ذلك بعض فقهاء المالكية والشافعية رحمهم الله، نصوا على شيء قريب من هذا وذكروا السبب في ذلك وأنه إذا خرج عن السقائف بالزحمة، والسقائف هي بناء يحيط بالبيت كان مسقوفا مع أنهم رأوا جواز الطواف تحت السقائف بالزحمة مع أنهم يرون عدم جواز الطواف تحت السقائف في حال عدم الزحام، وهذا كلام لفقهاء المالكية وقد قال القرافي رحمه الله في تعليل ذلك في بيان وجه الجواز قال: لأن اتصال الزحام يصير الجميع متصلا بالبيت يعني فيكون القريب والبعيد على حد سواء. وهذا القول قال به شيخنا عبد العزيز بن باز رحمه الله، وقال به شيخنا محمد بن العثيمين رحم الله الجميع. وهذا مما يدل على أنه إذا احتاج الطائف إلى أن يخرج فإنه لا ينبغي أن يشق على نفسه بالمزاحمة إنما يخرج في السعة التي تتيسر له ويكمل بذلك طوافه ولا حرج عليه إن شاء الله تعالى. هذا ما يتصل بمسألة الزحام في الطواف، وحكم الخروج في بعض الطواف عن سور المسجد إذا اقتضت ذلك حاجة، هذه هي المسألة الأولى فيما يتعلق بالطواف. من المسائل المتعلقة أيضا بأعمال الحج والعمرة ما يتصل بما حدث مؤخرا من توسعة المسعى، فإن هذه المسألة وهي مسألة توسعة المسعى بزيادة الأمتار التي زيدت فأدخلت في مكان السعي هي من المسائل التي جرى فيها مناقشة بين علماء العصر، ومنهم من رأى جواز هذه الزيادة وأنها داخلة في حدود السعي، ومنهم من توقف في ذلك، ومنهم من رأى عدم دخولها. وهذا الخلاف الذي حدث هو نظير الخلاف الذي حدث في البناء السابق، فإن البناء السابق الذي بني في عهد الملك سعود رحمه الله جرى فيه الخلاف نظير هذا الخلاف القائم في هذه التوسعة الحديثة التي جرت في السنوات القريبة الماضية، في الثلاث سنوات التي مضت فإن العلماء المتقدمين في زمن التوسعة السابقة منهم من رأى اقتصار المسعى على قدر معين، وهو ما كان محل سعي الناس القديم. ومنهم من رأى الزيادة، ومنهم من توقف، فكان العلماء في البناء السابق ثلاثة أقوال: منهم من يرى أن المسعى يجوز على الصفة التي كانوا ممن يرى أنها أضيق بأمتار، ومنهم من يرى التوقف فلم يتبين، ومنشأ المشكلة أين؟ يعني لماذا اختلف العلماء المتقدمون في التوسعة الأولى، وفي التوسعة الحديثة؟ لماذا اختلفوا في مسألة حد المسعى؟ وجه الاختلاف هو أنه ليس في كلام العلماء المتقدمين من الفقهاء والمحدثين بل وحتى المؤرخين ليس في كلامهم تحديد لعرض المسار، لم ينقل عن واحد منهم تحديد لعرض المسار، ومعلوم أن الزيادة التي هي محل البحث هي الزيادة في العرض لا في الطول لأن الطول محدد بالجبلين الصفا والمروة، فابتداء السعي من الصفا وانتهائه بالمروة، وبالتالي فإنه ليس محلا للبحث ولا المناقشة إنما البحث والمناقشة في عرض المسعى، فلما كان الحال كما ذكرنا أنه ليس هناك حد لعرض المسعى ولم يأتي تحديد لا في كلام الله، ولا في كلام رسوله، ولا في كلام أهل العلم اختلف العلماء في حد المسعى، فمنهم من قصره على مكان السعي في الزمن السابق، والزمان السابق المسعى كان سوقا يمشي فيه الناس، وفيه دكاكين، وتمشي فيه البهائم، فليس بناء محددا مرصوفا مبينا بيانا لا يلتبس بل كان يضيق ويتسع بناء على الأبنية المحيطة به. لكن المرجع في تحديد موضع السعي هو ما كان بين الجبلين فإن الله تعالى قال: ﴿إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما﴾+++البقرة:158---  فمن طاف بين هذين الجبلين فإنه حقق ما أمر الله تعالى، من سعى بين هذين الجبلين حقق ما أمر الله تعالى. وبالنظر إلى موضع السعي في الزمان السابق في التوسعة السابقة كان عرض المسعى قرابة عشرين مترا، هذا التحديد ليس له دليل إنما هو بناء على تقدير واجتهاد العلماء في تحديد ما يحتاجون إليه، وفي تحديد حد عرض الصفا وعرض المروة، لما ازدادت أعداد الحجيج واحتاجوا إلى التوسعة وذلك في عام 1428 كتب ولي الأمر خادم الحرمين الملك عبد الله وفقه الله خطابا لمعهد الملك فهد لأبحاث الحج، يستفسر عن إمكانية زيادة عرض المسار، وهذا الذي أقوله لكم هو ما أخبرني به عميد المعهد في ذلك الوقت. يقول: فشكلنا لجانا لدراسة إمكانية زيادة المسعى، وبحثنا من عدة أوجه من أوجه الجيولوجية وعلماء مختصين وباحثين مختصين بالجبال، وكذلك من مشاهدات وأصحاب البيوت التي كانت على جبل الصفا وعلى جب المروة، فتبين لنا من خلال مجموع ما حصلناه وجمعناه من دراسات وصور وشهادات أنه يمكن إضافة خمس وثلاثين متر على البناء السابق من جهة المساحة، خمسة وثلاثين متر أما جهة المروة فيمكن زيادة اثنين وثلاثين متر على الموجود، بمعنى أنه يكون العرض في جهة المسعى خمس وخمسين، وفي جهة المروة اثنين وخمسين. فرفعت هذه النتيجة إلى ولي الأمر فانتهت، رفعوا النتيجة واقترحوا أن يقتصر على خمس وعشرين متر في الصفا، وخمسة وعشرين متر في المروة، على أن تكون الزيادة المقترحة خمس وعشرين في الصفا، وخمس وعشرين في المروة. ولكن اجتهاد ولي الأمر قصرها إلى عشرين في الصفا وعشرين في المروة، فمعنى هذا أنه يبقى على عرض الصفا خمسة عشر متر، وفي المروة اثنا عشر مترا، وأقيم البناء الجديد في التوسعة الأخيرة على هذا الأساس، وبه يعلم أن هذه التوسعة لا حرج فيها وهي داخلة في السعي، وقول من قال: أنه لا يجوز السعي فيها لا يستند إلى دليل، لا شرعي ولا واقعي بمعنى شهادات شهود، ولا تاريخي ولا حساب بأي نوع من الحساب الذي يمكن أن يستند إليه. ولهذا فإن هذه الزيادة زيادة لا حرج فيها، وهي داخلة في مجال السعي لأنها بين الصفا والمروة الذي أمر الله تعالى بالسعي فيه. ولا يحتج بالقرار السابق الصادر عن اللجنة التي شكلت في زمن الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله فإن اللجنة التي اقترحت وأخذ الشيخ رحمه الله برأيها، إنما أخذ برأيها لأن الحاجة لا تدعو إلى أكثر من ذلك ولأنه كان لا يحب التشويش فاقتصر حسما للخلاف على الزيادة السابقة لكن لما احتاج الناس إلى الزيادة المعاصرة احتاج ذلك إلى نظر جديد واجتهاد جديد لذلك حصل هذا التوسيع وهذه الزيادة في الصفا والمروة بناء على هذه المعطيات التي ذكرت لكم. هذا ما يتصل بالزيادة في الصفا والزيادة في المروة في زيادة المسعى، هذه المسألة التي تتصل بالسعي. بعد هذا ننتقل إلى جملة من النوازل المتصلة بأعمال الحج، لأن هذا الذي ذكرناه في الطواف والسعي ليس خاصا بالحج إنما هو مما يتعلق بالطواف عموما، والسعي في الحج أو في العمرة. ما يتصل بالنوازل التي تتعلق بأعمال الحج، هناك نوازل كثيرة ومتعددة، وكما ذكرت لكم نحن نذكر في هذا اللقاء جملة من أبرز المسائل التي يحتاج إلى التنبيه إليها وهي في جملة النوازل. الحجيج السنة لهم أن يذهبوا يوم الثامن من ذي الحجة، يوم التروية إلى منى وهو أول أيام الحج، فأيام الحج ستة، أولها يوم الثامن من ذي الحجة وهو يوم التروية السنة فيه أن يحرم فيه الحجاج ويتوجهوا إلى منى فيصلوا بها، يتوجهوا إلى منى ضحى يوم التروية فيصلوا الظهر والعصر والمغرب والعشاء وفجر يوم عرفة في منى، هذه هي السنة. والمكث بالاتفاق، المكث في منى هذا الوقت بالاتفاق سنة وهو من ذكر الله جل وعلا الذي يؤجر عليه أهل الإسلام. منى الحملات في الوقت المعاصر من لا يذهب أصلا إلى منى، هذه حال. ومنها من يتوجه مباشرة إلى عرفة، هذه حال. فيما يتعلق بالذين لا يتمكنون بالمجيء إلى منى في يوم الثامن وهم راغبون في المجيء يقال لهم: إن موافقتكم لحملاتكم لا يفوت عليكم أجر المجيء إلى منى إذا لم يتيسر لكم، وخشيتم ضياع الرفقة وعدم تيسر المكان كما هو معلوم فإن الحاج يمشى مع رفقة قد لا يستطيع إتمام الحج لو أضاعها أو فارقها لعدم معرفته بالتنقلات، وعدم تيسر أمور الحج إلا من خلال هذه الحملات. فهؤلاء الذين لا يأتون إلى منى يوم الثامن إن كانوا يستطيعون المجيء ولم يجيئوا، فلا حرج عليهم إنما يكون قد فاتتهم السنة، سنة المجيء. وأما إذا كانوا لا يتمكنون من المجيء لأن ترتيب الحملة لا يذهب الحجاج إلى منى يوم التروية فيقال لهم: حجكم صحيح وأما أجر مجيئكم إلى منى يوم الثامن فإنه محفوظ، موفور، لمن نوى وحال بينه وبين ذلك عدم القدرة، فإن الله تعالى يعطي العبد بنيته ما لا يبلغ به عمله إذا وجد ما يمنع كما قال الله تعالى: ﴿ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله﴾+++النساء:100--- ، فكل من قصد خيرا ونوى صالحا، وحال بينه وبين هذا الخير والصالح حائل خارج عن اختياره، وعن استطاعته، وعن قدرته فإنه يكتب له ما نواه من الأجر ويبلغ ما قصده من الخير، هذا ما يتصل بالذين لا يجيئون. هؤلاء ماذا يقال لهم؟ يقال لهم: أحرموا ولو كنتم في مخيماتكم أو في عماراتكم وأماكن سكنكم في العزيزية أو في أي مكان من مكة، فإن السنة عند السنة للحاج أن يحرم وأن يأتي إلى منى، فإذا فاته سنة المجيء إلى متى فينبغي أن لا يفوته سنة الإحرام بالحج في يوم الثامن من ذي الحجة كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه. أما الصورة الثانية التي تقع كثيرا في بعض الحملات هي أن الحجاج يتوجهون إلى عرفة ليلة عرفة، يعني يتوجهون إلى عرفة في مساء يوم الثامن من ذي الحجة، فيبيتون ليلة عرفة في عرفة، وهذا الفعل أي التقدم إلى عرفة ليلة عرفة ذكره جماعة من أهل العلم المتقدمين. وقد نص بعضهم على أن ذلك من البدع ومن المحدثات، قبل أن نتكلم عن هذا أولا نعرف متى جاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى عرفة؟ الثابت من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يأتي للوقوف بعرفة يوم عرفة إلا بعد أن زالت الشمس، فإنه مكث صلى الله عليه وسلم في منى حتى صلى الفجر ثم ارتفعت الشمس، ثم حرك صلى الله عليه وسلم ضحى يوم عرفة إلى عرفة لكنه نزل بنمرة، ونمرة قرية صغيرة قبل عرفة، نزل بها صلى الله عليه وسلم وقد ضربت له خيمة حتى زالت الشمس ثم خطب أصحابه بنمرة صلى الله عليه وسلم قريب من موضع المسجد الحالي ثم بعد ذلك دخل صلى الله عليه وسلم إلى عرفة فجاء إلى الصخرات واستقبل القبلة ومكث حتى غربت الشمس، هذا هو السنة في حق الحاج في مجيئه إلى عرفة، وأنه يسن له أن يصلي الظهر خارجها، وأن يدخلها بعد الزوال، بعد الزوال والصلاة، هذه السنة. لكن إذا دخل قبل ذلك فإنه لا حرج عليه، لا خلاف بين أهل العلم أن دخول الحاج ضحى يوم عرفة جائز صحيح، لكنهم اختلفوا في جواز مجيئه ليلة عرفة إلى عرفة، فإن جماعة من أهل العلم ذكر ذلك على وجه البدعة، يقول النووي رحمه الله: وأما ما يفعله معظم الناي في هذه الأزمنة من دخولهم أرض عرفات قبل وقت الوقوف فخطأ وبدعة ومنابذة للسنة، والصواب أن يمكثوا بنمرة حتى تزول الشمس ويغتسلوا بها للوقوف. وقد ذكر قريبا من هذا ابن الحاج من المالكية، وذكر شيخ الإسلام رحمه الله أن المجيء إلى عرفة قبل الوقت الذي بينه النبي صلى الله عليه وسلم مخالف للسنة، لكنه قال في دخولها ليلا، قال في ذلك: أنه نقص من سنة النبي صلى الله عليه وسلم وإن كان الحج مجزئا. لكن ينبغي أن يعلم أن هذا التقرير وهذا الوصف من أنه نقص في السنة، ومن أنه بدعة ومنابذة للسنة كما قال النووي رحمه الله إنما هو في حق من فعل ذلك على وجه التعبد، يعني الذي يتعبد الله تعالى بالمجيء إلى عرفة قبل وقتها، ويرى أنه أفضل من الدخول غلى عرفة بعد الزوال، هذا يقال له: أنت هنا وقعت في منابذة للسنة، ومخالفة ظاهرة، ويترتب عليه ما ذكر العلماء من أنه بدعة. لكن إذا كان المجيء لحاجة أو كان المجيء لمصلحة فإنه لا يوصف بهذا الوصف فيما يظهر والله تعالى أعلم، لأنه مجيء لا على وجه التعبد إنما مجيء لدعاء الحاجة واقتضاء المصلحة وضرورة المرافقة للحملات التي تتقدم، فإن من الحملات من يتقدم إلى عرفة ليتمكن من الوصول إلى مكانه ومقره واجتماع حجاجه في مكان الإقامة في وقت يستطيعون معه إدراك الوقوف بعرفة، فإنه في سنة من السنوات وهي ليست ببعيدة من الحجيج من لم يتمكن من الدخول لعرفة وفاته الحج لكونه لم يتمكن من الدخول إلى عرفة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الحج عرفة». فما حدث الآن من التقدم والمبيت بعرفة ليلة عرفة ليس محظورا ولا بدعة إذا كان على وجه اقتضاء الحاجة أو إدراك مصلحة، أما إذا كان تعبدا فهو كما قال الحافظ النووي والحافظ بن حجر الهيثمي وكذلك غيرهما من أهل العلم الذي وصفوا الفعل بأنه بدعة، هذا ما يتصل بالأمر الأول مما يتعلق بأعمال ونوازل الحج. والآن حتى أصحاب المهمات من المكلفين بالأعمال ولو كانوا حجاجا يطلب منهم التقدم، فمثلا في بعض قطاعات خدمة الحجيج كالدعاة وأصحاب المراكز الصحية وأصحاب مراكز التوجيه يطلب منهم التقدم ليلة عرفة إلى عرفة ليستقبلوا الحجيج ويخدموهم إذا وصلوا، ويقضوا حوائجهم إذا وصلوا. فمثل هذا تقدم لا يدخل فيما وصفه العلماء المتقدمون أو وصفه بعض أهل العلم المتقدمين من كونه بدعة أو من كونه نقصا في السنة، هذا ما يتصل بالجزئية الأولى من مسائل تتعلق بنوازل الحج.  من النوازل المتعلقة بالحج أيضا مسألة العجز وعدم القدرة على الدخول إلى مزدلفة، الدخول إلى مزدلفة هو من أعمال الحجيج بالاتفاق فالإجماع منعقد على أن النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن غربت الشمس يوم عرفة حرك ونفر وأفاض من عرفة إلى مزدلفة، وقد قال الله جل وعلا في سياق ذكر أعمال الحج: ﴿فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام﴾+++البقرة:198--- ، والمشعر الحرام بالاتفاق هو مزدلفة، وهي جمع وسميت مشعرا حراما لكونها أول موقف يقف فيه الحجاج بعد المشعر الحلال، وهو مشهر عرفة فإن عرفة مشعر حلال لأنها خارج الحرم، ومزدلفة مشعر حرام لأنها داخل الحرم، وبينهما واد هو واد عرنة. فالنبي صلى الله عليه وسلم جاء إلى مزدلفة ومكث فيها صلى الله عليه وسلم وقد أجمع العلماء مشروعية هذا المجيء. مما جد في حياة الناس اليوم هو أنهم قد يحبسهم السير فلا يتمكنون من تحقيق السنة بصلاة المغرب والعشاء في مزدلفة، فيقال لهؤلاء: إذا كنتم تخشون أن لا تدركوا الصلاة في وقتها في مزدلفة فإنه يجب عليكم أن تصلوا في أماكنكم وحيث كنتم، وحسب استطاعتكم، سواء أن كان الإنسان في راحلة، أو كان الإنسان في سيارة، أو كان الإنسان سائرا على قدميه يجب أن يصلي وأن لا يخرج الصلاة عن وقتها لقوله تعالى: ﴿إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا﴾+++النساء:103--- . وبعض الحجيج يظن أنه لابد أن يصلي في مزدلفة، فتجده يترك الصلاة حتى يمضي وقتها ويخرج وقتها وهو لم يصلي انتظارا لوصوله إلى مزدلفة، هذه ناحية من النواحي التي يكثر السؤال عنها وهي لم تكن في الزمن السابق؛ لأن الزمن السابق الناس يصلون مهما كان الزحام في وقت يتمنون معه من الصلاة، وثانيا الذي يخشى أن لا يصلي يمكنه أن يوقف بعيره أو دابته ويصلي ثم يمضي، لكن اليوم الناس في سيارات، وفي مراكب، وتحبسهم الزحمات فلا يتمكنون من الوصول إلى مزدلفة في بعض الأحيان إلا بعد مضي وقت العشاء في قول من يقول بأن وقت العشاء ينتهي بمنتصف الليل، وفي بعض الأحيان قد يتعدى هذا إلى طلوع الفجر كما هو الشائع في بعض الطرق حيث يبقى الحجاج بسبب ازدحامهم وتوقفهم في مزدلفة ينحبس السير لا يسير، ويبقى الحجاج إلى ثاني يوم صباحا وهم في خارج مزدلفة، هؤلاء ماذا يصنعون في صلاة المغرب والعشاء؟ ينتظرون طلوع فجر ثاني يوم حتى يصلوا في مزدلفة؟ الجواب لا، يجب عليهم أن يصلوا حسب حالهم. يقول قائل: أنا في السيارة، أنا ما عندي ماء أتوضأ، أنا ما استطيع أركع أو أسجد، أنا... كل هؤلاء يقال لهم: فاتقوا الله ما استطعتم، الواجب عليهم أن يفعلوا ما يستطيعون من أعمال الصلاة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «صل قائما، فإن لم تستطع فقاعدا، فإن لم تستطع فعلى جنب» فهذا هو شأنهم وهذا هو الواجب في حقهم.   فيما يتصل بمن لا يتمكن من المجيء إلى مزدلفة لحبس السير وهذا يقع في بعض الأحيان وفي بعض الحملات لا تستطيع أن تصل إلى مزدلفة إلا بعد انقضاء الوقت وهو طلوع شمس يوم النحر، متى ينتهي وقت الوقوف بمزدلفة؟ طلوع الشمس، فهؤلاء تجدهم يحبسهم السير ولا يتمكنون من الوصول إلا بعد طلوع شمس يوم العيد، فهؤلاء يكون قد ذهب عليهم وقت الوقوف فما حالهم؟ العلماء رحمهم الله لهم في هذا قولان، الذي عليه جمهور العلماء رحمهم الله أن الوقوف بمزدلفة إذا فات لحبس السير فإنه لا شيء على من فاته الوقوف، لأنه قد فعل ما يجب عليه، ومنع من الوصول بمانع اضطراري ليس له فيه يد ولا إمكان دفع فهؤلاء ليس عليهم شيء. والقول الثاني وبهذا أفتى شيخنا عبد العزيز بن باز رحمه الله وكذلك شيخنا محمد العثيمين رحم الله الجميع. وهذا مقتضى ما ذكره فقهاء الحنيفة والمالكية والشافعية من سقوط الوقوف في مزدلفة لعذر، يعني هذا القول مستند إلى أصل ذكره فقهاء الحنيفة والمالكية والشافعية أنه من لم يتمكن من المجيء إلى مزدلفة لعذر فإنه يسقط عنه، وقد ذكر بعض فقهاء الحنيفة أن الزحمة عذر في ترك الوقوف في مزدلفة، أما فقهاء الحنابلة وهذا القول الثاني في المسألة فإنهم يرون أن من لم يأتي مزدلفة لعذر فإنه لا إثم عليه لكن يجب عليه فدية لعموم قول ابن عباس رضي الله عنه في الموطأ: «من ترك من نسكه شيئا فليهرق دما» وقد نص بعضهم على هذا، والصواب أنه لا شيء عليه كما هو مذهب الجمهور فيما ذكرنا قبل قليل، هذا ما يتصل بمسألة العجز عن المجيء إلى مزدلفة لوجود زحام يمنع من الوصول يقال لهم: من لم يتمكن من المجيء لا حرج عليهن ولا إثم عليه، ولا يجب عليه فدية، وحجه كامل وهو مدرك لأجل الوقوف ولو لم يقف لأنه فعل الأسباب التي يدرك بها ما أمره الله تعالى، ولكنه حيل بينه وبين ما يشتهي من خير وبر. هذا ما يتصل بهذه النازلة، بعد هذا ننتقل إلى نازلة جديدة وهي ما يتعلق بأعمال أيام التشريق، وهما نوعان من العمل: المبيت، والرمي. فيما يتصل بالمبيت مع هذا الاقتضاض المشاهد لعدد الحجيج وكثرة من يفد إلى هذه البقعة المباركة، وانحصار المكان بحدود معينة لا تقبل الزيادة، اقتضى هذا أن يكون كثير من الحجاج الذين لا يتمكنون إلا لعدم القدرة المادية أو لأي سبب آخر أن لا يجدوا مكانا في منى، فتجدهم يخيمون في مزدلفة أو تمتد الخيام في بعض الحملات التي توزع لها مقار فيكون مقرهم خارج حدود منى، هؤلاء لا يتمكنون من الإتيان بالسنة التي هي أن يمكث الحاج في منى ليلا ونهارا في يوم العيد النحر وأيام التشريق، بعد أعمال يوم النحر. لا يتمكنون من الإتيان بهذه السنة، وهي سنة المكث أما الواجب فهو المبيت فبالتالي أيضا لا يتمكنون من الإتيان بالمبيت، هؤلاء فوات السنة ليس مؤثرا لأن السنة إذا لم يأتها الإنسان فإنه لا حرج عليه ولا إثم، الإشكالية في ترك المبيت هل هؤلاء الذين لا يجدون مكانا ومقرا في منى، هل هؤلاء معذورون؟ أم يجب عليهم أن يذهبوا ويفتشوا ليجدوا مكانا يأوون إليه؟ الجواب أنه لا يجب عليهم المجيء للتفتيش لأن الأماكن في منى محدودة وموزعة وموضحة وبينة ليس فيها أماكن فارغة كالزمان السابق يستطيع أن يأتي ويخيم فيها، فقول من يقول: بأن الواجب عليه أن يأتي ويبحث ويفتش هذا نوع من الإرهاق وعدم إدراك ما هي عليه الحالة اليوم، ليس هناك مكان في منى إلا أن يكون مكانا مختصا بأفراد وجهات أو مكانا عاما لمصلحة الحجيج والمرافق العامة، ليس هناك مكان يكون لمن شاء أن ينزل فيه ينزل، الطرقات، معابر المشاة، ما بين المخيمات، الكباري، كل هذه ليست أماكن للإقامة، هذه أماكن مرافق، خدمة، وطرقات لتسهيل سير الحجاج وتنقلاتهم فلا يجوز لأحد أن يخيم فيها، ولا أن ينزل فيها بل هذا من الإثم الذي يفوت على صاحبه فضل الحج المبرور؛ لأن الحج المبرور أن لا يؤذي فيه أحدا، وهؤلاء الذين يفترشون المرافق العامة وطرق المشاة لا شك أنهم يؤذون إخوانهم.  وقد يترتب على هذا الافتراش أنواع من المفاسد في تعطيل الإنقاذ، وعرقلة سير الحجاج، وأيضا إعاقة أصحاب المهام عن مهامهم وهلم جر من المفاسد الكثيرة.  

المشاهدات:7463
الحمد لله رب العالمين ، ....
أما بعد.
فقول الله تعالى : ﴿فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ﴾البقرة:197 ، هذه آية من آيات الكريمة التي تبين أن المحرم إذا تلبس بالإحرام ودخل في النسك يلزمه أن يمتنع من أمور، وهذه الأمور تنقسم إلى قسمين:
- أمور هي محرمة على المسلم سواء أن كان في حج وعمرة أو كان في غير الحج والعمرة وهو الفسوق الذي يشمل كل مخالفة لأمر الله ورسوله في ترك واجبات، أو في مواقعة محرمات، هذا نوع من أنواع المحظورات.
- النوع الثاني هو محظورات خاصة بالإحرام، بمعنى أنه يمنع المسلم منها حال إحرامه، وهي ما جاءت الإشارة إليه أو إلى بعضه في قوله تعالى: ﴿وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ﴾البقرة:196 ، وجاء بيان ذلك فيما يتصل باللباس فيما رواه البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم سأله رجل قال له: ما يلبس المحرم؟ يعني أي شيء يلبسه المحرم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يَلْبَسُ الْقُمُصَ, وَلا الْعَمَائِمَ, وَلا السَّرَاوِيلاتِ, وَلا الْبَرَانِسَ «وكمل صلى الله عليه وسلم جملة من الممنوعات في هذا الحديث، وهي في بيان ما الذي يمنع منه المحرم في حين أن السائل سأله عن أي شيء يلبس، فأجابه بما يمتنع من لبسه وذلك أن ما يلبسه المحرم ليس عليه فيه حد بل هو متاح موسع بخلاف ما يمنع منه فهو المحدود المبين الذي ينبغي للمحرم أن يجتنبه.
فيما يتصل بالمحظورات هناك نوعان من المسائل يكثر السؤال عنهما وهما: نوعًا ما قد يعدان من النازل، أي الأمور الحديثة التي لم يسبق كلام عنها من أهل العلم، وإن كان قد تقدم في كلام العلماء إشارات إلى هذه المسائل، نأخذ على سبيل المثال فيما يتصل بمحظورات الإحرام من النوازل التي يسأل عنها ويبحث فيها ما يعرف بالإزار المفصل الذي يجعل له رباط ويخاط خياطة على قدر الوسط ليمسك الإزار عن السقوط، هذا الإزار هل هو من محظورات الإحرام؟ هل هو من اللباس الذي يمنع منه المحرم أو لا؟
للعلماء المعاصرين في هذا النوع من اللباس قولان، فذهب طائفة منهم إلى أنه لا يجوز هذا الإزار الذي خيط وفصل على أسفل البدن لكونه مما يدخل في المخيط، والمخيط قد نقل غير واحد من أهل العلم الإجماع على منعه وتحريمه. والحقيقة أن المخيط لفظ لم يرد النهي عنه لا في الكتاب ولا في السنة، يعني ليس هناك دليل في القرآن ولا في سنة النبي صلى الله عليه وسلم يفيد أن المحرم ممنوع من لبس المخرط إنما المحرم ممنوع من ألبسة جاء ذكر تفصيلها وبيانها في كلام النبي صلى الله عليه وسلم، فقال صلى الله عليه وسلم: «لا يَلْبَسُ الْقُمُصَ, وَلا الْعَمَائِمَ, وَلا السَّرَاوِيلاتِ, وَلا الْبَرَانِسَ, وَلا الْخِفَافَ, إلاَّ أَحَدٌ لا يَجِدُ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَس الْخُفَّيْنِ وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ, وَلا يَلْبَسْ مِنْ الثِّيَابِ شَيْئاً مَسَّـهُ زَعْفَرَانٌ أَوْ ورس، وَلا تَنْتَقِبِ الْمَرْأَةُ، وَلا تَلْبَسِ الْقُفَّازَيْنِ«، هذه أمور محدودة ليس فيها شيء من ذكر المخيط، لم يقل: لا يلبس ما فيه خياطة أو ما فيه مخيط ولذلك الإجماع منعقد على أن المحرم لا يمنع من لبس إزار فيه خياطة، إلا أن يكون مفصلاً على البدن فهنا إذا فصل على البدن كأن يفصل سروالاً مثلاً أو يفصل لغطاء على البدن فإن هذا يمنع منه إما لكونه مفصلاً أو لكونه يشبه المفصل.
أما ما ليس كذلك فإنه لا دليل على المنع ولهذا كان القول الثاني في مسألة الإزار المخيط الذي يجعل له رباط في وسطه، وقد يجمع طرفاه ويخاطان. القول الثاني في هذا النوع من الألبسة أنه لا يمنع منه المحرم، وأنه يجوز له لبس ذلك لأنه لا دليل على المنع، فهذا لا يدخل في شيء مما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم، فليس هذا قميصًا، ولا هذا عمامة، ولا هذا برنسًا، ولا هذا سروالاً، ولا هذا نقابًا ولا قفازين، إذًا ما الذي يسوغ المنع؟!
وهذا دليل القائلين بالجواز أنه ليس هناك ما يدل على المنع، وإذا منع الإنسان شيئًا لابد أن يقيم الدليل على المنع لأن الأصل الحل، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يوجب بحصر ما يلبسه المحرم، وإنما أجاب بحصر ما لا يلبسه المحرم وبالتالي ما لم يذكره صلى الله عليه وسلم فالأصل فيه الإباحة والحل، حتى يقوم دليل التحريم والمنع، هذا من حيث التأصيل. 
وأما من حيث ما جاء عن العلماء وما ذكروه رحمهم الله فقد ذكروا جملة من الصور هي قريبة من هذا النوع من الإزار الذي أشكل على بعض المعاصرين فجعله ممنوعًا لكونه مخيطًا وبعضهم أذن فيه. فعلى سبيل المثال في كلام بعض الفقهاء المتقدمين أنه إذا وضع لإزار تكة تمسكه فإنه لا يمنع ولا يدخل فيما منعه النبي صلى الله عليه وسلم من المحرم. وهذا قد نص عليه فقهاء متنوعون، فنص عليه بعض فقهاء الحنيفة، وكذلك بعض فقهاء الشافعية، وكذلك الحنابلة.
فعلى سبيل المثال قال السرخسي رحمه الله فيما ذكر في محظورات الإحرام أنه إذا لم يجد الإزار ففتق السراويل إلا موضع التكة يعني الرباط أو مكان إمساك الإزار والسروال من السقوط، إذا فتق السروال واكتفى بفتقه ولم يزل التكة فإنه لا حرج عليه في ذلك. يقول: فلا بأس حينئذ بلبسه بمنزلة المئزر، وهذا تصريح في أن وجود رباط يمسك الإزار من السقوط لا يعد ممنوعًا ولو كان مخيطًا؛ لأن التكة في الغالب توضع على نوع من الخياطة التي فيها محل لسير يربط الإزار أو السروال وبهذا يتبين أنه لا يحرج فيما يلبسه كثير من الحجاج لاسيما في بعض المناطق ليسهل عليهم الحركة والذهاب والمجيء بهذه الأزر التي قد أعدت وهيأت بنوع من التكة التي تمسكها من السقوط.
وكذلك قال فقهاء الشافعية فقد قال النووي رحمه الله في المجموع شرح المهذب: اتفقت نصوص الشافعي والمصنف والأصحاب على أنه يجوز أن يعقد الإزار، ويشد عليه خيطًا، وأن يجعل له مثل الحجزة ويدخل فيه التكة وغير ذلك لأن ذلك من مصلحة الإزار، فإنه لا يستمسك إلا بنحو ذلك. هكذا صرح به المصنف والأصحاب في جميع طرقهم، وهذا يؤكد جواز مثل هذه الصورة.
فإذًا وجود ما يمسك الإزار ولو كان مفصلاً، ولو كان مخيطًا، فإنه لا يمنع منه، لا يمنع المحرم منه. هنا إشكالية أخرى في هذا الإزار، يعني إشكالية في وجود التكة التي تمسك الإزار تبين لنا أن جمهور العلماء على أن ذلك جائز، صرح بذلك بعض فقهاء الحنيفة والشافعية وكذلك الحنابلة. أما الإشكالية الثانية في هذه الأزر التي تخاط وتهيأ على صورة ما يعرف بالتنورة أن طرفا الإزار يخاطان، يجمع طرفاه بخياطة، هذا الإشكال هو أقوى من الإشكال السابق لأن من الفقهاء من نص على أن وجود خياطة في طرف الإزار بجمعهما ولو بزر، ولو بعقل يشكل على صفة الإزار.
ولهذا ذهب المالكية والشافعية إلى أنه إذا جمع طرفا الإزار بخياطة فإنه يكون بذلك قد وقع في محظور لأنه يشبه ما منع منه من اللباس، حيث أنه يكون بذلك قريبًا من السراويل أو قريبًا من الثياب التي تستمسك بنفسها، هكذا قالوا وعللوا رحمهم الله في هذه المسألة.
والقول الثاني أن هذه الخياطة ليس فيها حرج أيضًا وذلك أن الإزار له أشكال، وصور متعددة، والنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن أشياء محددة وأذن في الإزار، فكيفما كانت صورة الإزار فإنه لا دليل على المنع. ولذلك ذهب طائفة من أهل العلم إلى أن هذا النوع من الأزر الذي وضعت فيه تكة لإمساكه من السقوط، وجمع طرفاه بخياطة ليلا يتكشف، أن هذا لا يخرج بهذه الإدخالات وهذه الأعمال في... الإزار لا يدخل عن كونه إزارًا فإن جماعة من أهل الفقه والحديث عرفوا الإزار بأنه ما يشد به الوسط، وهذا وصف صادق على هذا النوع من الألبسة، فلا يخرج بوجود هذه الخياطة ولا بالتكة عن كونه إزارًا ولهذا فإنه لا يمنع منه، وهذا هو الأقرب إلى الصواب من القولين لكن من أراد أن يحتاط، ومن أراد أن يجتنب ما هو مسار مناقشات، وإشكالات، وسؤالات من الحجيج فلا بأس فهذا باب واسع، قد يترك الإنسان ما هو مباح دفعًا لإشكالية قد تقع من المناقشات والمجادلات التي لا طائل وراءها.
فالمقصود أنه من حيث البحث النظري فإنه لا يحرج في مثل هذه الأنواع من الأزر، وأما من حيث التطبيق العملي فإن للإنسان أن يترك ذلك دفعًا للاشتباه الذي يمكن أن يقع عند بعض الناس، وإزالة لما يمكن أن يقع من مناقشات وإشكالات مع بعض الحجيج. هذا ما يتصل بهذه النازلة وهي في الحقيقة قد لا ينطبق عليها التعريف الذي ذكرناه للنوازل وأنه المسائل التي لم يرد فيها نص لا في الكتاب ولا في السنة ولا فيها اجتهاد سابق.
تبين أن هذه الصورة فيها اجتهاد سابق من الفقهاء والعلماء المتقدمين من فقهاء المذاهب، وعلى كل حال هي لكونها حادثة ويكثر الجدال حولها، والمؤلفات بين أهل العلم بين مؤيد ومعارض احتجنا إلى بيان حكمها حتى تكون على وضوح وبيان. وممن قال بجواز هذا النوع من الأزر شيخنا محمد بن العثيمين رحمه الله فإنه أفتى بجواز هذا النوع من الأزر، وأنه لا يخالف الإزار الذي يشرع للمحرم، وبهذا ننتهي من هذه المسألة.
المسألة الثانية المتعلقة بمحظورات الإحرام مسألة استعمال الحاج أو المعتمر في حال إحرامه استعماله للمنظفات ذوات الروائح الذكية. هذه المنظفات سواء أن كانت صابونًا أو كانت مما يغسل به الرأس من السوائل التي تعرف بالشامبو أو كانت مما ينظف به الأسنان أو كانت مما يغسل به الثياب كل هذه المنظفات على اختلاف صورها ما كان فيه رائحة إن كانت هذه الرائحة مما يعد طيبًا كالمسك أو العود أو الورد أو نحو ذلك من الأطياب المعروفة فإنه يمنع منه المحرم  على أصح قولي العلماء؛ لأن هذا نوع من التطيب فهو داخل في قول النبي صلى الله عليه وسلم: «وَلا يَلْبَسْ مِنْ الثِّيَابِ شَيْئاً مَسَّـهُ زَعْفَرَانٌ أَوْ ورس «.
وهذا منع للمحرم من أن يلبس ما مسه الطيب، فإذا كانت هذه الأشياء من المنظفات سواء أن للبدن أو لثياب الإحرام فيها روائح طيبة مقصودة عطرية مقصودة فإنه يمنع منها المحرم لكونها من الطيب، وهذا يدخل في قوله صلى الله عليه وسلم: «وَلا يَلْبَسْ مِنْ الثِّيَابِ شَيْئاً مَسَّـهُ زَعْفَرَانٌ أَوْ ورس «فهذا مسه شيئًا من الورس وشيئًا من الزعفران ونظيرهما الأطياب الأخرى التي تطيب بها الثياب. أما إذا كانت هذه الروائح، هذا القسم الثاني من الروائح إذا كانت هذه الروائح ليست طيبًا في العرف ولا في العادة إنما هي روائح ذكية كالنكهات، وروائح بعض الفواكه نكهة الليمون، ونكهة البرتقال وما أشبه ذلك من الروائح الذكية فإن المحرم لم يمنع من كل رائحة ذكية، إنما منع من الطيب ولذلك يجوز للمحرم أن يأكل الفواكه بالاتفاق ولو كانت رائحتها طيبة، كالليمون والبرتقال والتفاح ونحو ذلك من الفواكه التي لها رائحة ذكية لا يمنع منها المحرم.
فكذا إذا استعملها في التنظيف، واستعمل موادًا فيها نكهة برتقال أو نكهة ليمون أو ما أشبه ذلك من النكهات التي لا تعد طيبًا، فإنه لا أحد يذهب يتطيب بتفاح، ولا أحد يتطيب ببرتقال، إنما هذه مصاحبة لروائح ذكية لا إشكال في استعمالها تأسيسًا يعني ابتداء وقصدًا، ولا كذلك أن تكون قد خلطت بمواد منظفة، هذا ما يتصل بهذا النوع من المنظفات.
من أهل العلم من يقول: يجتنب كل منظف فيه رائحة ذكية، من أهل العلم من يرى أنه يجتنب كل منظف فيه رائحة ذكية لأنها نوع من الطيب، وهذا القول محل نظر، والذي عليه الفتوى من الأئمة الأعلام على أنه لا يمنع من هذه الأنواع من الأطياب أو من المنظفات التي فيها روائح ذكية. وبذلك أفتى شيخنا عبد العزيز بن الباز وكذلك شيخنا محمد بن العثيمين وجماعات من أهل العلم، ومن أهل الفتوى المعاصرين على أنه يجوز للمحرم أن يستعمل هذه المنظفات ذوات الروائح الذكية إذا لم تكن أطيابًا مقصودة، هذا هو الضابط وهذه هي القاعدة، هذا ما يتصل بثاني ما يكثر السؤال عنه وهو في الجملة من النوازل لأن المنظفات هذه حادثة وعصرية تستعمل في الثياب، وتستعمل في تنظيف أجزاء البدن.
ننتقل إلى جملة من النوازل المتصلة بأحكام الطواف، ثم بعد ذلك السعي. عندما فيما يتصل بأحكام الطواف، الطواف بالبيت عبادة هي من أجل العبادات والقربات التي يتقرب بها المؤمنون لله تعالى في مكة، ومعلوم أن الطواف الأصل فيه أن يكون بالبيت لقوله تعالى: ﴿وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾الحج:29 ، ولا خلاف بين أهل العلم أنه يسن للطائف أن يقرب من البيت فكلما كان أقرب إلى البيت كان أعظم ثوابًا وأجرًا، وأعظم تحقيقًا لقوله تعالى: ﴿وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾الحج:29 ؛ لأن الطواف عبادة تتعلق بالبيت وهي أخص العبادات المتعلقة بالبيت لأنها لا تفعل إلا في البيت الحرام.
ولهذا عندما ذكر الله تعالى تطهير البيت الحرام فيما أمر به إبراهيم عليه السلام ذكر في جملة الأعمال التي من أجلها يطهر البيت ذكر الطواف، وجعله مقدمًا على سائر الأعمال، قال الله تعالى: ﴿وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ﴾الحج:26 ، فأول من ذكر الله تعالى من الذين يطهر البيت لأجلهم الطائفين. قال الله تعالى: ﴿وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ﴾الحج:26 ، فتقديم الطواف على سائر أنواع العبادات لأنه أخص العبادات فلا يفعل في مكان إلا في هذا البيت، ولا يجوز باتفاق علماء الأمة الطواف بغير هذا البيت، فالطواف بغير هذا البيت إنما هو من المحدثات والبدع المنكرة التي نهى الله تعالى عنها ورسوله صلى الله عليه وسلم.
والطواف بالبيت في الأصل يكون في قربه، وحوله، وإذا كان قريبًا كان أعظم لأجل الطائف، هذا هو الأصل. المسجد الحرام في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن محوطًا، كان البيت الكعبة في فناء وحوله بيوتات أهل مكة، ولم يكن سورًا يميز الحرم، مسجد الكعبة عن غيره حتى جاءت خلافة عمر رضي الله عنه فكان أن ابتنى سورًا قصيرًا أحاط بالبيت، وهو أول من بنى المسجد الحرام رضي الله عنه. ثم تتابع الخلفاء بعده حتى وصل إلى الحال التي نشهدها الآن من كون المسجد الحرام مميز ببناء يحيط به من كل جانب، وهذا شيء قديم في أصله وإن كان حصل زيادات، وتوسعات، وتحديثات في البناء لكن من حيث بناء المسجد، بناء المسجد قديم.
ولهذا اختلف العلماء السابقون في حكم الطواف الطائف خارج المسجد، هل يجوز أن يطوف خارج بناء المسجد؟ يعني خارج بناء السور الذي يحيط بالمسجد؟
اختلفوا فيه رحمهم الله، فاتفقوا ابتداء على أنه لا يجوز لأحد أن يطوف خارج المسجد، ذكر ذلك الاتفاق جماعة من أهل العلم، فأجمعوا على أن من طاف خارجًا من المسجد لم يجزئه الطواف، ذكر ذلك ابن المنذر، وذكره ابن حزم في ما نقلوه من إجماعات. إذًا الاتفاق انعقد على أن الطواف خارج البناء سواء أن كان في جميع الشوط أو كان في بعضه لا يجوز، وأن الطائف لا يجزئه طوافه. الآن هذه محل اتفاق والخلاف في ماذا؟
الخلاف فيما إذا امتلأ المكان، واحتاج مع هذا الامتلاء والزحام إلى أن يطوف خارجًا من المسجد، هل يجوز طوافه أو لا؟
هنا اختلف العلماء رحمهم الله على قولين: منهم من يقول: يصح الطواف، ومنهم من يقول: لا يصح الطواف، بناء على أنه فيما كان خارج المسجد لا يعد طائفًا بالبيت بل يعد طائفًا بالمسجد، بسور المسجد لا بالكعبة هكذا قال أهل العلم رحمهم الله. والقول الثاني أنه يجوز الطواف خارج المسجد في كل الطواف أو في بعضه إذا دعت إلى ذلك حاجة أو اقتضت ذلك شدة زحام كما هو المشاهد الآن.
الآن الذي يحدث كثيرًا هو أن بعض الطائفين في بعض مناطق الطواف التي يختنق فيها المسير بسبب كثرة واقتضاض الحجيج، قد يخرج عن المدار المعتاد إلى خارج المسجد، ومثاله الظاهر البيت لمن يطوف في السطح فإنه إذا جاء في منطقة من جهة باب الكعبة أي من الجهة الشرقية للكعبة قد يحتاج إلى الخروج إلى المسعى، ففي الخروج إلى المسعى هو خارج عن بناء المسجد في قول بعض أهل العلم، فهل يجوز هذا الطواف أو لا؟
العلماء المعاصرون اختلفوا على قولين: منهم من يرى أنه يجوز الطواف في هذه الحال؛ لأنه إنما خرج لعدم وجود ممر يستطيع أن يمر منه وهو نظير اتصال الصفوف خارج المسجد، قالوا: فكما يصح صلاة المصلي خارج المسجد إذا اتصلت الصفوف فكذلك الطائف إذا طاف بالبيت وازدحم واحتاج مع الزحام أن يخرج إلى المسعى أو إلى خارج المسجد فإنه لا حرج عليه، وهو بهذا يكون قد فعل ما يستطيع، والله تعالى يقول: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾التغابن:16 .
وقد ذكر ذلك بعض علماء العصر فإذا اتصل الزحام يصير الجميع متصلاً بالبيت وبالتالي يصح أن يطوف ولو خرج عن المسجد، وقد نص على ذلك بعض فقهاء المالكية والشافعية رحمهم الله، نصوا على شيء قريب من هذا وذكروا السبب في ذلك وأنه إذا خرج عن السقائف بالزحمة، والسقائف هي بناء يحيط بالبيت كان مسقوفًا مع أنهم رأوا جواز الطواف تحت السقائف بالزحمة مع أنهم يرون عدم جواز الطواف تحت السقائف في حال عدم الزحام، وهذا كلام لفقهاء المالكية وقد قال القرافي رحمه الله في تعليل ذلك في بيان وجه الجواز قال: لأن اتصال الزحام يصير الجميع متصلاً بالبيت يعني فيكون القريب والبعيد على حد سواء.
وهذا القول قال به شيخنا عبد العزيز بن باز رحمه الله، وقال به شيخنا محمد بن العثيمين رحم الله الجميع. وهذا مما يدل على أنه إذا احتاج الطائف إلى أن يخرج فإنه لا ينبغي أن يشق على نفسه بالمزاحمة إنما يخرج في السعة التي تتيسر له ويكمل بذلك طوافه ولا حرج عليه إن شاء الله تعالى. هذا ما يتصل بمسألة الزحام في الطواف، وحكم الخروج في بعض الطواف عن سور المسجد إذا اقتضت ذلك حاجة، هذه هي المسألة الأولى فيما يتعلق بالطواف.
من المسائل المتعلقة أيضًا بأعمال الحج والعمرة ما يتصل بما حدث مؤخرًا من توسعة المسعى، فإن هذه المسألة وهي مسألة توسعة المسعى بزيادة الأمتار التي زيدت فأدخلت في مكان السعي هي من المسائل التي جرى فيها مناقشة بين علماء العصر، ومنهم من رأى جواز هذه الزيادة وأنها داخلة في حدود السعي، ومنهم من توقف في ذلك، ومنهم من رأى عدم دخولها. وهذا الخلاف الذي حدث هو نظير الخلاف الذي حدث في البناء السابق، فإن البناء السابق الذي بني في عهد الملك سعود رحمه الله جرى فيه الخلاف نظير هذا الخلاف القائم في هذه التوسعة الحديثة التي جرت في السنوات القريبة الماضية، في الثلاث سنوات التي مضت فإن العلماء المتقدمين في زمن التوسعة السابقة منهم من رأى اقتصار المسعى على قدر معين، وهو ما كان محل سعي الناس القديم.
ومنهم من رأى الزيادة، ومنهم من توقف، فكان العلماء في البناء السابق ثلاثة أقوال: منهم من يرى أن المسعى يجوز على الصفة التي كانوا ممن يرى أنها أضيق بأمتار، ومنهم من يرى التوقف فلم يتبين، ومنشأ المشكلة أين؟
يعني لماذا اختلف العلماء المتقدمون في التوسعة الأولى، وفي التوسعة الحديثة؟ لماذا اختلفوا في مسألة حد المسعى؟
وجه الاختلاف هو أنه ليس في كلام العلماء المتقدمين من الفقهاء والمحدثين بل وحتى المؤرخين ليس في كلامهم تحديد لعرض المسار، لم ينقل عن واحد منهم تحديد لعرض المسار، ومعلوم أن الزيادة التي هي محل البحث هي الزيادة في العرض لا في الطول لأن الطول محدد بالجبلين الصفا والمروة، فابتداء السعي من الصفا وانتهائه بالمروة، وبالتالي فإنه ليس محلاً للبحث ولا المناقشة إنما البحث والمناقشة في عرض المسعى، فلما كان الحال كما ذكرنا أنه ليس هناك حد لعرض المسعى ولم يأتي تحديد لا في كلام الله، ولا في كلام رسوله، ولا في كلام أهل العلم اختلف العلماء في حد المسعى، فمنهم من قصره على مكان السعي في الزمن السابق، والزمان السابق المسعى كان سوقًا يمشي فيه الناس، وفيه دكاكين، وتمشي فيه البهائم، فليس بناء محددًا مرصوفًا مبينًا بيانًا لا يلتبس بل كان يضيق ويتسع بناء على الأبنية المحيطة به.
لكن المرجع في تحديد موضع السعي هو ما كان بين الجبلين فإن الله تعالى قال: ﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا﴾البقرة:158  فمن طاف بين هذين الجبلين فإنه حقق ما أمر الله تعالى، من سعى بين هذين الجبلين حقق ما أمر الله تعالى. وبالنظر إلى موضع السعي في الزمان السابق في التوسعة السابقة كان عرض المسعى قرابة عشرين مترًا، هذا التحديد ليس له دليل إنما هو بناء على تقدير واجتهاد العلماء في تحديد ما يحتاجون إليه، وفي تحديد حد عرض الصفا وعرض المروة، لما ازدادت أعداد الحجيج واحتاجوا إلى التوسعة وذلك في عام 1428 كتب ولي الأمر خادم الحرمين الملك عبد الله وفقه الله خطابًا لمعهد الملك فهد لأبحاث الحج، يستفسر عن إمكانية زيادة عرض المسار، وهذا الذي أقوله لكم هو ما أخبرني به عميد المعهد في ذلك الوقت.
يقول: فشكلنا لجانًا لدراسة إمكانية زيادة المسعى، وبحثنا من عدة أوجه من أوجه الجيولوجية وعلماء مختصين وباحثين مختصين بالجبال، وكذلك من مشاهدات وأصحاب البيوت التي كانت على جبل الصفا وعلى جب المروة، فتبين لنا من خلال مجموع ما حصلناه وجمعناه من دراسات وصور وشهادات أنه يمكن إضافة خمس وثلاثين متر على البناء السابق من جهة المساحة، خمسة وثلاثين متر أما جهة المروة فيمكن زيادة اثنين وثلاثين متر على الموجود، بمعنى أنه يكون العرض في جهة المسعى خمس وخمسين، وفي جهة المروة اثنين وخمسين.
فرفعت هذه النتيجة إلى ولي الأمر فانتهت، رفعوا النتيجة واقترحوا أن يقتصر على خمس وعشرين متر في الصفا، وخمسة وعشرين متر في المروة، على أن تكون الزيادة المقترحة خمس وعشرين في الصفا، وخمس وعشرين في المروة. ولكن اجتهاد ولي الأمر قصرها إلى عشرين في الصفا وعشرين في المروة، فمعنى هذا أنه يبقى على عرض الصفا خمسة عشر متر، وفي المروة اثنا عشر مترًا، وأقيم البناء الجديد في التوسعة الأخيرة على هذا الأساس، وبه يعلم أن هذه التوسعة لا حرج فيها وهي داخلة في السعي، وقول من قال: أنه لا يجوز السعي فيها لا يستند إلى دليل، لا شرعي ولا واقعي بمعنى شهادات شهود، ولا تاريخي ولا حساب بأي نوع من الحساب الذي يمكن أن يستند إليه.
ولهذا فإن هذه الزيادة زيادة لا حرج فيها، وهي داخلة في مجال السعي لأنها بين الصفا والمروة الذي أمر الله تعالى بالسعي فيه. ولا يحتج بالقرار السابق الصادر عن اللجنة التي شكلت في زمن الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله فإن اللجنة التي اقترحت وأخذ الشيخ رحمه الله برأيها، إنما أخذ برأيها لأن الحاجة لا تدعو إلى أكثر من ذلك ولأنه كان لا يحب التشويش فاقتصر حسمًا للخلاف على الزيادة السابقة لكن لما احتاج الناس إلى الزيادة المعاصرة احتاج ذلك إلى نظر جديد واجتهاد جديد لذلك حصل هذا التوسيع وهذه الزيادة في الصفا والمروة بناء على هذه المعطيات التي ذكرت لكم. هذا ما يتصل بالزيادة في الصفا والزيادة في المروة في زيادة المسعى، هذه المسألة التي تتصل بالسعي.
بعد هذا ننتقل إلى جملة من النوازل المتصلة بأعمال الحج، لأن هذا الذي ذكرناه في الطواف والسعي ليس خاصًا بالحج إنما هو مما يتعلق بالطواف عمومًا، والسعي في الحج أو في العمرة. ما يتصل بالنوازل التي تتعلق بأعمال الحج، هناك نوازل كثيرة ومتعددة، وكما ذكرت لكم نحن نذكر في هذا اللقاء جملة من أبرز المسائل التي يحتاج إلى التنبيه إليها وهي في جملة النوازل. الحجيج السنة لهم أن يذهبوا يوم الثامن من ذي الحجة، يوم التروية إلى منى وهو أول أيام الحج، فأيام الحج ستة، أولها يوم الثامن من ذي الحجة وهو يوم التروية السنة فيه أن يحرم فيه الحجاج ويتوجهوا إلى منى فيصلوا بها، يتوجهوا إلى منى ضحى يوم التروية فيصلوا الظهر والعصر والمغرب والعشاء وفجر يوم عرفة في منى، هذه هي السنة.
والمكث بالاتفاق، المكث في منى هذا الوقت بالاتفاق سنة وهو من ذكر الله جل وعلا الذي يؤجر عليه أهل الإسلام. منى الحملات في الوقت المعاصر من لا يذهب أصلاً إلى منى، هذه حال. ومنها من يتوجه مباشرة إلى عرفة، هذه حال. فيما يتعلق بالذين لا يتمكنون بالمجيء إلى منى في يوم الثامن وهم راغبون في المجيء يقال لهم: إن موافقتكم لحملاتكم لا يفوت عليكم أجر المجيء إلى منى إذا لم يتيسر لكم، وخشيتم ضياع الرفقة وعدم تيسر المكان كما هو معلوم فإن الحاج يمشى مع رفقة قد لا يستطيع إتمام الحج لو أضاعها أو فارقها لعدم معرفته بالتنقلات، وعدم تيسر أمور الحج إلا من خلال هذه الحملات.
فهؤلاء الذين لا يأتون إلى منى يوم الثامن إن كانوا يستطيعون المجيء ولم يجيئوا، فلا حرج عليهم إنما يكون قد فاتتهم السنة، سنة المجيء. وأما إذا كانوا لا يتمكنون من المجيء لأن ترتيب الحملة لا يذهب الحجاج إلى منى يوم التروية فيقال لهم: حجكم صحيح وأما أجر مجيئكم إلى منى يوم الثامن فإنه محفوظ، موفور، لمن نوى وحال بينه وبين ذلك عدم القدرة، فإن الله تعالى يعطي العبد بنيته ما لا يبلغ به عمله إذا وجد ما يمنع كما قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ﴾النساء:100 ، فكل من قصد خيرًا ونوى صالحًا، وحال بينه وبين هذا الخير والصالح حائل خارج عن اختياره، وعن استطاعته، وعن قدرته فإنه يكتب له ما نواه من الأجر ويبلغ ما قصده من الخير، هذا ما يتصل بالذين لا يجيئون.
هؤلاء ماذا يقال لهم؟
يقال لهم: أحرموا ولو كنتم في مخيماتكم أو في عماراتكم وأماكن سكنكم في العزيزية أو في أي مكان من مكة، فإن السنة عند السنة للحاج أن يحرم وأن يأتي إلى منى، فإذا فاته سنة المجيء إلى متى فينبغي أن لا يفوته سنة الإحرام بالحج في يوم الثامن من ذي الحجة كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه. أما الصورة الثانية التي تقع كثيرًا في بعض الحملات هي أن الحجاج يتوجهون إلى عرفة ليلة عرفة، يعني يتوجهون إلى عرفة في مساء يوم الثامن من ذي الحجة، فيبيتون ليلة عرفة في عرفة، وهذا الفعل أي التقدم إلى عرفة ليلة عرفة ذكره جماعة من أهل العلم المتقدمين.
وقد نص بعضهم على أن ذلك من البدع ومن المحدثات، قبل أن نتكلم عن هذا أولاً نعرف متى جاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى عرفة؟
الثابت من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يأتي للوقوف بعرفة يوم عرفة إلا بعد أن زالت الشمس، فإنه مكث صلى الله عليه وسلم في منى حتى صلى الفجر ثم ارتفعت الشمس، ثم حرك صلى الله عليه وسلم ضحى يوم عرفة إلى عرفة لكنه نزل بنمرة، ونمرة قرية صغيرة قبل عرفة، نزل بها صلى الله عليه وسلم وقد ضربت له خيمة حتى زالت الشمس ثم خطب أصحابه بنمرة صلى الله عليه وسلم قريب من موضع المسجد الحالي ثم بعد ذلك دخل صلى الله عليه وسلم إلى عرفة فجاء إلى الصخرات واستقبل القبلة ومكث حتى غربت الشمس، هذا هو السنة في حق الحاج في مجيئه إلى عرفة، وأنه يسن له أن يصلي الظهر خارجها، وأن يدخلها بعد الزوال، بعد الزوال والصلاة، هذه السنة.
لكن إذا دخل قبل ذلك فإنه لا حرج عليه، لا خلاف بين أهل العلم أن دخول الحاج ضحى يوم عرفة جائز صحيح، لكنهم اختلفوا في جواز مجيئه ليلة عرفة إلى عرفة، فإن جماعة من أهل العلم ذكر ذلك على وجه البدعة، يقول النووي رحمه الله: وأما ما يفعله معظم الناي في هذه الأزمنة من دخولهم أرض عرفات قبل وقت الوقوف فخطأ وبدعة ومنابذة للسنة، والصواب أن يمكثوا بنمرة حتى تزول الشمس ويغتسلوا بها للوقوف. وقد ذكر قريبًا من هذا ابن الحاج من المالكية، وذكر شيخ الإسلام رحمه الله أن المجيء إلى عرفة قبل الوقت الذي بينه النبي صلى الله عليه وسلم مخالف للسنة، لكنه قال في دخولها ليلاً، قال في ذلك: أنه نقص من سنة النبي صلى الله عليه وسلم وإن كان الحج مجزئًا.
لكن ينبغي أن يعلم أن هذا التقرير وهذا الوصف من أنه نقص في السنة، ومن أنه بدعة ومنابذة للسنة كما قال النووي رحمه الله إنما هو في حق من فعل ذلك على وجه التعبد، يعني الذي يتعبد الله تعالى بالمجيء إلى عرفة قبل وقتها، ويرى أنه أفضل من الدخول غلى عرفة بعد الزوال، هذا يقال له: أنت هنا وقعت في منابذة للسنة، ومخالفة ظاهرة، ويترتب عليه ما ذكر العلماء من أنه بدعة. لكن إذا كان المجيء لحاجة أو كان المجيء لمصلحة فإنه لا يوصف بهذا الوصف فيما يظهر والله تعالى أعلم، لأنه مجيء لا على وجه التعبد إنما مجيء لدعاء الحاجة واقتضاء المصلحة وضرورة المرافقة للحملات التي تتقدم، فإن من الحملات من يتقدم إلى عرفة ليتمكن من الوصول إلى مكانه ومقره واجتماع حجاجه في مكان الإقامة في وقت يستطيعون معه إدراك الوقوف بعرفة، فإنه في سنة من السنوات وهي ليست ببعيدة من الحجيج من لم يتمكن من الدخول لعرفة وفاته الحج لكونه لم يتمكن من الدخول إلى عرفة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الحج عرفة».
فما حدث الآن من التقدم والمبيت بعرفة ليلة عرفة ليس محظورًا ولا بدعة إذا كان على وجه اقتضاء الحاجة أو إدراك مصلحة، أما إذا كان تعبدًا فهو كما قال الحافظ النووي والحافظ بن حجر الهيثمي وكذلك غيرهما من أهل العلم الذي وصفوا الفعل بأنه بدعة، هذا ما يتصل بالأمر الأول مما يتعلق بأعمال ونوازل الحج.
والآن حتى أصحاب المهمات من المكلفين بالأعمال ولو كانوا حجاجًا يطلب منهم التقدم، فمثلاً في بعض قطاعات خدمة الحجيج كالدعاة وأصحاب المراكز الصحية وأصحاب مراكز التوجيه يطلب منهم التقدم ليلة عرفة إلى عرفة ليستقبلوا الحجيج ويخدموهم إذا وصلوا، ويقضوا حوائجهم إذا وصلوا. فمثل هذا تقدم لا يدخل فيما وصفه العلماء المتقدمون أو وصفه بعض أهل العلم المتقدمين من كونه بدعة أو من كونه نقصًا في السنة، هذا ما يتصل بالجزئية الأولى من مسائل تتعلق بنوازل الحج.
 من النوازل المتعلقة بالحج أيضًا مسألة العجز وعدم القدرة على الدخول إلى مزدلفة، الدخول إلى مزدلفة هو من أعمال الحجيج بالاتفاق فالإجماع منعقد على أن النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن غربت الشمس يوم عرفة حرك ونفر وأفاض من عرفة إلى مزدلفة، وقد قال الله جل وعلا في سياق ذكر أعمال الحج: ﴿فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ﴾البقرة:198 ، والمشعر الحرام بالاتفاق هو مزدلفة، وهي جمع وسميت مشعرًا حرامًا لكونها أول موقف يقف فيه الحجاج بعد المشعر الحلال، وهو مشهر عرفة فإن عرفة مشعر حلال لأنها خارج الحرم، ومزدلفة مشعر حرام لأنها داخل الحرم، وبينهما واد هو واد عرنة.
فالنبي صلى الله عليه وسلم جاء إلى مزدلفة ومكث فيها صلى الله عليه وسلم وقد أجمع العلماء مشروعية هذا المجيء. مما جد في حياة الناس اليوم هو أنهم قد يحبسهم السير فلا يتمكنون من تحقيق السنة بصلاة المغرب والعشاء في مزدلفة، فيقال لهؤلاء: إذا كنتم تخشون أن لا تدركوا الصلاة في وقتها في مزدلفة فإنه يجب عليكم أن تصلوا في أماكنكم وحيث كنتم، وحسب استطاعتكم، سواء أن كان الإنسان في راحلة، أو كان الإنسان في سيارة، أو كان الإنسان سائرًا على قدميه يجب أن يصلي وأن لا يخرج الصلاة عن وقتها لقوله تعالى: ﴿إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا﴾النساء:103 .
وبعض الحجيج يظن أنه لابد أن يصلي في مزدلفة، فتجده يترك الصلاة حتى يمضي وقتها ويخرج وقتها وهو لم يصلي انتظارًا لوصوله إلى مزدلفة، هذه ناحية من النواحي التي يكثر السؤال عنها وهي لم تكن في الزمن السابق؛ لأن الزمن السابق الناس يصلون مهما كان الزحام في وقت يتمنون معه من الصلاة، وثانيًا الذي يخشى أن لا يصلي يمكنه أن يوقف بعيره أو دابته ويصلي ثم يمضي، لكن اليوم الناس في سيارات، وفي مراكب، وتحبسهم الزحمات فلا يتمكنون من الوصول إلى مزدلفة في بعض الأحيان إلا بعد مضي وقت العشاء في قول من يقول بأن وقت العشاء ينتهي بمنتصف الليل، وفي بعض الأحيان قد يتعدى هذا إلى طلوع الفجر كما هو الشائع في بعض الطرق حيث يبقى الحجاج بسبب ازدحامهم وتوقفهم في مزدلفة ينحبس السير لا يسير، ويبقى الحجاج إلى ثاني يوم صباحًا وهم في خارج مزدلفة، هؤلاء ماذا يصنعون في صلاة المغرب والعشاء؟ ينتظرون طلوع فجر ثاني يوم حتى يصلوا في مزدلفة؟
الجواب لا، يجب عليهم أن يصلوا حسب حالهم. يقول قائل: أنا في السيارة، أنا ما عندي ماء أتوضأ، أنا ما استطيع أركع أو أسجد، أنا... كل هؤلاء يقال لهم: فاتقوا الله ما استطعتم، الواجب عليهم أن يفعلوا ما يستطيعون من أعمال الصلاة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «صل قائمًا، فإن لم تستطع فقاعدًا، فإن لم تستطع فعلى جنب» فهذا هو شأنهم وهذا هو الواجب في حقهم.  
فيما يتصل بمن لا يتمكن من المجيء إلى مزدلفة لحبس السير وهذا يقع في بعض الأحيان وفي بعض الحملات لا تستطيع أن تصل إلى مزدلفة إلا بعد انقضاء الوقت وهو طلوع شمس يوم النحر، متى ينتهي وقت الوقوف بمزدلفة؟
طلوع الشمس، فهؤلاء تجدهم يحبسهم السير ولا يتمكنون من الوصول إلا بعد طلوع شمس يوم العيد، فهؤلاء يكون قد ذهب عليهم وقت الوقوف فما حالهم؟
العلماء رحمهم الله لهم في هذا قولان، الذي عليه جمهور العلماء رحمهم الله أن الوقوف بمزدلفة إذا فات لحبس السير فإنه لا شيء على من فاته الوقوف، لأنه قد فعل ما يجب عليه، ومنع من الوصول بمانع اضطراري ليس له فيه يد ولا إمكان دفع فهؤلاء ليس عليهم شيء. والقول الثاني وبهذا أفتى شيخنا عبد العزيز بن باز رحمه الله وكذلك شيخنا محمد العثيمين رحم الله الجميع.
وهذا مقتضى ما ذكره فقهاء الحنيفة والمالكية والشافعية من سقوط الوقوف في مزدلفة لعذر، يعني هذا القول مستند إلى أصل ذكره فقهاء الحنيفة والمالكية والشافعية أنه من لم يتمكن من المجيء إلى مزدلفة لعذر فإنه يسقط عنه، وقد ذكر بعض فقهاء الحنيفة أن الزحمة عذر في ترك الوقوف في مزدلفة، أما فقهاء الحنابلة وهذا القول الثاني في المسألة فإنهم يرون أن من لم يأتي مزدلفة لعذر فإنه لا إثم عليه لكن يجب عليه فدية لعموم قول ابن عباس رضي الله عنه في الموطأ: «من ترك من نسكه شيئًا فليهرق دمًا» وقد نص بعضهم على هذا، والصواب أنه لا شيء عليه كما هو مذهب الجمهور فيما ذكرنا قبل قليل، هذا ما يتصل بمسألة العجز عن المجيء إلى مزدلفة لوجود زحام يمنع من الوصول يقال لهم: من لم يتمكن من المجيء لا حرج عليهن ولا إثم عليه، ولا يجب عليه فدية، وحجه كامل وهو مدرك لأجل الوقوف ولو لم يقف لأنه فعل الأسباب التي يدرك بها ما أمره الله تعالى، ولكنه حيل بينه وبين ما يشتهي من خير وبر.
هذا ما يتصل بهذه النازلة، بعد هذا ننتقل إلى نازلة جديدة وهي ما يتعلق بأعمال أيام التشريق، وهما نوعان من العمل: المبيت، والرمي. فيما يتصل بالمبيت مع هذا الاقتضاض المشاهد لعدد الحجيج وكثرة من يفد إلى هذه البقعة المباركة، وانحصار المكان بحدود معينة لا تقبل الزيادة، اقتضى هذا أن يكون كثير من الحجاج الذين لا يتمكنون إلا لعدم القدرة المادية أو لأي سبب آخر أن لا يجدوا مكانًا في منى، فتجدهم يخيمون في مزدلفة أو تمتد الخيام في بعض الحملات التي توزع لها مقار فيكون مقرهم خارج حدود منى، هؤلاء لا يتمكنون من الإتيان بالسنة التي هي أن يمكث الحاج في منى ليلاً ونهارًا في يوم العيد النحر وأيام التشريق، بعد أعمال يوم النحر.
لا يتمكنون من الإتيان بهذه السنة، وهي سنة المكث أما الواجب فهو المبيت فبالتالي أيضًا لا يتمكنون من الإتيان بالمبيت، هؤلاء فوات السنة ليس مؤثرًا لأن السنة إذا لم يأتها الإنسان فإنه لا حرج عليه ولا إثم، الإشكالية في ترك المبيت هل هؤلاء الذين لا يجدون مكانًا ومقرًا في منى، هل هؤلاء معذورون؟ أم يجب عليهم أن يذهبوا ويفتشوا ليجدوا مكانًا يأوون إليه؟
الجواب أنه لا يجب عليهم المجيء للتفتيش لأن الأماكن في منى محدودة وموزعة وموضحة وبينة ليس فيها أماكن فارغة كالزمان السابق يستطيع أن يأتي ويخيم فيها، فقول من يقول: بأن الواجب عليه أن يأتي ويبحث ويفتش هذا نوع من الإرهاق وعدم إدراك ما هي عليه الحالة اليوم، ليس هناك مكان في منى إلا أن يكون مكانًا مختصًا بأفراد وجهات أو مكانًا عامًا لمصلحة الحجيج والمرافق العامة، ليس هناك مكان يكون لمن شاء أن ينزل فيه ينزل، الطرقات، معابر المشاة، ما بين المخيمات، الكباري، كل هذه ليست أماكن للإقامة، هذه أماكن مرافق، خدمة، وطرقات لتسهيل سير الحجاج وتنقلاتهم فلا يجوز لأحد أن يخيم فيها، ولا أن ينزل فيها بل هذا من الإثم الذي يفوت على صاحبه فضل الحج المبرور؛ لأن الحج المبرور أن لا يؤذي فيه أحدًا، وهؤلاء الذين يفترشون المرافق العامة وطرق المشاة لا شك أنهم يؤذون إخوانهم.
 وقد يترتب على هذا الافتراش أنواع من المفاسد في تعطيل الإنقاذ، وعرقلة سير الحجاج، وأيضًا إعاقة أصحاب المهام عن مهامهم وهلم جر من المفاسد الكثيرة.  

الاكثر مشاهدة

4. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات93792 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات89654 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف